القرار الإسرائيلي الرسمي برفع درجة الاغتيالات لتشمل قادة الصف الثاني في «الجهاد الإسلامي»، اتخذ يوم الجمعة الماضي بعد وفاة الشيخ خضر عدنان المضرب عن الطعام طيلة 86 يوماً، والرد الذي قامت به حركة «الجهاد» بإطلاق 104 صواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة في الجنوب.
فعلى الرغم من أن هذه الصواريخ سقطت بالأساس في مناطق مفتوحة، وقسماً منها سقط داخل قطاع غزة، وعلى الرغم من أنها لم تسفر عن مقتل أو إصابة إسرائيليين (أصيب فيها ثلاثة عمال من الصين يعملون في ورشة بناء إسرائيلية)؛ فقد طالب السياسيون من الائتلاف ومن المعارضة، برد قاسٍ وبالعودة إلى سياسة الاغتيالات، واعتبروها «تمادياً على إسرائيل» و«استخفافاً بقوة الردع»، و«دليلاً على أن الشرخ العميق في المجتمع الإسرائيلي نتيجة طرح الحكومة خطتها لتغيير منظومة الحكم وإضعاف القضاء والرد الجماهيري الواسع عليها، يشجع إيران وأذرعها على توجيه ضربات لإسرائيل».
اليمين المتطرف وجدها مناسبة لمهاجمة الجيش وإظهاره «هشاً»، و«تخلى عن عقيدته القتالية»، مستخدماً كلمة «جبان» لوصف تردده في تنفيذ عملية واسعة ضد قطاع غزة. والمعارضة السياسية استغلت الوضع لتهاجم الحكومة، وتقول إن «نتنياهو الذي يقود حكومة يمين مطلق، لا يجرؤ على إطلاق عملية جذرية تردع التنظيمات الفلسطينية المسلحة». ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، أعلن عن «عصيان ائتلافي»، فلم يعد يحضر جلسات الحكومة أو «الكنيست» احتجاجاً على «هشاشة رد الجيش على الصواريخ، وهشاشة موقف رئيس الحكومة الذي لا يستغل كون حكومته يمينية صرفاً ولا ينفذ سياسة القبضة الحديدية مع الفلسطينيين».
يضاف إلى ذلك، تلك التصريحات التي صدرت في غزة وبيروت وطهران، وغيرها، تستخف بالجيش الإسرائيلي وتعده بانهيار «بيت العنكبوت»، الذي يتخندق فيه.
الجيش من جهته، كان قد رد على القصف الصاروخي بـ16 غارة على مواقع عسكرية مختلفة لحركتي «حماس» و«الجهاد»، بغالبيتها كانت فارغة عند القصف. هذا الأسلوب ينتهجه منذ عدة شهور، وكان هدفه ألا يحصل تصعيد أوسع، قد يفتح جبهات أخرى وقد يؤدي إلى إجهاض الاحتجاج على خطة الحكومة المذكورة. وهذا يساعد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وحكومته، والجيش ليس معنياً بتقديم هذه المساعدة، وخصوصاً أن المئات من جنرالاته وعمدائه في الاحتياط، يشاركون في هذا الاحتجاج وقيادته، ويتصدرون الصف الأول لمظاهراته، لكن الضغط على الجيش، زاد كثيراً من اليمين المتطرف الشريك في الحكم. الجيش يعرف أن هذا اليمين، لا يتصرف رغبة في الحرب، بل بالأساس لأن الكلام بهذه اللهجة يغذي غرائز جمهوره المتطرف، ولكن الجيش يعرف في الوقت نفسه أن انتقادات اليمين تلحق ضرراً به وبهيبته أمام الجمهور، لذلك قرر الاستجابة للضغوط والإقدام على «عملية تصعيد محدودة ومحسوبة، تشفي غليل الإسرائيليين المتطرفين، ولا تتسع لعملية حربية واسعة، وتكون في الوقت ذاته (مفهومة) في المجتمع الدولي».
وحسب تسريبات أمنية في وسائل الإعلام العبرية، فإن المعلومات الاستخبارية لدى الجيش، تقول إن قيادات حركتي «حماس» و«الجهاد»، ليسوا معنيين بالتصعيد إلى «مستوى حرب»، وإن «حماس» ستتصرف كما تصرفت في المرتين السابقتين، فلم تتدخل عندما تعرضت «الجهاد الإسلامي» لقصف إسرائيلي. ولذلك، اختار الجيش، انتقاء عمليات اغتيال محددة لثلاثة من كبار القادة في «سرايا القدس» التنظيم العسكري لـ«الجهاد». ولأن «الجهاد» مثل «حماس»، حركة لا تخاطب الرأي العام الدولي ولا تستخدم خطاباً سلمياً، وتحسب في المجتمع الدولي على أنها «تنظيم عدائي تابع لإيران»، سيكون رد الفعل الدولي معتدلاً ويمكن احتماله.
اتخذ قرار عملية (الجمعة) الماضي، خلال اجتماع لقادة الأجهزة الأمنية لدى نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، وتم تحديد يوم (الأحد) للتنفيذ، لكن أحوال الطقس وتحركات القادة الثلاثة لم تساعد، فتقرر التأجيل. وتم رصد تحركات القادة الثلاثة طيلة 48 ساعة، حتى «استقروا في المكان المناسب». وأرسلت إلى الجو 40 طائرة حربية، بعضها مروحيات قتالية وأخرى مقاتلات على أحدث طراز، كما لو أنها متوجهة لمحاربة جيش عرمرم، ونفذت الاغتيالات. ومع كل قائد تم اغتياله، قتل 3 مدنيين أبرياء؛ إذ إن الحصيلة مقتل 13 شخصاً، بينهم 4 أطفال و6 نساء.
وقد أطلق الجيش الإسرائيلي على العملية تسمية «السهم الواقي»، على نسق «السور الواقي» العملية التي تمت سنة 2002، باجتياح شامل للضفة الغربية لاعتقال أو اغتيال قادة التنظيمات الفلسطينية. وفي هذا التشابه تهديد مبطن بأن الجيش لن يتردد في توسيع العملية إلى حرب. وأرفق التهديد بقرار تجنيد جزئي لقوات الاحتياط، وإبلاغ الإسرائيليين في الجنوب بأن هناك احتمالاً لصدام حربي طويل، ولكنه في الوقت ذاته، توجه برسائل إلى الوسطاء، بأنه ليس معنياً بحرب. ويمكنه أن يكتفي بهذا القدر من العمليات.