هل أعاد كريستال بالاس الجماهير الحقيقية إلى الدوري الإنجليزي؟

جمهور كريستال بالاس احتضن فريقه في أسوأ اللحظات (إ.ب.أ)
جمهور كريستال بالاس احتضن فريقه في أسوأ اللحظات (إ.ب.أ)
TT

هل أعاد كريستال بالاس الجماهير الحقيقية إلى الدوري الإنجليزي؟

جمهور كريستال بالاس احتضن فريقه في أسوأ اللحظات (إ.ب.أ)
جمهور كريستال بالاس احتضن فريقه في أسوأ اللحظات (إ.ب.أ)

في قلب العاصمة البريطانية، وعلى بعد أقل من نصف ميل من قصر باكنغهام، بدا أن أمراً استثنائياً يحدث. مروحية تحلّق في سماء لندن، حالة من الترقب تنتشر بين المارة، والعيون تتجه نحو الأعلى، تحاول أن تفسِّر المشهد. السيّاح في حالة ارتباك، يتساءلون: هل هناك خطر أمني؟ هل هناك أحد الهاربين؟ هل قرَّر الملك فجأة الخروج في نزهة؟ وبالطبع، لا علاقة بين تلك الاحتمالات، لكن حالة الغموض زادت التساؤلات وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».

الإجابة جاءت بعد لحظات، عندما انطلق هتاف مميز من أحد الشوارع: «إيييييييغلز!»، حينها فقط أدرك الجميع أن ما يحدث لا يتعلق بالسياسة أو الأمن، بل بكرة القدم. كريستال بالاس فرض وجوده على لندن، وكتب فصلاً جديداً لن يُنسى في تاريخه.

اليوم بدأ من ساحة «كوفنت غاردن» الشهيرة، حيث تجمَّع الآلاف من أنصار كريستال بالاس تحت شمس مايو (أيار) المشرقة. الأغاني كانت تُغنَّى بحماس، والمشجعون يرتدون لونَي فريقهم، الأحمر والأزرق، في مشهد احتفالي بامتياز. رغم أن «كوفنت غاردن» تعج بالحركة دائماً، فإن مشهد ذلك اليوم كان استثنائياً بكل المقاييس. الأجواء صاخبة، لكن منضبطة؛ جماهير بالاس لم تترك خلفها فوضى، بل حتى جلبوا أكياس النفايات معهم لتنظيف المكان بعد الانتهاء.

إيبيريشي إيزي (رويترز)

السياح لم يُخفوا دهشتهم، منهم مَن أخرج جواله ليلتقط الصور وسط دخان الفتائل الملونة، ومنهم مَن حاول تقليد هتاف الجماهير، بينما تساءل أحد الأميركيين باستغراب: «مَن هؤلاء؟» هؤلاء هم جماهير كريستال بالاس، جاءوا من كل مكان، يحملون أقنعة لمدربهم أوليفر غلاسنر، ويرفعون كؤوساً مصنوعةً من ورق الألمنيوم ترمز إلى كأس الاتحاد. المشهد لم يكن مجرد دعم لفريق، بل كان احتفالاً بهوية وانتماء.

منذ فترة طويلة، تُعرَف جماهير كريستال بالاس بأنها واحدة من أكثر الجماهير حماسةً في إنجلترا، رغم أن لندن تضم كثيراً من الأندية الكبيرة. ولكن ما يميزهم أنهم ينتمون لنادٍ لا يملك التاريخ ذاته، ولا الألقاب ذاتها، ومع ذلك، لديهم عشق لا يُضاهَى. وهذا التميز لا يعود فقط إلى العدد، بل إلى طبيعة هذا الجمهور، وتحديداً مجموعة «الهولمزدايل فاناتيكس»، التي باتت رمزاً للولاء والانتماء الحقيقي.

«الهولمزدايل فاناتيكس» تأسَّست عام 2005 من قبل مجموعة من الأصدقاء الذين أرادوا إعادة الحياة إلى مدرجات ملعب «سيلهرست بارك». كانوا في مقتبل العمر، لكنهم زرعوا بذرة تحوَّلت مع الوقت إلى حركة جماهيرية منظمة، تُقارَن بما تفعله روابط «الألتراس» في إيطاليا أو ألمانيا. يجلسون معاً، يرتدون قمصاناً موحّدة، يرفعون «تيفوهات» ضخمة، ويهتفون طوال المباراة، سواء كان فريقهم فائزاً أو خاسراً. يتبنون قضايا مجتمعية ويعبِّرون عن مواقفهم بطرق بصرية وصوتية، حتى باتوا الوجه الجماهيري الأبرز للنادي.

