تدخل الكويت الاثنين مرحلة «الصمت الانتخابي»، قبل موعد انتخابات أعضاء مجلس الأمة في فصله التشريعي السابع عشر (أمة 2023) المقررة إجراؤها الثلاثاء السادس من يونيو (حزيران) الجاري.
وستجرى الانتخابات في 759 لجنة اقتراع في 5 دوائر انتخابية، فيما يبلغ عدد الناخبين 793 ألفاً و646، يختارون 50 نائباً.
ومع توقف ماكينات الدعاية الانتخابية عن الحركة في الفضاء العام، تنشط ماكينات المندوبين والمفاتيح الانتخابية لرصّ الصفوف خلف المرشحين قبل ساعات من بدء التصويت.
وغالباً ما تكون شخصية المرشح، ومكانته الاجتماعية، والاتجاه الفكري الذي يمثله عاملاً حاسماً في حضوره الشعبي، والتأثير على مزاج الناخبين، لكن في السنوات الأخيرة ومع الإخفاق الذي شهدته التجربة البرلمانية، أصبح قطاع واسع من الجمهور يعوّل على برامج المرشحين وخاصة من فئة الشباب، لتحقيق التغيير الذي طالما دعت له العملية السياسية.
والتغيير شعار متكرر في كل الانتخابات البرلمانية في الكويت، وكانت الانتخابات البرلمانية السابقة (أمة 2022) التي أجريت في سبتمبر (أيلول) 2022، حملت شعار «تصحيح المسار»، وجاءت على وقع خطاب ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي دعا للتغيير، وقرر حل مجلس الأمة، مؤكداً أن هذا الحل جاء «تصحيحاً للمشهد السياسي، وما فيه من عدم توافق وصراعات». وفي يونيو (حزيران) 2022، قال ولي العهد: «لا تضيعوا فرصة تصحيح المسار حتى لا نعود إلى ما كنا عليه».
لكن مجلس 2022 أبطلته المحكمة الدستورية، في 19 مارس (آذار) الماضي، التي قررت عودة رئيس وكامل أعضاء مجلس الأمة السابق (مجلس 2020)، الذي سبق حله في 2 أغسطس (آب) 2022، كما تأتي هذه الانتخابات، بعد حلّ مجلس الأمة 2020 المعاد بحكم المحكمة الدستورية حلاً دستورياً.
الشباب قوة التغيير
أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة تغييراً كبيراً في مقاعد مجلس الأمة، بواقع يربو على 54 في المائة من عدد نواب المجلس البالغ عددهم 50 نائباً.
كما أظهرت النتائج فوز من يمكن اعتبارهم نواباً معارضين بنحو 60 في المائة، رغم أن المرأة التي شاركت بكثافة لم تتمكن سوى من تحقيق مقعدين لصالح عالية الخالد (الدائرة الثانية) وجنان بوشهري (الدائرة الثالثة).
وخلال الانتخابات الحالية (أمة 2023)، جهد المرشحون الشباب لتقديم برامج تسعى لإقناع فئة الشباب، وهي الفئة الأكبر في التركيبة السكانية، في المشاركة على صنع التغيير.
كما تركز برامج الشباب على الخروج من تأثير التيارات السياسية القديمة التي طالما هيمنت على الحياة السياسية، وبعض هذه البرامج حاول الدفع بقوة للتصادم مع أطروحات القوى التقليدية في المجتمع: التجار، والتيارات الدينية، والقبلية.
من أين يأتي التغيير؟
ولا يمكن إغفال أن الكويت تتأثر بالتغيرات التي تحدث في المحيط، فالكثير من الكويتيين يتطلعون للتغييرات التي تحدث في جوارهم الخليجي، وخاصة الخطوات الإيجابية التي تشهدها السعودية، مثل الانفتاح الاجتماعي ومنح مساحة واسعة للمرأة، والتنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد، وغيرها، وهو ما ساهم في الحدّ من تأثير التيارات التقليدية وبسط نفوذها الفكري على المجتمع، وبرز ذلك في حجم مشاركة المرأة في الانتخابات الماضية، مع تقديم برامج تخففت إلى حدٍ كبير من النزعات القبلية والطائفية، وبرز فريق من المرشحين يقدمون طرحاً مختلفاً عما عهدته الحملات السابقة.
وقال مرشحان من فئة الشباب، لـ«الشرق الأوسط»، إن المجتمع الكويتي يستلهم التجربة السعودية بقوة. وقال أحدهما: «انظر كيف ضعفت هيمنة التيارات المتشددة التي كانت حريصة على شدّ العصب الديني، هؤلاء فقدوا قوتهم مع التغييرات الواسعة التي تشهدها المملكة».
مرشح آخر، قال: «لا يمكننا أن نحبس أنفسنا في إطارات فئوية، العالم يموج بالتغيير، والسعودية تصنع نموذجاً».
