فاز ليفربول على وولفرهامبتون في المباراة التي أُقيمت على ملعب «آنفيلد» في الجولة الأخيرة من الموسم بهدفين دون رد، وأهدر عدداً لا يحصى من الفرص السهلة، تماماً كما فعل خلال الشهرين الماضيين. لكن يبدو أنه لم يكن هناك اهتمام كبير باللقاء، حتى من جانب المدير الفني لوولفرهامبتون، غاري أونيل، الذي كانت ردة فعله محدودة عندما تدخلت تقنية الفار لتحويل البطاقة الصفراء التي حصل عليها نيلسون سيميدو إلى بطاقة حمراء، على الرغم من أن هذا يأتي بعد أسبوع واحد فقط من مطالبة وولفرهامبتون بإلغاء تقنية الفار من الأساس!
لكن ذلك اليوم لم يكن مهماً بالنسبة لنقاط المباراة أو بوضع أي من الفريقين في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث كانت الأنظار كلها تتجه نحو المدير الفني الألماني يورغن كلوب في مباراته الأخيرة مع ليفربول. وودّعت جماهير «الريدز» كلوب، وحملت لافتات توجه له الشكر، وبلغ الأمر ذروته برسم قلب على مدرج كوب الشهير بألوان العلم الألماني. لقد كان ليفربول يعرف جيداً أنه سيحتل المركز الثالث في جدول الترتيب بغض النظر عن نتيجة مباراته الأخيرة، أي أعلى بثلاثة مراكز، وأكثر بـ20 نقطة مما كان عليه الفريق في 2014 - 2015، وهو آخر موسم للفريق قبل تولي كلوب المسؤولية بشكل كامل. لكن التحسّن الذي أحدثه كلوب كان أكبر من ذلك بكثير، وبالتالي استحوذ المدير الفني الألماني على قلوب جماهير ليفربول التي ظلت تتغنى باسمه وتردد أغنيتها الشهيرة له: «أنا سعيد جداً بأن أصبح يورغن من الريدز» بعد صافرة النهاية، وهو أمر مفهوم تماماً.
والأهم من ذلك، أن كلوب قاد ليفربول للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى منذ 30 عاماً، كما قاد النادي للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة في تاريخه، فضلاً عن الفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة مرتين. لكن حتى تلك التفاصيل تبدو هزيلة، فالنجاح في كرة القدم لا يقاس دائماً بالألقاب وحدها. لقد نجح كلوب في إعادة الهيبة إلى ليفربول فور توليه قيادة الفريق خلفاً لبريندان رودجرز. لقد جعل من ليفربول أحد أندية النخبة مرة أخرى بعد سنوات طويلة من التدهور والتراجع. وبالتالي، لم تعد جماهير ليفربول بحاجة بعد الآن للتحسر على أيام شانكلي وبيزلي، بعدما نجح كلوب في بناء فريق مميز ينافس على البطولات والألقاب كلها، ويقدم كرة قدم مثيرة وممتعة.
ربما لم ينجح كلوب في قيادة النادي للحصول على عدد كبير من البطولات بالشكل الذي كان عليه الأمر في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي، لكن كل شيء كان مختلفاً تماماً في تلك الفترة. لقد قاد كلوب ليفربول لتقديم مستويات رائعة ومباريات لن تُنسى أبداً، بدءاً من الفوز على بوروسيا دورتموند في الدوري الأوروبي بأربعة أهداف مقابل ثلاثة عام 2016، مروراً بالفوز على مانشستر سيتي بثلاثية نظيفة في دوري أبطال أوروبا في 2018، ووصولاً إلى «الريمونتادا» التاريخية أمام برشلونة والفوز عليه برباعية نظيفة في مباراة الإياب للدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا عام 2019.