كريستال بالاس ذكّر الجميع أن كرة القدم لا تُقاس بالحجم بل بالحقيقة (إ.ب.أ)

هذا النوع من الانتماء يأتي في وقت أصبحت فيه كرة القدم الحديثة تُنتقد بشدة؛ بسبب فقدانها الروح. الأسعار الباهظة للتذاكر، وتغيير مواعيد المباريات لأغراض تسويقية، وتقنية الفيديو التي قتلت فرحة الهدف، والتعامل مع المشجعين على أنهم «عملاء»، كل ذلك جعل كثيرين يشعرون بأن اللعبة التي أحبوها تتغيَّر. وفي ظل هذه المظاهر، يظهر كريستال بالاس بوصفه قصةً مختلفةً. نادٍ لم يُتوَّج بالبطولات، ولم يتأهل لدوري الأبطال، لكنه حافظ على شيء ثمين: جمهوره.

في نصف نهائي كأس الاتحاد أمام أستون فيلا، قدَّمت مجموعة «الهولمزدايل فاناتيكس» عرضاً بصرياً رائعاً، جسَّد صورةً شهيرةً لطفل يحتضن قميص اللاعب أندروس تاونسند بعد إحدى المباريات. لكن في النهائي، تجاوزوا التوقعات، ورفعوا «تيفو» استثنائياً يُخلّد هدف دارين أمبروز من مسافة 40 ياردة في مرمى مانشستر يونايتد خلال مباراة في كأس الرابطة عام 2011. لم يكن ذلك الهدف وحده هو الرمز، بل الصورة التي التُقطت لمشجع يُدعى مارك ويليانز يحتضن ابنيه في لحظة فرح. مارك توفي لاحقاً بمرض السرطان، وابناه حضرا إلى «ويمبلي»، وشاهدا صورتهما تتصدَّر المدرج. دموعهما كانت حديث الجماهير.

لم تكن هناك شعارات تجارية ولا عبارات مصطنعة. كان العرض صادقاً، وإنسانياً، ويمثل ما تعنيه كرة القدم حقاً: «الذاكرة، والعائلة، واللحظة».

قبل انطلاق المباراة، كانت الأغنية الشهيرة «Glad All Over» تتردد في أرجاء الملعب، والجمهور يقفز ويهتف بجنون. وعندما بدأت المباراة، لم يتوقفوا عن الغناء حتى الدقيقة 33، حين احتسب الحكم ركلة جزاء لمانشستر سيتي. ومع تصدي دين هندرسون لها، انفجرت المدرجات بهتاف لا يوصف، يفوق حتى الهتاف الذي صاحب هدف إيزي في الشوط الأول.

لم يتوقفوا عن التشجيع طيلة المباراة، وحتى عندما كان الجميع مشدود الأعصاب في الدقائق الأخيرة، كانت «الهولمزدايل فاناتيكس» تهتف وتضرب الطبول.

عند صفارة النهاية، ساد مزيج من الدهشة والفرح. البعض بكى، والبعض عانق مَن بجانبه، والبعض الآخر بقي واقفاً في مكانه غير مصدّق. كما قال أحد المتابعين باللغة البرتغالية: «عدد كبار السن الذين بكوا اليوم مؤثر للغاية... انتظروا هذه اللحظة طيلة حياتهم. إذا لم تشعر بشيء تجاه هذا المشهد، فأنت ميت من الداخل».

غلاسنر يحتفل بكأس إنجلترا (د.ب.أ)

المدرب أوليفر غلاسنر قال بعد اللقاء: «بدايتنا هذا الموسم كانت كارثية، 3 نقاط فقط بعد 8 مباريات. أي جمهور آخر كان سيفقد صبره، لكن جمهورنا واصل الدعم. حتى عندما تلقينا 10 أهداف في مباراتين أمام سيتي ونيوكاسل، لم يتخلوا عنا. هذا جمهور يَحتضن فريقه في أسوأ اللحظات، وهذا ما يجعل هذا الفوز مميزاً».

