إذا كنت تبحث عن دليل على أهمية رودري لمانشستر سيتي، فما يتعين عليك سوى أن تلقي نظرة على نتائج الفريق من دونه هذا الموسم. لقد تعرّض نجم خط الوسط الإسباني للإيقاف لثلاث مباريات بعد حصوله على البطاقة الحمراء أمام نوتنغهام فورست، وخسر مانشستر سيتي جميع المباريات الثلاث، حيث ودّع الفريق كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة بعد الخسارة أمام نيوكاسل، ثم خسر أمام وولفرهامبتون وآرسنال في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وكان اللاعب البالغ من العمر 27 عاماً متاحاً لمباراة مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا أمام لايبزيغ، التي فاز بها مانشستر سيتي بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، وعاد للمشاركة في المباريات المحلية في الدوري الإنجليزي الممتاز أمام برايتون ومانشستر يونايتد، ولم يكن من الغريب أن يحقق مانشستر سيتي الفوز في المباراتين! غالباً ما يُشار إلى اللاعبين الأساسيين على أنهم القلب النابض للفريق، لكن يمكن وصف رودري بأنه «عقل» مانشستر سيتي، لأنه يسيطر على كل شيء داخل المستطيل الأخضر. وكان المدير الفني لـ«السيتيزنز» جوسيب غوارديولا، قد قال في وقت سابق من هذا الشهر: «ربما يكون أفضل محور ارتكاز، أو من بين أفضل اثنين أو ثلاثة محاور ارتكاز، في العالم».
في الحقيقة، من الصعب الاختلاف مع هذا التقييم. فبعدما وجد رودري صعوبة في التأقلم مع الحياة في إنجلترا في البداية، تألق بشكل لافت للأنظار وأثبت أنه أفضل لاعب في مركزه في الدوري الإنجليزي الممتاز. غالباً ما يستغرق الأمر من أي لاعب ينضم حديثاً إلى مانشستر سيتي نحو عام لكي يفهم طريقة اللعب التي يعتمد عليها غوارديولا ويطبقها بشكل جيد. وبمجرد أن يفهم اللاعب المنضم حديثاً ذلك، فإنه يتألق بشكل مذهل، وهذا هو ما حدث بالضبط مع رودري.
ويجب الإشارة إلى أن مانشستر سيتي لديه بديل للمهاجم النرويجي العملاق إيرلينغ هالاند، ولديه بديل أيضاً للاعبه المبدع كيفين دي بروين، لكن ليس لديه بديل لرودري عندما يغيب لأي سبب من الأسباب. ومن الواضح للجميع أن مانشستر سيتي يعاني بشدة في حال غياب رودري. وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أنه منذ بداية موسم 2020 - 2021 (موسم رودري الثاني في إنجلترا) خسر مانشستر سيتي 11 من أصل 40 مباراة لم يشارك فيها رودري في التشكيلة الأساسية. وفي المقابل، لم يخسر مانشستر سيتي سوى 15 مباراة فقط من أصل 146 مباراة شارك فيها رودري في التشكيلة الأساسية. ويعني هذا أن مانشستر سيتي يخسر 10.3 في المائة من المباريات التي يبدأها رودري، و27.5 في المائة من المباريات التي يغيب عنها.
ومن الواضح للجميع أن لاعب خط وسط أتلتيكو مدريد السابق ليس من نوعية اللاعبين الذين يتجولون في الملعب بحثاً عن الاستحواذ، على الرغم من أنه يحمي خط الدفاع بشكل جيد للغاية. لقد تمكن أربعة لاعبين فقط في الدوري من استعادة الكرة في الثلث الأخير من الملعب أكثر من رودري، كما يصل متوسط استخلاصه الكرة عن طريق التاكلينغ إلى 2.4 لكل 90 دقيقة، وهو أمر جيد للغاية أيضاً. لكن نقطة القوة الأبرز في أداء رودري تتمثل في العمل الذي يقوم به بعدما يستحوذ على الكرة، نظراً لأن دقته في التمرير تسمح لمانشستر سيتي بالتحكم في زمام المباريات والتقدم في الملعب.
يحتل مانشستر سيتي المركز الأول بين جميع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم من حيث نسبة الاستحواذ (63 في المائة) ومعدل التمريرات الناجحة (89.8 في المائة)، ويلعب رودري دوراً مؤثراً للغاية في سيطرة الفريق على المباريات. ويصل متوسط تمريرات رودري في المباراة الواحدة إلى 103.1 تمريرة، أكثر من أي لاعب خط وسط في الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا، كما يعد صاحب أفضل معدل تمريرات ناجحة لأي لاعب في مركزه في الدوري الإنجليزي الممتاز، بنسبة 94.3 في المائة.
