إسرائيل لمنع مواد خام «مزدوجة الاستعمال» عن غزة

مسيرة لمقاتلي «الجهاد الإسلامي» بغزة إحياء لذكرى قادة الحركة الذين قتلوا مؤخراً (د.ب.أ)
مسيرة لمقاتلي «الجهاد الإسلامي» بغزة إحياء لذكرى قادة الحركة الذين قتلوا مؤخراً (د.ب.أ)
TT

إسرائيل لمنع مواد خام «مزدوجة الاستعمال» عن غزة

مسيرة لمقاتلي «الجهاد الإسلامي» بغزة إحياء لذكرى قادة الحركة الذين قتلوا مؤخراً (د.ب.أ)
مسيرة لمقاتلي «الجهاد الإسلامي» بغزة إحياء لذكرى قادة الحركة الذين قتلوا مؤخراً (د.ب.أ)

تتجه الحكومة الإسرائيلية لوقف إدخال مواد خام إلى قطاع غزة، تصنف بأنها «مواد مزدوجة الاستعمال»، تستخدم لأغراض الصناعات المدنية، ويمكن استخدامها كذلك في الصناعات العسكرية.

وقالت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية (كان)، إن الحكومة الإسرائيلية تفحص حظر إدخال بعض المواد الخام للقطاع، بموجب الطلب الذي قدمته وزيرة الاستيطان، أوريت ستروك، التي خاطبت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وطلبت منه إعطاء تعليمات للجهات المختصة من أجل حظر إدخال بعض المواد الخام إلى القطاع، لأنها مزدوجة الاستخدام، وتدخل في صناعة المعدات العسكرية.

المواد التي تتحدث عنها ستروك كانت الحكومة الإسرائيلية السابقة، برئاسة نفتالي بنيت ويائير لبيد، قد سمحت بإدخالها، بعدما كانت ممنوعة منذ فرضت إسرائيل حصاراً على القطاع عام 2006.

وسمحت الحكومة السابقة عام 2020 بإدخال مواد مخصصة للبناء ومواد طبية وغذائية، وأبقت على منع المواد الكيماوية والزراعية كالإسفنج والنايلون والحديد ومواد التنظيف وغيرها، مما يستخدم في المجالين الزراعي والصناعي.

وبعد عام، سمحت إسرائيل بعد مفاوضات مع الأمم المتحدة، بإدخال جزء من هذه المواد. ثم سمحت بإدخال الألياف الزجاجية الضرورية لإصلاح قوارب الصيد والبنية التحتية للاتصالات، التي كانت متشددة جداً في إدخالها، بعد وضع آلية متفق عليها مع الأمم المتحدة، للتأكد من وجهتها، لأنها تستخدم لإنتاج الصواريخ والطائرات من دون طيار.

وتخضع المواد مزدوجة الاستعمال لرقابة شديدة، ويحتاج مستوردها إلى «موافقات خاصة جداً»، ثم فحص أمني إسرائيلي وتفتيش من قبل مفتشين من الأمم المتحدة، حول وجهة واستخدام هذه المواد.

وعلى الرغم من ذلك، رد نتنياهو على رسالة ستروك، مؤيداً، قال إنه فعلاً «لا يتوجب إدخال مثل هذه المواد الخام التي قد تستخدم لأغراض عسكرية».

ووجه نتنياهو تعليماته إلى مستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي، من أجل فحص قائمة المواد الخام التي يسمح بإدخالها إلى قطاع غزة، ومن بينها مزدوجة الاستخدام، وذلك من أجل إعادة حظر إدخال جزء منها.

وإدخال تلك المواد جاء أصلاً ضمن اتفاقات رعتها مصر وقطر، تضمنت وقف جولات من التصعيد، ووقف مظاهرات كانت تجري عند الحدود مع قطاع غزة بشكل يومي.

وشنت إسرائيل عدة عمليات ضد قطاع غزة في الأعوام القليلة الماضية، آخرها جولة في التاسع من مايو (أيار) الحالي، استمرت 5 أيام، وقتلت فيها تل أبيب 33 فلسطينياً، بينهم مسؤولون في «سرايا القدس» التابعة لحركة «الجهاد» الفلسطينية، قبل أن تتوصل مصر إلى اتفاق ينهي استهداف المدنيين ويوقف إطلاق النار، وبموجبه، أعادت إسرائيل فوراً فتح المعابر التي كانت أغلقتها، وسمحت بتدفق الوقود، كما فتحت الشواطئ البحرية للصيد.

وأثناء الحرب، وقبلها، لم يتم المس بالمواد الخام المدخلة إلى قطاع غزة، لكن منعها مجدداً في وقت يعاني فيه القطاع من تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، ينذر بإشعال التوترات من جديد.



