بعد عام تقريباً من خسارته المؤلمة على الملعب ذاته، عاد ريال مدريد ليسقط مجدداً أمام ليفربول في ملعب «أنفيلد»، في مباراة أعادت إلى الأذهان مشاهد الموسم الماضي، لكنها هذه المرة جاءت في ظل قيادة جديدة للمدرب الإسباني تشابي ألونسو، الذي واجه فريقه السابق للمرة الأولى على أرض يعرفها جيداً، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».
ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، خسر ريال مدريد بقيادة كارلو أنشيلوتي أمام ليفربول بنتيجة 0-2 ضمن مرحلة المجموعات، في حين جاءت الخسارة الأخيرة 0-1 لتقطع سلسلة من النتائج الإيجابية للفريق مع ألونسو، الذي حقق قبلها 3 انتصارات متتالية في دوري الأبطال، و10 انتصارات من 11 مباراة في الدوري الإسباني، بينها الفوز الشهير في «الكلاسيكو» أمام برشلونة 2-1.
ومع ذلك، لم تمحُ هذه النتائج المخاوف التي أثيرت بعد الهزيمتين القاسيتين أمام باريس سان جيرمان 0-4 في يوليو (تموز) ضمن كأس العالم للأندية، وأمام أتلتيكو مدريد 2-5 في سبتمبر (أيلول)، ما أثار تساؤلات حول قدرة ريال مدريد على مجاراة الكبار في المواجهات الحاسمة.
ألونسو حاول التقليل من وقع الخسارة، قائلاً: «هناك طرق مختلفة للخسارة، واليوم خسرنا بطريقة مختلفة تماماً عن تلك التي سقطنا بها في ملعب (ميتروبوليتانو) الفريق قاتل وقدّم كل ما لديه».
لكن رغم الأداء القتالي، فإن المباراة كشفت عن دروس مؤلمة للفريق الملكي.
لم يُسدد ريال مدريد سوى تسديدتين على المرمى طوال اللقاء؛ الأولى من فيدي فالفيردي، والثانية من جود بيلينغهام، في مشهد يُعيد تكرار إخفاق الموسم الماضي على الملعب نفسه. الأبرز أن الثنائي الهجومي كيليان مبابي وفينيسيوس جونيور فشلا مجدداً في صناعة الخطورة.
مبابي، الذي تُوّج قبل أيام بجائزة الحذاء الذهبي الأوروبي، لم يتمكن من تجاوز مراقبته الصارمة من فيرجيل فان دايك وإبراهيما كوناتي، إذ بدا معزولاً بعيداً عن منطقة الجزاء، في حين خسر معظم الكرات الهوائية داخلها.
أما فينيسيوس، فكان الظل الباهت لنفسه. لم يُسدد أي كرة على المرمى، وفشل في 5 مراوغات من أصل 6، ولم ينجح في إرسال أي عرضية مؤثرة، أمام أداء دفاعي متميز من الشاب كونور برادلي الذي أوقف انطلاقاته تماماً.
ألونسو أقرّ بذلك في المؤتمر الصحافي، قائلاً: «واجهنا صعوبة في الوصول إلى الخط الأخير من الملعب، دافع ليفربول بعمق، وكان من الصعب علينا إحداث ضرر فعلي في تلك المناطق».
الأجواء الصاخبة في «أنفيلد» شكلت اختباراً نفسياً للفريق، خصوصاً أمام صافرات الاستهجان التي لاحقت ترنت ألكسندر - أرنولد العائد إلى معقله السابق.
ورغم أن لاعبي ريال مدريد أظهروا التزاماً أكبر من الموسم الماضي، فإن افتقادهم القيادة والخبرة بدا واضحاً في اللحظات الحاسمة.
فبعد رحيل رموز مثل كريم بنزيمة وتوني كروس ولوكا مودريتش وناتشو، دخل الفريق مرحلة انتقالية يقودها جيل شاب يضم لاعبين مثل ألفارو كارّيراس (22 عاماً) ودين هويخسن (20 عاماً) وفرانكو ماستانتونو (18 عاماً)، إلى جانب الوافد الجديد ألكسندر - أرنولد.
ألونسو أقرّ عقب اللقاء بوجود مشكلة في التعامل مع المواقف الصعبة، قائلاً: «علينا أن نتعلم كيف لا نتلقى الأهداف بسهولة، وألّا نرتكب أخطاء أو نمنح الخصم ركلات حرة في توقيت خاطئ».
اعتمد ألونسو التشكيلة نفسها التي خاضت «الكلاسيكو» بطريقة 4-4-2 غير المتماثلة، لكنه وضع إدواردو كامافينغا في مركز الجناح الأيمن، وهو خيار لم ينجح.
وبعد أن سجّل ليفربول هدفه في الدقيقة 61، تأخر المدرب الإسباني في التبديلات حتى الدقيقة 68، حين أدخل رودريغو بدلاً من كامافينغا، لكن التغيير لم يترك أي أثر.
رودريغو، الذي فقد بريقه هذا الموسم، لم يُسجل منذ 8 أشهر، وخسر 9 كرات، ولم يصنع أي فرصة.
أما التبديل الثاني فجاء متأخراً في الدقيقة 81 بدخول ألكسندر - أرنولد بدلاً من أردا غولر، لكنه بدا متأثراً بالضغط الجماهيري، في حين شارك براهيم دياز في الدقيقة 89 بدلاً من فالفيردي المصاب دون أن يغيّر شيئاً.
هذه التبديلات البطيئة والافتقار إلى الجرأة في إشراك الشباب أعادت الانتقادات ذاتها التي وُجهت سابقاً إلى أنشيلوتي.
لو لم يكن الحارس تيبو كورتوا في قمة مستواه، لصارت النتيجة أثقل. الحارس البلجيكي أنقذ مرماه من 4 فرص محققة، بينها 3 تصديات مذهلة لتسديدات من دومينيك سوبوسلاي، ليُعيد إلى الأذهان أداءه الخارق في نهائي باريس 2022، الذي منح مدريد لقبه الرابع عشر في دوري الأبطال.
لكن كما يقول المراقبون، حين يكون حارس المرمى هو أفضل لاعب في الفريق، فذلك ليس مؤشراً إيجابياً.
فقد سدد ليفربول 9 كرات على المرمى، بإجمالي «فرص متوقعة» بلغ 2.58، مقابل 0.45 فقط لريال مدريد، قبل أن يحسم أليكسيس ماك أليستر المباراة بهدف الفوز.
ألونسو علّق على الأداء بقوله: «الشيء المقلق هو أن علينا أن نتعلم. كورتوا كان مذهلاً، لكن لا يمكننا الاعتماد عليه في كل مباراة».
وبذلك، تواصلت معاناة ريال مدريد أمام الفرق الكبرى، إذ لم يُحافظ على نظافة شباكه هذا الموسم سوى مرة واحدة في الفوز الصعب على يوفنتوس 1-0، ما يعكس أن الطريق لا يزال طويلاً أمام مشروع ألونسو لبناء فريق قادر على منافسة الصفوة الأوروبية.

