يعكس الاختيار المرتقب للمملكة العربية السعودية، اليوم (الأربعاء)، لاستضافة كأس العالم 2034، حجم التحولات الكبيرة التي تشهدها البلاد في المجالات الرياضية والاقتصادية والبيئية، مما يجسِّد تطلعات «رؤية المملكة 2030» نحو تحقيق تنمية مستدامة ومجتمع نابض بالحياة.
وتعمل المملكة على تقديم نسخة استثنائية من البطولة، عبر إنشاء بنية تحتية رياضية حديثة ومتطورة. تتضمَّن هذه الجهود بناء ملاعب تعتمد على الطاقة الشمسية، وأنظمة ري مبتكرة؛ لتقليل استهلاك المياه والطاقة، مع استخدام مواد بناء صديقة للبيئة قابلة لإعادة التدوير.
ويهدف هذا التوجه إلى تقديم منشآت رياضية ليست فقط على أعلى مستوى من التقنية، بل أيضاً نموذجية في احترامها للبيئة.
ويرى الخبير المعماري والبيئي، الدكتور مشاري النعيم، أن التقنيات المرتبطة بالاستدامة ليست مجرد أدوات، بل هي منظومة متكاملة تهدف إلى تحقيق توازن بين الكفاءة الاقتصادية، والانسجام مع الطبيعة.
وأوضح النعيم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «الاستدامة تعني أن تكون المنشآت، مثل الملاعب الرياضية، منخفضة الصيانة ومتينة، بحيث تتحمل الاستخدام الجماهيري الكثيف».
وأشار إلى أن «هذه المنشآت قد تكون ذات تكلفة إنشاء مرتفعة مقارنة بالمنشآت التقليدية، إلا أنها تصبح أكثر اقتصادية على المدى البعيد بفضل تقليل تكاليف الصيانة».
وأضاف أن المملكة، بتنوع مناخها وتضاريسها، تحتاج إلى ملاعب تتناسب مع هذا التنوع. وأشاد بمشروع محلي حديث يُنفَّذ فيه جزء كبير من الملعب تحت الأرض، مع مدرجات محفورة وقبة تغطي السطح، مما يجعله نموذجاً للاستدامة والابتكار.
وتهدف البرامج والمبادرات المرتبطة بالبطولة إلى تعزيز الوعي بأهمية الاستدامة، وتشجيع المواطنين والزوار على تبني ممارسات صديقة للبيئة، مثل تقليل استخدام البلاستيك، وتعزيز النقل العام.
وفي هذا الشأن، أكد النعيم أن الاستدامة ليست مجرد تقنيات ومبانٍ، بل هي ثقافة وسلوك، قائلاً: «أساس الاستدامة يقوم على ثلاثة محاور رئيسية، هي: المجتمع، والاقتصاد، والبيئة. ولكي نخلق بيئة مستدامة، يجب أن نبدأ من الوعي الجماهيري وكيفية التعامل مع الموارد».
ويرى النعيم أن «المنشآت العامة، خصوصاً تلك التي تشهد استخداماً مكثفاً مثل الملاعب، تحتاج إلى مواد وتصميمات متينة، ولكن العامل الأهم يبقى في توعية الناس بكيفية التعامل معها بشكل راقٍ ومستدام».
وتسعى المملكة إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية من خلال زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وإطلاق برامج شاملة لإعادة التدوير، وتقليل النفايات الناتجة عن الأنشطة المرتبطة بالبطولة.
وحول هذا الهدف، يقول النعيم: «تحقيق صفر انبعاثات كربونية صعب، لكنه ليس مستحيلاً».
ولفت إلى أن استضافة كأس العالم تمثل فرصةً مثاليةً لتقديم هذه الرسالة عملياً، لا سيما في ظل المبادرات الكبرى مثل «المملكة الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر».
وأشار إلى أن «استضافة كأس العالم، مع وجود مشروعات عملاقة بهذا الحجم، تعدّ فرصةً ذهبيةً لتقديم رسالة واضحة للعالم بأنَّ المملكة ملتزمة بالاستدامة والابتكار في مجال تقليل البصمة الكربونية، وتحسين البيئة العمرانية».
كما تطرَّق إلى تحديات المملكة في استخدام الطاقة والمياه، مشيراً إلى أن اعتماد المملكة على تحلية المياه، واستهلاك الطاقة المكثف في عمليات التبريد يستدعيان حلولاً مبتكرة.
وأردف بالقول: «اليوم، مع توفر تقنيات الطاقة الشمسية والطبيعية، يمكننا خلق مزيج من الأنظمة المتطورة التي تتناسب مع المناخات الصحراوية، وتحقق الراحة المناخية بشكل مستدام».
وشدَّد النعيم على أن كأس العالم 2034 تعد فرصةً ذهبيةً لإبراز رسالة المملكة على مستوى العالم، مبيناً: «المملكة صاحبة رؤية ورسالة متعددة الأبعاد، فهي رائدة في إنتاج الطاقة، لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات مناخية قاسية. ومع ذلك، تسعى لإيجاد حلول مستدامة تجمع بين تقليل الهدر، والابتكار في مجالات الطاقة والبيئة».
وأفاد بالقول: «بطولة كأس العالم تمثل فرصةً لتقديم رؤية المملكة بشكل متوازن، حيث يمكنها إبراز قدرتها على الابتكار في البيئات الخضراء، إلى جانب تأثيرها الكبير في الاقتصاد العالمي».
وفيما يتعلق بالتحديات، يوضِّح الدكتور النعيم أن المملكة أمام محطات كبرى قبل كأس العالم، منها «كأس آسيا 2027»، و«إكسبو 2030»، ويرى أن هذه المناسبات تشكِّل اختبارات عملية للاستعداد للحدث العالمي، مؤكداً أهمية الاعتماد على الكفاءات الوطنية.
وتابع: «نحن بحاجة إلى بناء جيل متمرس وقادر على التعامل مع القضايا الكبرى، وهذا لن يتحقَّق إلا من خلال الاستفادة من هذه المناسبات لبناء الخبرات وصناعة الكفاءات».
واختتم تصريحاته بالتأكيد على ضرورة تحويل هذه البطولات من تكاليف استهلاكية إلى موارد اقتصادية تعود بالنفع على المملكة، عادّاً أن العمل يبدأ اليوم لتحقيق رؤية المملكة في بناء مستقبل مستدام ومزدهر.
وتركز المملكة على ترك إرث مستدام للأجيال القادمة، حيث ستظل المنشآت الرياضية والبنية التحتية التي سيتم إنشاؤها رافداً لدعم كرة القدم السعودية، وتطوير الرياضة محلياً ودولياً.
وحظيت السعودية بدعم كبير من اتحادات محلية في قارات آسيا وأفريقيا وأميركا الشمالية والوسطى وأوروبا، حتى جاوز عدد الدول المؤيدة والداعمة للملف السعودي نصف أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من الاتحادات المحلية، البالغ عددها 211 اتحاداً مُسجَّلاً.