من يستطيع تعويض بنزيمة في ريال مدريد؟

النادي الملكي الإسباني يستهدف هاري كين وأسيمين في خطة لإعادة بناء الفريق

بنزيمة يرحل عن الريال بسجل حافل من الالقاب (ا ف ب)
بنزيمة يرحل عن الريال بسجل حافل من الالقاب (ا ف ب)
TT

من يستطيع تعويض بنزيمة في ريال مدريد؟

بنزيمة يرحل عن الريال بسجل حافل من الالقاب (ا ف ب)
بنزيمة يرحل عن الريال بسجل حافل من الالقاب (ا ف ب)

بيريز رئيس الريال وافق على رحيل بنزيمة بمقابل مالي كبير حالياً أفضل من تركه مجاناً الموسم المقبل فقد ريال مدريد لقبيه الدوري الإسباني لصالح الغريم برشلونة بفارق كبير من النقاط، ودوري أبطال أوروبا (مسابقته المفضلة) بخسارة مذلة برباعية نظيفة أمام مانشستر سيتي، ما دعا إلى تجديد المطالب بإعادة بناء الفريق من جديد والتخلي عن اللاعبين كبار السن، لكن رحيل القائد والهداف الأبرز الفرنسي كريم بنزيمة جاء بمثابة صدمة لجماهير النادي الملكي.

وبعد 24 ساعة فقط من تأكيد مدربه الإيطالي كارلو أنشيلوتي على أن بنزيمة مستمر وضمن خططه المستقبلية للموسم الجديد، جاء بيان رئيس النادي فلورنتينو بيريز الصادم بإعلان نهاية مشوار النجم الفرنسي بعد 14 عاما حافلة بالكؤوس والألقاب مع النادي الملكي.

وربما يرى بيريز أن الموافقة على رحيل بنزيمة بمقابل مالي كبير الآن أفضل من تركه يرحل مجانا الموسم المقبل.

لقد أغفل مسؤولو الريال أعينهم حول مطالب المراقبين بضرورة تجديد دماء الفريق، وكان يرون أنه ما دامت العجلة تدور والفريق يحقق الانتصارات والأهداف المرجوة، فلا يوجد داع لإجراء تغييرات كبيرة على التشكيلة، حتى تكشفت الأمور هذا الموسم، وتراجع النتائج ما هو إلا مردود مناسب لتقدم الفريق في السن. وكما لو كانت الهزيمة المذلة أمام مانشستر سيتي قد فتحت العيون ليدرك الجميع أن الكرواتي لوكا مودريتش يبلغ من العمر 37 عاماً، وبنزيمة 35 عاماً، والألماني توني كروس 33 عاما، وداني كارفاخال 31 عاماً. وبدأ الحديث يدور الآن حول المرحلة الانتقالية وضرورة إعادة بناء الفريق والاعتماد على جيل جديد، خاصة وأن الفريق يضم بالفعل عدداً من اللاعبين الشباب الموهوبين أمثال، إدواردو كامافينغا البالغ من العمر 20 عاماً، وفينيسيوس جونيور ورودريغو 22 عاماً، وأوريلين تشواميني 23 عاماً، وفيدريكو فالفيردي 24 عاما، وإدير ميليتاو 25 عاما. مع ثقة ريال مدريد تماماً في قدرته على التعاقد مع النجم الإنجليزي الشاب جود بيلينغهام البالغ من العمر 19 عاماً.

لكن جماهير الريال ترى أن التخلي عن بنزيمة ليس بالقرار الصائب حاليا، لأن المهاجم المتوج بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم العام الماضي ما زال لديه الكثير ليقدمه للفريق. وسيترك بنزيمة الذي انضم لريال مدريد عام 2009 قادماً من ليون الفرنسي، بصمة لا تُمحى داخل النادي الملكي، حيث توج معه بـ25 لقباً بينها خمسة في مسابقة دوري أبطال أوروبا.

هاري كين على رادار الريال (ا ف ب)cut out

وبعدما لعب الدولي الفرنسي السابق لفترة طويلة في ظل النجم السابق للنادي الملكي الدولي البرتغالي كريستيانو رونالدو، فرض نفسه كقوة هجومية بمجرد رحيله في صيف 2018، حيث يحتل المركز الثاني على لائحة أفضل الهدافين في تاريخ النادي الملكي برصيد 353 هدفا مقابل 450 هدفا لرونالدو الذي يدافع حاليا عن ألوان النصر السعودي. وبأهدافه الـ15 التي سجلها الموسم الماضي في المسابقة القارية العريقة، سيظل بنزيمة صاحب الفضل في اللقب الرابع عشر.

