لماذا ازدادت أهمية المديرين الرياضيين في أندية النخبة لكرة القدم؟

تعيين مانشستر يونايتد عمر برادة مديراً تنفيذياً خطوة أولى في مشروع راتكليف لإعادة الفريق إلى طريق الألقاب

راتكليف بدأ مشروعه لإعادة تأسيس كرة القدم في يونايتد بتغيير الكوادر الإدارية (رويترز)
راتكليف بدأ مشروعه لإعادة تأسيس كرة القدم في يونايتد بتغيير الكوادر الإدارية (رويترز)
TT

لماذا ازدادت أهمية المديرين الرياضيين في أندية النخبة لكرة القدم؟

راتكليف بدأ مشروعه لإعادة تأسيس كرة القدم في يونايتد بتغيير الكوادر الإدارية (رويترز)
راتكليف بدأ مشروعه لإعادة تأسيس كرة القدم في يونايتد بتغيير الكوادر الإدارية (رويترز)

تعيين مانشستر يونايتد عمر برادة رئيساً تنفيذياً جديداً للنادي، وذلك عقب استقالته من منصبه رئيسَ عمليات كرة القدم لدى جاره اللدود سيتي، يؤكد الدور المتعاظم للمديرين الرياضيين في أندية النخبة بعد سنوات كان يسيطر فيها المدير الفني على كل شيء.

عندما كنت ألعب في صفوف المنتخب الإنجليزي للسيدات، كان دان أشورث موجوداً دائماً، حيث كان يحضر الاجتماعات ويشاهد المباريات من الملعب ويحضر الدورات التدريبية بصفته مديراً لتطوير النخبة في الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، لكنه لم يتدخل أبداً في أي شيء على الملأ، وكان يحتفظ بكل ما يشاهده لنفسه. في ذلك الوقت كنت أتساءل عما كان يفعله بالضبط، لكن كان بإمكانك أن ترى بشكل تدريجي التأثير الذي أحدثه عندما تحسن كل شيء في إنجلترا.

واصل أشورث تحقيق النجاحات الكبيرة نفسها مع برايتون ونيوكاسل بطريقته البسيطة بصفته مديراً رياضياً. في الحقيقة، غالباً ما كان يُساء فهم هذا الدور في المملكة المتحدة، لكن الأندية بالخارج كانت تعتمد على هذا الدور بشكل كبير، لأنه جزء مهم جداً من هيكل أي نادٍ. ويعد أشورث واحداً من المديرين الرياضيين الذين أظهروا أهمية التعاقد مع شخص يشرف على ما يحدث داخل النادي، وهو الأمر الذي يمنح النادي رؤية طويلة المدى بالشكل الذي ينعكس على الأداء داخل الملعب.

لقد ولَّت تلك الأيام التي كان يتحكم فيها المدير الفني في كل شيء. لقد كان السير أليكس فيرغسون وأرسين فينغر رائعين خلال فترة وجودهما مع مانشستر يونايتد وآرسنال، وكانا يتحكمان في كل شيء، بدءاً من التعاقدات الجديدة وحتى اختيار التشكيلة الأساسية للفريق، لكن محاولة تكرار ذلك في العصر الحديث يكاد يكون مستحيلاً. لقد عملا في مانشستر يونايتد وآرسنال لفترة طويلة جداً، وكانا قادرين على بناء أنظمة دقيقة وعلاقات عمل قوية للمساعدة في إبقائهما كصانعي القرار.

إن إدارة نادٍ من أندية النخبة يُعدُّ أمراً مرهقاً للغاية، ويمكن للمدير الرياضي أن يساعد في تخفيف ذلك. إن وجود شخص يشرف على فرق الشباب والفريق الأول ويسلط الضوء على اللاعبين الذين من الممكن أن يتعاقد معهم النادي لتدعيم صفوفه، يزيل عبئاً كبيراً من على كاهل المدير الفني، وهو الأمر الذي يُمكن المدير الفني من التركيز على التدريب، واختيار التشكيلة الأساسية، وتحسين الأجواء داخل غرفة خلع الملابس، وتطبيق فلسفته وأفكاره داخل المستطيل الأخضر.