اليوم، في خضم فوضى كرة القدم الحديثة، حيث تدور النقاشات حول مَن هو «النادي الأكبر» ومَن لديه «جمهور أكثر»، جاء كريستال بالاس ليُذكّر الجميع أن كرة القدم لا تُقاس بالحجم، بل بالحقيقة. لا تُقاس بعدد الألقاب، بل بصدق المشاعر.

عند صافرة النهاية ساد مزيج من الدهشة والفرح (رويترز)

وحتى الساعة العاشرة مساءً، كانت الاحتفالات مستمرة في «ويمبلي». أحد المشجعين، متمايل الخطى عند محطة القطار، قال لصديقه: «لا أعرف أين نذهب... لكنني متأكد أننا ذاهبون لأوروبا!». نعم، قد لا يكون يعرف طريقه إلى القطار... لكن فريقه عرف طريقه إلى المجد.


مقالات ذات صلة

مونديال الأندية: الترجي يخسر مباراته الافتتاحية أمام فلامنغو بثنائية

رياضة عالمية تلقى الترجي خسارته الأولى منذ أبريل الماضي (رويترز)

مونديال الأندية: الترجي يخسر مباراته الافتتاحية أمام فلامنغو بثنائية

خسر الترجي التونسي مباراته الافتتاحية أمام فلامنغو البرازيلي 0-2 الإثنين على ملعب لينكولن فايننشال فيلد ضمن منافسات المجموعة الرابعة من كأس العالم للأندية لكرة

«الشرق الأوسط» (فيلادلفيا)
رياضة عالمية أمطرت بنما شباك غوادلوب بالأهداف الخمسة (رويترز)

بنما تفتتح مشوارها في «الكأس الذهبية» بخماسية أمام غوادلوب

استهل منتخب بنما مشواره في بطولة الكأس الذهبية لاتحاد «الكونكاكاف» بفوز كبير على نظيره منتخب غوادلوب بنتيجة 5-2، في اللقاء الذي جمع بينهما مساء الاثنين (صباح ال

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
رياضة عالمية جماهير بوكا سجلت حضورا كبيراً في المدرجات لدعم فريقها (أ.ب)

جماهير بوكا تحوّل «هارد روك» إلى «لا بومبونيرا» في مونديال الأندية

حوّلت جماهير بوكا جونيورز الأرجنتيني ملعب هارد روك في ميامي إلى نسخة مصغرة من ملعب «لا بومبونيرا»، خلال مواجهة الفريق مع بنفيكا في افتتاح مشواره بكأس العالم للأ

هيثم الزاحم (ميامي )
رياضة عالمية قمة مثيرة انتهت بالتعادل الإيجابي بنتيجة 2-2 (إ.ب.أ)

بوكا يسقط في فخ التعادل أمام بنفيكا بتوقيع أرجنتيني

فرّط بوكا جونيورز الأرجنتيني في فوز كان في متناوله بعدما اكتفى بالتعادل 2-2 أمام بنفيكا البرتغالي، في واحدة من أكثر مباريات الجولة الأولى إثارة في بطولة كأس الع

«الشرق الأوسط» (ميامي )
رياضة سعودية القمة ناقشت استدامة المنشآت الرياضية (الشرق الأوسط)

«قمة الرياض» تناقش استدامة المنشآت الرياضية… وتحذير من إهمالها

اختُتم اليوم الأول من قمة السعودية للرياضة والترفيه، المنعقدة في مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض، بجلسات حوارية ناقشت مستقبل المنشآت الرياضية في ضوء معايي

لولوة العنقري (الرياض )

مونديال الأندية: الترجي يخسر مباراته الافتتاحية أمام فلامنغو بثنائية

تلقى الترجي خسارته الأولى منذ أبريل الماضي (رويترز)
تلقى الترجي خسارته الأولى منذ أبريل الماضي (رويترز)
TT

مونديال الأندية: الترجي يخسر مباراته الافتتاحية أمام فلامنغو بثنائية

تلقى الترجي خسارته الأولى منذ أبريل الماضي (رويترز)
تلقى الترجي خسارته الأولى منذ أبريل الماضي (رويترز)

خسر الترجي التونسي مباراته الافتتاحية أمام فلامنغو البرازيلي 0-2 الإثنين على ملعب لينكولن فايننشال فيلد ضمن منافسات المجموعة الرابعة من كأس العالم للأندية لكرة القدم.

