عبر التاريخ أظهر المهاجم الإنجليزي الدولي هاري كين لمحة أخرى من قدراته وفنياته الكبيرة في نهاية الأسبوع الماضي، فبينما كانت نتيجة مباراة بايرن ميونيخ أمام لايبزيغ على ملعب «أليانز أرينا» تشير إلى التعادل بهدف لكل فريق حتى الدقيقة 91، وهو ما كان يعني تقريباً انهيار فرص العملاق البافاري في المنافسة على لقب الدوري الألماني الممتاز، تقدم هاري كين ليحرز هدف الفوز القاتل.
سيطر مهاجم بايرن ميونيخ، إريك مكسيم تشوبو موتينغ، على الكرة الطولية التي لُعبت له ناحية اليسار، ولعبها بعد ذلك من فوق رأس أحد المدافعين. يبدو أن تشوبو موتينغ كان يحاول السيطرة على الكرة لنفسه، لكنها طالت منه، فلعبها لكين، الذي سددها بشكل مباشر بقدمه اليسرى من على بُعد 14 ياردة، لتمر من بين اثنين من المدافعين وتدخل المرمى.
وبطريقة ما، كان الهدف الثاني الذي سجله كين في تلك الليلة بمثابة تلخيص جيد لموسمه الأول مع بايرن ميونيخ، حيث لا يقتصر الأمر على المهارة والظهور في المناسبات الكبيرة واللحظات الحاسمة، لكنه يمتد إلى التغلب على الفوضى المحيطة به والتركيز بشكل كامل حتى صافرة النهاية، رغم كل الظروف الصعبة، بدءاً من الإعلان عن رحيل المدير الفني، وتوتر الأجواء داخل غرفة الملابس، وصولاً إلى تقديم الفريق لمستويات سيئة ومخيبة للآمال في الآونة الأخيرة.
من المؤكد أن هذه الأجواء السلبية لا تساعد كثيراً كين، المنضمّ إلى بايرن ميونيخ مقابل 86 مليون جنيه إسترليني. ورغم ذلك، يواصل المهاجم الإنجليزي، بطريقة أو بأخرى، التألق في معظم الأسابيع ويقدم شيئاً جديداً من مستودع موهبته الذي لا ينفد.
وبعد أن هز كين شباك لايبزيغ مرتين في المباراة، بما في ذلك هدف الفوز المتأخر ليحقق النادي البافاري الانتصار بعد 3 هزائم متتالية في كل المنافسات ويستعيد الأمل بعد أسبوع مضطرب، قال كين: «علينا الاستمرار في القيام بما نقوم به. الفوز بهذه المباراة كان جيداً لكننا بحاجة للاستمرار في تحقيق ذلك حتى نهاية العام». وأضاف كين قائد منتخب إنجلترا: «كان لا بد لنا من إظهار ردة فعل بعد الأسبوع الماضي، لأن لدينا مسؤولية تجاه النادي وتجاه مدربنا ولا يمكننا الجلوس مكتوفي الأيدي والتذمر». وقال كين أيضاً: «نحن بحاجة لمزيد من الروابط مع بعضنا. لم يكن هذا حاضراً خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكن بوسعنا البناء على ما حققناه اليوم».
ربما يكون هذا هدف هاري كين المفضل لديَّ مع بايرن ميونيخ هذا الموسم، وقد يختلف معي البعض في هذا الشأن؛ فقد يرى آخرون أن الهدف الأفضل لكين مع العملاق البافاري كان ذلك الهدف الذي أحرزه من منتصف الملعب في مرمى دارمشتات، أو الهدف الذي أحرزه من تسديدة بعيدة المدى لا يمكن إيقافها في مرمى فولفسبورغ، أو الهدف الذي أحرزه بقدمه اليسرى في مرمى بوخوم من زاوية شبه مستحيلة.
لقد أحرز كين الآن 27 هدفاً في الدوري وحده، أي أكثر من عدد الأهداف التي أحرزها إيرلينغ هالاند أو محمد صلاح أو كيليان مبابي، وأكثر من جود بيلينغهام أو روبرت ليفاندوفسكي، بل وأكثر من عدد الأهداف التي أحرزتها أندية، مثل يونيون برلين أو نيس أو ليون أو كولونيا، أو حتى ثلث الفرق في الدوري الإسباني الممتاز!
