رغم أن جزر فارو لا يتجاوز عدد سكانها 55 ألف نسمة، ويقود منتخبها مدرب يكتب الروايات البوليسية، ويضم فريقاً من لاعبين بدوام جزئي، فإنها تعيش واحدة من أكثر اللحظات استثنائية في تاريخها، بعدما اقتربت بشكل غير متوقع من المنافسة على بطاقة الملحق المؤهل إلى كأس العالم 2026. ورغم موقعها المتواضع في تصنيف «فيفا» (127 عالمياً)، فإن المنتخب الذي اعتاد الهزائم أمام كبار أوروبا أصبح فجأة على بُعد خطوة من دخول التاريخ، بعدما حقّق سلسلة من النتائج اللافتة في التصفيات الأوروبية.
ومع أن الفوز على كرواتيا، غداً (الجمعة)، لن يضمن وحده بطاقة الملحق، إذ يحتاج المنتخب إلى تجاوز التشيك، صاحب المركز الثاني، فإن مجرد الوصول إلى هذه المرحلة يُعد إنجازاً لبلد لم يتأهل من قبل لأي بطولة كبرى. المدرب إيدون كلاكشتاين، المعروف أيضاً بكتاباته الأدبية، عبّر في رسالة معنونة بـ«في وجه الرياح، في وجه الصعاب» عن الروح التي قادت الفريق، قائلاً إن سكان الجزر «شكّلتهم الرياح وهزمتهم العواصف»، لكنّهم لا يتراجعون أمام التحديات.
وأكّد أن التفكير بشكل واقعي في حجم البلاد كان سيمنعها من بناء مجتمعها القوي وثقافتها المستقلة. وتقع جزر فارو، التي تبلغ مساحتها 1400 كيلومتر مربع، في موقع منعزل بين أسكوتلندا وآيسلندا، وسبق أن وصلت إلى المركز 198 في تصنيف «فيفا». لكن الفريق تغيّر جذرياً مع تولّي كلاكشتاين قيادة المنتخب، حيث ركّز على ترسيخ الهوية المحلية، وربط اللاعبين بروح الجزر، ففاز على التشيك 2-1 الشهر الماضي، ليحقق أحد أكبر إنجازاته خلال سلسلة ضمّت 4 انتصارات في آخر 5 مباريات.
هذا التقدم لم يأتِ من فراغ، إذ عمل اتحاد جزر فارو لكرة القدم على بناء قاعدة تطويرية متينة، تعتمد إلى حد كبير على تطوع الأهالي. وتقول كريستينا رافنسفيال من الاتحاد إن معظم مدربي الأطفال بدأوا من الصفر، لكنهم اليوم أكثر وعياً وتأهيلاً، مستفيدين من النموذج البلجيكي الذي ألهمهم رغم صغر حجم البلاد.
كما يعتمد برنامج تطوير المواهب على مباريات تُلعب بين 3 لاعبين ضد 3، وعلى الصبر مع اللاعبين الذين يحتاجون وقتاً أطول للنضوج البدني. وشهدت الجزر طفرة في البنية التحتية مع بناء أنفاق تربط جزرها، ما سهّل التنقل وجعل الملاعب في متناول الجميع، حتى إن رافنسفيال تقول: «لكل قرية ملعب كرة قدم، كما لها كنيسة». أما الطقس القاسي والرياح العاتية، التي طالما كانت عائقاً، فباتت اليوم نقطة قوة على أرض الملعب، إذ عانت كرواتيا للفوز 1-0 في تورشافن، قبل أن يسقط المنتخب التشيكي ثم مونتينيغرو برباعية نظيفة على الملعب الوطني الذي يتسع لـ6 آلاف متفرج.
ويغادر أبرز لاعبي الدوري المحلي، المكوّن من 10 فرق شبه احترافية، للاحتراف في دول مجاورة، مثل الدنمارك وسلوفينيا وآيسلندا، ومن بينهم جيزا ديفيد توري لاعب غريمسبي تاون الإنجليزي. ويقول إيلي هينتز، المساعد السابق للمنتخب، إن العالم قد يتساءل كيف يمكن لبلد صغير كفارو أن ينافس بهذه الطريقة، لكن اللاعبين معتادون على مواجهة منافسين أقوى، مستندين إلى شجاعة وإيمان عميق بالنفس. وأكد أن الفوز على كرواتيا، وصيفة المونديال عام 2018، سيكون «واحداً من أعظم النتائج في تاريخ كرة القدم»، لكنه شدّد على أن السكان لا يهتمون بحجم المنافس أو تاريخه، بل يقولون ببساطة: «انطلقوا واهزموهم».

