هل ينعكس التقارب المصري - التركي على حلحلة الأزمة الليبية؟

مراقبون يستبعدون تمكن القاهرة وأنقرة من تحقيق انفراجة بعيداً عن توافق عواصم إقليمية وغربية.

الرئيس المصري مستقبلاً نظيره التركي في مطار القاهرة الأربعاء الماضي (د.ب.أ)
الرئيس المصري مستقبلاً نظيره التركي في مطار القاهرة الأربعاء الماضي (د.ب.أ)
TT

هل ينعكس التقارب المصري - التركي على حلحلة الأزمة الليبية؟

الرئيس المصري مستقبلاً نظيره التركي في مطار القاهرة الأربعاء الماضي (د.ب.أ)
الرئيس المصري مستقبلاً نظيره التركي في مطار القاهرة الأربعاء الماضي (د.ب.أ)

انشغلت الساحة الليبية بزيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، العاصمة المصرية القاهرة، الأربعاء الماضي، ولقائه نظيره عبد الفتاح السيسي، بعد قرابة 12 عاماً من القطيعة والتوتر في العلاقات بين البلدين، حيث طُرحت على الفور رؤى وسيناريوهات عدة تتعلق بمدى قدرة هذا التقارب على حلحلة الأزمة السياسية الليبية.

لقاء الدبيبة وإردوغان في وقت سابق (حكومة الوحدة)

وعلى الرغم من تأكيد سياسيين ومراقبين ثقل تأثير القاهرة وأنقرة في حلفائهما من الأفرقاء الصراع الليبي، فإنهم دعوا لتقليل التوقعات بشأن مدى إسهام هذا التقارب في إنهاء القضايا الخلافية كافة، التي تعوق إجراء الانتخابات في البلاد، مشيرين لاستمرار تباعد مواقف هؤلاء الأفرقاء حول ملفَي القوانين الانتخابية والسلطة التنفيذية.

ورحّب عضو مجلس النواب الليبي، صالح افحيمة، بالتقارب المصري - التركي، لكنه وصف تصريحات إردوغان بشأن «عدم المساس» بحكومة عبد الحميد الدبيبة، بأنها نوع من «فرض الإملاءات على إرادة الليبيين». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الليبيون وحدهم أصحاب الحق في الإبقاء على أي حكومة إذا رأوا أن ذلك في صالحهم، أو تغييرها عبر مؤسساتهم السياسية، أي مجلسي النواب والدولة».

الرئيس التركي في لقاء سابق مع عقيلة صالح بحضور رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش في أنقرة (الرئاسة التركية)

وحول ما تردده بعض الأوساط الليبية عن وجود مبادرة أو مشاورات برعاية مصرية - تركية، بشأن مقترح توحيد حكومتَي الدبيبة، و«الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، قال افحيمة إن «البرلمان سبق أن أعلن رفضه مقترح دمج الحكومتين، الذي تم الترويج له خلال الأشهر الماضية؛ وأعتقد أن هذا لا يزال موقفه حتى اللحظة الراهنة».

وكانت القاهرة وأنقرة قد أكدتا على ضرورة تعزيز التشاور حول الملف الليبي، بما يساعد على عقد الانتخابات، وتوحيد المؤسسة العسكرية.

من جهته، رأى عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، محمد معزب، أنه يتوجب على القاهرة وأنقرة، إذا رغبتا في التسريع بعقد الانتخابات الليبية، أن «تركزا جهودهما، بالدرجة الأولى، على إنهاء الخلاف أولاً حول القوانين الانتخابية المنظمة لها، التي يتشارك كل من مجلسي النواب (والأعلى للدولة) مسؤولية وضعها». كما رأى أن «القوانين هي العائق الرئيسي لإجراء الانتخابات، وليس الحديث عن الحكومة، ولذلك لا بد من تكاتف الجهود للضغط على البرلمان ورئيسه عقيلة صالح».

صورة أرشيفية للدبيبة خلال توقيعه مع وزير الدفاع التركي اتفاقيتين عسكريتين للتعاون (حكومة الوحدة)

وقال معزب لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان «أقرّ منفرداً مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نسخةً من القوانين الانتخابية، رغم علمه باعتراض ورفض قطاع كبير من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، وأصوات أخرى في الساحة لذلك»، مضيفاً أنه «إذا جرى النقاش وتعديل القوانين، وتَوافَق الجميعُ على القبول بها، عندها يتم النظر بسهولة لقضية الحكومة، التي ستشرف على إجراء الانتخابات، سواء بدراسة مقترح دمج الحكومتين بالتنسيق مع قيادات المنطقة الشرقية، كما يتردد بالتسريبات، أو من خلال تشكيل حكومة جديدة موحدة».