ورغم كل ما قدمه بيلينغهام وكيفن كيغان وغاري لينيكر، فإن كين يقدم أحد أفضل المواسم بالنسبة للاعبي كرة القدم الإنجليز المحترفين بالخارج عبر التاريخ. والأهم من ذلك أنه يفعل ذلك في «هدوء» شديد. أما خارج ألمانيا، فيصف البعض كين بأنه لاعب منحوس، لأنه انتقل من توتنهام إلى بايرن ميونيخ لكي يفوز بالبطولات والألقاب، لكن العملاق البافاري، الذي كان يفوز بالبطولات باستمرار، يبدو غير قادر على فعل ذلك الآن!
بالطبع سيكون من العبث القول إن الفوز بالبطولات والألقاب شيء غير مهم أو لا يرتبط بالسعي لتحقيق العظمة، أو حتى التشكيك في حقيقة أن فوز لاعب ليفربول الشاب جايدن دانز بأول بطولة له قبل هاري كين يُعد أمراً مضحكاً للغاية من الناحية الموضوعية؛ فمن المؤكد أن البطولات مهمة للغاية، وإلا لما كان كين انضم إلى بايرن ميونيخ من الأساس!
لكن النقطة المهمة أن البطولات ليست مهمة بقدر ما يعتقد الناس.
لنضرب مثلاً على ذلك بالمدير الفني السابق لهاري كين في توتنهام، ماوريسيو بوكيتينو، الذي استسلم لإغراءات الأموال القطرية وانضم إلى باريس سان جيرمان وحصل مع النادي الباريسي على لقب الدوري الفرنسي الممتاز؛ فهل جعله ذلك مديراً فنياً أفضل، وهل أكسبه المزيد من الاحترام؟ بالتأكيد لا يمكن الحكم على ذلك من خلال مجموعة الأسئلة التي ظهرت خلال الأسابيع الأخيرة بشأن ما إذا كان بوكيتينو بحاجة للفوز ببطولة في إنجلترا، بوصف ذلك الاختبار الحقيقي له طوال الوقت؛ فهل كان سيحظى بوكيتينو بمزيد من الاحترام والشهرة - مثل المدير الفني لمانشستر يونايتد إريك تن هاغ - في حال فوزه ببطولة «كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة»؟
أعتقد أن النقطة الأساسية هنا تتمثل في أنه بقدر ما نحب أن ننغمس في الخيال القائل إن لاعبي كرة القدم العظماء يكتبون قصصهم الخاصة، فإن كثيراً من الإرث الرياضي مرتبط بالقدر والحظ وأفعال الآخرين؛ فما الذي كان سيحدث لو سجل بوكايو ساكا ركلة الجزاء في مرمى إيطاليا في نهائي «كأس الأمم الأوروبية 2020؟»، وما الذي كان سيحدث لو لعب كين المباراة النهائية لـ«دوري أبطال أوروبا 2019»، وهو في قمة لياقته البدنية وليس مصاباً ومتحاملاً على نفسه، وهو يلعب بعد تناول مسكنات للألم؟ وما الذي كان سيحدث لو انتقل كين إلى مانشستر سيتي في صيف عام 2021؟ وربما ينجح بايرن ميونيخ في قلب الطاولة والفوز بلقب الدوري الألماني الممتاز على حساب باير ليفركوزن، وربما يتجاوز لاتسيو في دوري أبطال أوروبا في مباراة الإياب، وربما يقود كين المنتخب الإنجليزي للفوز بكأس الأمم الأوروبية خلال الصيف المقبل. لكن حتى لو لم يفعل ذلك، فإنه سيظل هاري كين الذي استغنى عنه آرسنال، وهو في الثانية عشرة من عمره، والذي قضى سنوات تكوينه في اللعب لعدد من الأندية على سبيل الإعارة، والذي كان كثيرون يعتقدون أنه لن يصل إلى مستويات كبيرة أبداً، وأنه لن يكون أكثر من مجرد لاعب يمكنه التألق لمدة موسم واحد فقط، لكنه أثبت أن كل هؤلاء مخطئون!
ورغم كل انتصاراته وانكساراته، فإن كين نفسه مَن يقرر قيمة مسيرته الكروية. ربما لا يمكنك أن تخبره بما يجب أن يجعله سعيداً، لكن ربما تحمل له كرة القدم مكافأة كبرى له على كل ما قدمه في عالم كرة القدم حتى الآن!
* خدمة «الغارديان»