قمة المنامة... الخليج أمام إعادة هندسة الأمن الإقليمي

محللون لـ«الشرق الأوسط»: الدفاع المشترك والتكامل الاقتصادي أبرز الملفات

يُنتظر أن تركز قمة المنامة على الدفاع المشترك والوضع الإقليمي والتكامل الاقتصادي (مجلس التعاون)
يُنتظر أن تركز قمة المنامة على الدفاع المشترك والوضع الإقليمي والتكامل الاقتصادي (مجلس التعاون)
TT

قمة المنامة... الخليج أمام إعادة هندسة الأمن الإقليمي

يُنتظر أن تركز قمة المنامة على الدفاع المشترك والوضع الإقليمي والتكامل الاقتصادي (مجلس التعاون)
يُنتظر أن تركز قمة المنامة على الدفاع المشترك والوضع الإقليمي والتكامل الاقتصادي (مجلس التعاون)

يعقد قادة دول مجلس التعاون الخليجي الأربعاء، قمتهم السادسة والأربعين في المنامة في «لحظة مفصلية» تنتقل فيها دول الخليج من إدارة الأزمات إلى إعادة صياغة توازنات الأمن الإقليمي، حسب محللين.

ويرى المحللون الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن المشهد الإقليمي لم يعد يسمح بالمقاربات التقليدية، وأن القمة تُعقد وسط بيئة تتقاطع فيها التحولات الأمنية مع حسابات الاقتصاد والممرات البحرية.

ويرجح المحللون أنفسهم أن يتصدر ملف الأمن الإقليمي والدفاع الخليجي المشترك جدول الأعمال، إلى جانب تحرك خليجي بقيادة سعودية لمرحلة ما بعد الأزمات في المشرق، من غزة وسوريا إلى السودان. كما يُنتظر أن يبحث التكامل الاقتصادي واللوجيستي الخليجي في سياق دولي يعاد تشكيله.

صورة جماعية لقادة دول الخليج خلال قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الكويت العام الماضي (واس)

ويرى الخبراء أن الاضطرابات الجيوسياسية دفعت المنطقة إلى الانتقال من فضاء «مصدر للطاقة» إلى فضاء «هندسة الأمن والاقتصاد»، بما يفرض تسريع مشاريع الربط المشترك وتعزيز موقع الخليج كعقدة استقرار في علاقاته مع واشنطن وبكين.

قمة مفصلية

يؤكد الدكتور هشام الغنّام، الخبير في مركز «مالكوم كير كارنيغي» أن قمة المنامة تُعقد «في لحظة مفصلية انتقلت فيها المنطقة من إدارة الأزمات إلى إعادة صياغة توازنات الأمن الإقليمي».

ويضيف: «في هذا التوقيت، تبرز ثلاثة ملفات أولوية قصوى أمام دول المجلس، الأول هو الأمن الإقليمي والدفاع الخليجي المشترك، في ضوء انتقال الصراع الإيراني - الإسرائيلي إلى مستوى مباشر، وامتداد تداعياته إلى الداخل الخليجي كما حدث في قطر».

يُنتظر أن تركز قمة المنامة على الدفاع المشترك والوضع الإقليمي والتكامل الاقتصادي (مجلس التعاون)

وحسب الغنّام «لم يعد كافياً الاكتفاء بالردع التقليدي، بل بات مطلوباً ترسيخ منظومة دفاع جماعي فعّالة، وهندسة ردع تعتمد على الإنذار المبكر وتكامل الأدوار، مع إدخال البحر الأحمر وباب المندب والسودان في قلب الحسابات الأمنية الخليجية، لا التعامل معها كهوامش جغرافية».

وتابع: «الملف الثاني هو ترتيب ما بعد الأزمات في المشرق، من غزة وسوريا إلى السودان، هنا، تتحرك دول الخليج، بقيادة السعودية، من موقع الفاعل السياسي لا المموّل فقط، عبر وقف توسّع الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وسوريا ولبنان، دعم المسار السياسي جديد في سوريا، والانخراط المباشر في ملف السودان بوصفه جزءاً من أمن الممرات البحرية الخليجية، الهدف هو استعادة منطق الدولة، وكبح اقتصاد الميليشيات الذي يُغذّي عدم الاستقرار».

وأشار الغنّام، وهو المشرف العام على برنامج الأمن الوطني في جامعة نايف، إلى أن «الملف الثالث يرتبط بالتكامل الاقتصادي واللوجيستي الخليجي في بيئة دولية متحولة. الاضطرابات الجيوسياسية جعلت الخليج ينتقل من فضاء طاقة إلى فضاء هندسة أمن واقتصاد، مما يفرض تسريع المشاريع المشتركة وتعزيز موقعه كعقدة استقرار في العلاقة مع واشنطن وبكين».