وما يشعر جماهير الريال بالقلق وعدم الثقة برحيل بنزيمة، هو فشل الإدارة في التعاقد مع الفرنسي كيليان مبابي من باريس سان جيرمان الموسم الماضي. ومن المتوقع أن يحول بيريز رئيس الريال تركيزه في سوق الانتقالات المقبلة للتعاقد مع مهاجم من العيار الثقيل، وربما يكون التوجه نحو الإنجليزي الدولي هاري كين هداف توتنهام أو النيجيري فيكتور أوسيمين هداف نابولي. اللاعبان ضمن أهداف مانشستر يونايتد أيضا، وهو ما قد يفتح الباب لمزايدات كبيرة هذا الصيف. ولن يتخلى توتنهام عن كين بمبلغ يقل عن 100 مليون جنيه إسترليني، بينما حدد نابولي 150 مليون يورو شرطاً لبيع أوسيمين. ولا يريد هاري كين (30 عاماً) خوض تجارب خارج الدوري الإنجليزي، سعياً منه لتحطيم رقم آلان شيرر القياسي لأفضل هدافي الممتاز بالتاريخ. وسجل هاري كين 30 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، ما رفع رصيده الإجمالي إلى 280 هدفاً في 435 مباراة مع توتنهام. لكن اللاعب الفائز بلقب هداف الدوري الإنجليزي الممتاز ثلاث مرات فشل في الفوز بأي ألقاب مع توتنهام، ما يجعله قد يوافق على عرض مانشستر يونايتد إذا رغب في الاستمرار باللعب في بلاده، أو الرحيل إلى الريال إذا كان العرض مغريا.

وكان الألماني توني كروس قد اعترف بأن الريال هذا الموسم ليس هو الذي كان بالسنوات الأخيرة، وقال: «يتعين علينا أن نقول الحقيقة، الهزيمة أمام سيتي كانت مؤلمة للغاية، ولم يكن من الممكن الهروب منها هذه المرة!».

وكان أنشيلوتي الذي تردد أنه ربما يتوجه لقيادة منتخب البرازيل عقب هذا الموسم، قد أعرب عن رغبته في الاستمرار مع الريال لنهاية تعاقده صيف 2024، حيث يريد إعادة بناء الفريق بوجود القائد بنزيمة، لكن عليه الآن انتظار ما ستسفر عنه مفاوضات سوق الانتقالات أو النظر لمستقبله بعيدا عن الدوري الإسباني.

أنشيلوتي مدير فني واقعي ويتعامل مع الأمور بهدوء وحكمة، وهذه الصفات كانت أحد الأسباب الرئيسية في نجاحه، ويدرك تماما أن المرحلة المقبلة في الريال ستشهد تقلبات مثيرة، وأنه سيتعرض لضغوط كبيرة بشأن مستقبله أيضا رغم تأكيد الإدارة على بقائه.

لقد سُئل أنشيلوتي عن مستقبله في كل مؤتمر صحافي عقب وقبل المباريات الأخيرة، والتي يزيد عددها على 100 مؤتمر هذا الموسم، فكيف ستكون الحال هذه المرة بعد ختام الموسم المتواضع للنادي، ورؤية أبرز نجوم الفريق يقرر الرحيل؟

وأكد أنشيلوتي: «وعدني (بيريز) باستمرار دعمه، وتحدثنا بشأن المستقبل بأمل تحسين الأوضاع ودعم الفريق». لقد وصف مدير العلاقات المؤسسية في ريال مدريد، إميليو بوتراغينيو، أنشيلوتي بأنه مدير فني «مذهل»، مشيرا إلى أن «لديه عقدا» مع النادي، لكن لا تزال الشكوك موجودة بشأن مستقبل المدير الفني الإيطالي المخضرم. في وقت يطالب فيه كثيرون بإعادة بناء الفريق تحت إدارة فنية جديدة. لقد كان القائمون على الريال يرون أن الأمور تسير على ما يرام، ما دام أن الفريق ينجح في إيجاد طريقة ما للتفوق على المنافسين، لكن هذا الموسم تكشفت الأمور، وفقد النادي البطولتين الأهم، وبات المطلب هو التغيير السريع.


