حلفاء سوريا في لبنان ينشطون عسكرياً وسياسياً تحت جناحي «حزب الله»

«القومي» يعلن العودة إلى «ساحة الجهاد»

بنات متحدثاً مع المقاتلين (الحزب القومي)
بنات متحدثاً مع المقاتلين (الحزب القومي)
TT

حلفاء سوريا في لبنان ينشطون عسكرياً وسياسياً تحت جناحي «حزب الله»

بنات متحدثاً مع المقاتلين (الحزب القومي)
بنات متحدثاً مع المقاتلين (الحزب القومي)

يستعيد حلفاء سوريا في لبنان نشاطهم السياسي والعسكري بعد مرحلة من الانكفاء على خلفية الأزمة السورية وتداعياتها. ومع عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية بدأ هؤلاء تنظيم صفوفهم من جديد تحت جناحي «حزب الله».

وأعلن رئيس تيار «الكرامة» النائب فيصل كرامي الأسبوع الماضي عن إنشاء تكتل نيابي جديد حمل اسم «التوافق الوطني»، يضمه إلى النواب عدنان طرابلسي، وحسن مراد، ومحمد يحيى، وطه ناجي، وكلهم نواب سنة قريبون من «حزب الله» ودمشق. ويبلغ عدد النواب السنة الداعمين للحزب نحو 9، لذلك تتواصل المباحثات مع باقي النواب للانضمام إلى هذا التكتل. ويؤكد أحد نوابه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهدف ليس على الإطلاق تشكيل تكتل سني، والعمل جارٍ على أن يضم نواباً من طوائف ومذاهب مختلفة».

وإذا كانت عودة النشاط السياسي متوقعة بالتوازي مع المتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، فإن المفاجأة كانت بإعلان الحزب «السوري القومي الاجتماعي» أخيراً عودته إلى «ساحة الجهاد». وعمم الحزب بُعيد المناورة العسكرية التي أجراها «حزب الله» نهاية الشهر الماضي صوراً وفيديوهات لما قال إنها جولة قام بها وفد قيادي من «القومي» لأحد المواقع العسكرية التابعة لـ«نسور الزوبعة» في الجنوب اللبناني، «وذلك على مسافة صفر من فلسطين».

وقال بيان إن «الزيارة أتت في إطارٍ تفقّدي للوحدات المقاتلة في (القومي)، والتي أعادتها القيادة إلى الميدان منذ فترة ضمن إطار عودة الحزب إلى مكانه الطبيعي في ساحة الجهاد».

ويشير عميد الإعلام في الحزب «السوري القومي الاجتماعي» ماهر الدنا إلى أن الحزب «أعاد تفعيل العمل العسكري والمقاوم بعدما تم تغييبه من قبل القيادة السابقة ومقايضته بمكاسب سياسية»، كاشفاً لـ«الشرق الأوسط» عن «غرفة عمليات موحدة للجهد المقاوم، تدير العمل وتنسقه باعتبار أننا و(حزب الله) بنهاية المطاف جسد واحد بمواجهة العدو الإسرائيلي».

وإذ ينفي الدنا أي علاقة للعودة للعمل العسكري بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لافتاً إلى أن القرار بالعودة إلى ساحة الجهاد اتخذ قبل أكثر من سنة ونصف، يؤكد أن سلاح «القومي» كما سلاح «حزب الله» هو «رسالة طمأنة للداخل اللبناني باعتبار أن لا عدو لنا في الداخل، لذلك ندعو الجميع للحوار والتلاقي لتبديد أي هواجس».

وقرر رئيس الحزب «السوري القومي الاجتماعي» في لبنان، ربيع بنات، في شهر أبريل (نيسان) الماضي طرد سلفه النائب السابق أسعد حردان، نهائياً من الحزب، وتجريده من رتبة «الأمانة».

جاء ذلك بعدما انفجر الخلاف مجدداً في صفوف الحزب، الذي بدأ بين الطرفين، عقب الانتخابات الأخيرة للحزب، وأدى إلى فوز بنات الذي لم يعترف به حردان، وبات الحزب مقسماً بين ما يُعرَف بـ«جناح حردان»، و«جناح بنات». وعن هذا الموضوع يقول الدنا: «لا انقسام داخل الحزب. هناك من طُرد وهو يشكل حالة وحده غير مؤثرة ولا علاقة لها بالجسد الحزبي؛ لأن القيادة بنهاية المطاف هي الممسكة بمراكز (القومي) الـ146».

