«الفيدرالي» محاصر بين ضغوط خفض الفائدة وتصاعد الانقسامات

يواجه أصعب قرار بين الخفض والتأجيل في اجتماعه الأخير هذا العام

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» محاصر بين ضغوط خفض الفائدة وتصاعد الانقسامات

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

يدخل مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» اجتماعه الأخير لعام 2025 وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي. هذا الاجتماع لا يقتصر على تحديد مصير أسعار الفائدة في ظل انقسام حاد بين صانعي السياسة النقدية، بل يأتي قبل أشهر معدودة من تغيير رئاسة البنك المركزي الأميركي المقرر في مايو (أيار) المقبل، الأمر الذي يضع مصير السياسة النقدية الأميركية لعام 2026 وما بعده على المحك.

قرار صعب في ظل مؤشرات متضاربة

الاجتماع، الذي يستمر يومي الثلاثاء والأربعاء، يضع «الاحتياطي الفيدرالي» أمام خيارين متناقضين: إما خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لدعم سوق العمل المتباطئة، أم الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة التضخم المتصلب الذي لا يزال فوق المستهدف، البالغ 2 في المائة. الأمر الذي يتسبب بانقسام حاد بين صانعي السياسة النقدية.

كما أن هذا الاجتماع يأتي قبل كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب النقاب عن مرشحه لخلافة الرئيس الحالي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول. إذ أعلن ترمب هذا الأسبوع، عن أنه سيكشف عن مرشحه لمنصب رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» القادم في أوائل عام 2026، ولمَّح إلى أنه يريد ترشيح كبير مستشاريه الاقتصاديين كيفن هاسيت (وهو من أكثر المطالبين بخفض الفائدة) ليحل مكان باول الذي تنتهي ولايته في مايو.

باول خلال مشاركته في سلسلة محاضرات جورج بي. شولتز التذكارية في جامعة ستانفورد (أ.ف.ب)

توقعات السوق

في الأسابيع الأخيرة، شهدت التوقعات حول قرار الفائدة في اجتماع اللجنة يومّي 9 و10 ديسمبر (كانون الأول)، تقلبات حادة، لكنها استقرت حالياً. وتشير أسواق السندات الآجلة، وتحديداً أداة «فيدووتش» من مجموعة «سي إم إيه»، إلى أن احتمالات خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية تبلغ نحو 87 في المائة.

وفي حال إقرار هذا الخفض، سيكون الثالث على التوالي، ليصل نطاق سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى 3.50 في المائة - 3.75 في المائة.

معضلة الولاية المزدوجة

قرار اللجنة الفيدرالية يزداد تعقيداً؛ بسبب المهمة المزدوجة التي منحها الكونغرس للفيدرالي: تحقيق استقرار الأسعار، ومنع ارتفاع البطالة. البيانات الأخيرة التي أظهرت ارتفاع معدل البطالة إلى 4.4 في المائة ترجِّح كفة المطالبين بخفض الفائدة، لكن التضخم لا يزال أعلى من الهدف البالغ 2 في المائة.

الواضح أن الصورة الاقتصادية مشوشة بشكل غير عادي، فبعض المؤشرات تشير إلى نمو قوي ومخاطر تضخمية، بينما أخرى توحي ببداية تباطؤ اقتصادي. وزاد الإغلاق الحكومي في أكتوبر (تشرين الأول) التشويش على البيانات الرسمية، في الوقت الذي أثرت فيه السياسات التجارية والقيود على الهجرة سلباً على التوظيف، في حين دفعت التعريفات الجمركية الأسعار إلى الأعلى.

متداول في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

صراع الحمائم والصقور

هذا التضارب بين المؤشرات والضغوط المتنامية انعكس انقساماً حاداً داخل «الفيدرالي». ففي الخطابات العامة التي سبقت فترة الصمت المعتادة قبل الاجتماع، انقسم مسؤولو «الفيدرالي» إلى معسكرين رئيسيَّين:

فريق يرى أن التضخم هو الخطر الأكبر، ويجب الإبقاء على الأسعار مرتفعة.

