كيف حول ظهور كأس العالم كرة القدم الأولمبية إلى بطولة هامشية؟

مشاركة منتخبات الرجال لا تُشكل حالياً أهمية حقيقية لغالبية الدول المتنافسة

المنتخب الأرجنيني الأولمبي يتدرب استعداداً للبطولة المرشح للفوز بها (أ.ب)
المنتخب الأرجنيني الأولمبي يتدرب استعداداً للبطولة المرشح للفوز بها (أ.ب)
TT

كيف حول ظهور كأس العالم كرة القدم الأولمبية إلى بطولة هامشية؟

المنتخب الأرجنيني الأولمبي يتدرب استعداداً للبطولة المرشح للفوز بها (أ.ب)
المنتخب الأرجنيني الأولمبي يتدرب استعداداً للبطولة المرشح للفوز بها (أ.ب)

لا يزال ملعب «بوست ستاديون» قائماً على بُعد نحو 10 دقائق سيراً على الأقدام شمال غربي محطة السكك الحديدية الرئيسية في العاصمة الألمانية برلين. لقد تم إعداد هذا الملعب ليستضيف مباريات كرة القدم الأميركية في الوقت الحالي، لكن في عام 1936 كان هذا هو الملعب الذي شهد حضور أدولف هتلر الوحيد لإحدى مباريات كرة القدم.

كان هتلر، مثل كثير من الطغاة، متشككاً في كرة القدم. وكانت الجماهير التي حضرت هذه المباراة حاشدة وفوضوية، لكن ألمانيا قدمت مستويات مثيرة للإعجاب وسحقت لوكسمبورغ بتسعة أهداف دون رد، ولم يعتقد كثيرون أن النرويج ستكون خصماً قوياً في الدور التالي، لذلك وصل هتلر، إلى جانب كثير من كبار النازيين الآخرين لمشاهدة مباراة الدور ربع النهائي.

كان مساعد المدير الفني لمنتخب ألمانيا هو سيب هيربيرغر، الذي قاد لاحقاً ألمانيا الغربية للفوز بكأس العالم 1954، وتم إرساله لمشاهدة مباراة إيطاليا ضد اليابان، التي سيلعب الفائز منها مع الفائز من مباراة ألمانيا والنرويج في الدور ربع النهائي، لذلك لم يكن هيربيرغر في ملعب «بوست ستاديون» في تلك الليلة. لكن كانت هناك المفاجأة الكبرى عندما خسرت ألمانيا أمام النرويج بهدفين دون رد!

فازت إيطاليا على النرويج في الدور نصف النهائي، ثم تغلبت على النمسا في المباراة النهائية، لتضيف الميدالية الذهبية الأولمبية إلى كأس العالم التي كانت قد فازت بها قبل عامين. وبعد ذلك، فازت إيطاليا بكأس العالم مرة أخرى عام 1938، لكن المدير الفني لإيطاليا آنذاك، فيتوريو بوزو، كان يقول دائماً إن عام 1936 شهد من دون شك أعظم إنجازاته، نظراً لأنه كان في الواقع يقود فريقا مكونا من الطلاب (على الرغم من أن خمسة منهم أصبحوا فيما بعد لاعبين محترفين). أما في ألمانيا، على النقيض من ذلك، فلم تكن هناك كرة قدم على المستوى الاحترافي، وبالتالي كان فريق البلد المضيف يلعب بفريق مكتمل القوة.

في الحقيقة، هذه هي المشكلة التي دائماً ما تواجه كرة القدم للرجال في دورة الألعاب الأولمبية. فعلى عكس كرة القدم للسيدات، التي لا تفرض أي قيود على من يحق له اللعب، تتعامل كرة القدم للرجال مع قيود ومشكلات تتعلق بـ«الهواة». وقد فسرت بلدان مختلفة مصطلح «الهواة» بطرق مختلفة، وهو الأمر الذي كان له تأثير كبير على النتائج النهائية. على سبيل المثال، كان منتخب أوروغواي الذي حصل على الميدالية الذهبية في عامي 1924 و1928 رائعاً من دون أدنى شك، لكنّ عدداً قليلاً جداً من لاعبيه كان من الممكن أن ينطبق عليهم التعريف الأوروبي الأكثر صرامة لـ«الهواة»؛ وكان جول ريميه، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) آنذاك، قد سمح لأوروغواي بالمشاركة بهذا الشكل لتعزيز المشاركة غير الأوروبية، وإضفاء طابع عالمي أكبر على البطولة.