وبخلاف من يعتقدون بأن عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجامعة العربية أعطت «عافية إضافية» لحلفاء سوريا في لبنان، يعتبر رئيس المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان النائب السابق فارس سعيد، أن «عافيتهم موجودة من خلال حماية (حزب الله) لهم»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «منذ خروج الجيش السوري من لبنان في عام 2005 لمسنا يوماً بعد يوم حتى تأكدنا أن الأيتام السوريين ذهبوا إلى دير أيتام (حزب الله)؛ بمعنى أن الحزب هو راعي هؤلاء بعد خروج الجيش السوري. وبالتالي عودة الأسد إلى الجامعة العربية لن تؤثر على فاعلية هؤلاء؛ لأنهم تحت عباءة وحماية (حزب الله)». ويضيف سعيد: «(القومي) لا يمكن أن يتحرك كسرايا مقاومة إلا بدعم من (حزب الله). تماماً كما أن الحزب أراد من خلال تكتل كرامي تشجيعه كزعيم سني للقول إن زعامة الحزب لا تقتصر عند حدود الشيعة، إنما هو يخترق من خلال كرامي وغيره الوسط السني في لبنان، كما اخترق بوقت سابق الوسط المسيحي من خلال عون وباسيل».



هوكستين وبري يتبادلان مسودة محتواها الإطار العام لتطبيق الـ1701

هوكستين وبري خلال لقاء سابق في بيروت (رئاسة البرلمان اللبناني)
هوكستين وبري خلال لقاء سابق في بيروت (رئاسة البرلمان اللبناني)
TT

هوكستين وبري يتبادلان مسودة محتواها الإطار العام لتطبيق الـ1701

هوكستين وبري خلال لقاء سابق في بيروت (رئاسة البرلمان اللبناني)
هوكستين وبري خلال لقاء سابق في بيروت (رئاسة البرلمان اللبناني)

توقعت مصادر لبنانية أن تدخل المشاورات المفتوحة بين الوسيط الأميركي آموس هوكستين ورئيس المجلس النيابي نبيه بري لتطبيق القرار الدولي 1701، مرحلة جديدة فور الاتفاق على صياغة موحدة للمسودة التي أعدها الأول، وتتعلق بما تم التفاهم عليه خلال زياراته المتكررة لبيروت، والتي تولت سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان، ليزا جونسون، تسليم بري نسخة منها للتدقيق فيها، والتأكد من أنها متطابقة مع تلك التي يحتفظ بها؛ لقطع الطريق على إخضاعها لاجتهادات يتعارض محتواها وتؤدي إلى سوء تفسير يمكن أن يعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر.

نسخة لميقاتي وأخرى لـ«حزب الله»

وعلمت «الشرق الأوسط» من المصادر السياسية أن بري أرسل بواسطة معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، نسختين عن المسودة؛ الأولى لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والثانية لقيادة «حزب الله»، للتدقيق فيها؛ تمهيداً للرد عليها بعد التأكد من أنها متطابقة مع المسودة التي أعدها بري.

وقالت إن مجرد التوافق على مسودة موحدة سيدفع باتجاه التفاهم على آلية لتنفيذ القرار 1701، على قاعدة أنها تشكل الإطار العام للتقيد بمضامينها، وعدم إدخال أي تعديل على القرار يتعارض ومندرجاته. وكشفت عن أن هوكستين يقترح في مسودته التي أودعها بري للتدقيق فيها، تشكيل لجنة تتولى مراقبة تنفيذ القرار على نحو يسمح لها بالتدخل بواسطة الجيش اللبناني المنتشر في جنوب الليطاني بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية لمنع الخروق، في حال تأكد وجودها.

ضم الولايات المتحدة وفرنسا إلى لجنة المراقبة

ولفتت إلى أن بري يقترح في المقابل توسيع اللجنة، التي تتشكل حالياً من ممثلين عن «يونيفيل» والجيشين اللبناني والإسرائيلي، وتتخذ من مقر قيادة القوات الدولية في الناقورة مكاناً لاجتماعاتها.

وأكدت المصادر السياسية أن بري يؤيد توسيعها، بدلاً من تشكيل لجنة بديلة، على أن يضاف إلى الحالية التي تجتمع في الناقورة ممثلون عن الولايات المتحدة وفرنسا. ورأت أن هناك ضرورة لذلك لاعتبارين: الأول يكمن في أن واشنطن تتولى الوساطة بين لبنان وإسرائيل، ومن غير الجائز عدم تمثيلها في اللجنة، فيما يعود الاعتبار الثاني إلى أن لفرنسا حضوراً فاعلاً في «يونيفيل» يستدعي وجودها فيها؛ كونها الأقدر على التواصل مع «حزب الله»، بخلاف الولايات المتحدة، بما أنها تدرجه على لائحة الإرهاب، وهذا ما يسمح لها بالتدخل فوراً، في حال أن الخرق حصل على يد مجموعات تخضع لإمرة الحزب.

