مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

مصادر الإليزيه: باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات»

الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)
الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)
TT

مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)
الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

برنامج حافل أُعِدَّ للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقوم، بدعوة من ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، بأول «زيارة دولة» للسعودية منذ وصوله إلى قصر الإليزيه ربيع عام 2017، وهي تأتي بعد زيارتين الأولى في عام وصوله للرئاسة، والثانية في عام 2021.

و«زيارة الدولة» هي أرفع مستوى للزيارات بين قادة الدول، وتحظى باهتمام وتنسيق واسع بين أطرافها، وكانت آخر «زيارة دولة» فرنسية إلى السعودية أجراها الرئيس الراحل، جاك شيراك في عام 2006.

وكذلك أجرى الأمير محمد بن سلمان أيضاً 3 زيارات إلى باريس؛ ما يعكس قوة ومتانة العلاقة بين المملكة وفرنسا.

«الشراكة الاستراتيجية»

ونظراً لأن الرياض والسعودية تريدان الذهاب أبعد بالعلاقات، فإن الهدف الرئيسي لزيارة ماكرون عنوانه دفعها إلى «مستوى الشراكة الاستراتيجية» الشاملة وللسنوات العشر المقبلة.

وسيجري التوقيع على اتفاقية بهذا المعنى بمناسبة الزيارة «الاستثنائية» التي تعكس، وفق باريس، «العلاقات الشخصية التي جرى نسجها بين الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان في السنوات الأخيرة».

الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون بباريس في يوليو 2022 (إ.ب.أ)

وجاء في بيان صادر عن القصر الرئاسي، الاثنين، أن الزيارة «توفر الفرصة للبلدين لتعزيز الشراكة التي تجمع بينهما كما تعكس الرغبة المشتركة في تعميق التعاون في كل المجالات الاستراتيجية مثل الأمن والدفاع والنقلة في قطاع الطاقة والتواصل والمساهمة (المتبادلة) في الخطط التنموية المتضمنة بـ(رؤية 2030) للسعودية وفي خطة (فرنسا 2030)».

كذلك، أشار البيان إلى أن المحادثات التي سيجريها الرئيس الفرنسي والوفد المرافق له مع ولي العهد والمسؤولين السعوديين ستتناول «مجالات الاستثمار المستقبلي، مثل التكنولوجيا المالية المستخدمة في تحسين وتسهيل الخدمات المالية السيبرانية والذكاء الاصطناعي» منوهاً بالقمة التي تستضيفها فرنسا في شهر فبراير (شباط) المقبل في مجال الذكاء الإصطناعي».

مواكبة التطوير السعودي

بيد أن جانباً سياسياً رئيسياً للزيارة يتمثل في أنها تجري وسط تحديات جيوسياسية إقليمية ودولية رئيسية منها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ 14 شهراً، وآخر تطورات الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»؛ حيث لعبت باريس دوراً إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، في التوصل إلى اتفاق هدنة من 60 يوما، فضلاً عن الحرب الداخلية المستجدة في سوريا وتشعباتها الإقليمية والدولية، والعلاقات مع إيران وبرنامجها النووي فضلاً عن الأزمات الدولية وعلى رأسها الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وترغب باريس في بناء «قاعدة متجددة لطموحات الطرفين تقوم على خطة عمل مشتركة»، كما تطمح، وفق الإليزيه، إلى تعزيز مكانتها بصفتها شريكاً أساسياً وذا موثوقية بالنسبة إلى السعودية في كل المجالات».

ويبرز محور مهم في الزيارة، ويمثله سعي باريس إلى مواكبة السعودية في «مشاريعها التحديثية الطموحة سواء الثقافية أم الاقتصادية أم الدفاعية».

وتعوِّل باريس على التوصل إلى دفع الاستثمارات المتبادلة للطرفين إلى مدى أبعد.

وجاء في البيان الرئاسي الفرنسي أن «دعم تنمية رأس المال البشري، وتطوير التبادل الثقافي والسياحي سيكون أيضاً في صميم هذه الزيارة استباقاً للفعاليات الكبرى التي ستستضيفها السعودية في المستقبل القريب».

وترغب باريس في إفادة السعودية من «الخبرات التنظيمية التي راكمتها في استقبال وتنظيم الألعاب الأولمبية والبارا - أولمبية الناجحة الصيف الماضي، وذلك بمناسبة معرض «إكسبو 2030»، وأيضاً استضافة «مونديال 2034».