كان مانشستر يونايتد يبحث في السوق عن مدير رياضي، وقد ربطته التقارير ببعض من أفضل المديرين الرياضيين في عالم كرة القدم.

وجاء تعيين عمر برادة رئيساً تنفيذياً للنادي ليكشف خطط يونايتد لضرورة تحسين واقع فريق كرة القدم، خاصة بعد نجاح الأخير اللافت مع سيتي مديراً لكرة القدم.

وأشار يونايتد إلى أن تعيين عمر الخطوة الأولى، والنادي عازم على الارتقاء بكرة القدم على كل المستويات من الأكاديميات إلى الفريق الأول من أجل الفوز بالألقاب.

ويشكّل هذا التعيين إحدى الخطوات الرئيسة الأولى، التي اتخذها الملياردير البريطاني جيم راتكليف منذ استحواذه على حصة قدرها 25 في المائة من أسهم يونايتد مقابل 1.3 مليار دولار. ظل نادي «الشياطين الحمر» من دون رئيس تنفيذي دائم منذ رحيل ريتشارد أرنولد في نهاية العام الماضي.

وكان برادة استقال من منصبه رئيساً لعمليات كرة القدم في مجموعة سيتي، التي تسيطر على بطل الدوري، وكان برادة انضم إلى «سيتي» قادماً من برشلونة الإسباني في عام 2011، حيث عمل جنباً إلى جنب مع الرئيس التنفيذي لمجموعة سيتي لكرة القدم الإسباني فيران سوريانو ومدير كرة القدم مواطن الأخير تشيكي بيغيريستين.

عمر برادة يأمل نقل نجاحه في سيتي إلى الجار يونايتد (غيتي)

ويعود الفضل للثلاثي في تطوير «سيتي» في مجال العمليات التجارية خارج الملعب، التي ساهمت في نجاح النادي خلال حقبة المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا.

ويدرك مانشستر يونايتد أهمية اختيار مديرين لديهم رؤية لما يحدث في عالم كرة القدم ويفهمون كيفية التعامل مع سوق اللاعبين، وكذلك المديرين الفنيين. ويتفهم المدير الفني الهولندي إريك تن هاغ ومارك سكينر (مدرب فريق السيدات) الضغوط التي يتعرض لها من يدير نادياً كبيراً بحجم مانشستر يونايتد، وبالتالي فإذا سمح لهما بالتركيز على ما يقدمه الفريق داخل الملعب فإن ذلك سيكون مفيداً للغاية. في الواقع، كان مانشستر يونايتد منذ فترة بحاجة إلى مدير رياضي يعرف مهام ومسؤوليات مركزه جيداً، ويكون على دراية كبيرة بالسوق ككل.

ينبغي أن يركز المدير الفني على الإعداد للمباراة التالية، فيما يُمكن للمدير الرياضي أن يساعد في وضع استراتيجية واضحة. وتتمثل مهمة المدير الرياضي في ضمان أن يكون لدى النادي أفضل الإمكانات، فيما يتعلق بتحليل أداء اللاعبين، واكتشاف اللاعبين الجدد، والتعاقد مع اللاعبين الذين يمكن أن يقدموا الإضافة المطلوبة للفريق. في كثير من الأحيان يتم الحكم على أندية كرة القدم بناءً على مستوى اللاعبين الذين يتم التعاقد معهم، لكني أعتقد أنه يجب أن يتم الحكم عليها بناءً على الموظفين والمسؤولين الذين يتم جلبهم. ويجب على النادي أن يسأل نفسه «من هنا قادر على أن يجعل هذا الفريق أفضل؟ لأنني لا أعرف كل شيء!» من المهم لأي مدير فني أن يحيط نفسه بأفضل الأشخاص، لأن البنية التحتية بأكملها يديرها أشخاص، فإذا قمت بتعيين المسؤولين بشكل صحيح، فإنك ستختار اللاعبين بشكل صحيح، وبالتالي ستحقق نتائج جيدة داخل الملعب.