مقالات ذات صلة

لافوينتي : نهائي كأس أوروبا سيكون متوازناً… سيفوز الأقل خطئاً

رياضة عالمية دي لافوينتي (د.ب.أ)

لافوينتي : نهائي كأس أوروبا سيكون متوازناً… سيفوز الأقل خطئاً

طالب مدرب المنتخب الإسباني لويس دي لا فوينتي لاعبيه بصناعة التاريخ لبلادهم عندما يتواجهون مع المنتخب الإنجليزي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية ينتظر المنتخب الإسباني الآن مباراة أخيرة لفرض سحره والتألق (أ.ف.ب)

«لا فوينتي الهادئ» كسب معركته مع الصحافة… وأعاد إسبانيا لعافيتها

نجح المدرب لويس دي لا فوينتي، رغم العقبات والانتقادات، في إعادة منتخب إسبانيا إلى الطريق الصحيح بثقة وهدوء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية لاعبو إنجلترا بعد تخطي هولندا والتأهل لنهائي «يورو 2024»

هل تعد إسبانيا أفضل منتخب في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2024؟

هل كانت إنجلترا بحاجة لتقديم الأداء السيئ والممل أمام الدنمارك لكي تعيد ضبط الأمور وتصل للمباراة النهائية؟

أوروبا لاعب المنتخب الإسباني لامين يامال خلال التدريبات (أ.ف.ب)

غضب من فيديو لامين يامال بقميص منتخب المغرب

أثار مقطع فيديو للاعب لامين يامال غضباً وسط الإسبان رغم إعرابه عن فخره بقيادة منتخب بلاده للصعود لنهائي بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم «يورو 2024»

رياضة عالمية دي لافوينتي يقوم بتوجيهاته خلال المباراة (رويترز)

مدرب إسبانيا: هدف لامين يامال «لمسة عبقرية»

أثنى لويس ديلا فوينتي، مدرب إسبانيا، على مستوى وتماسك فريقه، بعدما قلب تأخره بهدف ليفوز 2-1 على فرنسا، ويتأهل لنهائي بطولة أوروبا لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
TT

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)

أوقدت باريس شعلتها الأولمبية، وسط افتتاح مذهل دُشّن بمقطع فيديو للكوميدي من أصول مغربية جمال دبوز، ولاعب كرة القدم السابق زين الدين زيدان «من أصول جزائرية» في استاد «دو فرانس»، قبل العرض غير المسبوق على نهر السين، بمشاركة 6 آلاف و800 رياضي، أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية.

وللمرة الأولى يُقام حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيسي، يشاهده 320 ألف متفرج من مدرجات بُنيت خصوصاً للحفل على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من على شرفات المباني المجاورة.

وعَبَر أول قارب يقلّ البعثة اليونانية جسر «أوسترليتز» في باريس، ليُطلق موكب الوفود على نهر السين، في بداية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الجمعة، في باريس.

بعثة اللاجئين تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية (رويترز)

وانفتح جدار من المياه المتدفقة تحت الجسر؛ ما أتاح مرور قارب البعثة اليونانية، كما تقضي التقاليد بوصف اليونان مهد الحركة الأولمبية الحديثة، وهو الأول من بين 85 قارباً يجب أن تنقل 6 آلاف و800 رياضي إلى تروكاديرو.

وحملت نجمة التايكوندو دنيا أبو طالب علم البعثة السعودية، التي ظهرت على متن قرب، وارتدى أفرادها الزي التاريخي (البشت والشماغ والعقال)، في حين ارتدت الرياضيات زياً نسائياً تراثياً (جلابية وطرحة على الرأس)، ورفرف جميعهم بالأعلام السعودية.

ومرت الساعات والدقائق ببطء شديد، بعد ظهر الجمعة بانتظار انطلاق الحفل الافتتاحي للأولمبياد الـ33 للعصر الحديث في باريس، التي تحوّلت إلى قلعة حصينة يصعب على المواطن العادي التنقل داخلها ما لم يكن حاصلاً على «الخاتم السحري»، الذي يُطلب منه عند كل مفترق طرق أو عند أي جسر على نهر السين.

الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح باخ رئيس الأولمبية الدولية قبل انطلاق الحفل (رويترز)

الحكومة الفرنسية بدت قلقة وهي تضع نصب عينيها توفير الأمن المطلق للملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، الذين أمّوا باريس؛ للمشاركة في أضخم حدث أولمبي تشهده العاصمة الفرنسية، الذي تريده الأجمل والأكثر إثارة في تاريخ الأولمبياد. كوكبة ضخمة تزيد على 120 مسؤولاً كبيراً كانوا على موعد مع «عاصمة النور» التي عبّأت أجهزتها الأمنية بشكل مطلق، إذ يصل إلى 90 ألف رجل أمن عام وخاص وأفراد من الجيش، بل استعانت بعناصر أجنبية من 60 دولة؛ لتوفير أفضل تغطية أمنية، ولسد المنافذ كافّة التي يمكن أن تؤثر في المسار الصحيح للاحتفال.

أولمبياد باريس: الاستثناء

سمعة فرنسا كانت في الميزان. ولأن باريس عرفت في السنوات والأشهر الأخيرة حراكاً اجتماعياً أو أحداثاً أمنية لها علاقة بالإرهاب، ولأن أولمبيادها يجري في ظل توترات جيوسياسية وحربين مشتعلتين، الأولى في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022، والثانية في غزة منذ عشرة أشهر، فإن المخاوف كانت أن تنعكس هذه الحالة على الحفل الافتتاحي، ولكن أيضاً على الفعاليات الرياضية التي ستُجرى في العاصمة وفي عديد من المدن الأخرى. ومنذ ما قبل حصوله، برز غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يُدع إلى الاحتفال «عقاباً» له على حربه على أوكرانيا.

الفنانة ليدي غاغا خلال فقرتها الغنائية (رويترز)

كذلك تقلّصت البعثة الرياضية الروسية إلى 15 فرداً مُنعوا من حمل علم بلادهم، وسُمح لهم بالمشاركة بصفتهم الفردية، في حين كانت البعثة الروسية في المناسبات السابقة من الأكبر (أكثر من 300 رياضي). وكما غاب بوتين، غاب أيضاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا... كذلك، فإن حرب غزة كانت حاضرة من خلال الدعوة إلى منع مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحفل الافتتاحي، بل في الفعاليات الرياضية.

ولأن اللجنة الأولمبية المسؤولة عن الدعوات رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، فقد اتُّهمت بـ«ازدواجية المعايير».

وخلال مباراة كرة القدم، التي تواجه خلالها الفريقان المالي والإسرائيلي، في ملعب «بارك دي برانس» في باريس، رُفعت الأعلام الفلسطينية وسُمعت أهازيج فلسطينية وصفير وتنديد بالفريق الإسرائيلي. ومن بين البعثات الرياضية كافّة، فإن البعثة الإسرائيلية تحظى بأكبر حماية بوليسية، إن في موضع سكنها أو خلال تنقلاتها ومشاركاتها الرياضية. وسارع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية إلى الترحيب بالمشاركة الإسرائيلية وإلى التنديد بدعوة المقاطعة، في حين سارعت الهيئات القريبة من إسرائيل إلى التذكير بما حصل للفريق الرياضي الإسرائيلي خلال ألعاب ميونيخ في عام 1974.

البعثة السعودية لدى مرورها أمام المتفرجين وضيوف الحفل (أ.ف.ب)

المفاجأة الأولى

أرادت باريس، من خلال أولمبيادها، أن تدهش العالم... هذا ما دأب مسؤولوها على ترداده يوماً بعد يوم. ولذا، رُصد للأولمبياد ما يقارب سبعة مليارات يورو للإنشاءات الأولمبية ولتجميل العاصمة.

