يعود ترينت ألكسندر-أرنولد إلى ملعب أنفيلد، للمرة الأولى منذ رحيله إلى ريال مدريد، عندما يواجه فريقه السابق ليفربول مساء الثلاثاء، ضمن دوري أبطال أوروبا، في مباراة يُنتظر أن تكشف إن كان الغياب قد زاد القلوب حنيناً إليه، أم أن جراح الماضي لا تزال حاضرة في أذهان جماهير النادي الإنجليزي وذلك وفقاً لشبكة «بي بي سي» البريطانية.
وكان رحيل ألكسندر-أرنولد الصيف الماضي قد أثار غضباً واسعاً في أوساط أنصار ليفربول، بعدما أعلن أنه سيغادر مع نهاية عقده، ما دفع الجماهير إلى إطلاق صافرات استهجان ضده حين شارك بديلاً في مباراة الفريق أمام آرسنال في مايو (أيار). المفارقة أن هذا الهتاف المعارض استهدف اللاعب ذاته الذي طالما تغنت به الجماهير بعبارة: «الموهبة المحلية في فريقنا»، بعد أن ساهم في إعادة لقب الدوري الإنجليزي الممتاز إلى خزائن النادي بعد غياب طويل.
اللاعب البالغ من العمر 27 عاماً، الذي تعرّض لإصابة في العضلة الخلفية مطلع الموسم مع ريال مدريد، استعاد جاهزيته للمشاركة في اللقاء المرتقب، حيث ينتظر أن يعود إلى ملعبه القديم مدافعاً عن ألوان النادي الإسباني.
بحسب تقديرات وسائل الإعلام البريطانية، من المرجح أن يلقى ألكسندر-أرنولد استقبالاً «مختلطاً» بين جماهير ليفربول، إذ لا يزال كثيرون غير قادرين على تجاوز الطريقة التي غادر بها الفريق، في صفقة انتقل بموجبها مجاناً قبل أن يتفق الناديان لاحقاً على تسوية مالية بلغت نحو 8.4 مليون جنيه إسترليني، لتسريع انضمامه إلى ريال مدريد والمشاركة في كأس العالم للأندية.
ومع ذلك، فقد خفّت حدة التوتر تدريجياً، إذ لقي اللاعب ترحيباً أكثر دفئاً حين ظهر بديلاً في آخر مباراة لليفربول على ملعبه أمام كريستال بالاس، حين تسلّم القائد فيرجيل فان دايك درع البطولة من أسطورة النادي آلان هانسن. ويرى مراقبون أن الموقف الإيجابي نسبياً جاء نتيجة غضب المدرب السابق يورغن كلوب من الطريقة العدائية التي استقبلت بها الجماهير لاعبها السابق، الذي وصفه دوماً بأنه «نموذج للمهنية والتفاني».
ولأن ألكسندر-أرنولد كان رمزاً للمدينة ومثالاً للناشئ الذي حقق المجد مع فريقه، فإن مشاعر الخيانة التي أحاطت برحيله كانت أكبر من المعتاد، خصوصاً بعد مسيرة حافلة حقق خلالها لقبين في الدوري الإنجليزي، إلى جانب دوري أبطال أوروبا، وكأس الاتحاد الإنجليزي، وكأس الرابطة، وكأس السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية.
المدافع الدولي السابق ستيفن وورنُك قال لشبكة «بي بي سي» البريطانية إن ألكسندر-أرنولد «قد لا يتلقى ترحيباً حاراً»، لكنه يرى أن «الأمر طبيعي في كرة القدم». وأضاف: «أعلم أن جماهير ليفربول المحلية ستقول إنه كان واحداً منهم في فريقٍ رائع، لكن أحياناً يرغب اللاعب في خوض تجربة جديدة. أتمنى أن يُستقبل بطريقة تليق بما قدمه».
ويتابع وورنُك: «أعتقد أن الترحيب سيكون متبايناً. لن يتوقع تصفيقاً حاراً بعد ما حدث، لكن يجب احترام آراء الجماهير أيضاً. بالنسبة لي، هو كان خادماً مخلصاً للنادي، فقط أراد تحدياً جديداً».
من جانبه، تحدث مدرب ليفربول الحالي آرنه سلوت في المؤتمر الصحافي الذي سبق اللقاء قائلاً: «أحتفظ فقط بذكريات إيجابية عن ترينت، سواء كلاعب أو كإنسان. لا أعرف كيف سيتعامل معه الجمهور، لكنه سيحظى بترحيب دافئ مني بالتأكيد».
