يُقال إن تشيلسي رفض فرصة التعاقد مع جيمس ماديسون هذا الصيف، لأن النادي لا يريد ضم أي لاعب يزيد عمره على 25 عاماً، وكأن الممثل الأميركي الشهير ليوناردو دي كابريو هو من يرأس لجنة التعاقدات بالنادي! لكن ماديسون أثبت أن تشيلسي خسر كثيرا بعدم التعاقد معه، ويقدم الآن مستويات مثيرة للإعجاب مع توتنهام.
وفاز توتنهام بسباق التعاقد مع ماديسون، على الرغم من اهتمام نيوكاسل، ودفع 40 مليون جنيه إسترليني للتعاقد مع لاعب خط وسط المنتخب الإنجليزي. ومع انتقال هاري وينكس إلى ليستر سيتي مقابل 10 ملايين جنيه إسترليني، فإن ما دفعه توتنهام للتعاقد مع ماديسون يصل لنحو 30 مليون جنيه إسترليني. لم تُلعب سوى أربع جولات فقط من الموسم الجديد، لكن يبدو أن اللاعب البالغ من العمر 26 عاماً في طريقه لأن يكون أفضل صفقة في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة.
لقد بدأ توتنهام الموسم بشكل رائع تحت قيادة مديره الفني الجديد أنغي بوستيكوغلو، وبشكل لم يكن يتوقعه كثيرون. وكان الحديث المستمر عن مستقبل هاري كين، الذي تم تسويته أخيرا في اليوم السابق لخوض توتنهام لمباراته الافتتاحية في الموسم الجديد أمام برينتفورد، يهدد بالتأثير سلبيا على استعدادات الفريق. ومع ذلك، لم يخسر توتنهام في أي من المباريات الأربع التي لعبها حتى الآن، وحصد 10 نقاط، ويحتل المركز الثاني في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز خلف المتصدر مانشستر سيتي، مع توقف المسابقة لخوض مباريات فترة التوقف الدولي. وكان ماديسون أحد أفضل لاعبي خط هجوم توتنهام حتى الآن. وقدم عدد من لاعبي توتنهام أداءً جيداً - إيف بيسوما عاد لتقديم المستويات الرائعة التي كان يقدمها مع برايتون في خط الوسط، بينما عزز ديستني أودوغي وميكي فان دي فين ما كان سابقاً أحد أضعف خطوط الدفاع في الدوري - لكن ماديسون يعد أبرز لاعب في توتنهام.
لقد نجح ماديسون في ملء فجوة كان توتنهام يعاني منها منذ فترة طويلة، حيث لم يكن لدى الفريق صانع ألعاب يمكنه اختراق دفاعات الفرق المنافسة منذ رحيل كريستيان إريكسن إلى إنتر ميلان في عام 2020. صحيح أن هاري كين سجل بمفرده 43 في المائة من إجمالي أهداف الفريق في الدوري الموسم الماضي، لكن لم يكن هناك صانع ألعاب يتنقل بين الخطوط ويمرر الكرات البينية الخطيرة في المساحات الخالية لزملائه داخل الملعب. ورحب جمهور توتنهام بماديسون وقابلوه بأذرع مفتوحة، ورد لهم النجم الإنجليزي الدولي الجميل من خلال تقديم مستويات ممتعة ومثيرة للإعجاب.
وعلى الرغم من هبوط ليستر سيتي لدوري الدرجة الأولى الموسم الماضي، فإن ماديسون حافظ على مستواه العالي وسجل 10 أهداف وصنع تسعة أهداف أخرى. بل ويقدم مستويات أفضل هذا الموسم، حيث سجل هدفين وصنع هدفين آخرين حتى الآن، ليتصدر تصنيف موقع «هو سكورد» بـ 8.08 نقطة، متفوقا على جميع لاعبي المسابقة.