الوضع الأمني الإقليمي

من جانبه، أوضح الدكتور عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، أن الطبيعة الاستراتيجية قد تركز على الوضع الأمني الإقليمي خلال قمة المنامة، ومن أبرزها: الوضع في غزة وعموم الأراضي الفلسطينية والسياسة الإسرائيلية في العمليات العسكرية عبر الحدود في سوريا ولبنان.

تأتي القمة في «لحظة مفصلية» تنتقل فيها دول الخليج إلى إعادة صياغة توازنات الأمن الإقليمي وفقاً لمحللين (مجلس التعاون)

وأضاف أن القمة تأتي في ظل «وضع غير مستقر وحالة صراع داخلي في السودان وسوريا ولبنان» وفي ظل عدم حسم حالة الصراع الإيراني مع إسرائيل والولايات المتحدة واستمرار التهديدات المتبادلة، إلى جانب جمود الوضع في اليمن والاحتمالات القائمة لحصول زعزعة جزئية للاستقرار.

التكامل الخليجي

بدورها، تتفق الدكتورة لولوة بودلامة، مستشارة شؤون الإعلام في البحرين، على أن القمة الخليجية التي تستضيفها المنامة تأتي في ظرف إقليمي ودولي شديد التعقيد، مما يجعلها محطة مفصلية في مسار العمل الخليجي المشترك.

وتعتقد بودلامة أن «الأولوية تتمثل في الأمن الإقليمي، حيث تفرض التوترات المحيطة ضرورة تعزيز منظومة الدفاع المشترك وحماية الملاحة البحرية وضمان الاستقرار في محيط مضطرب، أما الملف الثاني فيرتبط بالاقتصاد والطاقة؛ إذ تواجه دول المجلس تحديات تقلب أسعار النفط والتحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة، الأمر الذي يستدعي تنسيقاً أعمق لضمان استدامة النمو وتنويع مصادر الدخل».

يأتي تعزيز التكامل الخليجي عبر التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي في المرتبة الثالثة، كما تقول الدكتورة لولوة، وذلك من خلال دعم مشاريع الربط الرقمي، وتطوير البنية التحتية الذكية، وتوسيع التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، على حد تعبيرها.

إطار عمل مشترك

يتوقع الدكتور هشام الغنّام أن تكرّس قمة المنامة بوصفها «لحظة انتقال» يتمخض عنها توحيد المواقف، وتثبيت الدور القيادي الخليجي، لا سيما السعودي، ووضع خطوط عريضة لمرحلة جديدة يكون فيها الخليج جزءاً من الحل في القضايا الملحة في المنطقة. حسب وصفه.

وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني خلال الاجتماع الوزاري التحضيري لقمة المنامة (مجلس التعاون)

ومن النتائج المتوقعة -حسب الغنّام- إقرار إطار عمل مشترك لتعزيز الحوار الأمني مع إيران، والتركيز على آليات تضمن سلامة الملاحة الدولية في الممرات المائية الحيوية. بالإضافة إلى الدفع قدماً نحو استكمال مقومات السوق الخليجية الموحدة، مع التركيز على خلق بيئة جاذبة للاستثمار عبر تعزيز مشاريع الربط اللوجيستي والرقمي المشترك، إلى جانب «تأكيد الموقف الموحد تجاه القضية الفلسطينية وقيادة الجهود الدولية والإقليمية لإحياء مسار السلام، بالتوازي مع إعلان التزام المجلس ببرنامج شامل للإغاثة وإعادة الإعمار بما يوافق الشروط».

أما مستشارة الإعلام الدكتورة لولوة بودلامة فترجّح أن تخرج القمة بـ«بيان يؤكد وحدة الصف الخليجي، مع خطوات عملية لتعزيز التعاون الدفاعي والاقتصادي، وإطلاق مبادرات جديدة في مجالات الأمن الغذائي والطاقة المتجددة، بما يرسّخ رسالة واضحة أن الخليج سيظل لاعباً محورياً في صياغة التوازنات الاستراتيجية».