لا يوجد شيء ثابت ومؤكد في كرة القدم عندما يتعلق الأمر بمستوى اللاعبين والإصابات التي من الممكن أن يتعرضون لها، وهو ما يعني أن حتى أفضل الأندية تعاني من تراجع في المستوى في بعض الفترات، وأن بعض النتائج السيئة يمكن أن تضع المدير الفني تحت ضغط كبير. إن وجود خطة طويلة المدى يمكن أن يساعد في التغلب على هذه المشكلات، لأنه في كثير من الأحيان تكون هناك ردود أفعال غير محسوبة، سواء كان ذلك يتعلق بإقالة المدير الفني أو دفع مبالغ مالية طائلة للتعاقد مع لاعب قد تكون لديه القدرة على تغيير مسار الموسم. وغالباً ما يكون للتفكير قصير المدى تأثير سلبي على النادي، ويمكن أن يكون مكلفاً للغاية من حيث الأداء أو من الناحية المالية.

لا يتطلب الأمر سوى إلقاء نظرة سريعة على الأندية ذات الهياكل القوية لمعرفة مدى نجاح النظام الذي تتبعه. يُعد مانشستر سيتي مثالاً واضحاً على ذلك، في ظل وجود جوسيب غوارديولا مديراً فنياً، وتكسيكي بيغيريستين مديراً لكرة القدم ومعه عمر برادة الرئيس التنفيذي لعمليات كرة القدم، وفيران سوريانو رئيساً تنفيذياً. كثيراً ما يؤكد غوارديولا على أنهم يقومون بدور لا يقل أهمية على الإطلاق عن الدور الذي يقوم هو به. إن الأندية الناجحة التي تعتمد على منصب المدير الرياضي وتعمل بفعالية، تقوم بذلك بطريقة يسودها التعاون والعمل المتفاهم، وليس التشتت وعمل كل مسؤول في اتجاه مختلف عن الآخرين. ويكون من الصعب للغاية جذب اللاعبين الموهوبين عندما تكون الأمور في النادي متقلبة وغير مستقرة.

بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الأندية أن تخطط للعديد من الاحتمالات، بدءاً من رحيل المدير الفني وصولاً إلى الحاجة إلى التعاقد مع ظهير أيسر جديد، على سبيل المثال، وهي الأمور التي يجب أن يضع المدير الرياضي الخطط المناسبة لها. يجب أن يكون لدى هذا المدير الرياضي خطة واضحة لمن سيخلف المدير الفني في حال رحيله. لقد قام غراهام بوتر بعمل رائع مع برايتون، وعندما رحل إلى تشيلسي، حصل برايتون على مقابل مادي جيد وسمح له بالرحيل. وكان من الواضح أن برايتون لديه خطة واضحة للتعاقد مع المدير الفني الإيطالي الشاب روبرتو دي زيربي، وبالفعل سارت هذه العملية بسلاسة كبيرة. وفيما يتعلق بالتعاقد مع اللاعبين الجدد، يقوم المدير الرياضي بمتابعة خمسة بدلاء محتملين لكل مركز، في حالة بيع أي لاعب أو في حال كان النادي يريد تدعيم أحد المراكز. ويكون لدى المدير الرياضي الوقت اللازم للقيام بذلك بشكل دقيق، حتى لا يترك أي شيء للصدفة.

إن وجود شخص منفصل عن بيئة غرفة خلع الملابس للإشراف على الأداء يكون مفيداً جداً للمدير الفني. من الممكن أن يرتبط المدير الفني بلاعبيه لدرجة تجعله لا يكون منفتحاً على التعاقد مع بديل للاعب معين، حتى لو تراجع مستواه ولم يعد يقدم الأداء المطلوب منه، وبالتالي فإن وجود مدير رياضي بعيد عن اللاعبين ويقدم النصيحة للمدير الفني يكون مفيداً للغاية في هذه الحالة.

