رسوم ترمب تضغط على جيوب الأميركيين وتهز التجارة العالمية

لم تُظهر تأثيرها الكامل بعد على التضخم وأسعار السلع

سفينة شحن محمّلة بالحاويات في ميناء أوكلاند - كاليفورنيا (رويترز)
سفينة شحن محمّلة بالحاويات في ميناء أوكلاند - كاليفورنيا (رويترز)
TT

رسوم ترمب تضغط على جيوب الأميركيين وتهز التجارة العالمية

سفينة شحن محمّلة بالحاويات في ميناء أوكلاند - كاليفورنيا (رويترز)
سفينة شحن محمّلة بالحاويات في ميناء أوكلاند - كاليفورنيا (رويترز)

تفيد المؤشرات الأولية بأن الشركات والمستهلكين في الولايات المتحدة يتحملون العبء الأكبر من الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها واشنطن على الواردات، في تناقض مع توقعات الرئيس دونالد ترمب، وهو ما يزيد من تعقيد مهمة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

وكان ترمب قد توقع أن تتحمل الدول الأجنبية تكلفة سياساته الحمائية، معتبراً أن المصدّرين سيدفعون هذه التكاليف للحفاظ على حضورهم في أكبر سوق استهلاكية في العالم، وفق «رويترز».

لكن الدراسات الأكاديمية والاستطلاعات وتصريحات الشركات أظهرت أنه خلال الأشهر الأولى من تطبيق النظام التجاري الجديد، كانت الشركات الأميركية هي التي تتحمل الفاتورة، مع تمرير جزء منها إلى المستهلك، وتوقع زيادات إضافية في الأسعار مستقبلاً.

وقال البروفسور ألبرتو كافالو من جامعة هارفارد: «يبدو أن معظم التكلفة تتحملها الشركات الأميركية، وقد لاحظنا انتقالاً تدريجياً للتكاليف إلى أسعار المستهلكين، مع ضغوط صعودية واضحة على الأسعار».

من جانبها، قالت متحدثة باسم البيت الأبيض إن «الأميركيين قد يواجهون فترة انتقالية بسبب الرسوم الجمركية»، لكنها أكدت أن التكلفة «ستتحملها في النهاية الشركات المصدّرة الأجنبية»، مشيرة إلى أن الشركات الأميركية تعمل على تنويع سلاسل التوريد، وإعادة الإنتاج محلياً.

نموذج يضم علم الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترمب وكلمة «رسوم جمركية» في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

من يتحمل فعلياً تكلفة الرسوم؟

تابع كافالو مع الباحثين باولا ياماس وفرانكو فاسكيز أسعار 359148 سلعة، بما فيها السجاد والقهوة، في المتاجر الكبير الإلكترونية والتقليدية.

ووجد الفريق أن أسعار السلع المستوردة ارتفعت بنسبة 4 في المائة منذ بدء فرض الرسوم في مارس (آذار)، بينما ارتفعت أسعار المنتجات المحلية بنسبة 2 في المائة. وكانت كبرى الزيادات في السلع التي لا يمكن إنتاجها محلياً مثل القهوة، أو القادمة من دول تعرضت لعقوبات جمركية مشددة مثل تركيا.

ورغم هذه الزيادات، فإنها أقل بكثير من نسب الرسوم المفروضة، مما يشير إلى أن البائعين الأجانب امتصوا جزءاً من التكاليف. ومع ذلك، أظهرت بيانات أسعار الواردات الأميركية أن المصدّرين رفعوا أسعارهم بالدولار الأميركي، ومرّروا جزءاً من انخفاض قيمة الدولار إلى المشترين الأميركيين.

وتشير البيانات الوطنية لأسعار الصادرات إلى الاتجاه نفسه؛ فقد ارتفعت تكاليف السلع المصدّرة من الصين وألمانيا والمكسيك وتركيا والهند، بينما كانت اليابان الاستثناء الوحيد.