الرياض تمكنت من الفوز بتنظيم «إكسبو 2030»

ونوه الإليزيه بـ«التطورات السريعة والعميقة التي تعيشها السعودية بدفع من الأمير محمد بن سلمان، وبالانفتاح والتنويع الاقتصاديين للمملكة»، مضيفاً أن فرنسا «عازمة على الإعراب عن دعمها هذه الدينامية واستعدادها للمساهمة فيها».

ولا تخفي باريس طموحاتها الاقتصادية التي ترغب في تحقيقها من خلال هذه الزيارة، حيث يرافق الرئيس ماكرون وفد اقتصادي كبير يضم ممثلي كبار الشركات الفرنسية العاملة في السوق السعودية أو الراغبة في الدخول إليها، وممثلين للشركات المتوسطة أو الأخرى الناشئة.

لقاءان مغلقان

ثمة محطتان رئيسيتان في زيارة ماكرون: أولاهما اللقاء المغلق مع الأمير محمد بن سلمان في قصر اليمامة الملكي، حيث يجري الاستقبال الرسمي للرئيس الفرنسي والذي يسبقه اجتماع موسع يضم وفدي الطرفين، أما المحطة الثانية فيمثلها العشاء المغلق الذي يقيمه ولي العهد على شرف الرئيس الفرنسي، ليل الثلاثاء.

وتقول المصادر الفرنسية إن المناسبتين ستوفران الفرصة لمناقشة مفتوحة للمسائل السياسية الرئيسية.

وتراهن باريس على الدور الذي يمكن أن تلعبه المملكة في المسائل الإقليمية المشار إليها، وذلك تواكباً مع الرسالة التي وجهها ماكرون إلى اللبنانيين عقب الإعلان عن الهدنة مع إسرائيل، إذ وعد ماكرون بأن تعمل بلاده مع الجهات الإقليمية والدولية لمد يد المساعدة للبنان ليس فقط في تعزيز وقف إطلاق النار، ولكن أيضاً دعماً للجيش اللبناني، وإنهاضاً للدولة مؤسساتياً (انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات) وترميم السيادة، وكذلك مرحلة إعادة إعمار ما هدمته الحرب.

تحولات المنطقة

من جهة أخرى، أكدت مصادر الإليزيه دعم فرنسا للجهود السعودية التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان مع ولادة «التحالف الدولي» من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين.

واللافت أن فرنسا امتنعت حتى اليوم، بعكس 4 دول أوروبية، عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مؤكدة أن «لا محرمات لديها»؛ إلا أنها تريد أن يتم ذلك «في لحظة مفيدة» لم تحددها بشكل واضح.

كذلك تريد باريس التعرف على القراءة السعودية لمجريات التحولات في المنطقة للسنوات المقبلة، ولما يمكن أن تكون عليه العلاقات مع إيران، ومصير برنامجها النووي على ضوء عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وتوفر زيارة الدولة للرئيس الفرنسي الفرصة للمشاركة في «قمة المياه الواحدة»، التي ستُعْقد، الثلاثاء، في الرياض بالتزامن مع مؤتمر خاص بـ«مكافحة التصحر»، وتشارك فرنسا برئاستها إلى جانب كازاخستان والبنك الدولي والسعودية.

وتُعد «قمة المياه الواحدة» منصة دولية أساسية لمناقشة الحلول المستدامة والمبتكرة لإدارة الموارد المائية، في سياق يتسم بازدياد التحديات المناخية.

وكذلك سيزور ماكرون مترو الرياض الذي أُطْلِقَ مؤخراً، وأسهمت في إنشائه شركات فرنسية.

واقتصادياً، سيختتم الرئيس الفرنسي المنتدى الاقتصادي المشترك الذي التأم بمناسبة الزيارة، ويحتل الجانب الثقافي جزءاً مهماً من الزيارة، حيث يزور ماكرون الدرعية، ويتوجه، الأربعاء، في اليوم الأخير للزيارة، إلى محافظة العلا السياحية، ارتباطاً بتعاون البلدين في ملف تطويرها، إذ إن «الهيئة الفرنسية لتطوير العلا» تم إطلاقها في عام 2018.