من المؤكد أن التخطيط الدقيق لا يحدث بين عشية وضحاها، بل يحتاج إلى وقت حتى يؤتي ثماره. يتعين على الأندية أن تبتعد عن التفكير قصير المدى، وبالتالي فإن اختيار المدير الرياضي المناسب قد يكون أكثر أهمية من التفكير في التعاقد مع اللاعبين أنفسهم!

*خدمة «الغارديان»


مقالات ذات صلة

أموريم: إدارة يونايتد قالت لي «اليوم أو لا للأبد» لتدريب الفريق

رياضة عالمية روبن أموريم (إ.ب.أ)

أموريم: إدارة يونايتد قالت لي «اليوم أو لا للأبد» لتدريب الفريق

قال المدرب روبن أموريم الذي أعلن مانشستر يونايتد التعاقد معه خلفاً للهولندي المقال إريك تن هاغ، إن إدارة النادي قالت له إن فرصة تولّيه المهمة الفنية ستكون الآن.

«الشرق الأوسط» (مانشستر)
رياضة عالمية روبن أموريم (رويترز)

أموريم يحتاج إلى بداية سريعة لتغيير حظوظ يونايتد

يتولّى المدرب روبن أموريم مسؤولية مانشستر يونايتد في وقت لاحق هذا الشهر بصفته نسيم هواء عليلاً بالنسبة إلى فريق يعاني في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (مانشستر)
رياضة عالمية كريس وود وفرحة هز شباك ناديه السابق ليستر في الجولة الماضية (رويترز)

كيف ترك كريس وود بصمةً مذهلةً على بداية نوتنغهام فورست المفاجئة؟

يبدو أن المدرب نونو إسبيريتو سانتو نجح في تحقيق التوازن المطلوب لنوتنغهام فورست خلال الجولات الافتتاحية للموسم.

رياضة عالمية ليفربول يسعى للفوز على برايتون للمرة ثانية بعد الفوز عليه الأربعاء في كأس الرابطة (رويترز)

سيتي يخشى مفاجآت بورنموث... وليفربول في مواجهة صعبة أمام برايتون

يخشى سيتي مفاجآت بورنموث الذي كان سبباً لإضاعة كثير من النقاط أمام أكثر من فريق بأندية المقدمة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية إقراء إسماعيل (حسابها في إنستغرام)

لاعبة مسلمة تعود لخوض مباريات في إنجلترا بسراويل طويلة

قالت إقراء إسماعيل قائدة منتخب الصومال السابقة إنها ستعود لخوض مباريات وهي ترتدي سروالا رياضيا طويلا بعد منعها من المشاركة في لقاء لعدم ارتدائها سروالا قصيرا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مارسيل ديسايي: لا أدري ما إذا كنت نجماً أم لا... لكن أعرف أني الآن أسطورة

مارسيل ديسايي قاد ميلان للفوز بكأس دوري أبطال اوروبا عام 1994 بعد الفوز على برشلونة في النهائي (غيتي)
مارسيل ديسايي قاد ميلان للفوز بكأس دوري أبطال اوروبا عام 1994 بعد الفوز على برشلونة في النهائي (غيتي)
TT

مارسيل ديسايي: لا أدري ما إذا كنت نجماً أم لا... لكن أعرف أني الآن أسطورة

مارسيل ديسايي قاد ميلان للفوز بكأس دوري أبطال اوروبا عام 1994 بعد الفوز على برشلونة في النهائي (غيتي)
مارسيل ديسايي قاد ميلان للفوز بكأس دوري أبطال اوروبا عام 1994 بعد الفوز على برشلونة في النهائي (غيتي)

يقول النجم الفرنسي مارسيل ديسايي: «أحب مشاهدة مباريات دوري الدرجة الأولى (تشامبيونشيب) في إنجلترا. في العادة لا أشاهد 90 دقيقة كاملة إلا إذا كنت أعمل على تحليل مباراة في الاستوديو، لكنني أحب مشاهدة 90 دقيقة من مباريات دوري الدرجة الأولى في إنجلترا، لأنها مباريات مذهلة وقوية للغاية من الناحية البدنية، كما أنها رائعة أيضاً من الناحية الفنية».