ولم يكن اختيار مجرى نهر السين، الذي يقسّم باريس إلى قسمين «شمال وجنوب» للحفل الافتتاحي إلا لغرض إبراز الانقطاع عما عرفته الأولمبيادات السابقة، خصوصاً من أجل إبراز الإرث التاريخي العمراني والحضاري والمعماري للعاصمة التي نشأت على ضفتي النهر. ذلك أن التطواف في نهر السين لـ94 مركباً، التي حملت جانباً كبيراً من أفراد 204 بعثات أولمبية (ما يقارب 8 آلاف و500 شخص)، لمسافة نهرية تزيد على ستة كلم؛ دفع إلى الواجهة أبرز المحطات الباريسية، التي يتعيّن على كل زائر للمدينة أن يعرفها؛ أكان ذلك «كاتدرائية نوتردام»، ومبنى «بلدية باريس»، وصولاً إلى جزيرتي «سان لويس»، و«لا سيتيه»، و«جسر الفنون» (لو بون دي زار أو جسر العشاق)، ومتحف «اللوفر»، وقصر «التويليري»، وامتداداً إلى مبنى «الجمعية الوطنية»، وقصر «كي دورسيه» (وزارة الخارجية)، فضلاً عن «متحف أورسي» وبرج إيفل. وانتهى المسار تحت أقدام ساحة تروكاديرو الشهيرة وحديقتها المطلة مباشرة على نهر السين؛ إذ كانت الوفود الرسمية التي تقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويمكن اعتبار المشاهدين الـ320 ألفاً الذين توفّرت لهم الفرصة لمشاهدة التطواف مباشرة من مقاعدهم على ضفتي نهر السين من المحظوظين. بيد أنهم لم يكونوا وحدهم مَن تمتع بهذه المشاهد؛ إذ إن الاحتفالية نُقلت مباشرة على شاشات التلفزة في العالم كله، إذ قُدّر أن هناك ما بين مليار ومليار ونصف المليار مشاهد تابعوا التطواف في نهر السين، وما رافقه من أنشطة وفعاليات فنية وموسيقية ولوحات راقصة، قدّمها ما لا يقل عن 3 آلاف فنان وراقص وموسيقي، وبمشاركة أسماء عالمية دُعيت خصوصاً إلى هذه المناسبة.

ماكرون: كل شيء جاهز

قبل الموعد الحاسم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقطع مصور نشره على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي: «كل شيء جاهز»، مشيراً بشكل خاص إلى الإجراءات الاستثنائية التي عمدت الأجهزة المعنية إلى اتخاذها. وأكد وزير الداخلية «المستقيل» جيرالد دارمانان، من جانبه، أن الاستعدادات قد تمت، وأنه لا يوجد أي «تهديد محدد» لحفل الافتتاح أو المنافسات.

وفي هذا السياق، لجأت السلطات، في إطار عملية أمنية واسعة النطاق، إلى الصلاحيات التي أقرها قانون مكافحة الإرهاب، ووضعت 155 شخصاً قيد إجراءات المراقبة الصارمة التي تحد من تحركاتهم كثيراً.

كذلك عمدت إلى تجميع الأشخاص الذين يفترشون الشوارع والساحات وأخرجتهم من العاصمة إلى مراكز خارجها، في حين فرضت داخل باريس، خصوصاً في المناطق القريبة من مجرى السين والساحات الرئيسية، مثل: «التروكاديرو» و«الكونكورد» و«الأنفاليد»؛ تدابير استثنائية، إن للمشاة خصوصاً السيارات. ولكن على الرغم من ذلك، جاءت مفاجأة من العيار الثقيل لتذكّر المسؤولين أن سد الثغرات كافّة ليس بالعمل السهل.

وقد برز ذلك مع الأعمال التخريبية، التي ضربت صبيحة يوم الجمعة شبكة القطارات السريعة من خلال إشعال مجموعة حرائق استهدفت صناديق الإشارة التي تتحكم بسير القطارات.

وسارع المسؤولون الرسميون وممثلو الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها إلى التنديد بالعمل التخريبي، وعمدت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي لاستجلاء ظروف ما حدث. ووصف رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الهجمات بأنها «أعمال تخريب منسّقة».

وغرّد عبر منصة «إكس»، قائلاً إن آثار الهجوم على شبكة السكك الحديدية في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ضخمة وحادة. وأضاف: «تمّت تعبئة أجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون، للعثور على الجناة في هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم». وقال دارمانان إن الأعمال التخريبية «ليست لها نتائج مباشرة على الحفل الافتتاحي ولا على الفعاليات الرياضية»، مشيراً، في المقابل، إلى أن هناك أكثر من 50 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى العسكريين الذين يسهرون على سلامة الافتتاح.