فريق لديه ثقة أكبر بأن التعريفات الجمركية تمثل زيادة في الأسعار لمرة واحدة، وليست مصدراً للتضخم المستدام (وهو التعريف الحقيقي للتضخم).

هذا الانقسام يعني أن السوق قد تبالغ في توقعات الخفض، رغم أن تقرير التضخم الأخير الصادر يوم الجمعة، والذي أظهر ارتفاعاً أقل من المتوقع في سبتمبر (أيلول) عزَّز احتمالات الخفض.

باول يلقي كلمةً خلال سلسلة محاضرات جورج بي. شولتز التذكارية في جامعة ستانفورد (أ.ف.ب)

ترجيح كفة «الحمائم»

رغم أن باول كان واضحاً في أن خفض ديسمبر ليس «أمراً مُسلّماً به»، فإن كثيراً من المحللين يتوقعون أن تسود كفة «الحمائم» وأن يتم إقرار الخفض، مدعومين بارتفاع معدل البطالة، وضعف مقاييس نمو الوظائف الخاصة.

ويتوقَّع الخبراء أن يتمكَّن باول من إقناع الأعضاء المترددين بالتصويت لصالح الخفض، مقابل الإشارة القوية إلى أن التخفيضات المستقبلية ستكون محدودة، مما يعني فترة توقف طويلة بعد خفض ديسمبر.

ومن المقرر أن يصدر الفيدرالي «مخطط النقاط» (Dot Plot) لتوقعات أسعار الفائدة والاقتصاد، لكن لا يُتوقع تغييرات مادية عن توقعات سبتمبر.

تركيبة المجلس

يذكر أنه رغم أنه من المقرر أن يرأس باول 3 اجتماعات للجنة الفيدرالية في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) وأبريل (نيسان) قبل انتهاء ولايته، فإن ولايته محافظاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي لن تنتهي حتى يناير 2028. وهو ما يعني أنه قد يكسر التقاليد ويبقى في بنك الاحتياطي الفيدرالي لسنوات أخرى عدة، وهو ما قد يثير استياء المكتب البيضاوي على الأرجح.

لكن ترمب قد يستفيد من مقاعد في اللجنة ليسمي موالين له. إذ من المقرر أن يتقاعد رئيس بنك أتلانتا الفيدرالي رفائيل بوستيك في فبراير (شباط) 2026، مما يمثل فراغاً إضافياً في اللجنة. في حين لا تزال هناك قضية المحافظة ليزا كوك، التي حاول ترمب عزلها، ومن المقرر أن تنظر المحكمة العليا في قضيتها في يناير، ما قد يفتح الباب لتعيين آخر يختاره البيت الأبيض.

آفاق عام 2026

رغم التوقعات الحالية التي تشير إلى فترة توقف طويلة بعد خفض ديسمبر، فإن المشهد قد يتغير جذرياً في منتصف العام المقبل إذا تولى كيفن هاسيت رئاسة «الاحتياطي الفيدرالي» خلفاً لجيروم باول. فهاسيت معروف بمواقفه الداعمة لخفض أسعار الفائدة بشكل أسرع، وهو ما يتماشى مع توجهات ترمب.

وبالتالي، في حال فوزه، فمن المرجح أن يدفع «الاحتياطي الفيدرالي» نحو مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، حتى مع وجود مؤشرات على تحسن سوق العمل أو استمرار التضخم فوق المستهدف.

إذا تحقق هذا السيناريو، فإن التوقعات التي تشير حالياً إلى تخفيضين فقط في صيف 2026 قد تصبح متحفظة للغاية، إذ قد نشهد دورة جديدة من التيسير النقدي أكثر جرأة، ما سيؤثر على عوائد السندات، وأسواق الأسهم، وحتى الدولار الأميركي.