ربما لم يكن من المتوقع سماع مثل هذه التصريحات من النجم الفرنسي المتوج بدوري أبطال أوروبا مع مرسيليا وميلان، وكأس العالم وكأس الأمم الأوروبية مع منتخب فرنسا، والمدافع الفذ الذي قضى معظم مسيرته الكروية في أعلى مستويات اللعبة. لكن في كثير من النواحي كان ديسايي دائماً شخصية غريبة تخالف التوقعات والمنطق إلى حد كبير، فقد رحل عن الدوري الإيطالي الممتاز عندما كان أفضل دوري في العالم وانتقل إلى تشيلسي، الذي لم يكن حتى أفضل نادٍ في لندن في تلك الفترة. وانتقل إلى قطر في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل وقت طويل من تحولها إلى قوة كروية عالمية.

وكان من المفترض أن تساعده خبراته الخططية والفنية الهائلة على أن يكون مديراً فنياً بارزاً، لكنه بدلاً من ذلك راضٍ تماماً عن القيام بالشيء الذي يحبه ويلهمه: القليل من الأعمال التجارية، والقليل من العمل الخيري، والقليل من تحليل المباريات، والاشتراك في سلسلة وثائقية جديدة للاتحاد الدولي لكرة القدم تُسمى «لحظة الحقيقة»، التي أصبحت متاحةً الآن في المملكة المتحدة لأول مرة. يتحدث ديسايي الآن من الدوحة، إذ كان يعمل على تغطية مباريات دوري أبطال أوروبا على قناة «بي إن سبورتس».

لعب ديسايي دورا بارزا في فوز فرنسا بكأس العالم عام 1998 بعد تخطي البرازيل في النهائي (غيتي)

وفي إطار بحثي عن المعلومات التي تساعدني على إجراء هذه المقابلة الصحافية مع ديسايي من جهة، وبحثي عن المتعة من جهة أخرى، أعدت مشاهدة المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 1994 بين ميلان وبرشلونة. ربما ينسى القارئ، كما نسيت أنا أيضاً، أن ديسايي لعب تلك المباراة في خط الوسط: قدم أداءً استثنائياً وسجل الهدف الرابع لميلان وتنمر على صانع ألعاب برشلونة النحيل المسمى جوسيب غوارديولا! ونظراً للطريقة التي تطورت بها كرة القدم خلال الثلاثين عاماً الماضية، فإنني أشعر بالفضول وأتساءل عما لو كان بإمكان ديسايي أن يلعب في هذا المركز اليوم. يقول النجم الفرنسي رداً على ذلك: «خلال الفترة من عام 1994 إلى عام 1996 أو 1997، كنت أفضل لاعب خط وسط مدافع في السوق. كنت أقدم مستويات رائعة في تلك اللحظة التي لم تكن فيها كرة القدم تعتمد كثيراً على النواحي الخططية، وكان بإمكاني الاعتماد كثيراً على قوتي البدنية. ثم في عام 1997، أدركت أن كرة القدم تتغير حقاً، حيث ظهر العديد من اللاعبين الرائعين من الناحية الخططية، مثل باتريك فييرا، الذي جاء إلى ميلان. وكان هناك أيضاً إدغار ديفيدز».

ويضيف: «كانت هذه هي بداية هؤلاء اللاعبين الذين يمكنهم لعب الكرة من لمسة واحدة. وعندما كنت تضغط عليهم، كانت لديهم القدرة على الدوران ولعب الكرة. كانت نقطة قوتي تتمثل في التدخل بقوة وسرعة على اللاعب المنافس، وكنت أعلم آنذاك أنني سأنجح في استخلاص الكرة. أما الآن، فهناك لاعبون مثل كروس أو مودريتش، أو سيدورف أو بيرلو من بعدي، الذين يمكنهم التغلب بسهولة على الضغط الذي يمارسه المنافس عليهم».