التأثير الكامل للرسوم لم يظهر بعد

تستمر الشركات والمستهلكون الأميركيون في التكيّف مع رسوم ترمب التي رفعت متوسط الضريبة على الواردات من نحو 2 في المائة إلى نحو 17 في المائة، مع استمرار الجدل حول من سيتحمل الرسوم الشهرية المقدرة بنحو 30 مليار دولار.

وقال كافالو: «لا ينبغي توقع قفزة واحدة في الأسعار، فالشركات تحاول تخفيف الأثر، وتمديد الزيادات تدريجياً».

فقد حاولت شركات صناعة السيارات الأوروبية امتصاص جزء أكبر من الأثر، بينما رفعت شركات السلع الاستهلاكية، مثل «بروكتر آند غامبل» و«إيسيلور لوكسوتيكا» و«سواتش»، أسعار منتجاتها.

وأظهر رصد أجرته «رويترز» أن نحو 72 في المائة من الشركات في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا رفعت الأسعار منذ بدء حملة الرسوم الجمركية، في حين حذّرت 18 شركة فقط من تراجع هوامش الأرباح. كما كشفت تحليلات منفصلة لمواقع التجارة الإلكترونية مثل «شين» و«أمازون» عن زيادات ملحوظة في أسعار المنتجات الصينية المباعة في الولايات المتحدة.

وقد تُفاقم سياسات الصين المعروفة باسم «مكافحة الإفراط في المنافسة» الضغط على الأسعار عبر تقليص المعروض من بعض السلع، مثل معدات الطاقة الشمسية، مما يمهّد الطريق لارتفاع التضخم الأميركي.

ورغم خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الأساسي الشهر الماضي نتيجة ضعف سوق العمل، فإنه لا يزال صانعو القرار منقسمين حول ما إذا كان التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية مؤقتاً.

وقال ستيفن ميران، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي: «الرسوم ليست تضخمية، وما نراه تغييرات صغيرة نسبياً في أسعار بعض السلع».

في المقابل، أشار حساب تقريبي لبنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن إلى أن الرسوم قد ترفع التضخم الأساسي بنحو 75 نقطة أساس، بينما قدر جيروم باول، رئيس المجلس، أن الرسوم تفسر نحو 30 إلى 40 نقطة أساس من قراءة التضخم الأساسي الأخيرة البالغة 2.9 في المائة، متوقعاً أن يكون أثرها «قصير الأجل نسبياً».

كما قدّر معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي أن معدل التضخم خلال العام المقبل سيكون أعلى بنحو نقطة مئوية واحدة عما كان سيكون عليه لو لم تُرفع الرسوم، على أن يعود لاحقاً إلى مستويات أقل.

يتجول المتسوقون في سوبر سنتر وولمارت في سكاكوس - نيوجيرسي (رويترز)

التجارة العالمية تتضرر

أما بقية العالم، فستواجه تبعات الرسوم الأميركية، إذ يُتوقع تباطؤ الطلب العالمي على الصادرات. وأظهر مسح «ستاندرد آند بورز غلوبال» لمديري المشتريات تراجع الطلبات الجديدة على الصادرات بوتيرة متسارعة منذ يونيو (حزيران).

وانخفضت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بنسبة 4.4 في المائة في يوليو (تموز) مقارنة بالعام السابق، بينما تراجعت الصادرات الألمانية بنسبة 20.1 في المائة في أغسطس (آب). وخفّضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لنمو حجم التجارة العالمية في السلع للعام المقبل إلى 0.5 في المائة، مشيرة إلى التأثير المتأخر للرسوم الأميركية.

وتوقّع بنك «آي إن جي» الهولندي انخفاض صادرات الاتحاد الأوروبي من السلع إلى الولايات المتحدة بنسبة 17 في المائة خلال العامين المقبلين، ما قد يقلّص نمو الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بنحو 30 نقطة أساس.

وقال روبن دويت، اقتصادي بنك «آي إن جي»: «لم يظهر التأثير الكامل للرسوم بعد، ونتوقع أن تصبح الآثار أكثر وضوحاً في الأشهر المقبلة».