مقالات ذات صلة

48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

الخليج سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)

48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

سجلت الساعات الماضية تصاعداً في مستوى التنسيق والتشاور الثنائي بين السعودية وعمان على الصعيدَين السياسي والدفاعي، بالإضافة إلى الشراكة الاقتصادية، وذلك وسط…

غازي الحارثي (الرياض)
خاص من مراسم استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الحديقة الجنوبية بالبيت الأبيض نوفمبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

خاص العلاقات السعودية - الأميركية... عام تعزيز المصالح السياسية والتعاون الدفاعي

كرّست الشراكة السعودية الأميركية في 2025 موقع الرياض كوسيط دولي موثوق انعكس أيضاً في حزمة اتفاقيات شملت الدفاع الاستراتيجي والذكاء الاصطناعي والطاقة وغيرها.

غازي الحارثي (الرياض)
تحليل إخباري أعلام دول مجلس التعاون الخليجي معلقة في سوق المباركية بمدينة الكويت (رويترز)

تحليل إخباري كيف أصبح الخليج ملاذاً للاستثمارات الآسيوية وسط اضطرابات الأسواق الكبرى؟

شهدت سندات وقروض الخليج العربي تدفقاً كبيراً من المستثمرين الآسيويين هذا العام، ما يعكس تعميق العلاقات التجارية والمالية مع المنطقة سريعة النمو.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي - سنغافورة)
عالم الاعمال «فولكس واغن» تؤكد أهمية أسواق الخليج في استراتيجيتها العالمية

«فولكس واغن» تؤكد أهمية أسواق الخليج في استراتيجيتها العالمية

تعزّز شركة «فولكس واغن» الألمانية حضورها في أسواق الخليج، والسعودية بوصفها ركيزة رئيسية في استراتيجيتها العالمية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ متظاهرون يحملون العلم السوري أمام البيت الأبيض في 10 نوفمبر الماضي (رويترز)

الكونغرس لإلغاء «قيصر» من دون شروط

بعد عملية شد حبال طويلة توصل الكونغرس إلى اتفاق من شأنه أن يلغي عقوبات قيصر على سوريا نهائياً.

رنا أبتر (واشنطن)

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»
TT

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

أعربت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، عن قلق المملكة إزاء التحركات العسكرية التي شهدتها محافظتا حضرموت والمهرة مؤخرًا، «التي قام بها مؤخرًا المجلس الانتقالي الجنوبي نُفذت بشكل أحادي دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف»، معتبرةً ذلك «تصعيدًا غير مبرر أضرّ بمصالح الشعب اليمني بمختلف فئاته وبالقضية الجنوبية، كما قوّض جهود التحالف».

وأكدت المملكة أنها «ركزت خلال الفترة الماضية على وحدة الصف وبذلت جهودًا مكثفة للوصول إلى حلول سلمية لمعالجة الأوضاع في المحافظتين، ضمن مساعٍ متواصلة لإعادة الاستقرار».

وأوضحت أن هذه الجهود جاءت «بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية، لاحتواء الموقف، حيث تم إرسال فريق عسكري مشترك سعودي–إماراتي لوضع الترتيبات اللازمة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، بما يضمن عودة قواته إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات (درع الوطن) والسلطة المحلية وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف».

وشددت الخارجية على أن الجهود «لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في «تغليب المصلحة العامة، ومبادرة المجلس الانتقالي بإنهاء التصعيد وخروج قواته بشكل عاجل وسلمي من المحافظتين».

كما أكدت المملكة «أهمية التعاون بين جميع القوى والمكونات اليمنية، وضبط النفس، وتجنب ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار، لما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية، مجددةً التأكيد على ضرورة تكاتف الجهود لإعادة السلم والأمن المجتمعي».

وجددت المملكة موقفها بأن «القضية الجنوبية قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، ولن تُحل إلا عبر حوار يجمع كافة الأطراف اليمنية على طاولة واحدة، ضمن مسار سياسي شامل يضمن الحل الشامل في اليمن».

واختتمت الخارجية بيانها بالتأكيد على «دعم المملكة لرئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، بما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية والسلام في الجمهورية اليمنية الشقيقة».


دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
TT

دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)

عبَرت دفعةٌ جديدةٌ من المساعدات الإنسانيّة السعوديّة، الأربعاء، منفذ رفح الحدودي متجهة إلى منفذ كرم أبو سالم جنوب شرقي قطاع غزة، تمهيداً لدخولها إلى القطاع بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري.

تضمنت المساعدات كمية كبيرة من السلال الغذائية مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ضمن الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وتأتي هذه المساعدات بالتزامن مع إقامة مخيمات سعودية بمنطقة القرارة جنوب قطاع غزة ومنطقة المواصي بخان يونس لإيواء النازحين، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم مع دخول فصل الشتاء.