ويتابع: «لقد تغيرت الجوانب البدنية كثيراً. وبعيداً عن اللياقة البدنية والنواحي الخططية، أصبح بإمكان جميع اللاعبين أن يتحكموا في الكرة بشكل جيد. كنا نوقف الكرة بجانب القدم، لكن اللاعبين الآن يضعون أقدامهم فوق الكرة ويحركونها في الاتجاه الذي يريدونه. لقد دخلت في مناقشة مع فرانك لامبارد ذات يوم وسألته عما إذا كانت كرة القدم قد أصبحت بالفعل أسرع مما كانت عليه عندما كنت ألعب، فأجاب لامبارد بأنها ليست أسرع، ولكن اللاعبين أصبحوا أكثر قدرة على فهم النواحي الخططية والتكتيكية. إذن، هل كان بإمكاني أن ألعب اليوم مدافعاً؟ نعم. لكن ليس بإمكاني أن ألعب في خط الوسط الآن».

لقد شعرت بأن هذه هي اللحظة المناسبة لسؤال ديسايي لماذا لم يصبح مديراً فنياً، أجاب النجم الفرنسي على هذا السؤال قائلاً: «لقد حصلت على دورات التدريب المطلوبة، لكن السبب الوحيد الذي جعلني لا أسعى إلى ذلك هو أسلوب حياتي، فأنا لا أريد أن أكون مهووساً بشيء واحد فقط في حياتي. لأنه عندما تكون مديراً فنياً، فإن هذا يتطلب منك أن تكرس حياتك لهذه المهنة بنسبة 100 في المائة. وبالتالي، سيتعين عليك أن تقتل المعرفة التي بنيتها على مدار 20 عاماً من ممارسة كرة القدم لاعباً، وأن تعيد خلق فلسفة مختلفة، وأن تكون قادراً على وضعها موضع التنفيذ. ولم أكن مستعداً لمواجهة أي إحباط».

لكن ديسايي متشكك أيضاً في فكرة أن السبيل إلى إصلاح نظام اللعبة يتلخص في وضع المزيد من اللاعبين السابقين في مناصب قيادية، ويتساءل: «كم منا لديه دراسة جامعية أو على استعداد للجلوس في مكتب، بعيداً عن رائحة عشب الملعب، وبدون التواصل مع اللاعبين والدخول في غرفة خلع الملابس وبدون بذل العرق داخل الملعب؟ في الحقيقة، لا يرغب كثيرون منا في دخول هذا المجال. علاوة على ذلك، كان لدينا بلاتيني، وقد رأينا جميعاً ما حدث له».

استطاع ديسايي إيقاف خطورة روماريو مهاجم البرازيل في نهائي كأس العالم (غيتي)

ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نسيء تفسير أي من هذا باعتباره نوعاً من الانسحاب أو اللامبالاة، ففي حقيقة الأمر يهتم ديسايي كثيراً باللعبة، وهو مستعد تماماً للتحدث بكل صراحة عن القضايا التي تهمه. ويقول عن ذلك: «من الجيد أن يبدي لاعبو كرة القدم آراءهم ووجهات نظرهم». إنه يتحدث من واقع خبرته في هذا المجال، فبوصفه لاعباً بارزاً في صفوف المنتخب الفرنسي متعدد الثقافات الذي فاز بكأس العالم في عام 1998 ووقف في وجه التهديدات المتزايدة من جانب اليمين المتطرف بعد أربع سنوات، فقد ساعد في تمهيد الطريق للجيل الحالي، الذي تحدث العديد منهم بقوة في ظروف مماثلة هذا الصيف.