بعد الإطاحة بالأسد... الجولاني يضع بصمته على الدولة السورية

رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
TT

بعد الإطاحة بالأسد... الجولاني يضع بصمته على الدولة السورية

رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)

تفرض إدارة العمليات العسكرية في سوريا بقيادة أحمد الشرع المكنى «أبو أحمد الجولاني» سلطتها على الدولة السورية بنفس السرعة الخاطفة التي سيطرت بها على البلاد؛ ففي غضون أيام قليلة نشرت شرطةً، وسلَّمت السلطة لحكومة مؤقتة، وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا حُكَّام دمشق الجدد سيلتزمون بعدم إقصاء أحد.

ومنذ أطاحت «هيئة تحرير الشام»، تحت قيادة الشرع وبدعم تحالف من قوات معارضة، ببشار الأسد من السلطة، يوم الأحد، انتقل موظفوها الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي يديرون إدارة إسلامية في شمال غربي سوريا إلى مقر الحكومة في دمشق.

وكان تعيين محمد البشير رئيس حكومة «هيئة تحرير الشام» في إدلب رئيساً انتقالياً جديداً للوزراء في سوريا، يوم الاثنين، بمثابة تأكيد على مكانة الهيئة باعتبارها الأقوى بين الفصائل المسلحة التي حاربت لأكثر من 13 عاماً لإنهاء سنوات الأسد الذي حكم بقبضة من حديد.

ورغم أن الهيئة كانت تابعة لتنظيم «القاعدة» قبل فك الارتباط معها عام 2016، فقد نجحت في طمأنة زعماء العشائر والمسؤولين المحليين والسوريين العاديين خلال زحفها إلى دمشق؛ بأنها ستحمي معتقدات الأقليات، وقد حظيت بدعم واسع النطاق. وساعدت هذه الرسالة في تسهيل تقدُّم مقاتلي الفصائل. ويكرر الشرع الرسالة نفسها منذ الإطاحة بالأسد.

وفي مكتب محافظ دمشق، حيث الجدران المزينة بشكل رائع بالخشب المطعَّم والزجاج الملوَّن، قلَّل مسؤول تم جلبه من إدلب لتولي المسؤولية من شأن المخاوف من أن سوريا تتجه نحو شكل إسلامي من أشكال الحكم.

وقال محمد غزال، وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 36 عاماً ويرتدي نظارة طبية ولديه لحية كثيفة ويتحدث الإنجليزية بطلاقة تقريباً: «لا يوجد شيء اسمه الحكم الإسلامي. في النهاية، نحن مسلمون، ومؤسساتنا أو وزاراتنا مدنية».

وأضاف: «ليس لدينا أي مشكلة مع أي عرق أو دين. ومَن صَنع المشكلة هو النظام (السابق بقيادة الأسد)».

ورغم ذلك، فقد أثارت الطريقة التي اتبعتها «هيئة تحرير الشام» في تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب، قلق البعض. وقالت أربعة مصادر من المعارضة وثلاثة دبلوماسيين لـ«رويترز» إنهم يشعرون بالقلق إزاء شمول العملية حتى الآن.

وقال البشير إنه سيبقى في السلطة حتى مارس (آذار) فقط، إلا أن «هيئة تحرير الشام» (التي لا تزال مُصنَّفة جماعة إرهابية لدى الولايات المتحدة، والقوة الإقليمية تركيا، وحكومات أخرى) لم تفصح بعد عن التفاصيل الرئيسية للعملية الانتقالية، بما في ذلك تفكيرها في دستور جديد.

وقال زكريا ملاحفجي أمين عام «الحركة الوطنية السورية» الذي عمل في الماضي مستشاراً سياسياً للمعارضين في حلب: «(انت عم بتجيب من لون واحد. مفروض يكون في تشارك مع الآخرين)... هذه الطريقة ليست صحيحة. المفترض أن تأتي القوى السياسية والعسكرية إلى الطاولة، وترتّب، وتضع حكومة انتقالية بالتشاور مع الآخرين. هذا يعطي دعماً للحكومة».

وأضاف: «المجتمع السوري متعدد الثقافات، (فبصراحة هيك مقلق)».

 

«خراب... خراب... خراب»

 

لإدارة هيئات حكومية، قال غزال إنه قدَّم تطمينات للموظفين وحثهم على العودة للعمل. وقال غزال إنها «دولة منهارة. خراب، خراب، خراب».