من جانبه، لم يستبعد الخبير بالشأن التركي في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، كرم سعيد، أن يؤدي التقارب المصري - التركي للدفع بمقترح دمج الحكومتين، أو غيره من المقترحات، التي يمكن أن تفضي إلى تحقيق الاستقرار في الساحة الليبية بشكل عام، وذلك عبر تقريب وجهات نظر حلفائهما بالداخل الليبي.

ويعتقد سعيد، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، بأنه «قد يتم بحث قضية تشكيل سلطة تنفيذية موحدة، يقودها الدبيبة، مع إعطاء صلاحيات وزانة لممثلي الشرق الليبي بها، أو مقترح تشكيل سلطة موحدة يكون للمجلس الرئاسي النصيب الأكبر في صلاحياتها، وغير ذلك من رؤى تستهدف إزالة الجمود الراهن، ودفع العملية الانتخابية قدماً».

بدوره، توقّع الأكاديمي والمحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، أن تتأجل نتائج هذا التنسيق المشترك بين أنقرة والقاهرة في الملف الليبي، الذي ينطلق من محاولة الدولتين الحفاظ على مصالحهما، في إطار تعدد المبادرات الدولية والأممية أخيراً بهذا الملف، لفترة وجيزة، وتحديداً بعد تلبية الرئيس المصري الدعوة الموجهة له لزيارة تركيا في أبريل (نيسان) المقبل.

وأرجع أوغلو ذلك لـ«انشغال المسؤولين في البلدين برصد تطور العلاقات بينهما بعد تلك الزيارة الأولى، وكذلك انشغال إردوغان والسيسي، بدرجة أكبر، بالتطورات الراهنة في قطاع غزة، وتداعياتها السياسية والأمنية على دول المنطقة كافة، خصوصاً مع التحركات الإيرانية المصاحبة للأحداث هناك»، لافتاً إلى «تأكيد الدولتين أهمية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية».

وقال أوغلو لـ«الشرق الأوسط» إن التعويل الأكبر هو على «نجاح الأفرقاء الليبيين في توظيف التقارب التركي - المصري؛ للتوصل لتسوية سياسية مقبولة للجميع». كما رأى «استحالة تمكّن القاهرة وأنقرة من الانفراد بحل الأزمة الليبية، بعيداً عن توافق عواصم إقليمية وغربية، تمتلك نفوذاً غير هين بالساحة الليبية، من بينها موسكو وواشنطن».

ومع ذلك يعتقد بنجاح البلدين «حال حصولهما على تفويض الأطراف الليبية كافة، بجانب دعم أغلب الدول العربية لهذا المسار؛ ليقتنع الجميع، كما اقتنعت أنقرة والقاهرة من قبل، بأنه يمكن حماية وتحقيق مصالح الشعب الليبي، وأيضاً مصالح الأطراف كافة عبر المشاركة، وليس المنافسة».


مقالات ذات صلة

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

شمال افريقيا زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

يعتقد ليبيون بأن «نفوذاً روسياً يتمدد في جنوب البلاد ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند الأخيرة إلى سبها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

المزرعة الليبية في غينيا تبلغ مساحتها 2150 هكتاراً ومخصصة لإنتاج المانجو والأناناس وملحق بها مصنع للعصائر وسبع بحيرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع المنفي ولجنة الحدود (المجلس الرئاسي الليبي)

مقتل 3 مواطنين في اشتباكات بالزاوية الليبية

توقفت الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في جزيرة الركينة، بالقرب من مصفاة الزاوية الليبية مخلفة 3 قتلى و5 جرحى.

خالد محمود (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)

ليبيون يتخوفون من تصاعد «خطاب الكراهية» على خلفية سياسية

قالت سميرة بوسلامة، عضو فريق حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إنه «يجب على أصحاب المناصب اختيار كلماتهم بعناية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)
أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)
TT

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)
أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف حكومته مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار، في أعقاب جولة مباحثات أجراها في العاصمة أسمرة مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي وصل إلى بلاده في زيارة رسمية.

وتأتي زيارة البرهان إلى إريتريا، بعد وقت قصير من إعلان أفورقي دعمه المباشر للجيش السوداني في حربه ضد قوات «الدعم السريع»، وعدّ أفورقي الحرب الدائرة بأنها حرب إقليمية تهدد أمن بلاده، وهدد بالتدخل بجيشه وإمكانياته لنصرة الجيش السوداني، حال اقتراب الحرب من ولايات «البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، والنيل الأزرق»، كونها امتداداً للأمن القومي لبلاده.

وأجرى البرهان جولة مباحثات مع أفورقي، تناولت علاقات البلدين، وتطور الأوضاع في السودان، وجهود إحلال الأمن والاستقرار، واستمع خلالها المضيف لتنوير من البرهان بشأن مستجدات الأوضاع في السودان، والانتهاكات التي «ارتكبتها الميليشيا الإرهابية المتمردة ضد المواطنين، والتدمير الممنهج للدولة السودانية ومؤسساتها»، وعزمه على «القضاء على الميليشيا ودحرها وهزيمتها»، وذلك وفقاً لنص إعلام مجلس السيادة.

أفورقي لدى استقباله البرهان في مطار أسمرة الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

ونقل إعلام السيادة عن الرئيس أفورقي، أن بلاده تقف بثبات ورسوخ إلى جانب السودان من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما يعد امتداداً للعلاقات الأزلية بين شعبي البلدين: «سنعمل على تعزيز آفاق التعاون المشترك بما يخدم مصالح البلدين والشعبين».

إريتريا لن تقف على الحياد

وكان الرئيس آسياس أفورقي قد هدد قبل أيام، بأن بلاده ستتدخل لصالح الجيش السوداني إذا اقتربت الحرب من أربع ولايات حدودية، هي: القضارف وكسلا والبحر الأحمر والنيل الأزرق، وأضاف في تصريحات نقلتها صحيفة «التيار» السودانية: «إذا وصلت الحرب إلى هذه الولايات، فإن إريتريا لن تقف مكتوفة الأيدي، وستصبح طرفاً في الحرب بكل ما تملك من جيوش وإمكانيات، لأن أمنها القومي سيصبح في المحك».

ووفق عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة «التيار» السودانية، الذي زار أسمرة، ضمن وفد صحافي سوداني، الشهر الماضي، فإن الرئيس الإريتري أبلغهم بأن بلاده «تنظر إلى الحرب الدائرة بوصفها حرباً إقليمية تستهدف السودان»، داعياً للتعامل معها بالجدية الكافية، وقال أيضاً: «ما كان يجب السماح بقيامها (الحرب) ابتداءً، سواء كان ذلك سلماً أو حرباً، وعدم السماح باستمرارها لأكثر من عام ونصف العام، وكان يجب توجيه ضربة استباقية لـ(الدعم السريع)».

وأوضح ميرغني على «فيسبوك»، أن أفورقي أبلغهم بأهمية بلوغ الدولة السودانية ما سماه «بر الأمان»، عادّاً ذلك «أولوية الأولويات»، وقال أفورقي أيضاً: «الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء أو الفناء، وإنقاذها من هذا المصير يتطلب اتحاد كلمة الشعب السوداني مع الجيش».

دعوة بوتين لزيارة بورتسودان

من جهة أخرى، سير مئات السودانيين في العاصمة الإدارية «بورتسودان» موكباً إلى السفارة الروسية، تأييداً وشكراً على «الفيتو» الروسي في مجلس الأمن، وإسقاط مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا وسيراليون، لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، وحملوا لافتات كتب عليها: «شكراً روسيا، روسيا تدعم السلام والاستقرار في السودان».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لدى لقائهما في منتجع سوتشي على البحر الأسود أكتوبر 2019 (أ.ب)

وقال السفير الروسي في بورتسودان، أندريه تشيرنوفول، لدى استقباله المسيرة، إن حكومته صديقة وستظل صديقة للشعب السوداني، وأضاف: «الكل يعرف الوضع الداخلي في السودان، وأن الشعب يقف مع الجيش ومع الحكومة الشرعية، وهذا واقع معروف في كل العالم».

وأوضح أن استخدام بلاده لحق النقض «فيتو» يأتي احتراماً لخيار الشعب السوداني، وأضاف: «نحترم خيار الشعب السوداني، ومن أجل ذلك رفعنا صوتنا في مجلس الأمن ضد الوجود الأجنبي على أراضي السودان». ووجهت «المبادرة السودانية الشعبية»، وهي الجهة التي نظمت الموكب الدعوة للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، لزيارة السودان لتكريمه من قبل الشعب، وكرّمت سفير بلاده في بورتسودان.