سجل الأوروغوياني خيورخيان دي أراسكاييتا (17) ولويس أراوخو (70) هدفي الفريق البرازيلي.

وكان تشلسي الإنجليزي تغلب على لوس أنجليس أف سي الأميركي بهدفين نظيفين في وقت سابق ضمن منافسات المجموعة عينها.

وتلقى الترجي خسارته الأولى منذ 1 نيسان/أبريل أمام ماميلودي صندوانز الجنوب إفريقي في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا، قبل تحقيقه سلسلة من عشر مباريات من دون خسارة توّج على إثرها بلقبي الدوري والكأس.

يتشارك فلامنغو الصدارة للمجموعة مع تشيلسي (رويترز)

في المقابل، واصل فلامنغو الذي يتصدر الدوري البرازيلي بعد 12 مرحلة (خاض 11 مباراة)، نتائجه الباهرة بقيادة مدربه الشاب فيليبي لويس ووصل إلى تسع مباريات من دون خسارة في مختلف المسابقات.

وأجرى ماهر الكنزاري مدرب الترجي تعديلين على التشكيلة الأساسية التي اعتمد عليها في ثلاث مباريات متتالية ضمن مسابقة الكأس التي توّج بلقبها، فأشرك قلب الدفاع ياسين مرياح الذي غاب لفترة طويلة بسبب قطع بالرباط الصليبي، والمهاجم البرازيلي رودريغو رودريغيس.

في فيلادلفيا وبحضور جماهيري فاق الـ25 ألف مشجع، ضغَط فلامنغو منذ بداية المباراة وتمكن من افتتاح التسجيل عبر دي أراسكاييتا بتسديدة من وسط منطقة الجزاء بعدما وصلته تمريرة لويس أراوخو (17).

جاوز الحضور الجماهيري للمباراة 25 ألف متفرج (أ.ف.ب)

وكاد غيرسون يضيف الثاني بسرعة بتسديدة قوية تصدى لها الحارس بشير بن سعيد (19).

وتواصل الضغط البرازيلي من دون تشكيل خطورة، فيما غابت النجاعة الهجومية بشكل شبه تام عن لاعبي الترجي الذين لم يتمكنوا من إكمال مجموعة من التمريرات طوال الشوط الأول.

ووصلت نسبة الاستحواذ إلى 63% لفلامنغو في الوقت الذي اكتفى فيه الترجي بتسديدة واحدة طوال الدقائق الـ45 الأولى، مقابل ثماني لمنافسه.

مع بداية الشوط الثاني، أدخل الكنزاري لاعب الوسط العاجي عبد الرحمن كوناتي بدلا من شهاب الجبالي (46).

وسدد محمد أمين بن حميدة على المرمى البرازيلي لأول مرة، لكن تسديدته البعيدة لم تشكّل خطرا على الحارس الأرجنتيني أغوستين روسي (49).

وأبعد الحارس بن بشير كرة خطيرة أمام المرمى من أمام بيدرو محافظا على بقاء فريقه في أجواء المباراة (53).

جماهير الترجي ساندت فريقها في رحلته المونديالية (رويترز)

وكاد نجم الترجي الجزائري يوسف بلايلي يفعلها بتسديدة قوية من داخل المنطقة أبعدها الحارس إلى ركنية (67).

وتمكن أراوخو من تعزيز النتيجة لفلامنغو بتسديدة مقوّسة جميلة من داخل المنطقة بعدما استلم من دون مراقبة تمريرة بينية من لاعب الوسط الإيطالي جورجينيو (70).

وتواصل ضغط فلامنغو وسدد الظهير أيرتون لوكاس كرة على الطاير لم تُصب المرمى (76).

ولم تنفع تبديلات الكنزاري الثلاث الأخيرة في تغيير شكل المباراة على الرغم من بعض الهجمات غير المثمرة، ليتلقى الترجي خسارة تُضعف آماله في بلوغ الدور الثاني.

ويلعب الترجي مباراته المقبلة مع لوس أنجليس الجمعة على ملعب جيوديس بارك قبل أن يلتقي تشلسي في 24 حزيران/يونيو على ملعب لينكولن فايننشال فيلد.