أولمبياد 1952: زاتوبيك «جنرال المسافات» استمتع بالأشغال الشاقة... ودفع ثمن شجاعته

مراقبون كثر اعتبروا أن السباق هو الأفضل على هذه المسافة في تاريخ الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
مراقبون كثر اعتبروا أن السباق هو الأفضل على هذه المسافة في تاريخ الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
TT

أولمبياد 1952: زاتوبيك «جنرال المسافات» استمتع بالأشغال الشاقة... ودفع ثمن شجاعته

مراقبون كثر اعتبروا أن السباق هو الأفضل على هذه المسافة في تاريخ الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
مراقبون كثر اعتبروا أن السباق هو الأفضل على هذه المسافة في تاريخ الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)

يعدّ مراقبون كثر أن سباق 5 آلاف متر في دورة هلسنكي عام 1952، هو الأفضل على هذه المسافة في تاريخ الألعاب الأولمبية، بل يعدّونه من «كلاسيكياتها الخالدة».

هو سباق حضره 70 ألف متفرج، وجمع «قاطرة العصر» التشيكوسلوفاكي إميل زاتوبيك، والفرنسي ألان ميمون، والبلجيكي غاستون ريف قاهر زاتوبيك في سباق دورة لندن 1948، والإنجليزي الخطر كريستوفر شاتاواي، والألماني هيربرت شاد.

يتذكّر ميمون السباق، ويصفه بالمعركة المفتوحة بقوله: «كل منّا كان يبذل طاقته، ويتقدّم ليتصدّر حين تسنح له الفرصة، وليس كما يحصل حالياً؛ إذ يتلطى العداؤون خلف (الأرنب) في المقدمة، ويتحيّنون الفرصة للانقضاض بواسطة السرعة النهائية في الأمتار الأخيرة».

وأضاف: «بداية، تصدّر الإنجليزي غوردون بيري، ثم زاتوبيك بعدما تجاوز ريف وشاد، وحاولت قدر الإمكان أن أبقى قريباً منه طمعاً في ميدالية أولمبية ثانية. رأيته في منتصف السباق وقد فتح فمه ومدّ لسانه وتدلّت رقبته وهي العلامات التي تشير إلى وهنه المتصاعد، في حين يكون في كامل قوته».

وتابع: «في اللفة الأخيرة كان لا يزال في الصدارة، وكل منّا يراقب الآخر ليدركه في السرعة النهائية، أعتقد أنني ارتكبت خطأً كبيراً بعدم المبادرة إلى ذلك، إذ لربما كنت أنا الفائز، وتردّدت حين لاحظت اقتراب شاد خلفي... كان ريف أصبح بعيداً قليلاً، وشاتاواي خلفنا. لم ينتظر زاتوبيك طويلاً، فشنّ هجومه في الأمتار المائتين الأخيرة، وعند المنعطف الأخير تعثر شاتاواي ووقع أرضاً (قبل 80 م من خط النهاية) واستلحق نفسه بحلوله خامساً، في حين كان زاتوبيك يمضي إلى حصد الذهبية التي أهدرها في دورة لندن، وبقيت خلفه حتى النهاية».

اعترف ميمون لاحقاً: «تحقيقي المركز الثاني إنجاز، لأن زاتوبيك لا يُمسّ، إنه من عالم آخر».

سجّل زاتوبيك 14:06.6 دقيقة، وميمون 14:07.4 د، وشاد 14:08.6 د، لكن سقوط شاتاواي جعل منه نجماً، علماً بأنه اعترف لزملائه بعدها أنه كان متعباً جداً، ولم يقوَ على المثابرة حتى النهاية.

وبعد عودته إلى بريطانيا، حظي بفضل «حظّه العاثر» بشعبية كبيرة، ما أسهم في انتخابه نائباً، ثم تعيينه وزيراً. ولولا ذلك السقوط لتمكّن 4 عدائين من تسجيل زمن دون الـ14:10 دقيقة.

احتفظ زاتوبيك بلقبه في سباق 10 آلاف متر، معززاً رقمه الأولمبي (29:17.00 د) وتلاه الفرنسي ميمون، وقرّر خوض الماراثون للمرة الأولى من أجل تثبيت هيمنته أكثر فأكثر، وفي منتصف السباق، ظهر في المقدمة السويدي غوستاف يانسون، لكن لفترة قصيرة، إذ تفاعل زاتوبيك سريعاً مع الأمر وأخذ زمام المبادرة ليقود الصدارة وحيداً وبعيداً فيما يشبه المهرجان والاستعراض الخاص، وكأنه يخوض سباق 10 آلاف متر، واجتاز خط النهاية مسجلاً 2:23:03.2 ساعتين، بفارق نحو دقيقتين عن الأرجنتيني رينالدو غورنو الثاني، وجاء يانسون ثالثاً.