ولهذا السبب، فإنه خلال الفترة بين عامي 1952 و1988، فاز منتخب من دولة شيوعية بجميع الميداليات الذهبية في كرة القدم (باستثناء عام 1984 عندما قاطعت دول الكتلة الشرقية دورة الألعاب الأولمبية). لقد كان لاعبو هذه الدول موظفين حكوميين يعملون في الجيش أو وزارة الداخلية أو في مصانع أو نقابات مختلفة، وبالتالي تم عدهم «هواة»؛ لأنهم لا يحصلون على أجور رسمية مقابل ممارسة الرياضة. هذا لا يعني أن هذه المنتخبات لم تكن رائعة - فقد وصل منتخب المجر المشارك في دورة الألعاب الأولمبية لعام 1952 إلى المباراة النهائية لكأس العالم 1954، وتم تدمير منتخب الاتحاد السوفياتي الرائع لعام 1956 قبل كأس العالم التالية بسبب إدانة مهاجمه إدوارد ستريلتسوف بتهمة الاغتصاب، ونجح المنتخب البولندي عام 1972 في إقصاء إنجلترا من تصفيات كأس العالم 1974، بل واحتل المركز الثالث في البطولة، لكنه لم يدخل في منافسات قوية أيضاً ضد صفوة المنتخبات الأخرى في بقية العالم.

وبعد انهيار الشيوعية، أصبحت كرة القدم للرجال في دورة الألعاب الأولمبية تقتصر على اللاعبين الأقل من 23 عاماً، مع السماح بثلاثة لاعبين فوق السن بدءاً من عام 1996. وقد عد منتخب إسبانيا في عام 1992 على نطاق واسع واحداً من أعظم المنتخبات في دورة الألعاب الأولمبية بعد المستويات المذهلة التي قدمها في الدورة التي استضافتها برشلونة، وكان هذا الفريق يضم في صفوفه جوسيب غوارديولا ولويس إنريكي. وقد شهدت هذه البطولة بدايات تفوق إسبانيا في تطوير اللاعبين الشباب، لكن الأمر استغرق وقتاً طويلاً قبل أن يتجسد ذلك في فوز إسبانيا بالبطولات والألقاب الكبرى.

كانت هناك انتصارات مثيرة ومذهلة لنيجيريا في عام 1996 والكاميرون في عام 2000، وهو ما بدا وكأنه جزء من عملية تطوّر كبيرة مقبلة في كرة القدم الأفريقية. لكن منذ ذلك الحين، وعلى الأقل فيما يتعلق بالاقتراب من المنافسة الجادة في كأس العالم، ظلت كرة القدم الأفريقية في حالة تراجع إلى حد كبير.

لاكازيت أحد العناصر البارزة في صفوف منتخب فرنسا (أ.ف.ب)

وكان أبطال دورة الألعاب الأولمبية في كرة القدم للرجال جميعهم من أميركا اللاتينية في آخر خمس نسخ، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى رغبة الأرجنتين والبرازيل في إرسال نجوم كبار مثل ليونيل ميسي ونيمار للمشاركة في المسابقة. يبدو أن النجم الفرنسي كيليان مبابي كان يريد المشاركة مع منتخب بلاده هذه المرة، لكن بعد المشاركة في بطولة كأس الأمم الأوروبية، رفض ناديه الجديد ريال مدريد منحه الإذن للعب في الأولمبياد هذا الصيف.