قد تكون البطولات والألقاب هي الشيء الملموس، وقد تكون الهدف الرئيسي لمشروع ليفربول بأكمله، لكن المدير الفني الألماني ترك إرثاً هائلاً من الذكريات المتمثلة في المباريات التاريخية الممتعة التي قدمها الفريق، والتي ستظل في أذهان الجمهور لعقود طويلة من الآن، فمَن منا سينسى تفاصيل الفوز على توتنهام في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2019، ومَن سينسى الركلة الركنية التي لعبها ترينت ألكسندر أرنولد على عجل لديفوك أوريغي في مباراة الدور نصف النهائي أمام برشلونة؟ لكن الأهم من ذلك، والتي لن ينساها الجمهور أبداً، هي تلك الفترات التي كانت تمتد لـ5 أو 10 أو 15 دقيقة من الضغط المتواصل على المنافسين في موجات متتالية من الهجوم الأحمر الساحق والممتع.
وفي المقابل، تجب مناقشة الأسباب المتعلقة بتعثر الفريق في الأمتار الأخيرة وفشله في الحصول على عديد من البطولات التي كان قريباً للغاية من حصدها. لقد خسر كلوب عديداً من المباريات النهائية، ليس فقط أمام أندية عريقة مثل ريال مدريد وبايرن ميونيخ، ولكن أيضاً أمام فرق في المتناول مثل إشبيلية وفولفسبورغ، كما فشل في قيادة ماينز مرتين للصعود للدوري الألماني الممتاز في ظروف غريبة وغامضة.
صحيح أن كل نادٍ من الأندية الثلاثة التي تولى قيادتها واجه منافسين يمتلكون موارد مالية أفضل منه بكثير، وأن منافسة هذه الفرق تعد بمثابة إنجاز كبير في الأساس، لكن من الواضح أنه كان هناك تراجع ملحوظ في اللحظات الحاسمة. ومع ذلك، هناك شعور متناقض بأن التراجع في اللحظات الحاسمة يزيد من جاذبية كلوب! ومن المؤكد أن الدوري الإنجليزي الممتاز يجب أن يكون ممتناً للغاية لكلوب؛ لأنه بنى فريقاً قادراً على منافسة مانشستر سيتي، ومنع الدوري إلى حد ما من أن يصبح مجرد سلسلة من الاحتفالات المتتالية لغوارديولا ولاعبيه. لكن الفشل الذريع له جاذبيته الخاصة أيضاً، خصوصاً عندما يكون الخصم فريقاً قوياً وعنيداً مثل مانشستر سيتي، بكل المزايا التي يتمتع بها. ويجب أن نعرف أن المجد ليس دائماً للمنتصرين وحدهم، حتى في عالم كرة القدم الحديث، فهناك شرف كبير يتمثل في أن تلعب المباريات بشكل جيد أيضاً. قد يرى بعض المنتقدين أن مباريات مانشستر سيتي مملة بعض الشيء؛ بسبب السيطرة المطلقة على المنافسين، لكن لم يوجه أحد مثل هذه التهمة لليفربول بقيادة كلوب.
تنتهي معظم فترات المديرين الفنيين في كرة القدم بالفشل، سواء من خلال الإقالة أو الانتظار المطول والمؤلم حتى انتهاء العقد بعد فترة طويلة من مرور الأيام الجيدة، لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة لكلوب. قد يرى البعض أن احتلال المركز الثالث في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز وعدم الفوز بأي بطولة باستثناء كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة هذا الموسم، يعد تراجعاً واضحاً، لكن الحقيقة أننا لم نرَ مديرين فنيين كثيرين يرحلون عن أنديتهم بالطريقة نفسها التي يرحل بها كلوب عن ليفربول، حيث لا يزال المدير الفني الألماني بعد 8 سنوات ونصف السنة قضاها على رأس القيادة الفنية للفريق معشوقاً لجماهير ليفربول التي وصفها بأنها «القوة العظمى في كرة القدم العالمية»، وهذا هو أهم شكل من أشكال النجاح في حقيقة الأمر!
* خدمة «الغارديان»