مقالات ذات صلة

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

الاقتصاد مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

ارتفعت أسهم الصين يوم الجمعة، منهيةً سلسلة خسائر استمرت 3 أيام، ومعاكسةً خسائرها السابقة خلال الأسبوع

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)

توقعات بتعافٍ «هش» للاقتصاد الألماني وسط أعباء ضريبية وتوترات تجارية

توقع المعهد الاقتصادي الألماني (آي دبليو) في تقريره، الجمعة، أن يظل تعافي الاقتصاد الألماني هشاً خلال العام المقبل، في ظل استمرار معاناة الصادرات.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

من المتوقع أن تشهد صفقات الأسهم الآسيوية طفرة قوية خلال العام المقبل، مدفوعة بطروحات عامة أولية بارزة لشركات في الصين والهند.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ، مومباي )
الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يستقر قرب أدنى مستوى في 5 أسابيع

استقر الدولار الأميركي يوم الجمعة قرب أدنى مستوى له في 5 أسابيع مقابل العملات الرئيسية، فيما يستعد المستثمرون لاحتمال إقدام «الفيدرالي» على خفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد مشاة في وسط العاصمة اليابانية طوكيو يمرون أمام شاشة تعرض حركة الأسهم (أ.ف.ب)

«نيكي» يتراجع مع تحول التركيز إلى بنك اليابان و«الفيدرالي»

تراجع مؤشر نيكي الياباني يوم الجمعة، متخلياً عن موجة الارتفاع الأخير، حيث أثرت توقعات رفع أسعار الفائدة المحلية سلباً في معنويات المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
TT

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

ارتفعت أسهم الصين يوم الجمعة، منهيةً سلسلة خسائر استمرت 3 أيام، ومعاكسةً خسائرها السابقة خلال الأسبوع، حيث عزز تجدد التفاؤل بشأن شركات صناعة الرقائق المحلية المعنويات.

وأغلق مؤشر «شنغهاي المركب» على ارتفاع بنسبة 0.7 في المائة ليصل إلى 3,902.81 نقطة، مسجلاً أول مكسب يومي له بعد 3 انخفاضات متتالية، ليصل بذلك تقدم الأسبوع إلى 0.4 في المائة. كما ارتفع مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية بنسبة 0.8 في المائة، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 1.3 في المائة هذا الأسبوع. وفي هونغ كونغ، ارتفع مؤشر «هانغ سنغ» القياسي بنسبة 0.6 في المائة، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 0.9 في المائة خلال الأسبوع. كما ارتفع مؤشر التكنولوجيا بنسبة 0.8 في المائة.

وكان سهم «مور ثريدز»، الذي يُطلق عليه غالباً اسم «إنفيديا الصين»، محور الاهتمام يوم الجمعة، حيث ارتفع بنحو 5 أضعاف في أول ظهور له بالبورصة، حيث راهن المستثمرون على أن الشركة الخاضعة لعقوبات أميركية ستستفيد من جهود بكين لتعزيز إنتاج الرقائق محلياً.

وجاء هذا الظهور القوي للشركة عقب أنباء عن تقديم مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين، مشروع قانون يوم الخميس، يهدف إلى منع إدارة ترمب من تخفيف القيود المفروضة على وصول الصين إلى رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة من «إنفيديا» و«إيه إم دي» خلال العامين ونصف العام المقبلة.

وقال باتريك بان، استراتيجي الأسهم الصينية في «دايوا كابيتال ماركتس» بهونغ كونغ، إن الإنجازات التكنولوجية الصينية، بالإضافة إلى «الفخر الوطني»، وسط التوترات الجيوسياسية، من المتوقع أن تظل ركيزة أساسية لسوق الصعود البطيء خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة. وأضاف في مذكرة: «من منظور طويل الأجل، نعتقد أن التراجع الأخير في الأسهم الصينية، كان من المفترض أن يُتيح مزيداً من الفرص الصاعدة للعام المقبل». كما أسهم قطاع التأمين في دعم السوق يوم الجمعة، حيث ارتفع بنسبة 4.5 في المائة، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن أعلنت الهيئة التنظيمية للقطاع أنها ستخفض عامل المخاطرة لشركات التأمين التي تمتلك أسهماً معينة، وهي خطوة قد تُقلل متطلبات رأس المال وتُتيح مزيداً من الأموال للاستثمار.