مقالات ذات صلة

الأسواق الخليجية تُغلق مرتفعة وسط صعود النفط وتوقعات «الفيدرالي»

الاقتصاد مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)

الأسواق الخليجية تُغلق مرتفعة وسط صعود النفط وتوقعات «الفيدرالي»

أغلقت الأسواق الخليجية، اليوم، على ارتفاع جماعي في جلسة شهدت أداءً إيجابياً لعدد من المؤشرات الرئيسية، مدعومة بتفاؤل المستثمرين حيال أسعار النفط.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)

مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يتباطأ في سبتمبر

تباطأ مؤشر التضخم المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي» قليلاً في سبتمبر (أيلول)، مما يمهّد الطريق على الأرجح لخفض أسعار الفائدة المتوقع على نطاق واسع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

وول ستريت تتسم بالهدوء والترقب قبيل قرار الاحتياطي الفيدرالي

تذبذبت مؤشرات الأسهم الرئيسية في وول ستريت بين مكاسب وخسائر طفيفة، يوم الخميس، حيث قام المستثمرون بتحليل مجموعة من البيانات لتحديد توقعاتهم بشأن الفائدة.

«الشرق الأوسط» (نيويوك)
الاقتصاد أوراق نقدية من اليورو (رويترز)

عوائد سندات منطقة اليورو ترتفع قبل بيانات الوظائف الأميركية

ارتفعت عوائد السندات الحكومية في منطقة اليورو يوم الخميس، متأثرة بحركة سندات الخزانة الأميركية، في ظل تركيز المستثمرين على توقعات سياسة الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

توقعات خفض الفائدة تدفع الدولار لأدنى مستوياته في أسابيع

انخفض الدولار الأميركي، يوم الخميس، بعدما عزَّزت البيانات الاقتصادية الضعيفة مبررات خفض الفائدة المتوقع من جانب «الاحتياطي الفيدرالي»، الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

الأسواق الخليجية تُغلق مرتفعة وسط صعود النفط وتوقعات «الفيدرالي»

مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)
مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)
TT

الأسواق الخليجية تُغلق مرتفعة وسط صعود النفط وتوقعات «الفيدرالي»

مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)
مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)

أغلقت الأسواق الخليجية، اليوم، على ارتفاع جماعي في جلسة شهدت أداءً إيجابياً لعدد من المؤشرات الرئيسية، مدعومة بتفاؤل المستثمرين حيال أسعار النفط وترقب قرار «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي بشأن الفائدة.

وارتفع مؤشر «تداول» السعودي بنسبة 0.05 في المائة، في حين سجّل مؤشر بورصة قطر تراجعاً طفيفاً بنسبة 0.08 في المائة. كما صعد مؤشر بورصة الكويت بنسبة 0.35 في المائة، وارتفع مؤشر بورصة البحرين بنسبة 0.30 في المائة، في حين حقق سوق مسقط للأوراق المالية مكاسب بلغت 0.94 في المائة.

ويترقب المستثمرون قرار اجتماع «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي المزمع يومي الثلاثاء والأربعاء، الذي قد يشهد خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لدعم سوق العمل المتباطئة، أو الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة التضخم الذي لا يزال أعلى من المستهدف البالغ 2 في المائة.

وشهدت الجلسة تداولات متوسطة؛ حيث ركّز المستثمرون على تأثير أسعار النفط وقرارات السياسة النقدية الأميركية على الأسواق الإقليمية.


«منتدى أعمال الشرق الأوسط وأفريقيا - الهند» يبحث في الرياض الشراكات الاستراتيجية

جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
TT

«منتدى أعمال الشرق الأوسط وأفريقيا - الهند» يبحث في الرياض الشراكات الاستراتيجية

جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)

في خطوة لافتة لتعزيز الروابط الاقتصادية والمهنية بين ثلاث قارات حيوية، تستعد شركات محاسبة وخدمات مهنية سعودية لاستضافة وفد دولي من أعضاء شبكة «ألينيال غلوبال» (Allinial Global) لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والهند، في «منتدى أعمال الشرق الأوسط وأفريقيا – الهند 2025»، المنوي عقده في العاصمة الرياض.