ونظرا لأن ماديسون يشعر بالأمان بسبب قوة خط الدفاع بقيادة بيسوما، وظهيري الجنب اللذين يتقدمان إلى خط الوسط، فإنه يتحرك بحرية كبيرة لاستغلال مهاراته وإمكاناته داخل المستطيل الأخضر من أجل القيام بما يجيده: إحداث الفوضى في الثلث الأخير من الملعب. لقد حصل على حرية كبيرة في التحرك وسرعان ما أثبت أنه اللاعب المبدع في تشكيلة بوستيكوغلو. ويأتي ماديسون في صدارة لاعبي توتنهام من حيث عدد التمريرات الخطيرة (10 تمريرات) والثاني من حيث عدد المراوغات (سبع مراوغات) هذا الموسم.
ومن المثير للاهتمام أيضا أنه سدد أكثر من أي من زملائه في الفريق (13 تسديدة). تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن هاري كين سدد 25 في المائة من إجمالي تسديدات الفريق الموسم الماضي والبالغ عددها 518 تسديدة، ومن الواضح أن ماديسون يحل محله الآن. لقد بدأ ريتشارليسون وسون هيونغ مين الموسم بشكل بطيء - على الأقل حتى إحراز سون ثلاثة أهداف في مرمى بيرنلي قبل فترة التوقف الدولي - لذا أخذ ماديسون على عاتقه مهمة تشكيل الخطورة على مرمى المنافسين من خلال صناعة وإحراز الأهداف. وجاءت تسع من تسديداته الـ 13 من داخل منطقة الجزاء، وهو ما يعكس حقيقة أنه يدخل إلى مناطق الخطورة ولديه الثقة في المجازفة والمخاطرة. وفي المقابل، لم يسدد رأس الحربة الصريح ريتشارليسون سوى أربع تسديدات فقط على المرمى!
وكان هذا هو مصدر قلق مشجعي توتنهام عندما رحل هاري كين إلى بايرن ميونيخ - من أين ستأتي الأهداف؟ لقد فشل ريتشارليسون في استغلال الفرصة عندما تم الدفع به في مركز المهاجم الصريح - سجل هدفاً واحداً في الدوري في 31 مباراة مع النادي - وتراجع مستوى سون كثيرا. لكن ماديسون يسعى لتشكيل خطورة كبيرة على مرمى المنافسين في الثلث الأخير من الملعب، سواء من خلال خلق الفرص لزملائه أو الانطلاق بنفسه نحو المرمى.
لقد خلق بوستيكوغلو أجواء إيجابية داخل النادي بعد فترات بائسة تحت قيادة جوزيه مورينيو ونونو إسبيريتو سانتو وأنطونيو كونتي. لقد عانى النادي من السلبية الشديدة خلال السنوات الأربع التي تلت رحيل المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو في عام 2019، لكن الأمور تتغير بشكل واضح الآن تحت قيادة بوستيكوغلو. هذا لا يعني أن كل شيء مثالي، لكنه على الأقل أفضل بكثير مما كان عليه في عهد كونتي «المروع». إن الأداء الرائع الذي يقدمه ماديسون، والسهولة التي تكيف بها مع ناديه الجديد، ساهما في رفع الروح المعنوية بين القاعدة الجماهيرية للنادي، ولم يكن من المفاجئ على الإطلاق أن يصبح ماديسون المعشوق الأول للجماهير في هذه الفترة القصيرة.
ويمتلك توتنهام سجلا متناقضا في سوق الانتقالات، فاللاعبان اللذان حطما الرقم القياسي لأغلى صفقتين في تاريخ النادي - دافينسون سانشيز وتانغوي ندومبيلي اللذان كلفا خزينة النادي معا 97 مليون جنيه إسترليني - رحلا عن النادي مؤخرا بعد أن فشلا في تقديم المستويات المتوقعة منهما. لكن إنفاق 40 مليون جنيه إسترليني للتعاقد مع لاعب دولي في صفوف المنتخب الإنجليزي ويمتلك خبرة كبيرة في الدوري الإنجليزي الممتاز كان خطوة ذكية، خاصة بالنظر إلى أن آرسنال وتشيلسي قد أنفقا ما يقرب من ثلاثة أضعاف هذا المبلغ على لاعبي خط الوسط. لا يزال الموسم في بدايته ومن الصعب الحكم على الأمور الآن، لكن ماديسون في طريقه ليصبح أفضل صفقة في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة.
*خدمة «الغارديان»