مع نهاية صيف شهد إنفاق أندية الدوري الإنجليزي الممتاز رقماً قياسياً بلغ 3.11 مليار جنيه إسترليني (4.19 مليار دولار) لتعزيز صفوفها، بدا دوري الدرجة الأولى الإنجليزي «التشامبيونشيب» وكأنه الحلقة الأضعف وغير المرغوب فيها.
ففي سوق الانتقالات الأخيرة، بحسب شبكة «The athletic»، انتقل 14 لاعباً فقط من الدرجة الأولى إلى الدوري الممتاز، مقارنة بـ20 لاعباً في العام الماضي و27 لاعباً في صيف العام الذي سبقه. والأدهى أن 3 من هؤلاء الـ14 هم حراس مرمى بدلاء، و4 آخرين جاءوا عبر انتقالات مجانية.
لطالما كان «التشامبيونشيب» المصدر الأهم للاعبين الذين يشقون طريقهم إلى القمة، إذ تخرّجت منه في الأعوام الأخيرة أسماء بارزة مثل أولي واتكينز، ومورغان روجرز، ودجد سبنس، وآدم وارتون وإيبيريتشي إيزي، الذين أصبحوا لاحقاً نجوماً في الدوري الممتاز، ووصل بعضهم لمنتخب إنجلترا. وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء فسنجد أسماء لامعة أخرى مثل إيزري كونسا، وجارود بوين، وكيران تريبييه وجون ستونز.
لكن هذا الصيف بدا مختلفاً؛ إذ تفوَّقت أسواق أوروبية أخرى - مثل الدوري الألماني (20 لاعباً انتقلوا منه إلى إنجلترا) والدوري الفرنسي (18 لاعباً) والدوري الإيطالي (15 لاعباً) - على «التشامبيونشيب» بوصفها مصدراً للمواهب.

النتيجة أن 186.5 مليون جنيه إسترليني فقط من أصل 3.11 مليار صُرفت على لاعبين من الدرجة الأولى، وأكثر من 75 في المائة من هذا المبلغ ذهبت لـ3 أندية هبطت الموسم الماضي من الدوري الممتاز: ساوثهامبتون، وليستر سيتي وإبسويتش تاون. خارج هذه الدائرة، لم تستفد سوى ناديَي ميلوول وبرمنغهام سيتي من رسوم انتقال إلى الممتاز.
تطرح هذه الأرقام تساؤلات: لماذا تراجعت ثقة أندية الدوري الممتاز بمصدر طالما خدمها؟ هل تقدم الأسواق الأوروبية قيمة أفضل مقابل المال؟ هل تراجع مستوى «التشامبيونشيب» بالفعل؟
أحد أبرز التحديات هو الشك في قدرة لاعبي الدرجة الأولى على التكيُّف مع إيقاع الممتاز. ففي الصيف الماضي، كانت أبرز الصفقات من «التشامبيونشيب» إلى «الممتاز» تشمل انتقال ماتيوس فرنانديز إلى وست هام يونايتد من ساوثهامبتون مقابل 38 مليون جنيه، وعُمر هاتشينسون إلى نوتنغهام فورست من إبسويتش بـ37.5 مليون، وتايلر ديبلنغ إلى إيفرتون من ساوثهامبتون بـ35 مليوناً، وليام ديلاب إلى تشيلسي بـ30 مليوناً. وجميع هؤلاء خاضوا أكثر من 30 مباراة في الدوري الممتاز الموسم السابق، ما بدَّد بعض المخاوف بشأن جاهزيتهم.
لكن الواقع أن الأندية ما زالت متأثرة برواية «اتساع الفجوة» بين الدرجتين، خصوصاً مع تكرار هبوط الفرق الـ3 الصاعدة في الموسمين الماضيين، ما يعزز الانطباع السلبي عن مستوى الدرجة الأولى. أحد مسؤولي التعاقدات في «الممتاز» لخص الأمر قائلاً: «في السابق كان هناك بين 8 و10 لاعبين في (التشامبيونشيب) قادرون على أداء المهمة في الدوري الممتاز... لكن هذا لم يعد موجوداً».
تصريحات كريغ بيلامي، المدرب الويلزي ومساعد مدرب بيرنلي السابق، خلال فترة التوقف الدولي الأخيرة، عكست التغيرات. قال: «الموضوع صار أقرب إلى مواجهة (سايبورغ). في الدوري الممتاز، تجد لاعبين بقدرات بدنية خارقة إلى جانب المهارة. حاولنا بناء فريق في بيرنلي يخرج من المساحات الضيقة، لكن في الممتاز واجهنا شيئاً غير واقعي».