وشددت المصادر على أن بري وميقاتي ليسا في وارد السماح لإسرائيل بالتدخل لمنع الخروق في جنوب الليطاني، خصوصاً أن هوكستين لم يأت على ذكر ذلك في لقاءاته مع بري، وقالت إن المهمة توكل حصراً للجنة المكلفة بمراقبة سير تنفيذ الـ1701، وضمان التزام «حزب الله» وإسرائيل به، فيما تطالب واشنطن بضم ملحق إليه هو بمثابة «ضمانات» لإسرائيل بعدم خرق الحزب له، يجيز لها التوغل في عمق الجنوب متذرعة، أي واشنطن، بأنها لا تتعارض وروحية القرار.

دور الجيش اللبناني

ورداً على سؤال، أكدت المصادر نفسها أن لا مبرر لإسرائيل بالتوغل داخل الأراضي اللبنانية بذريعة أنها مضطرة للتعامل مباشرة مع الخروق لحظة الإعداد لها لمنع حصولها. وقالت إن اللجنة «الخماسية» تتولى التدخل بواسطة الجيش اللبناني بعد تعزيز انتشاره في جنوب الليطاني لوقفها، إضافة إلى أنه يأخذ على عاتقه السيطرة على ما تبقى من تحصينات وأنفاق وبنى تحتية لـ«حزب الله».

وتابعت أن وحدات من الجيش اللبناني تتولى الوجود داخلها مع انكفاء «حزب الله» من جنوب الليطاني إلى شماله، وعدم السماح لأي وجود مسلح من خارج الشرعية اللبنانية. وأكدت أن لا مبرر لتدميرها في حال موافقة الحزب على تخليه عنها لصالح الجيش اللبناني.

ولم تستبعد المصادر أن يصار إلى تطعيم القوات الدولية بوحدات عسكرية إضافية من جنسيات متعددة، ليكون بمقدورها مؤازرة الجيش اللبناني وإحكامه السيطرة بالكامل على منطقة العملية المشتركة في جنوب الليطاني.

واشنطن بدلاً من تل أبيب للمراقبة

ورأت المصادر أن واشنطن تتولى مهمة المراقبة بدلاً من السماح لإسرائيل بالتدخل لمنع استخدام المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا لتهريب السلاح الذي يسمح لـ«حزب الله» بإعادة تدعيم ترسانته العسكرية. وقالت إن النموذج الذي يطبق حالياً في مطار رفيق الحريري الدولي، الذي سمح للجيش بضبطه على نحو يمنع كل أشكال التهريب من لبنان وإليه، يجب أن ينسحب على مرافئ بيروت وصيدا وطرابلس، خصوصاً أن واشنطن تشهد له بقدرته في السيطرة على المطار.

وأكدت أن تشديد الرقابة على المعابر غير الشرعية التي تربط بين لبنان وسوريا يجب أن تُدعم بمزيد من أبراج المراقبة، وكشفت عن أن واشنطن أخذت على عاتقها مراقبة المعابر بين العراق وإيران لقطع الطريق على استخدامها لتمرير السلاح إلى «حزب الله» عبر المعابر اللبنانية.

دور روسي لمراقبة الحدود مع سوريا؟

ولدى سؤال المصادر نفسها عن طلب إسرائيل مراقبة الحدود اللبنانية - السورية، قالت إن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، بحث في زيارته الأخيرة لروسيا إمكانية تدخل موسكو لهذا الغرض، لكنه لم يحصل على جواب قاطع؛ لأن للقيادة الروسية رؤية تتعلق بإعادة ترتيب الوضع في المنطقة بدءاً من لبنان، وبالتالي لن تقدم خدمة مجانية بلا أي مقابل.

وعليه، تدعو واشنطن اللبنانيين لالتقاط الفرصة للتوصل لوقف إطلاق النار، ولا ترى من موجب للإطاحة بها، خصوصاً أن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن توافق وخلفه دونالد ترمب على تمديد مهمة هوكستين للتوصل لوقف النار بين إسرائيل و«حزب الله» على قاعدة التسليم بإلحاق القرار 1701 بضمانات توفر لإسرائيل التطمينات بعدم قيام الحزب بخرقه، ومنعه من إعادة تأهيل ترسانته العسكرية بضبط المعابر اللبنانية، أكانت جوية أم برية أم بحرية؛ لسد المنافذ التي تؤمن له تهريب السلاح، وهذا ما تتمسك به واشنطن بوصفه أساساً لإقناع تل أبيب بسحب طلبها التدخل من التداول، إفساحاً في المجال أمام الشروع بطي صفحة الحرب المستعرة في الجنوب وإعادة الهدوء إليه.