وعلى الجانب الآخر، انخفض مؤشر «سي إس آي300 للعقارات» بنسبة 0.2 في المائة، مُواصلاً انخفاضه الأخير. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار المنازل في الصين بنسبة 3.7 في المائة هذا العام، ومن المرجح أن تستمر في الانخفاض حتى عام 2026 قبل أن تستقر في عام 2027، وفقاً لأحدث استطلاع أجرته «رويترز».

• اليوان مستقر

ومن جانبه، استقر اليوان الصيني مقابل الدولار يوم الجمعة، مع تزايد قلق المستثمرين، بعد أن أبدى البنك المركزي قلقاً متزايداً إزاء المكاسب السريعة الأخيرة، في حين تتطلع الأسواق إلى اجتماع مهم لاستشراف اتجاهات السياسة النقدية للعام المقبل.

وأفادت مصادر لـ«رويترز» بأن البنك المركزي أبدى حذره من الارتفاعات السريعة من خلال تصحيحه التوجيهي الرسمي، واشترت بنوك حكومية كبرى الدولار في السوق الفورية المحلية هذا الأسبوع، واحتفظت به في مسعى قوي غير معتاد لكبح جماح قوة اليوان. وقال متداولو العملات إن هذه التحركات دفعت بعض المستثمرين إلى جني الأرباح والانسحاب من السوق. واستقر اليوان المحلي إلى حد كبير عند 7.0706 للدولار بدءاً من الساعة 03:35 بتوقيت غرينيتش، منخفضاً عن أعلى مستوى له في 14 شهراً عند 7.0613 الذي سجله يوم الأربعاء. وكان نظيره في الخارج قد وصل في أحدث تداولات إلى 7.0686 يوان للدولار. وقبل افتتاح السوق يوم الجمعة، حدد بنك الشعب الصيني (المركزي) سعر نقطة المنتصف عند 7.0749 للدولار، وهو أعلى بنقطتين من تقديرات «رويترز» البالغة 7.0751. وجاء سعر نقطة المنتصف يوم الجمعة متوافقاً تقريباً مع توقعات السوق، منهياً 6 جلسات متتالية من الإعدادات الرسمية الأضعف من المتوقع.

وشهد سعر تثبيت سعر الصرف يوم الخميس، أكبر انحراف عن الجانب الضعيف منذ توفر البيانات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. ويُسمح لليوان الفوري بالتداول بحد أقصى 2 في المائة على جانبي نقطة المنتصف الثابتة يومياً. وصرح سون بينبين، كبير الاقتصاديين في شركة «كايتونغ» للأوراق المالية، بأنه من المتوقع أن ترتفع حصة اليوان المستخدمة في التجارة الخارجية والاستثمارات الخارجية للصين بشكل أكبر، مما سيساعد في رفع قيمة العملة على المديين المتوسط والطويل.

وأضاف سون: «مع ذلك، لا ينبغي أن تكون وتيرة وحجم الارتفاع سريعين للغاية، لتجنب التأثير سلباً على نمو الصادرات»، متوقعاً أن يصل اليوان إلى مستوى 7 يوانات للدولار، وهو مستوى مهم نفسياً، بحلول النصف الأول من العام المقبل. ويتوقع المتداولون والمحللون أن تُدير السلطات بعناية، وتيرة مكاسب اليوان لتحقيق التوازن بين نموه العالمي وقدرته التنافسية في الصادرات. وصرح إلياس حداد، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسواق في «براون براذرز هاريمان»: «نرى أن استمرار ارتفاع قيمة العملة الصينية قد يُساعد البلاد في تحويل نموذج نموها نحو الإنفاق الاستهلاكي من خلال تعزيز الدخل المتاح من خلال خفض أسعار الواردات».