أما اللاعبون الثلاثة فوق السن الذين سيشاركون مع منتخب فرنسا فهم لويك بادي وألكسندر لاكازيت وجان فيليب ماتيتا. وتستعين الأرجنتين بكل من غيرونيمو رولي، وجوليان ألفاريز، ونيكولاس أوتاميندي. في المقابل، لم تعلن إسبانيا عن اختيار أي لاعب يزيد عمره عن 24 عاماً، ولم يشارك سوى لاعبين فقط في مباريات دولية مع المنتخب الأول، وهو ما يعكس الكيفية التي تنظر بها إسبانيا إلى هذه البطولة. وفي الوقت نفسه، ضم المنتخب الأميركي لاعباً واحداً فقط لم يسبق له اللعب دولياً، حيث خاض لاعبو المنتخب الأميركي فيما بينهم 114 مباراة دولية. وسوف تقود مالي التحدي الأفريقي في هذا العرس الكبير، في حين ستكون هناك رمزية واضحة لمشاركة أوكرانيا.

لكن الحقيقة هي أن كرة القدم للرجال لا تشكل أي أهمية حقيقية في دورة الألعاب الأولمبية، حيث لم تعد بالأهمية نفسها التي كانت عليها منذ ظهور كأس العالم، التي وفرت الفرصة لمنافسة حقيقية بين جميع اللاعبين، من الهواة أو المحترفين، في عام 1930. وفي أفضل الأحوال، فإن دورة الألعاب الأولمبية تقدم لمحة سريعة عن التغيير السياسي، أو تعطي مؤشراً على اللاعبين الشباب الواعدين الذين قد يتطورون على مدار العقد التالي. لا توجد ميدالية ذهبية أولمبية لا قيمة لها، لكن ذهبية كرة القدم للرجال ليست بأهمية الفوز بالبطولات الكبرى الأخرى في عالم كرة القدم!

*خدمة «الغارديان»


مقالات ذات صلة

«فريق توثيق الكرة السعودية»: حصر 78 بطولة… و 27 مستند لتأسيس اتحاد الكرة

رياضة عالمية جانب من اجتماع فريق توثيق الكرة السعودية (الاتحاد السعودي)

«فريق توثيق الكرة السعودية»: حصر 78 بطولة… و 27 مستند لتأسيس اتحاد الكرة

قال اتحاد كرة القدم السعودي الثلاثاء إن فريق مشروع توثيق تاريخ الكرة السعودية، أتم العمل على ما يزيد عن 44 عاماً من تاريخ كرة القدم في المملكة.

سعد السبيعي (الدمام)
رياضة سعودية يارا الفارس (الترجي السعودي)

النجمة يارا الفارس تقترب من «سيدات القادسية»

أكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» اقتراب يارا الفارس، قائدة فريق الترجي للسيدات من تمثيل فريق القادسية للموسم المقبل لدوري الممتاز للسيدات.

بشاير الخالدي (الدمام)
رياضة سعودية صفقتان جديدتان لنادي الخلود (نادي الخلود)

رسمياً… «الخلود» يضم حارس المرمى الشمري وعبد الرحمن السفري 

أعلن نادي الخلود، الثلاثاء، التوقيع مع حارس المرمى محمد الشمري واللاعب عبد الرحمن السفري ليمثلا الفريق لمدة موسم واحد.

خالد العوني (الرس)
رياضة عربية الأهلي يشكو بيراميدز (النادي الأهلي)

الأهلي يشكو تجاوزات لاعبي بيراميدز

أعلن النادي الأهلي تقدمه بشكوى رسمية لرابطة الأندية المصرية واللجان المعنية في اتحاد الكرة بسبب التجاوزات التي حدثت في مباراة فريقه مع بيراميدز.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية تياس دالينغا يوقع رسمياً لبولونيا (نادي بولونيا)

بولونيا الإيطالي يتعاقد مع المهاجم الهولندي دالينغا

قال نادي بولونيا المنافس في دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم الثلاثاء إنه تعاقد مع المهاجم الهولندي تياس دالينغا من تولوز الفرنسي.