هذا المنتدى الذي يُعقَد على مدى يومين في العاصمة السعودية في 8 و9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تحت شعار: «البحث العالمي – القوة المحلية»، صُمم ليكون منصة ديناميكية تهدف إلى إبرام الشراكات الاستراتيجية وتعزيز فرص النمو. كما أنه يُعدّ حدثاً رئيسياً لربط شركات المحاسبة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والهند بهدف الاستفادة من المواهب المحاسبية المتنامية.

ويجمع المنتدى أعضاء شبكة «ألينيال غلوبال» في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند لاستكشاف سبل جديدة للنمو في مجالات التجارة، والمواهب، والخدمات الاستشارية.

و«ألينيال غلوبال» هي جمعية دولية رائدة للشركات المستقلة في مجال المحاسبة والاستشارات الإدارية تضم 270 شركة عالمية بإيرادات إجمالية 6.76 مليار دولار. وتهدف إلى تزويد الشركات الأعضاء بالموارد والفرص اللازمة لخدمة عملائها على نطاق عالمي. ولا تعمل «ألينيال غلوبال» كشركة محاسبة واحدة، بل كمظلة تعاونية؛ حيث تساعد الشركات الأعضاء على الحفاظ على استقلاليتها، مع توفير وصول شامل إلى الخبرات، والمعرفة الفنية، والتغطية الجغرافية في جميع أنحاء العالم، من خلال شبكة موثوقة من المهنيين.

تتصدر الاستضافة في الرياض مجموعة من الشركات السعودية الأعضاء في شبكة «ألينيال غلوبال»، وهي: شركة «علي خالد الشيباني وشركاه (AKS)» وشركة «سلطان أحمد الشبيلي - محاسبون قانونيون»، و«الدار الدولية للاستشارات في الحوكمة»، وشركة «الدليجان للاستشارات المهنية».

وتتضمن أبرز فعاليات البرنامج عرضاً للرؤى العالمية حول مهنة المحاسبة والاستشارات يقدمه الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة، توني ساكري، واستعراض لقدرات الشركات الأعضاء في المناطق الثلاث مع التركيز على بناء الشراكات والتعاون، وتعزيز فرص التواصل بين المشاركين من خلال مناقشات تفاعلية وجولات ثقافية اختيارية.


الأسواق الخليجية تترقب تحركات «الفيدرالي» وسط موجة صعود متقلبة

مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
TT

الأسواق الخليجية تترقب تحركات «الفيدرالي» وسط موجة صعود متقلبة

مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)

شهدت أسواق الأسهم الخليجية ارتفاعاً ملحوظاً في أولى جلسات الأسبوع، متأثرة بتوقعات دعم محتمل من خفض الفائدة الأميركية وصعود أسعار النفط، بعد موجة من التراجع الأسبوع الماضي. فقد واصل المؤشر الرئيسي للبورصة السعودية «تاسي» الصعود للجلسة الثالثة على التوالي، مسجلاً مكاسب طفيفة عند 0.3 في المائة، بعد أن كان أغلق الأسبوع الماضي بخسائر للأسبوع الخامس على التوالي، في أطول موجة هبوط منذ نهاية 2022.

ويترقب المستثمرون قرار اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المزمع يومي الثلاثاء والأربعاء، الذي قد يشهد خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لدعم سوق العمل المتباطئة، أو الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة التضخم الذي لا يزال أعلى من المستهدف، البالغ 2 في المائة.

وسط هذه البيئة، تمرُّ الأسواق الخليجية بمرحلة توازن دقيقة بين الضغوط الخارجية والفرص الداخلية، مع متابعة دقيقة لتحركات أسعار النفط والقرارات الاقتصادية الكبرى في المنطقة والعالم.