وبالنظر إلى العوامل المحفزة على المدى القريب، سيتحول معظم اهتمام السوق إلى مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي المُقرر عقده في وقت لاحق من هذا الشهر، بحثاً عن تلميحات محتملة حول أجندة السياسات للعام المقبل. وقال صموئيل تسي، كبير الاقتصاديين في بنك «دي بي إس»: «تتوقع السوق نبرة سياسية أكثر تفاؤلاً من مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي المُقرر عقده». وأضاف: «من المرجح أن تشمل التوجهات السياسية الرئيسية دعماً أقوى للاستهلاك من خلال إعانات أكثر صرامة، وزيادة خلق فرص العمل، وتحسين شبكة الأمان الاجتماعي».


توقعات بتعافٍ «هش» للاقتصاد الألماني وسط أعباء ضريبية وتوترات تجارية

سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
TT

توقعات بتعافٍ «هش» للاقتصاد الألماني وسط أعباء ضريبية وتوترات تجارية

سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)

توقع المعهد الاقتصادي الألماني (آي دبليو) في تقريره، الجمعة، أن يظل تعافي الاقتصاد الألماني هشاً خلال العام المقبل، في ظل استمرار معاناة الصادرات وتباطؤ النشاط التجاري العالمي.

ويرجّح المعهد أن يسجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ألمانيا نمواً طفيفاً نسبته 0.1 في المائة خلال العام الحالي بعد عامين من الانكماش، على أن يرتفع النمو إلى 0.9 في المائة في عام 2026، في تحسن يُعدّ ملحوظاً قياساً بالسنوات السابقة، وفق «رويترز».

وقال كبير اقتصاديي المعهد، مايكل غروملينغ، إن ألمانيا بدأت تخرج نسبياً من حالة الصدمة. ومع ذلك، يشير المعهد إلى أن نحو ثلث النمو المتوقع يعود إلى أثر التقويم؛ إذ سيشهد عام 2026 زيادة بنحو يومين ونصف اليوم في عدد أيام العمل مقارنة بعام 2025.

وكانت وزارة الاقتصاد الألمانية قد عدّلت في أكتوبر (تشرين الأول) توقعاتها لنمو 2025 إلى 0.2 في المائة، مع توقع نمو نسبته 1.3 في المائة في عام 2026.

عبء ضريبي غير مسبوق

أفاد المعهد بأن معدل الضرائب والمساهمات الاجتماعية في ألمانيا سيبلغ 41.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ارتفاعاً من 40.2 في المائة في العام السابق، وهو مستوى قياسي جديد.

وقال غروملينغ إن الاقتصاد الألماني يواجه أعباءً حكومية متزايدة، حتى في أوقات التباطؤ الاقتصادي، مرجعاً ذلك إلى ارتفاع الإنفاق الدفاعي وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، إضافة إلى التزامات اجتماعية متنامية تشمل المعاشات والتأمين الصحي وتأمين البطالة.

التوترات التجارية العالمية تثقل كاهل الاقتصاد

تتزايد حدة التأثير السلبي للرسوم الجمركية الأميركية والتوترات الجيوسياسية عبر العالم. فبعد نمو قدره 4.5 في المائة في التجارة العالمية في 2025، يتوقع المعهد تباطؤ النمو إلى 1.5 في المائة فقط في عام 2026.

وأشار المعهد إلى أن ضغوط التجارة الخارجية لا تزال تكبح استثمارات القطاع الخاص في ألمانيا، في حين أن الاستثمارات الحكومية لن تُنفَّذ بالكامل على الأرجح خلال العام المقبل. ومع ذلك، من المتوقع أن يسهم الاستثماران العام والخاص معاً بـ0.5 نقطة مئوية في النمو لعام 2026.

ضعف مستمر في سوق العمل وإنفاق المستهلك

يتوقع المعهد أن يبقى إنفاق المستهلكين دون إمكاناته، رغم استقرار التضخم عند قرابة 2 في المائة؛ وذلك بسبب ضعف آفاق التوظيف.