«الشرق الأوسط» (بولونيا)

مواجهة مرتقبة في السباحة تشعل الأجواء مبكراً في باريس 2024

الأميركية كاتي ليديكي مرشحة للتألق في باريس (اللجنة الأولمبية الدولية)
الأميركية كاتي ليديكي مرشحة للتألق في باريس (اللجنة الأولمبية الدولية)
TT

مواجهة مرتقبة في السباحة تشعل الأجواء مبكراً في باريس 2024

الأميركية كاتي ليديكي مرشحة للتألق في باريس (اللجنة الأولمبية الدولية)
الأميركية كاتي ليديكي مرشحة للتألق في باريس (اللجنة الأولمبية الدولية)

لكل دورة ألعاب أولمبية لحظتها الرياضية المميزة، بعضها يظهر فجأة، والبعض الآخر يكون مرتقباً كما الحال في الليلة الافتتاحية للمنافسات في أولمبياد باريس، يوم السبت المقبل، في مسبح «لا ديفونس»، حين تتنافس 3 حاملات للأرقام القياسية العالمية في سباق 400 متر حرة للسيدات، في سباق مرتقب، لدرجة أنه مرشح ليكون «سباق القرن».

ومن المقرر أن تضيء الأميركية كاتي ليديكي، التي تصنف بالفعل كواحدة من أعظم السباحات في التاريخ، والطوربيد الأسترالي وحاملة الرقم القياسي العالمي الحالي أريارن تيتموس، والمراهقة الكندية سمر ماكنتوش، سماء باريس في سباق على الميدالية الذهبية قد تظهر فيه أفضل منافسة على مر العصور.

وقالت ليديكي: «أنا تلميذة في هذه الرياضة. أتابع كل ما يحدث في جميع أنحاء العالم، أريارن المذهلة، ما فعلته الأسبوع الماضي (تصفيات السباحة الأسترالية) وما فعلته سمر. سيكون الأمر رائعاً. سيكون السباق سريعاً جداً، وأنا أتطلع إليه».

وتخلق الشخصيات منافسة مرتقبة، وتأتي النساء الثلاث، وجميعهن في مراحل مختلفة من حياتهن المهنية، إلى باريس بمشاعر مختلفة.

ليديكي تمثل صوت العقل، وهي الأكبر سناً والحائزة على ميدالية ذهبية أولمبية 7 مرات، تختار كلماتها بعناية، ولا ترغب في توفير حافز إضافي في سباق يمكن تحديد الفائزة به في غمضة عين.

وقد نضجت ماكينتوش، التي شاركت لأول مرة في الألعاب الأولمبية في طوكيو، وعمرها 14 عاماً فقط، لكن ثقتها في حوض السباحة تتناقض مع عدم ارتياحها حين تكون في دائرة الضوء.

وتتحلى تيتموس بالثقة التي تصل في بعض الأحيان إلى حد الغرور، لكنها تؤكد بكل احترام أن ليديكي لن تتمكن من تحقيق كل ما تريده في باريس.

وقالت تيتموس: «كانت (ليديكي) في ذهني باستمرار. لكن بصراحة، ليس بعد الآن، لأنني أعلم أن أفضل ما لديّ هو الأفضل، لذلك سأفعل ذلك، وأقدّم أفضل ما لديّ. بالنسبة لسباق 400 متر أشعر أنه أكثر سباق أعرف كيف أتنافس فيه من بين جميع السباقات التي أشارك فيها».

وحصلت ليديكي على ذهبية سباق 400 متر حرة في أولمبياد ريو 2016، لكن تيتموس أطاحت بالأميركية من الصدارة وأعادتها إلى المركز الثاني في طوكيو.

ولم تصعد ماكينتوش إلى منصة التتويج الأولمبية بعد، لكن من المتوقع أن يتغير ذلك في باريس، إذ من المقرر أن تتنافس السبّاحة الشابة في 4 أحداث فردية: 200 متر متنوع، و200 متر فراشة، و400 متر حرة، و400 متر متنوع.

وقالت ماكينتوش، التي تتطلع إلى سباق 400 متر حرة: «إنه أمر لا يصدق، 3 من حاملات الأرقام القياسية العالمية السابقات أو الحاليات يتنافسن في هذا الحدث معاً».