دخل زاتوبيك الاستاد وركض أمام مدرجات مكتظة بحشود هتفت بصوت واحد باسمه، وكان احتفال «القاطرة» مزدوجاً، إذ أحرزت زوجته دانا انغروفا زاتوبيكوفا في الوقت عينه ذهبية رمي الرمح (50.47 م)، وهما ببساطة متناهية حصدا لتشيكوسلوفاكيا 4 ذهبيات.

سجّل زاتوبيك انتصاراته الثلاثة في غضون أسبوع، مقدماً تراجيديا مفعمة بكل ما ينتاب ويختلج في الصدور من مشاعر: أداء يُلخص صراع الإرادة والتصميم. كان «يقتل» خصومه، يقضي عليهم واحداً تلو الآخر، إذ يضع سيناريو الانقضاض، محدداً البداية ومقرراً النهاية. ويتلذذ في معاناته حتى الفوز المشبع.

خلال الماراثون في هلسنكي، لم ينسَ زاتوبيك الابتسام وهو يرد التحية للجمهور المحتشد على طول المسار. تبادل أحياناً كلمات مع ركاب السيارات المرافقة، المندهشين من سطوته. لاحظوا هدوءه وثقته، فلم ينقصه حينها إلا أن يتوقف ويوقع أوتوغرافات أو يبدي رأيه بالمناظر الجميلة.

في الاستاد، كان المتفرّجون متلهفين لوصوله، خصوصاً أنه بات يعرف من حركة جسده وانقباضات وجهه. عبر خط النهاية ورفض أن يلتف ببطانية تقيه من الهواء حملها إليه مسعف، واعتذر منه بلباقة قائلاً: «شكراً لا حاجة لي بها. أنا أنهيت هرولتي اليومية».

من بطل إلى منبوذ: رُقّي زاتوبيك إلى رتبة نقيب في الجيش، ولاحقاً رُفع إلى رتبة عقيد، وشغل منصب مدرب المنتخب، ثم جُرّد من كل شيء وكاد يصبح نكرة بعدما حُرم من مميزات الإنجاز، إذ دفع ثمناً غالياً لشجاعته ودعمه للحرية ووطنيته في أحداث «ربيع براغ» عام 1968.

دار دولاب زاتوبيك «سنوات» إلى الخلف، لكنه ظلّ شجاعاً متفائلاً محبّاً للحياة. «نُفي» بعيداً من زوجته، يعمل حفاراً للآبار، ولا يتمكّن من رؤيتها إلا مرة كل أسبوعين، لكن عزاءه ومتنفّسه الوحيدين بقيا في أن عمله في الهواء الطلق وسط الغابات والريف.

انتابه الحزن لأنه لم يعد في مقدوره الاعتناء بالحديقة الصغيرة بجوار منزله، إلى أن «رُضي عنه» بعد سنوات، فنقل للعمل في قسم التوثيق في اللجنة الأولمبية في براغ، واعترف أنه بات من الرياضيين القدامى أصحاب الشهرة «لكنني لم أتقاعد من العمل، وأنا مستعد دائماً للمساعدة في أي موقع لأبقى مفيداً».

ويتذكّر أنه طمح دائماً لتقديم الأفضل، وتحقيق الإنجازات، «لكن ذلك تطلب كداً وتعباً وتدريباً يومياً مكثفاً لتحطيم الأرقام وإحراز الألقاب، تماماً مثل الأشغال الشاقة، لكنني كنت أستمتع بها».

توفي زاتوبيك في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000، عن عمر 78 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، وفق ما أعلنت إدارة المستشفى العسكري في براغ.


مقالات ذات صلة

إيقاف هيلينيوس لعامين بعد سقوطه في اختبار المنشطات

رياضة عالمية الملاكم الفنلندي روبرت هيلينيوس عوقب بالإيقاف لعامين (رويترز)

إيقاف هيلينيوس لعامين بعد سقوطه في اختبار المنشطات

أعلنت الوكالة البريطانية لمكافحة المنشطات، الجمعة، عن إيقاف الملاكم الفنلندي روبرت هيلينيوس لعامين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية ليني يورو فضّل الانضمام لمانشستر يونايتد على ريال مدريد (أ.ف.ب)

ماذا بعد فشل ريال مدريد في التعاقد مع ليني يورو؟

قبل تحليل ما يعنيه تعاقد مانشستر يونايتد مع ليني يورو بالنسبة لريال مدريد، يجب أن نؤكد على شيء ما: هذا النوع من القرارات ليس عاديًا، بل على العكس تماماً.