أما زميله السابق ريان غرافنبرخ فأكد أنه سيعانقه قبل المباراة «لأنه صديق مقرّب»، على حد قوله.
وفي لفتة إنسانية، زار ألكسندر-أرنولد ملعب أنفيلد يوم الاثنين برفقة عدد من ممثلي ريال مدريد، بينهم تشابي ألونسو ودين هويخسن، لوضع إكليل من الزهور تخليداً لذكرى الراحل ديوغو جوتا، وكتب اللاعب رسالة بخط يده قال فيها: «صديقي ديوغو، نفتقدك كثيراً ولكننا ما زلنا نحبك كما كنت دائماً. ستظل ذكراك أنت وأندري حية إلى الأبد. أبتسم كلما تذكرتك وسأظل أحتفظ بلحظاتنا الجميلة. أشتاق إليك كل يوم. محبتي لك، ترينت وعائلته».
غياب ألكسندر-أرنولد ترك فراغاً واضحاً في تشكيلة ليفربول، إذ ما زال المدرب سلوت يحاول إيجاد التوازن بعد إعادة بناء الفريق بمبلغ تجاوز 450 مليون جنيه إسترليني الصيف الماضي. ورغم الفوز الأخير على أستون فيلا بنتيجة 2 - 0، والذي أوقف سلسلة من ست هزائم في سبع مباريات، فإن الفريق لم يظهر بنفس الفاعلية الهجومية التي ميّزته في السنوات الأخيرة.
تراجع أداء محمد صلاح، رغم وصوله إلى هدفه رقم 250 مع النادي، سلط الضوء على العلاقة التكاملية التي جمعته بألكسندر-أرنولد، إذ كان الأخير صاحب أعلى رقم في «التمريرات الكاسرة للخطوط» الموسم الماضي (147 تمريرة لصلاح وحده).
يقول وورنُك: «اللاعب الشاب كونور برادلي يملك موهبة كبيرة، لكنه يحتاج إلى وقت لبناء شراكة جديدة مع صلاح. هذه الأشياء لا تُصنع بين ليلة وضحاها». ويضيف: «رحيل ترينت أثّر على صلاح بلا شك، فهما لم يكونا مجرد نجمين، بل كانا شريكين في صناعة الفارق، ترينت كان يجذب المدافعين نحوه ويفتح المساحات لصلاح، والعكس صحيح».
ويتابع: «حتى المدافع إبراهيما كوناتي يفتقده، لأنه كان يعرف أنه يستطيع تمرير الكرة لترينت تحت الضغط. غيابه أثّر على توازن الجبهة اليمنى دفاعاً وهجوماً، كما أن وجوده في خط الوسط أحياناً كان يمنح الفريق تفوقاً عددياً بفضل رؤيته المميزة للملعب».
وأضاف وورنُك أن التعاقد مع جيريمي فريمبونغ القادم من باير ليفركوزن مقابل 29 مليون جنيه إسترليني «لم يعوض الفارق»، موضحاً أن «إصاباته المتكررة وصعوبة تحديد مركزه المثالي» جعلت الاستفادة منه محدودة حتى الآن.
وفي ختام تحليله، قال وورنُك إن ليفربول «يفتقد ألكسندر-أرنولد بنسبة 100 في المائة»، مضيفاً: «كان ظهيراً أيمن، لكنه في الواقع كان لاعب وسط مبدعاً. أشبّهه بكيفن دي بروين، ليس من حيث المركز بل من حيث التأثير والطريقة التي يبث بها الخوف في قلوب المدافعين بفضل تمريراته الدقيقة وقدرته على صناعة الفارق».
وأوضح: «حين كان ترينت في ليفربول، كانت الفرق تتراجع تلقائياً، لأنه كان قادراً على إرسال الكرات خلف الدفاع في أي لحظة. حتى عندما يخطئ، كانوا يدركون أنه قد يصيب في المرة التالية، وهذا كافٍ لجعلهم في حذر دائم».
ويختتم: «جلب النادي فلوريان فيرتس ليملأ هذا الفراغ الإبداعي، لكن حتى الآن لا أحد استطاع أن يعوّض ما كان يقدمه ترينت ألكسندر-أرنولد. ليفربول يفتقده تماماً».