وقال ديفيد لابارتيان، رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية، إن الرياضيين المشاركين في الفعاليات وصلوا جميعهم إلى مواقعهم. وحتى عصر الجمعة، رفض أي مسؤول فرنسي توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة، والدعوة إلى انتظار نتائج التحقيق الذي بدأته الأجهزة الأمنية. بيد أن مصادر أخرى أشارت إلى احتمال ضلوع مجموعات يسارية متشددة أو أخرى بيئوية متطرفة في الأعمال التخريبية التي أضرّت بما لا يقل عن 800 ألف مسافر، بينهم الأكثرية الساحقة التي كانت تتحضّر للذهاب إلى المنتجعات في إطار العطلة الصيفية. واعترف المسؤولون عن الشبكة بعجزهم عن حماية 30 ألف كلم من الخطوط الحديدية.

قناصة فوق الأسطح... وغطاسون في مياه السين

منذ ما بعد الظهر، كانت شبكة الأمان قد انتشرت تماماً في منطقة التطواف النهري. والصعوبة الأولى، وفق المصادر الأمنية، كانت تكمن في تأمين الحماية لمسافة 12 كلم على ضفتي نهر السين، إن من خلال تفتيش المنازل والأقبية والأبنية القائمة على جانبي النهر، أو التعرّف إلى هويات الأشخاص الذين يسكنون في شققها. فضلاً عن ذلك، كان على الأجهزة أن تنشر قناصتها على أسطح البنايات لتدارك أي عملية إطلاق نار على الوفود الرسمية، كما حصل في إطلاق النار على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في مناسبة مهرجان انتخابي. واستبقت الأجهزة الأمنية بداية التطواف النهري بعملية تفتيش واسعة ودقيقة، أسهمت فيها الكلاب البوليسية للمراكب التي شاركت في الافتتاح، والتي حملت أفراد البعثات الرياضية. بيد أن الهم الأكبر الآخر تمثّل في توفير الحماية الجوية للافتتاح. ولذا، مُنع تحليق أي طائرة في دائرة قطرها 150 كلم حول العاصمة؛ ما شلّ حركة الطيران في مطاري باريس الرئيسيين: «رواسي شارل ديغول» في شمال العاصمة، و«أورلي» جنوبها.

ووُضع الطيران الحربي في حالة تأهب لإسقاط أي طائرة أو مروحية تنتهك الإجراءات المشار إليها.

إلا أن للقلق مصدراً آخر هو المسيرات. لذا، فقد تم إيجاد مركز تنسيق لمواجهتها في قاعدة «فيلاكوبليه» الجوية الواقعة جنوب العاصمة ومهمته القضاء، بكل الوسائل المتاحة، على أي تهديد يمكن أن تشكّله أي مسيرة أكانت مثلاً حاملة لعلم من الأعلام أو أن تكون مفخخة. وعُلم أن مجموعة كبيرة من القناصة الذين تقوم مهمتهم على إسقاط هذه المسيّرات سيتم نشرهم إلى جانب وسائل الدفاع الجوي التقليدية.

التطلّع إلى السماء

ليس سراً أن باريس تسعى دوماً، في كل ما تفعله، إلى أن تكون متميزة. ولأنها انتظرت مائة عام لتنظم الأولمبياد الصيفي، فإنها أرادت الحدث انعكاساً لتميّزها وفرادتها. من هنا، أهمية الاستثنائية التي أُفردت للجوانب الجمالية والفنية، الأمر الذي برز في اللوحات الاستعراضية، بداية مع المراكب التي مخرت نهر السين، وما رافقها من أنشطة فنية، وأخيراً في الحفل الغنائي والألعاب النارية التي اختتم بها الحفل الافتتاحي. كما استمتع المشاهدون بلوحات فنية أداها فنانون من على أسطح عدة أبنية تطل على مجرى السين أو على نوافذ بعض الشقق. بيد أن العديد من هذه الأنشطة كانت رهن حالة الطقس المتأرجحة بين الماطرة والغائمة. ووفق تخطيط مصممي الاحتفال، فإن الغرض من بدء الاحتفال في الساعة السابعة والنصف بتوقيت باريس (أي قبل غياب الشمس)، وانتهائه قبل منتصف الليل، كان الجمع بين الليل والنهار في حركة انسيابية وانسجامية ذات أبعاد فنية كثيرة.