وتتركز أولوياته للأشهر الثلاثة المقبلة في تشغيل الخدمات الأساسية وتبسيط البيروقراطية. كما ستتم زيادة الرواتب، التي يُقدَّر متوسطها بنحو 25 دولاراً في الشهر لتتماشى مع أجور حكومة الإنقاذ الذي يبلغ الحد الأدنى لأجورها 100 دولار في الشهر.

ورداً على سؤال حول كيفية تمويل هذا، قال: «سوريا دولة غنية للغاية. لكن النظام اعتاد على سرقة الأموال».

كما يتولى رجال شرطة قدموا من إدلب تنظيم حركة المرور في دمشق، في محاولة لاستعادة جانب من الوضع الطبيعي، بعد أن أمرت «هيئة تحرير الشام» الفصائل المسلحة بالخروج من المدينة. وقال أحد المسؤولين الأمنيين (لم يذكر اسمه) إن العبء أصبح كبيراً للغاية، مشيراً إلى أنهم كانوا في السابق يقومون بمهامهم في إدلب فقط.

ورغم أن «هيئة تحرير الشام» هي الأبرز بين الفصائل التي حاربت الأسد، فإن فصائل أخرى لا تزال مسلحة، خاصة في المناطق الواقعة على الحدود مع الأردن وتركيا.

وخلال سنوات الحرب، كانت تقع في كثير من الأحيان صدامات بين فصائل مسلحة، مما يترك إرثاً من التنافسية والعداء يُنظر إليه على أنه أحد المخاطر العديدة التي تهدد الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد.

وقال يزيد صايغ، وهو زميل أول بمركز «كارنيغي» لـ«الشرق الأوسط» إن «(هيئة تحرير الشام) تسعى بوضوح إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات»، مضيفاً أن أي مجموعة في موقفها تتولى السلطة من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بشكل عام بالطريقة ذاتها.

 

وأضاف: «هناك مخاطر متعددة تكمن في تحديد (هيئة تحرير الشام) للأولويات، ووتيرة ما سيأتي بعد ذلك. أحد هذه المخاطر إنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي، هذه المرة في ثوب إسلامي».

لكنه ذكر أن تقديراته تشير إلى أن تنوُّع المعارضة والمجتمع في سوريا من شأنه أن يجعل من الصعب على مجموعة واحدة احتكار النفوذ.

وقال إن «تركيا، الداعم المؤثر للمعارضة، حريصة أيضاً على أن تكون هناك حكومة قادرة على الفوز بالدعم الدولي».

 

«سنبقى حتى مارس»

 

قال مصدر من المعارضة مطَّلع على مشاورات «هيئة تحرير الشام» إن جميع الطوائف السورية سيكون لها تمثيل في حكومة تصريف أعمال. وأوضح المصدر أن من الأمور التي سيتم تحديدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما إذا كان ينبغي أن يكون نظام الحكم في سوريا رئاسياً أم برلمانياً.

واندلعت الثورة السورية ضمن ما يُعرَف بانتفاضات الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالحكام في مصر وتونس وليبيا واليمن، وأعقبتها فترات انتقالية مضطربة وعنيفة في كثير من الأحيان.

وفي مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية نُشِرت أمس (الأربعاء)، قال رئيس الوزراء البشير: «سنبقى حتى مارس (آذار) 2025 فقط».

وأوضح أن الأولويات استعادة الأمن وسلطة الدولة، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وتوفير الخدمات الأساسية.

وعندما سُئِل عما إذا كان الدستور السوري الجديد سيكون إسلامياً، قال إن «هذه التفاصيل» سيتم توضيحها خلال عملية صياغة الدستور.

وقال محمد علاء غانم، وهو ناشط سوري بارز مقيم في واشنطن وعلى اتصال بشخصيات بارزة من المعارضة، إن «هيئة تحرير الشام» مطالَبة بأن «تتحلى بالذكاء، وأن تنفذ الانتقال بشكل صحيح، لا أن يتملكها الغرور، وتهيمن بشكل كامل على الحكومة الجديدة».

وحثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن «هيئة تحرير الشام» على عدم تولي القيادة بشكل تلقائي في سوريا، وإنما تبني عملية لا تقصي أحداً لتشكيل حكومة انتقالية، وفقاً لمسؤولين أميركيين ومساعد في الكونغرس مطلعين على الاتصالات الأميركية الأولى مع الهيئة.

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن الانتقال في سوريا يجب أن يؤدي إلى «حكم موثوق وشامل وغير طائفي»، بما يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم «2254».

ويدعو هذا القرار، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015، إلى عملية بقيادة سوريا تتولى الأمم المتحدة تسهيلها، والتأسيس لحكم غير طائفي في غضون 6 أشهر، وتحديد جدول زمني لعملية صياغة دستور جديد.

كما يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة.