لم يجد فريق الاتحاد نفسه في مواجهة الديربي التي جمعته بجاره الأهلي مساء السبت على ملعب الإنماء بمدينة جدة، حيث انتهت المواجهة بانتصار الأهلي بهدف مقابل لا شيء، في مباراة اتسمت بالإغلاق التام من الجانبين، وقلة الفرص المحققة أمام المرميين، قبل أن يستغل الأهلي إحدى لقطاته النادرة ليحسم اللقاء لمصلحته، ويكسب الأفضلية في صراع الجارين.
كونسيساو، مدرب الاتحاد، ظهر بعد المواجهة محبطاً بشكل واضح، إذ تأخر دخوله إلى قاعة المؤتمر الصحافي قرابة عشر دقائق عقب نهاية حديث ماتياس يايسله، مدرب الأهلي «الفريق الضيف»، وعندما بدأ حديثه أقرّ بصعوبة اللقاء قائلاً: «كانت مباراة صعبة كما كان متوقعاً، مواجهة هدف واحد، وكان ذلك الهدف من نصيب الأهلي». المدرب البرتغالي لم يخفِ استياءه من أداء فريقه، مشيراً إلى أن ما رجّح كفة الأهلي هو عامل «الرغبة والشراسة»، وهو ما افتقده الاتحاد في أرض الملعب، وأضاف: «كل الفرق تحضر فنياً في التدريبات، لكن ما يصنع الفارق هو رغبة اللاعبين، وهذا ما غاب عنا اليوم».
وأوضح المدرب الاتحادي أن المواجهة لم تسر كما خطط لها، إذ دخل اللقاء متوقعاً مباراة مفتوحة مليئة بالمساحات، وهو ما يفسر تفضيله للجناح السريع روجر بدلاً من دومبيا في منطقة الوسط، رغبة في استغلال المساحات في التحولات الهجومية. لكن يايسله، مدرب الأهلي، فاجأه بتكتيك مغاير، وأغلق المساحات تماماً بخط دفاع متماسك وتنظيم انضباطي عالٍ، جعل من المباراة صراعاً تكتيكياً تفوق فيه الألماني على البرتغالي.

وعلى الرغم من أن الاتحاد لم يُظهر فوارق واضحة في الأداء الجماعي، فإن كونسيساو حمّل جزءاً من المسؤولية للاعبين أنفسهم قائلاً إن «الفريق كان حاضراً فنياً»، لكن «غياب الروح والرغبة في القتال» جعل الكفة تميل إلى الطرف الآخر، في اعتراف صريح بأن الاتحاد افتقد ما يُعرف بـ«شخصية الديربي».
الهزيمة جعلت الاتحاد يتراجع أكثر في جدول ترتيب الدوري، حيث ابتعد عن صدارة الترتيب بفارق 13 نقطة كاملة عن المتصدر النصر، ليستقر في المركز الثامن، ويجد نفسه مطالباً باستغلال فترة التوقف الجارية لإعادة الهدوء والاستقرار داخل الفريق، سواء على المستوى الفني أو النفسي، بعد سلسلة نتائج مخيبة في الجولات الأخيرة.
وفي داخل غرفة الملابس الاتحادية، لا تبدو الأجواء مثالية. فالنجم الهولندي بيرغوين، أحد أبرز لاعبي الفريق في الموسم الماضي، يعيش وضعاً معقداً منذ وصول كونسيساو، إذ لم يشارك في أي مباراة منذ توليه القيادة الفنية. وبحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فإن بيرغوين جاهز تماماً من الناحية البدنية، لكن استبعاده المستمر يعود لأسباب فنية بحتة يراها المدرب، وقد عبّر اللاعب أكثر من مرة لكونسيساو عن عدم رضاه عن هذا الوضع، وعن قرارات الإقصاء المتكررة بحقه، ما يعكس تبايناً في الرؤى داخل الفريق. في المقابل، شهدت مدرجات ملعب الإنماء حضوراً جماهيرياً جيداً بلغ نحو 45 ألف مشجع، إلا أن الرقم كان أقل من المتوقع لديربي جدة على أساس أن ملعب الجوهرة يتسع لنحو 60 ألف مشجع، إذ ظهرت مساحات فارغة في المدرجات المخصصة لجماهير القطبين، رغم أن جماهير الاتحاد رفعت دخلة مميزة حملت عنوان «5 ملايين» في إشارة إلى الرقم التاريخي الذي حققته الجماهير الاتحادية هذا الموسم بعد وصول إجمالي الحضور منذ بداية الإحصاء الجماهيري إلى خمسة ملايين مشجع، وهو الأكبر في تاريخ دوري المحترفين السعودي.

لكن خلف هذا الحضور اللافت، كشفت مصادر «الشرق الأوسط» عن أزمة تذاكر دارت في أروقة نادي الاتحاد قبل اللقاء، حيث لم تُحسن الشركة التي اشترت ما يقارب عشرة آلاف تذكرة عملية بيعها والاستفادة منها. الشركة التي كانت قد أبرمت اتفاقاً تجارياً مع النادي مطلع الموسم بشراء عشرة آلاف تذكرة لمباريات الفريق داخل ملعبه في بطولتي الدوري والكأس، لم تتمكن من تسويقها بالشكل المطلوب قبل الديربي، مما تسبب في بقاء عدد كبير من المقاعد فارغاً لعدم وصول التذاكر إلى الجماهير عبر القنوات الرسمية. الخطوة التي اتخذها القسم التجاري في النادي حينها كانت تهدف إلى إيجاد مصدر دخل ثابت من بيع التذاكر بالجملة، لكن تعثّر تنفيذها في هذه المباراة أظهر الجانب السلبي للمشروع.
فترة التوقف الحالية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) جاءت في توقيت مثالي لمدرب الاتحاد كونسيساو، الذي يُعد من أكثر المستفيدين منها، خصوصاً في ظل النتائج المتراجعة للفريق منذ وصوله. فمنذ توليه المهمة، خاض الاتحاد أربع مباريات في الدوري لم يحقق فيها أي انتصار. وكان كونسيساو قد أشار في أحد مؤتمراته الصحافية السابقة إلى أن الفريق بحاجة ماسة لفترة توقف تتيح له العمل التكتيكي المستمر، موضحاً أنه منذ قدومه «لم يحظَ بحصص تدريبية متواصلة بسبب ضغط المباريات»، حيث كان الفريق يخوض مواجهة كل ثلاثة أيام تقريباً.
ومنح كونسيساو لاعبيه إجازة لمدة أربعة أيام، على أن يستأنف الفريق تدريباته يوم الخميس المقبل استعداداً لاستئناف المنافسات بعد التوقف. وسيخوض الاتحاد ثلاث مباريات مهمة في ظرف أسبوع واحد فقط، تبدأ بلقاء الرياض ضمن الدوري المحلي، ثم مواجهة الدحيل القطري في دوري أبطال آسيا، تليها مواجهة الشباب في كأس الملك، قبل أن تتوقف المنافسات مجدداً بسبب مشاركة المنتخب السعودي في كأس العرب.
المدرب البرتغالي يدرك أن الفترة المقبلة ستكون مفصلية في تقييم تجربته مع الاتحاد، إذ سيحتاج إلى إعادة ضبط إيقاع الفريق من جديد وإحياء الروح التنافسية داخله، في وقت تنتظر فيه الجماهير ردة فعل حقيقية بعد الخسارة في الديربي، وتراجع الفريق إلى النصف الثاني من جدول الترتيب، وهي نتائج لا تتماشى مع حجم الطموحات، ولا مع استثمارات النادي الكبيرة.
الهدوء الذي يسعى إليه كونسيساو في فترة التوقف سيكون أكثر من مجرد فرصة تدريبية، بل مرحلة لإعادة بناء الثقة بين الجهاز الفني واللاعبين، خصوصاً أن صبر الجماهير بدأ ينفد، والأنظار ستتجه نحو العودة المرتقبة في ديسمبر (كانون الأول) لتحديد ما إذا كان الاتحاد قادراً على استعادة توازنه أم أن الأزمة ستتعمق أكثر.