هذا التركيز على الجانب البدني جعل بعض المواهب التقنية مهددة بالإهمال. مثال ذلك آدم وارتون الذي انضم من بلاكبيرن روفرز إلى كريستال بالاس مقابل 22 مليون جنيه العام الماضي، وأثبت لاحقاً قيمته رغم الشكوك السابقة حول قدرته الدفاعية.
عامل آخر هو العمر وإعادة البيع، في ظل ضغوط لوائح الاستدامة المالية. فمعظم الصفقات الناجحة بين الدرجتين تخص لاعبين صغار السن مثل فرنانديز (21 عاماً)، وهاتشينسون (21 عاماً)، وديبلنغ (19 عاماً) وديلاب (22 عاماً). أما مَن تجاوز 23 عاماً وبقي في «التشامبيونشيب»، فتُطرح تساؤلات حول جدواه.
خذ مثلاً الأميركي جوش سارجنت، مهاجم نوريتش سيتي (25 عاماً)، الذي يواصل التألق تهديفياً لكنه يصنَّف غالباً بأنه «مهاجم ممتاز للدرجة الأولى، وليس للدوري الممتاز». ورغم اهتمام فولفسبورغ الألماني به، فإنه انتظر عرضاً لم يأتِ من الدوري الإنجليزي.
المفارقة أن بعض المواهب التي تجاهلتها أندية الممتاز، وجدت طريقها عبر أوروبا لتعود من الباب الكبير. فيكتور جيوكيريس مثلاً، الذي تألق مع كوفنتري، انتقل إلى سبورتنغ لشبونة قبل أن يشتريه آرسنال هذا الصيف مقابل 73.5 مليون يورو.
أندية أوروبية مثل بورتو، وكولن، وفولفسبورغ، أنفقت عشرات الملايين لضم لاعبين من «التشامبيونشيب» هذا الصيف، ما وفَّر دخلاً مهماً للأندية الإنجليزية خارج الدوري الممتاز.
مسؤولو التعاقدات في «الممتاز» يشتكون من الأسعار «المبالغ فيها»، إذ يبدأ تقييم أي موهبة من «التشامبيونشيب» بـ30 مليون جنيه على الأقل. صفقة هاتشينسون إلى فورست مثال واضح، حيث قدّره نادٍ آخر بنصف القيمة تقريباً.
في المقابل، تجد الأندية في أوروبا صفقات تبدو أفضل على الورق. كريستال بالاس، مثلاً، تعاقد الشهر الماضي مع يريمي بينو من فياريال مقابل 26 مليون جنيه، وهو لاعب دولي إسباني خاض أكثر من 130 مباراة في «لا ليغا». مقارنة بذلك، تبدو بعض صفقات «التشامبيونشيب» مبالغاً فيها.
رغم هذه الصورة القاتمة، فإن هناك استثناءات. كريستال بالاس نفسه كان ناجحاً في جلب إيزي من كوينز بارك رينجرز، ومايكل أوليس من ريدينغ، وآدم وارتون. كذلك، يظل وست هام من أكثر الأندية إنفاقاً في الدرجة الأولى، بقرابة 160 مليون جنيه في 5 سنوات، مع التركيز على لاعبين هبطوا لتوهم من الممتاز.
الأندية الصاعدة حديثاً إلى «الممتاز» غالباً ما تعود إلى «التشامبيونشيب» لإبرام تعاقداتها، كما فعل إبسويتش (8 لاعبين) ولوتون تاون (5 لاعبين).
لكن أندية القمة مثل مانشستر يونايتد وليفربول تبدو بعيدة عن هذه السوق. يونايتد لم يدفع مقابلاً لصفقة من الدرجة الأولى منذ 2019 (دانيال جيمس)، أما ليفربول فقد تعاقد مع بن ديفيز من بريستون عام 2021 في صفقة طارئة لم يشارك فيها اللاعب أبداً.
جزء من التفسير يكمن في هيمنة أندية الممتاز على المواهب منذ سن مبكرة. فالنظام الأكاديمي الحالي يسمح لها بجذب اللاعبين بين 12 و16 عاماً، ما يقلل من عدد المواهب التي تصل لاحقاً إلى فرق «التشامبيونشيب» وتلفت الأنظار.
بكلمات أخرى، فإن القاعدة التي كانت تمد الدوري الممتاز بالنجوم تتعرَّض للتفريغ قبل أن تصل إلى مرحلة النضج. والنتيجة: سوق مشبعة بالأسعار، وتفضيل واضح لأسواق أوروبا أو المواهب الأصغر سناً على حساب لاعبي الدرجة الأولى الأكثر خبرة.