مقالات ذات صلة

مباحثات سعودية - سنغافورية تناقش المستجدات الإقليمية والدولية

الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال مباحثاته مع تيو تشي هين في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)

مباحثات سعودية - سنغافورية تناقش المستجدات الإقليمية والدولية

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، وتيو تشي هين كبير الوزراء والوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري، الاثنين، مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية سيكون يوم 11 ديسمبر الحالي موعداً لإعلان استضافة مونديال 2034 (الشرق الأوسط)

حماد البلوي لـ«الشرق الأوسط»: شغف كرة القدم وجودة المشروعات ميزا الملف السعودي لكأس العالم 2034

أشاد حماد البلوي، مسؤول ملف ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034، بالدعم الكبير الذي حظي به الملف من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

سلطان الصبحي (الرياض )
الخليج أسهمت العلاقات بين السعودية والإمارات في تعزيز التكامل بينهما (الشرق الأوسط)

السعودية تحتفي باليوم الوطني الإماراتي الـ53

احتفت السعودية باليوم الوطني الإماراتي الـ53 في تعبير يعكس عمق العلاقات بين البلدين، والاحترام المتبادل، وحسن الجوار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت مترئساً القمة الخليجية الـ45 (واس) play-circle 00:31

إعلان الكويت يؤكد الحرص على أمن المنطقة ورخاء شعوبها

جدّد البيان الختامي الصادر عن المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في دورته الـ45، التي عقدت في الكويت، الأحد، حرص دول المجلس على الاستقرار والأمن في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج م. وليد الخريجي والسفير مسغانو أرغا خلال ترؤسهما جولة المشاورات («الخارجية» السعودية)

مشاورات سعودية إثيوبية تناقش التطورات الإقليمية والدولية

شهدت الجولة الأولى من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والإثيوبية، الأحد، مناقشة التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مباحثات سعودية - سنغافورية تناقش المستجدات الإقليمية والدولية

الأمير خالد بن سلمان خلال مباحثاته مع تيو تشي هين في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)
الأمير خالد بن سلمان خلال مباحثاته مع تيو تشي هين في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)
TT

مباحثات سعودية - سنغافورية تناقش المستجدات الإقليمية والدولية

الأمير خالد بن سلمان خلال مباحثاته مع تيو تشي هين في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)
الأمير خالد بن سلمان خلال مباحثاته مع تيو تشي هين في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، وتيو تشي هين كبير الوزراء والوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري، الاثنين، مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها.

جاء ذلك خلال استقبال وزير الدفاع السعودي في مكتبه بالرياض، كبير الوزراء والوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري، حيث استعرض الجانبان العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون المشترك.

وزير الحرس الوطني السعودي خلال مباحثاته مع كبير الوزراء السنغافوري (واس)

ولاحقاً، استقبل الأمير عبد الله بن بندر، وزير الحرس الوطني السعودي في مكتبه بالوزارة، تيو تشي هين والوفد المرافق له، وجرى خلال الاستقبال تبادل الأحاديث الودية والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

كما بحث عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء ومبعوث شؤون المناخ، والدكتور ناصر الداود نائب وزير الداخلية السعودي، خلال لقاءين ثنائيين في وقت سابق، مع كبير الوزراء والوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري، الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

عادل الجبير خلال لقائه تيو تشي هين في الرياض (واس)

حضر لقاء الأمير خالد بن سلمان، وكبير الوزراء، والوزير المنسق السنغافوري من الجانب السعودي، الأمير عبد الرحمن بن محمد نائب وزير الدفاع، والفريق الأول الركن فياض الرويلي رئيس هيئة الأركان العامة، وهشام بن عبد العزيز المدير العام لمكتب وزير الدفاع، وإبراهيم السويد وكيل وزارة الدفاع للمشتريات والتسليح.

كما حضره من الجانب السنغافوري، إس بريمجيث سفير سنغافورة لدى السعودية، وفرنسيس جو نائب المدير العام لإدارة شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، وأيفن تشيا نائب سفير سنغافورة لدى السعودية، وعدد من المسؤولين.

نائب وزير الداخلية السعودي خلال استقباله الوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري (واس)

بينما حضر لقاء وزير الحرس الوطني من الجانب السعودي، اللواء الركن صالح الحربي رئيس الجهاز العسكري المكلف، وناصر آل مهنا المشرف العام على مكتب وزير الحرس الوطني، والدكتور مشعل المسعد المدير العام التنفيذي لبرنامج تطوير وزارة الحرس الوطني.

كما حضره من الجانب السنغافوري، إس بريمجيث، وفرنسيس جو، وميكائيل كليم الدين المساعد الخاص للوزير الأول، وأيفن تشيا ونافين كومار سكرتير أول (سياسي) في سفارة سنغافورة، وإيمانويل لو مسؤول في إدارة شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية.

بينما حضر لقائي وزير الدولة السعودي ونائب وزير الداخلية السعودي مع كبير الوزراء والوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري، عدد من المسؤولين في الجانبين.