يشعر شيردان شاكيري، اللاعب السابق لأندية ليفربول وستوك سيتي وبايرن ميونيخ وإنتر ميلان، بالراحة والهدوء في تجربته الجديدة مع نادي شيكاغو فاير بالدوري الأميركي لكرة القدم. بدأ شاكيري رحلته الكروية الطويلة من مدينة جيلان بكوسوفو، أو يوغوسلافيا السابقة، التي ولد بها عام 1991. كان شاكيري يتحرك من مكان لآخر حتى وهو طفل صغير لا يقوى على المشي. فبعد عيد ميلاده الأول، اتخذت عائلته قراراً بالانتقال إلى سويسرا، فقد كانت الحروب اليوغوسلافية قد بدأت وكانت المنطقة على أعتاب حرب كوسوفو.
وفرت هذه الخطوة الأمان لأسرة شاكيري، لكن الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق. يقول اللاعب السويسري الدولي: «عندما ترحل عن بلدك، فإنك تذهب إلى مكان لا تعرف فيه أي شخص. أنا لا أنتمي إلى عائلة ثرية، فقد كان والدي عاملاً بسيطاً، ولم تكن أحوالنا جيدة. لكن في بعض الأحيان، فإن هذه الظروف تجعلك أقوى». أقامت العائلة منزلاً لها في أوغست بسويسرا في عام 1992، ووجد والده عملاً كعامل، في حين كانت والدته تعمل في تنظيف المباني الإدارية. لم يكن لدى العائلة الكثير من المال الذي ترسله لأفراد الأسرة الذين بقوا في كوسوفو. يقول شاكيري إنه كان الأجنبي الوحيد في مدرسته، مشيراً إلى أن كرة القدم كانت هي الملجأ الوحيد بالنسبة له. ويقول: «في الرياضة، لديك دائماً فرصة للهروب من مثل هذه الأشياء، وخاصة الفقر، وأن تتطور كشخص، وأن تكون قادراً على المنافسة، وأن تتعلم ثقافات جديدة».
جذبت موهبة شاكيري انتباه الكشافة من نادي بازل السويسري. قاد شاكيري بازل للحصول على ثلاثة ألقاب للدوري السويسري الممتاز ولقبين للكأس المحلي خلال ثلاث سنوات فقط. وفي عام 2012، انتقل إلى بايرن ميونيخ وكان عنصراً أساسياً في الفريق الذي حقق الثلاثية التاريخية في موسم 2012 - 2013. انتقل شاكيري لإنتر ميلان الإيطالي لفترة فترة، ثم رحل إلى ستوك سيتي. لكن هبوط ستوك سيتي من الدوري الإنجليزي الممتاز في عام 2018 فتح الباب أمام ليفربول ومديره الفني الألماني يورغن كلوب لضم شاكيري، الذي لعب دوراً محورياً في فوز «الريدز بدوري أبطال أوروبا» والدوري الإنجليزي الممتاز. يقول شاكيري بابتسامة مبهجة: «سأنظر إلى ما حققناه دائماً بفخر كبير. أعتقد أن ما حققناه كان مذهلاً».
ومن بين أبرز اللحظات في مسيرة شاكيري الكروية تلك المباراة التي شهدت عودة استثنائية لليفربول أمام برشلونة في مباراة العودة للدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا على ملعب أنفيلد في مايو (أيار) 2019. وهي المباراة التي شارك فيها شاكيري في التشكيلة الأساسية وصنع هدفاً. يقول النجم السويسري مبتسماً: «من يمكنه أن ينسى ما فعلناه في تلك الليلة؟» فاز ليفربول بنتيجة أربعة أهداف مقابل ثلاثة في مجموع مباراتي الذهاب والعودة وتأهل للمباراة النهائية وفاز على توتنهام، ليفوز شاكيري بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في تاريخه.
فكيف تراجع مستوى ليفربول بهذا الشكل الآن، وهل يمكنه العودة إلى المسار الصحيح، مستمداً بعض الإلهام من تلك الريمونتادا التاريخية؟ لقد خرج ليفربول من المنافسة على جميع البطولات هذا الموسم، كما يبدو من الصعب للغاية احتلال أحد المراكز الأربعة الأولى في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز والمؤهلة للمشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل. لكن شاكيري يؤمن بأن كلوب لا يزال هو الرجل المناسب والقادر على إعادة بناء الفريق، ويقول: «أنا أثق تماماً في يورغن، وآمل أن يبقى في منصبه لأطول فترة ممكنة، فهو إضافة كبيرة للغاية لهذا النادي. أعتقد أن ليفربول سيدعم صفوفه بشكل جيد في فترة الانتقالات الصيفية المقبلة، لكنني أعتقد أنه من المهم للغاية أن يتمكن الفريق من التأهل لدوري أبطال أوروبا حتى يمكنه التعاقد مع اللاعبين الذين يريدهم».
انضم شاكيري إلى نادي شيكاغو فاير الأميركي قبل أكثر من عام، وهي الصفقة التي أثارت حالة من الجدل. ضم شيكاغو فاير شاكيري في صفقة قياسية في تاريخ النادي، لكنه فشل في التأهل إلى ملحق المنافسة على لقب الدوري الأميركي الموسم الماضي، كما يعاني بشكل واضح خلال الموسم الحالي، لكن يبدو أن شاكيري مصمم على تغيير ذلك، ويقول: «يتعين علينا تغيير هذا الوضع. من المؤكد أن هناك ضغطاً أكبر علي هذا الموسم. نحن نعمل على هذا، ونحاول تغيير طريقة التفكير، والعمل على قيادة هذا الفريق لحصد البطولات والألقاب».
وبعيداً عن الملعب، يستمتع المهاجم السويسري أيضاً بالحياة في شيكاغو. ورغم أنه ليس من المعجبين بطبق البيتزا الشهير في المدينة، ويقول إنه يفضل البيتزا الإيطالية، فإنه يحب حضور المسابقات والفعاليات الرياضية الأميركية، بما في ذلك البطولة السنوية للرابطة الوطنية لكرة القدم الأميركية (سوبر بول)، التي تقام في أريزونا هذا العام. ويطمح شاكيري لمواصلة رحلته مع منتخب سويسرا. بدأ شاكيري مسيرته الدولية مع منتخب بلاده في عام 2010. وخاض منذ ذلك الحين 112 مباراة دولية، بما في ذلك المشاركة في أربع بطولات لكأس العالم حتى الآن. وستقام كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
يقول شاكيري: «آمل أن أتمكن من اللعب في تلك البطولة. نحن نعلم أن الأميركيين بإمكانهم تنظيم مثل هذه الأحداث الكبيرة بشكل رائع للغاية. وأنا متأكد من أنها ستكون واحدة من أفضل بطولات كأس العالم عبر التاريخ. قد لا تكون كرة القدم هي الرياضة الأولى هنا، لكنني أعتقد أن الناس سيكونون متحمسين للغاية». لكن قبل ذلك، ينصب تركيز سويسرا بالكامل على التأهل لنهائيات كأس الأمم الأوروبية 2024 في ألمانيا. ويلعب منتخب سويسرا في التصفيات في المجموعة التاسعة إلى جانب منتخب كوسوفو، ذلك البلد الذي ولد فيه شاكيري، وهو الأمر الذي قد يكون بمثابة صدمة عاطفية بالنسبة له. وفي كأس العالم 2018، كان شاكيري يضع علمي البلدين على مؤخرة حذائه. وفي رحلة إلى كوسوفو، زار شاكيري منزل عائلته السابق، لكن لم يكن هناك الكثير من الأشياء التي يراها. ويقول عن ذلك: «لقد احترق منزلنا، ولم يكن هناك سوى بعض الأشياء المكتوبة على الجدران. كان كل شيء خاوياً على عروشه».
ويأمل أن تكون عودته إلى كوسوفو كلاعب في تلك التصفيات تجربة أكثر إيجابية، ويقول: «ألعب لمنتخب سويسرا، لكنني ولدت في كوسوفو وأحب كلا البلدين. سأبذل قصارى جهدي وأعطي 100 في المائة من مجهودي لسويسرا. وستكون هذه لحظة فخر بالتأكيد. سأستمتع بكل لحظة لعب هناك، لأن جميع أفراد عائلتي سيأتون لمشاهدة المباراة. سيكون الأمر مؤثراً بالنسبة لي، وأنا متأكد من أننا سنلقى ترحيباً حاراً للغاية». يبلغ شاكيري من العمر 31 عاماً، وهو ما يعني أنه بات قريباً من نهاية مسيرته الكروية. لكنه لا يزال عازماً على تقديم المزيد، ويمكنك أن ترى في عينيه الإرادة القوية، التي استمدها من نشأته في ظروف صعبة بسبب الحرب.