وتعد امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة؛ للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة الذي يواجه ظروفاً إنسانية تهدد الأطفال والنساء في ظل البرد، وصعوبة الظروف المعيشية.


48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
TT

48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)

سجلت الساعات الماضية تصاعداً في مستوى التنسيق والتشاور الثنائي بين السعودية وعمان على الصعيدَين السياسي والدفاعي، بالإضافة إلى الشراكة الاقتصادية، وذلك وسط انعقاد الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق السعودي - العُماني، في مسقط، وما صدر عنه من نتائج بيّنت التقدم الذي تشهده العلاقات الثنائية.

في التفاصيل، وصل، الاثنين، الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، إلى العاصمة العُمانية مسقط، واستقبله نظيره العماني بدر البوسعيدي، وعقد الوزيران لقاء استعرضا خلاله «العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها»، قبل أن يترأسا الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق (السعودي - العُماني)، وبمشاركة رؤساء اللجان المنبثقة ورئيسي فريق الأمانة العامة للمجلس، وحضره من الجانب السعودي عدد من كبار المسؤولين من وزارات «الخارجية، والداخلية، والاستثمار، والاقتصاد والتخطيط، والثقافة».

مجلس التنسيق واستقبال السلطان

الاجتماع شهد تأكيد وزير الخارجية السعودي أنه يأتي امتداداً للاجتماع الثاني لمجلس التنسيق بين البلدين الشقيقين الذي عُقِد في مدينة العلا الشهر نفسه من العام الماضي، و«نتائجه الإيجابية المثمرة في إطار ما تم اعتماده من توصيات ومبادرات»، بينما أشاد الوزير العماني، بـ«التقدم النوعي في العلاقات بين البلدين الشقيقين وما شهدته من تطور ملحوظ في العديد من القطاعات».

الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق السعودي العماني (واس)

واستمر الزخم عبر استقبال سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق، الثلاثاء، وزير الخارجية السعودي في قصر البركة، وجرى استعراض آفاق التّعاون بين البلدين وجهود تعزيز متانة العلاقات الثّنائية وترسيخ المصالح المُشتركة، والتّطورات الجارية على السّاحتين الإقليميّة والدوليّة ومرئيّات السعودية تجاهها، ورؤية سلطان عمان في هذا الشأن، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية.

تعاون في تبادل الأسرى اليمنيين

في موازاة ذلك، كان التعاون بين البلدين يتواصل، وتوصّلت الاجتماعات الجارية في عُمان، بشأن تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، إلى توقيع الاتفاق الثلاثاء، لتبادل «الكل مقابل الكل»، وثمّنت السعودية «الجهود الصادقة والمساعي الكريمة التي بذلتها سلطنة عمان في استضافة ورعاية المباحثات ودعم الجهود التفاوضية خلال الفترة من 9 إلى 23 ديسمبر (كانون الأول)».

وعلى الصعيد الدفاعي والعسكري، استقبل اللواء الركن طيار خميس الغافري، قائد سلاح الجو السلطاني العُماني، الفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز، قائد القوات الجوية الملكية السعودية، والوفد العسكري المرافق له، وتبادل الجانبان وجهات النظر حول عدد من الموضوعات في المجالات العسكرية ذات الاهتمام المشترك، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية، قبل أن يستقبل الفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني في عمان، الأربعاء، قائد القوات الجوية الملكية السعودية، وجرى بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب استعراض مجالات التعاون العسكري القائمة بين البلدين، وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، كما أعرب الجانبان عن اعتزازهما بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع سلطنة عُمان بالمملكة العربية السعودية، وتطلعهما إلى مزيد من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات.

«وسام عُمان» لقائد القوات الجوية الملكية السعودية

والأربعاء، منح سلطان عمان، السلطان هيثم بن طارق، «وسام عُمان العسكري من الدرجة الثانية» للفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية، تقديراً لجهوده وإسهاماته في توثيق أواصر التعاون العسكري القائم بين البلدين، وسلّم الوسام نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع في عُمان.

منح «وسام عُمان العسكري من الدرجة الثانية» للفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية (وكالة أنباء عُمان)

بالتزامن.. شراكة اقتصادية

وفي جانب الشراكة الاقتصادية، احتفلت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في عُمان، الأربعاء، بافتتاح مشروعين جديدين في شبكة الطرق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وخلال الاحتفال جرى الكشف عن أن المشروع تم تمويله من قِبَل «الصندوق السعودي للتنمية»، ونُفّذ من قِبَل ائتلاف عُماني - سعودي يضم شركة «ستراباك عُمان» وشركة «الروسان للمقاولات».