ذا أتلتيك الرياضي (مدريد)
رياضة عالمية ملعب سانتياغو بيرنابيو مرشح لاستضافة مونديال 2030 (إ.ب.أ)

ملعبا ريال مدريد وبرشلونة مرشحان لاستضافة مونديال 2030

اقترح الاتحاد الإسباني لكرة القدم 11 ملعبا لاستضافة مباريات كأس العالم 2030... بينها ملاعب أندية ريال مدريد وبرشلونة وأتليتيكو مدريد.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية كارلوس ساينز تصدر التجارب الحرة الأولى بسباق المجر (رويترز)

«جائزة المجر الكبرى»: ساينز الأسرع في التجارب الحرة الأولى

رفع كارلوس ساينز سائق «فيراري» من آمال فريقه... بعدما حقق أسرع زمن في التجارب الحرة الأولى بسباق جائزة المجر الكبرى

«الشرق الأوسط» (بودابست)
رياضة عالمية ستيف كاري (يسار) سيقود منتخب أميركا في أولمبياد باريس (إ.ب.أ)

مدرب صربيا: المنتخب الأميركي الحالي أفضل من فريق الأحلام

قال سفيتسلاف بيسيتش المدير الفني للمنتخب الصربي لكرة السلة إن المنتخب الأميركي المنافس في دورة الألعاب الأولمبية في باريس هو الأفضل في تاريخ الرياضة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

براءة بواتينغ من تهمة العنف الأسري

بواتينغ أفلت من العقاب في تهمة العنف الأسري (د.ب.أ)
بواتينغ أفلت من العقاب في تهمة العنف الأسري (د.ب.أ)
TT

براءة بواتينغ من تهمة العنف الأسري

بواتينغ أفلت من العقاب في تهمة العنف الأسري (د.ب.أ)
بواتينغ أفلت من العقاب في تهمة العنف الأسري (د.ب.أ)

أفلت المدافع الدولي الألماني السابق جيروم بواتينغ، الذي يلعب حالياً في الدوري النمساوي مع لاسك، من العقاب في قضية اتهامه بالعنف الأسري بحق زوجته السابقة، واكتفت المحكمة في ميونيخ بتحذيره بعد إعادة محاكمته.

وقالت القاضية سوزان هيميريخ إنه لا توجد أدلة كافية لدعم اتهام بطل كأس العالم 2014، واكتفت بإنذاره وفرض غرامة مشروطة قدرها 300 ألف يورو لا تُدفع إلا في حالة وجود إدانات جديدة.

واتهم بواتينغ (35 عاماً) الذي تألق في صفوف بايرن ميونيخ بين 2011 و2021 وتوج معه بلقب دوري أبطال أوروبا عامي 2013 و2020، إضافة إلى إحرازه الدوري المحلي 9 مرات متتالية بين 2013 و2021، بالتعرض لشريكته السابقة التي كان على علاقة معها لمدة 10 أعوام وأنجبت منه توأمين، وذلك خلال عطلة في الكاريبي عام 2018.

وفُتح التحقيق بالقضية في خريف عام 2018 وبدأت الملاحقات القضائية والرسمية في فبراير (شباط) 2019.

وأُدين بواتينغ في 2021 وفرضت عليه غرامة قدرها 1.8 مليون يورو في محاكمة أولية، ولم ينجح استئنافه لإلغاء الحكم حينها.

لكنه فاز بعدها بطلب إعادة المحاكمة بعدما أقرت المحكمة بمخالفات شكلية، ما أوصله إلى إلغاء الحكم السابق.

وخلال المحاكمة الأولية، قالت شريكة بواتينغ السابقة للمحكمة إنه لكمها، مما جعلها تفقد أنفاسها للحظة أثناء مشاجرة حامية.

ووقعت الحادثة المزعومة في الأسابيع التي تلت نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، عندما كان بواتينغ ضمن تشكيلة ألمانيا التي خرجت من دور المجموعات.

ووصفت شريكة بواتينغ السابقة كيف «ضغط على عيني بإبهامه، عضني في رأسي وسحبني إلى الأرض من شعري».

وقالت إن بواتينغ أهانها مراراً وتكراراً وضربها على ظهرها «بلكمة قوية وعدة لكمات خفيفة».

وبعد مشواره الطويل مع بايرن، انتقل بواتينغ إلى ليون الفرنسي عام 2021 وبقي معه حتى صيف 2023 قبل أن يوقع في بداية العام التالي مع ساليرنيتانا الإيطالي حتى نهاية الموسم.

وانضم المدافع السابق لهرتا برلين وهامبورغ ومانشستر سيتي الإنجليزي هذا الصيف إلى لاسك النمساوي بعقد يمتد حتى 2026.