يعمل منتخب إنجلترا بقيادة مدربه توماس توخيل على وضع «نموذج لعب مقاوم للحرارة» استعداداً لخوض كأس العالم 2026 التي ستُقام في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، حيث يتوقع الطاقم الفني أن تكون الظروف المناخية الصعبة عاملاً حاسماً في مسار البطولة.
وقال أنطوني باري، مساعد توخيل في الجهاز الفني، في تصريحات لشبكة «The Athletic» إن درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة القاسية في أميركا الشمالية خلال شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) ستجعل من الصعب تقديم كرة قدم جميلة، مضيفاً أن البطولة ستكون «بطولة لحظات»، يحسمها الترابط بين اللاعبين والقدرة الذهنية على مواجهة التحديات.
يؤكد باري أن الجهاز الفني بدأ منذ الآن في تحليل السبل التي يمكن بها تحقيق النجاح في أجواء قاسية، مشيراً إلى أن التجربة الأخيرة في كأس العالم للأندية التي أُقيمت في الولايات المتحدة، هذا الصيف، مثّلت مرجعاً مهماً للفريق الإنجليزي. وقال باري: «عندما ننظر إلى كأس العالم للأندية، فهي نموذج مصغر لظروف المونديال المقبل. لقد أثبتت أن الفرق الأوروبية قادرة على الفوز في مثل هذه البيئة، والأهم أن فريقاً إنجليزياً يستطيع ذلك أيضاً، لكن المؤكد أن الفريق الذي سيتعامل بذكاء مع الحرارة والظروف هو من سيتوَّج باللقب».
وأضاف: «حتى لو بنينا أفضل نموذج تكتيكي ممكن للعب في الحر، فإن البيئة نفسها لا تساعد على كرة قدم مثالية. البطولة ستكون سلسلة من اللحظات - من يعرف كيف يصمد ويتغلب على العقبات هو من سيفوز».
يوضح باري أن الفريق الفني يركز حالياً على بناء عقلية جماعية قادرة على مواجهة كل الظروف.
وقال: «سيكون شعارنا: الجو حار؟ فلنواجهه. رحلة متأخرة؟ فلنواجهها. ثماني مباريات بدلاً من سبع؟ فلنواجهها. عاصفة تمنعنا من التدريب؟ فلنواجهها. فارق توقيت وإرهاق؟ فلنواجههما. الفريق الذي سيفوز هو من يكون مستعداً للمعاناة معاً وتجاوز العقبات كوحدة واحدة».
يرى باري أن مفتاح النجاح في البطولات الكبرى هو «الارتباط» - بين اللاعبين أنفسهم، وبينهم وبين خطة اللعب، وبينهم وبين الهدف العام. وقال: «في كرة القدم الدولية، لن تصل إلى نموذج مثالي مثل برشلونة سابقاً أو مانشستر سيتي اليوم، لكن يمكنك بناء شيء أقوى: روح أخوة واتصال حقيقي وطاقة جماعية. هذا هو الوقود الحقيقي للمنتخبات الناجحة».
وأضاف أن الهدف من معسكرات سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) هو ترسيخ هوية واضحة تُعرف باسم «فريق إنجلترا»، يتّحد حولها اللاعبون والجماهير والإعلام.
وقال: «بنهاية هذه الفترة، يجب أن يكون الجميع قد فهم هوية المنتخب. هذا هو جوهر مشروعنا».
أقرّ باري بأن التحدي الأكبر أمام الجهاز الفني هو قلة الوقت المتاح مع اللاعبين - نحو 50 يوماً فقط قبل انطلاق البطولة - وهو ما يتطلب جعل الأفكار التكتيكية المعقدة سهلة الفهم والتنفيذ.
وقال: «مهمتنا أن نحوّل التعقيد إلى وضوح. أن نأخذ الفكرة من كونها نظرية إلى أن تصبح معرفة تُنفّذ داخل الملعب. هذه هي مهارة توماس توخيل وفريقه: تحويل الأفكار إلى أداء».
ويريد المدربون أن يُقدّم المنتخب أسلوب لعب يشعر فيه اللاعبون بالحرية والانطلاق، بحيث يكون القميص الإنجليزي «صعب المنال، لكنه خفيف على الجسد. القميص يجب أن يُشبه العباءة لا الدرع، يمنحك القوة لا العبء».
كشف باري أن المنتخب يركّز في تحضيراته على المنطقة المركزية من الملعب، أي المسافة البالغة نحو 24 متراً حول خط المنتصف؛ لأنها أصبحت «المنطقة الميتة» في كرة القدم الحديثة.
وقال: «اللعب أصبح متجمداً في هذه المساحة؛ لأن كل الفرق باتت تعرف كيف تنظّم دفاعها في الكتلة المتوسطة والمنخفضة. هدفنا هو تسريع اللعب في تلك المنطقة لإعادة فتح الملعب من العمق».
كل ما يقوم به الجهاز الفني يصبّ في هدف واحد: إضافة النجمة الثانية على قميص إنجلترا بعد تتويج 1966. يقول باري إن توخيل وفريقه شعروا منذ أول لقاء مع الاتحاد الإنجليزي بأن هذه المهمة تناسبهم تماماً: «أحببنا شخصية اللاعبين في الفريق، ورأينا فيهم مزيجاً من الجودة والصلابة. مهمتنا واضحة: الفوز بكأس العالم. وبالنسبة لنا، العمل مع هذا الجيل، ومع جماهير هذا البلد، هو شرف وفرصة نادرة».
إنجلترا لا تستعد فقط لبطولة كروية، بل لمعركة طقس ومسافات وضغوط ذهنية. توخيل وباري يريدان فريقاً لا يعتمد على الجماليات، بل على المرونة، الترابط، والقدرة على الصمود. ففي صيف ساخن عبر قارة ضخمة، قد لا يفوز من يلعب أجمل كرة... بل من يتحمل أكثر، ويؤمن أكثر.