وفي عام 2002، قال ديسايي رداً على التهديد الناشئ الذي تمثله «الجبهة الوطنية» بقيادة جان ماري لوبان: «إن لاعبي المنتخب الفرنسي، المتنوعين في أصولهم، يُجمعون اليوم على إدانة المفاهيم المتجددة للإقصاء والعنصرية». والآن، تجد كرة القدم نفسها مرة أخرى في مواجهة العنصرية. فخلال بطولة كأس الأمم الأوروبية 2024، تحدث لاعبون مثل جول كوندي وكيليان مبابي وماركوس تورام ضد صعود حزب «التجمع الوطني» اليميني في فرنسا. ومع عودة اليمين المتطرف إلى الظهور على الساحة مرة أخرى، ومع وصول ابنة لوبان، مارين، إلى أبواب السلطة، فمن المغري أن نسأل ديسايي عما إذا كان أي شيء قد تغير حقاً خلال عقدين من الزمان!

لكن ديسايي مُصرٌّ على أن المعارك قد رُبِحَت بالفعل. ويذكرنا أنه قبل جيل من الآن كان هو وزملاؤه في منتخب فرنسا يقاتلون من أجل الحق في أن يُنظَر إليهم باعتبارهم فرنسيين! ويقول: «الآن، نحن قادمون إلى عصر جديد. هذا هو الجيل الثالث. لقد ولدوا في فرنسا. وعلى الرغم من وجود العنصرية، فإن الساسة الآن حذرون فيما يقولونه. لذا، فإنك لا تلاحق إلا الأشخاص غير الشرعيين، الذين ليس لديهم وثائق. ولا تشير لوبان إلا إلى هذا الأمر فقط الآن».

وأعرب ديسايي عن إعجابه الشديد بكوندي ومبابي، اللذين استغلا مكانتهما لمناهضة العنصرية، يقول النجم الفرنسي السابق: «بدأ لاعبو كرة القدم، ببطء، في التعبير عن آرائهم. لم يعد الأمر يتعلق بالعنصرية، أو على الأقل لم يعد الأمر بهذه البساطة. كان رأيهم هو أن اليمين المتطرف ليس جيداً لنمو البلاد، لذا حاولوا جذب انتباه الشباب. وكان ذلك أمراً جيداً، لأنهم لم يتمكنوا من دخول النظام الحاكم». وكما هُزم حزب «الجبهة الوطنية» في النهاية في عام 2002، فقد هُزم حزب «التجمع الوطني» في الانتخابات التشريعية الأخيرة ليحتل المركز الثالث.

ديسايي لم يرغب في ممارسة مهنة التدريب (غيتي)

ربما يتمثل الدرس هنا في أن ديسايي ينتقي مشاريعه بعناية، لكن عندما يفعل ذلك فإنه يلتزم بها بشكل كامل. فضلاً عن ذلك، فإنه يقاوم دائماً فكرة أن يتم تعريفه بشيء واحد، فهو مدافع ولاعب خط وسط، وعامل وزعيم، وسياسي ومحب لأعمال الخير، وفرنسي وغاني، ومحلل لمباريات دوري أبطال أوروبا وعاشق لدوري الدرجة الأولى في إنجلترا. إنه رجل يجيد القيام بالعديد من الأشياء، ويفعل كل منها بقدر كبير من الرضا.

يختتم ديسايي حديثه قائلاً: «أنا محظوظ، فبفضل ثروتي تمكنت من إنشاء أكاديمية للناشئين والقيام بالعديد من الأعمال الخيرية في غانا، لأرد قليلاً من الدين لهذا البلد. وفي الوقت نفسه، فإنني أظل قريباً جداً من كرة القدم. أنا منخرط في العمل في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، كما أعمل في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. إنني أرى أن القيام بذلك أكثر فائدة بكثير من أن أكون مديراً فنياً، وأهتم بفريق واحد فقط. لا أعرف ما إذا كنت نجماً أم لا، لكنني الآن أسطورة، وأشعر أن القادم أفضل».

* خدمة «الغارديان»