افتتاح مشروع اقتصادي في عُمان بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية (وكالة أنباء عمان)

حول هذه التحرّكات اللافتة خلال 48 ساعة، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد العريمي، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والمتخصص أيضاً في الدراسات الخليجية، إنه في محصّلة ما يجري بين مسقط والرياض اليوم «لا يمكن قراءته بوصفه تنسيقاً ظرفياً فحسب، بل إعادة تموضع هادئة تهدف إلى بناء استقرار طويل الأمد، يكون فيه الحوار والتكامل الأمني ركيزتين أساسيتين لصياغة مستقبل المنطقة»، أما فيما يتعلق بتوقيت كثافة المباحثات هذه خلال فترة قصيرة جداً، فيعتبر العريمي أنه يعكس إدراكاً مشتركاً لدى القيادتين بأن منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج خصوصاً، تمر بلحظة مفصلية تتطلب أعلى درجات التنسيق السياسي والأمني خصوصاً بين عُمان والسعودية.

«التوقيت ليس عابراً»

العريمي يرى أن التوقيت «ليس عابراً، بل يأتي في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، وتبدل خرائط النفوذ، وعودة منسوب القلق المرتبط بأمن الملاحة والطاقة، إضافةً إلى استمرار الأزمات المفتوحة وفي مقدمتها أزمة اليمن بالنسبة للجانبين»، وأردف في هذا السياق: «تبدو مسقط والرياض كأنهما تنتقلان من مرحلة إدارة التباينات الإقليمية إلى مرحلة الشراكة الاستباقية في إدارة المخاطر، خصوصاً في الملف اليمني»، ورأى أن الاجتماعات السياسية، واللقاءات على أعلى مستوى قيادي، والتنسيق العسكري الجوي، والإعلان عن اتفاق إنساني كبير في اليمن من مسقط، كلها حلقات في رسالة واحدة مفادها بأن البلدين يتحركان ضمن رؤية متقاربة ترى أن الاستقرار لا يُدار بردود الفعل، بل ببناء تفاهمات عميقة ومتراكمة. على حد وصفه.

تابع العريمي أن عُمان بدورها التقليدي بوصفها وسيطاً موثوقاً، والسعودية بثقلها السياسي والأمني، تقدمان نموذجاً لتكامل الأدوار في المنطقة، مرجّحاً أن تنعكس نتائج هذه المشاورات على مسار الأزمة اليمنية بصورة أوضح، سواء عبر تثبيت قنوات التفاوض، أو عبر ضمانات أمنية إقليمية تقلل من احتمالات الانفجار العسكري في هذا البلد، إلى جانب أن يمتد هذا التنسيق إلى أمن الخليج والبحر العربي، وحماية خطوط الملاحة والطاقة، في ظل تصاعد التحديات العابرة للحدود، أما بصورة أوسع فيعتقد العريمي أن هذا التقارب قد يسهم في توحيد المقاربات تجاه الملفات الإقليمية الكبرى، بما فيها العلاقة مع القوى الدولية، وإدارة التوازن مع إيران، وتعزيز العمل الخليجي المشترك بصيغة أكثر مرونة وواقعية.

جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

المحلل السياسي منيف الحربي، يتفق إلى حد كبير مع العريمي، ويزيد أنه منذ وصول السلطان هيثم بن طارق إلى مقاليد الحكم في سلطنة عمان، وقيامه بأول زيارة خارجية لجلالته إلى السعودية، تشكّلت حقبة جديدة من العلاقة الاستراتيجية بين الرياض ومسقط بأطرها المتعددة؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستثمارية والطاقة والثقافة والرياضة والسياحة.

الملف اليمني والأمن المشترك

الملف اليمني يبرز بوصفه ملفاً مهماً جداً للطرفين نظراً لأن السعودية متاخمة حدودياً لليمن، وينسحب ذلك على عمان، وبالنسبة للحربي فإن استقرار اليمن وخروجه من أزمته الحالية «يتماسّ بشكل مباشر مع الأمن الوطني للبلدين»، لكن رغم أن هذا الملف يأخذ الكثير من الوقت والجهد من جهود البلدين الدبلوماسية، فإن هذا أيضاً ينسحب على التوافق بين الرياض ومسقط في ملف غزة، ومسار حل الدولتين، والسودان، وأزمة حرية الملاحة في البحر الأحمر، وبحر العرب، وأهمية الحفاظ على الأمن القومي الخليجي والأمن القومي العربي.