لكن ما يجعل رودري لاعباً أكثر إثارة للإعجاب هو طريقة تمريره للكرات، حيث لا يمرر تمريرات قصيرة لزملائه من أجل الاحتفاظ بالكرة، بل يتطلع إلى استكشاف اللعب والبحث عن أفضل تمريرة تساعد الفريق على تشكيل خطورة على المنافس. ويصل معدل تمريراته الطويلة الناجحة إلى 6.6 تمريرة لكل مباراة هذا الموسم، أكثر من أي لاعب آخر في الدوري. ولكي نضع هذه الإحصائية في السياق الصحيح، فإن أقرب لاعب لرودري في هذه الإحصائية هو مدافع نيوكاسل فابيان شار (5.7 تمريرة)، أما أقرب لاعب خط وسط له في هذه الإحصائية فهو لاعب تشيلسي إنزو فرنانديز (5.1 تمريرة).
ويهاجم مانشستر سيتي من عمق الملعب أكثر من أي فريق آخر في الدوري (بنسبة 32 في المائة)، وتلعب تمريرات رودري الطولية دوراً بالغ الأهمية في هذا الصدد، فقدرته على التمرير بدقة لزملائه في الفريق، حتى عندما يكون الخصم متكتلاً للغاية في النواحي الدفاعية، تعني أن مهاجمي مانشستر سيتي يمكنهم الاندفاع إلى الأمام وهم يعرفون جيداً أن الكرة ستلعب لهم عند أقدامهم بدقة كبيرة. لا يمكن لمهاجمي مانشستر سيتي أن يتحركوا بنفس الشكل في حال غياب رودري، والدليل على ذلك أن مانشستر سيتي لم يسجل سوى هدف وحيد فقط في المباريات الثلاث التي خسرها على التوالي، وكان ذلك الهدف من ركلة حرة لجوليان ألفاريز في مرمى وولفرهامبتون.
في الحقيقة، لا يستطيع مانشستر سيتي تحمل غياب رودري مرة أخرى إذا كان يريد تحقيق نفس الإنجازات التي حققها الموسم الماضي عندما فاز بالثلاثية التاريخية. لقد انتقل إيلكاي غوندوغان إلى برشلونة ولا يتمتع أي لاعب آخر من لاعبي محور الارتكاز بنفس الدقة والفاعلية التي يتمتع بها رودري، سواء في حال الاستحواذ على الكرة أو في حال خسارتها. لقد لعب كالفين فيليبس وماتيو كوفاسيتش أمام نيوكاسل، بدعم من ريكو لويس، ولعب كوفاسيتي ولويس أمام آرسنال على ملعب الإمارات، ولعب كوفاسيتش وماتيوس نونيس أمام وولفرهامبتون على ملعب «المولينو»، لكنهم فشلوا جميعاً في تعويض رودري، وبالتالي خسر الفريق المباريات الثلاث.
لقد خسر مانشستر سيتي عدداً من النقاط المهمة للغاية في سباق صدارة الدوري الإنجليزي الممتاز عندما غاب رودري، حيث يحتل الفريق المركز الثالث في جدول الترتيب حالياً خلف توتنهام وآرسنال، اللذين لم يخسرا حتى الآن، لذا فمن الواضح أن مانشستر سيتي في حاجة ماسة لخدمات رودري ولأن يكون في كامل لياقته البدنية والذهنية. وإذا غاب رودري عن المباريات لفترة، سواء كان ذلك بسبب الإصابة أو الإيقاف، فقد نرى بطلاً مختلفاً للدوري الإنجليزي الممتاز العام المقبل! وهنا تتضح أهمية رودري الكبيرة لمانشستر سيتي!
وكان رودري قد وصف الدور الذي يقوم به لاعب محور الارتكاز بأنه يتعلق في المقام الأول بالتمركز داخل الملعب والمرونة الخططية والتمرير السليم لضرب خطوط الفريق المنافس. وفي موسم 2017 – 2018، كان إيفان راكيتيتش هو اللاعب الوحيد في الدوري الإسباني الممتاز الذي تفوق على رودري فيما يتعلق بعدد التمريرات الصحيحة، بفارق 25 تمريرة فقط. وجاء سيرغيو بوسكيتس في المركز الرابع، متخلفاً عن رودري بـ198 تمريرة. وفي نهاية ذلك الموسم، عاد رودري من فيا ريال إلى أتلتيكو مدريد الذي كان قد استغنى عنه وهو في السابعة عشرة من عمره، بسبب ضعف بنيته الجسدية. ووصلت قيمة انتقاله في ذلك الوقت إلى 25 مليون يورو فقط، وكان من الغريب ألا يتحرك برشلونة للتعاقد معه، لأنه كان اللاعب المثالي لقيادة خط وسط الفريق الكتالوني في تلك المرحلة الانتقالية. وفي ربيع هذا العام، استفسر برشلونة عن إمكانية ضم اللاعب، لكن بعد فوات الأوان، فقد كان عقد اللاعب مع أتلتيكو مدريد يتضمن بنداً يمنح اللاعب حق الرحيل إذا تم دفع 70 مليون يورو، وكان يعرف في ذلك الوقت أن مانشستر سيتي مهتماً بالتعاقد معه.
*خدمة «الغارديان»