لكن هل تستجيب البرامج السياسية للمرشحين للتحديات التي تواجهها البلاد؟، يجيب الدكتور عبد الله سهر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الكويت، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «البرامج السياسية للمرشحين، متكررة، وتكاد تكون متطابقة، وإن اختلفت بعض المفردات التي يستخدمها بعض المرشحين، في خطاباتهم وندواتهم السياسية، إلا أن القضايا متشابهة، وأمهات القضايا هي: محاربة الفساد وتعزيز الحريات، وتحقيق التنمية، وتلبية مطالب المواطنين في الحياة الراغدة، إلى جانب إصلاح البنية التحتية في البلاد».
يرى الدكتور سهر، أن «المرشح إذا كان فرداً لا يستطيع أن يحقق برنامجاً سياسياً، لأن البرنامج السياسي يعبّر عن حزب سياسي أو كتلة سياسية تستطيع أن تترجمه على أرض الواقع».
يضيف: «ما يطرحه المرشحون، ما داموا أفراداً، لا يمكن وصفه بأنه برنامج سياسي، ولكنه رأي سياسي يحمل قضايا يحاول المرشح أن يطرحها».
برأي الدكتور سهر، فإن تحقيق التنمية ومكافحة الفساد يمثلان الهمّ الذي يلتقي حوله المرشحون، «فالكويت لديها طاقات مالية وبشرية كثيرة، ولكنها غير موظفة توظيفاً جيداً بحيث ينطلق بها إلى آفاق التنمية الحقيقية التي يمكن أن تقدم لنا اقتصاداً متعدداً ومتنوعاً، وتعليماً راقياً وتنمية نستطيع من خلالها أن نقدم الرفاهية للمواطنين».
كذلك، فإن التحديات الإقليمية في عالم مضطرب، تمثل هي الأخرى هاجساً، يقول الدكتور سهر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الكويت: «هناك تحدٍ آخر، وهو محاولة التغيير لمواكبة السياسة الخارجية بما يحقق المعادلة الكويتية، وهي: معادلة التوازن الإقليمي، والتوازن الدولي بين الأقطاب الرئيسية».
صوت التغيير
من بين المرشحين الشباب الذين لفتوا الانتباه إلى طرحهم الانتخابي، مرشح الدائرة الثالثة، سامي المانع، الذي قدّم خطاباً يتصادم مع التجار، وهم من أكثر الفئات نفوذاً في الكويت، وقال في خطابه الافتتاحي موجهاً الخطاب للتجار: «تبون غرفة التجارة ولا ما تبونها» (تبون - تريدون)، محاكياً خطاب رئيس البرلمان السابق مرزوق الغانم في يوليو (تموز) 2012 الموجه لذرية الشيخ مبارك الصباح: «تبون الحكم ولا ما تبونه».
المانع قال إن «غرفة التجارة في الكويت، هي الكيان الوحيد الذي ليس عليه رقابة ولا يمكن محاسبته من قبل مجلس الأمة، وإن غرفة التجارة مستحوذة على مقدرات البلد وثرواتها». ودعا إلى «تحرير إرادة الأمة من قبضة الابتزاز السياسي وسطوة أصحاب الأجندات الخاصة، وأن نستعيد الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة والعمل السياسي الوطني».
من بين الشباب، مرشح الدائرة الأولى باسل البحراني، الذي يخوض السباق للمرة الثانية، وقال متسائلاً: «يمتلك الصندوق السيادي الكويتي استثمارات تشغيلية تقارب قيمتها تريليون دولار أميركي، وقوة بشرية بعشرات الآلاف، والسؤال هو: أين الشباب الكويتي من هذه الوظائف؟ لذلك يجب تعيين الشباب الكويتي في هذه الشركات (...) يجب على رئيس الحكومة المقبل تعيين الشباب الكويتي المنجز في الوظائف القيادية والإشرافية حتى تتحرك عجلة التنمية».
المرشح عن الدائرة الثالثة سعد بن ثقل العجمي، هو الآخر قدّم طرحاً مختلفاً، وقال فيما وصفه «صيحة نذير»: «الوطن أسمى منكم... وستلعنكم الأجيال إذا طاوعتم نَزَعاتكم الطائفية والعنصرية والقبلية».
وأضاف: «سياقنا الخليجي والعربي اليوم ينزع إلى جانب (التصالح والتسامح) وهما من القيم الإنسانية والقرآنية والوطنية العظيمة، لا يحاربها عندنا إلا المتطرفون الإقصائيون المتشددون».
وإلى جانب الشباب، هناك نواب سابقون مترشحون في هذه الانتخابات، تركزت برامجهم الانتخابية على الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد، وتطوير التجربة الديمقراطية، هؤلاء توجهوا أيضاً بخطابهم إلى القوة الشبابية الناخبة، والتي هي أيضاً منقسمة بين الولاءات العصبية التقليدية، ودعم مشاريع التغيير.