وقد يقترب عدد العاطلين عن العمل من 3 ملايين شخص، مع ركود في إجمالي مستويات التوظيف، في حين يُتوقع أن يخسر القطاع الصناعي مزيداً من الوظائف؛ ما يلقي بمزيد من الضغوط على توقعات النمو.

كما يُرجّح أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 66 في المائة، وأن تتجاوز حصة الحكومة من الناتج الاقتصادي 50 في المائة؛ ما يعكس زيادة الأعباء المالية على الدولة.

ارتفاع قوي في الطلبات الصناعية

على صعيد آخر، أظهرت بيانات رسمية صدرت الجمعة أن الطلبات الصناعية الألمانية ارتفعت بأكثر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، رغم أن الزيادة جاءت مدفوعة بالطلبات كبيرة الحجم.

وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي أن الطلبات ارتفعت 1.5 في المائة عن الشهر السابق بعد التعديلين الموسمي والتقويمي، مقابل توقعات استطلاع «رويترز» بارتفاع نسبته 0.4 في المائة فقط.

وباستثناء السلع الباهظة، زادت الطلبات الجديدة بنسبة 0.5 في المائة على أساس شهري. وأظهرت متوسطات الأشهر الثلاثة من أغسطس (آب) إلى أكتوبر تراجعاً بنسبة 0.5 في المائة مقارنة بالفترة السابقة.

كما تم تعديل بيانات سبتمبر (أيلول) لتظهر ارتفاعاً بنسبة 2 في المائة على أساس شهري بدلاً من القراءة الأولية البالغة 1.1 في المائة.


آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
TT

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)

من المتوقع أن تشهد صفقات الأسهم الآسيوية طفرة قوية خلال العام المقبل، مدفوعة بطروحات عامة أولية بارزة لشركات في الصين والهند، مع سعي المستثمرين لتنويع محافظهم الاستثمارية، رغم المخاوف من ارتفاع تقييمات شركات التكنولوجيا التي قد تؤثر سلباً على الزخم.

وأظهرت بيانات بورصة لندن أن صفقات سوق رأس المال الاستثماري في آسيا، بما في ذلك الطروحات العامة الأولية وسندات المتابعة والسندات القابلة للتحويل، بلغت حتى الآن 267 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 15 في المائة عن عام 2024، مسجلة أول ارتفاع سنوي منذ عام 2021، وفق «رويترز».

وهيمنت هونغ كونغ، الوجهة المفضلة للشركات الصينية، على صفقات رأس المال الإقليمي، محققة 75 مليار دولار حتى الآن في 2025، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما جُمعت العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ 2021.

في المقابل، جمعت الهند 19.3 مليار دولار عبر الاكتتابات العامة الأولية حتى الآن هذا العام، بانخفاض 6 في المائة عن الرقم القياسي المسجل في 2024 والبالغ 20.5 مليار دولار. ولا تشمل البيانات الاكتتاب العام الأولي لمنصة التجارة الإلكترونية «ميشو» بقيمة 604 ملايين دولار، والذي يتم هذا الأسبوع.

وصرح جيمس وانغ، رئيس قسم إدارة رأس المال الاستثماري في آسيا باستثناء اليابان لدى «غولدمان ساكس»: «كان انتعاش الصين واستمرار توسع الهند المحركين الرئيسيين لإصدارات الأسهم في جميع أنحاء آسيا هذا العام». وأضاف: «نتوقع أن يظل السوقان محوريين لتدفقات الصفقات الإقليمية في 2026، وما زلنا في المراحل الأولى من انتعاش أوسع مدعوماً بالنمو الاقتصادي وتحسن أرباح الشركات».

وتشير توقعات شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية «إيكويروس كابيتال» إلى أن الهند قد تحقق ما يصل إلى 20 مليار دولار من الاكتتابات العامة الأولية في 2026. كما تقدمت أكثر من 300 شركة بطلبات للإدراج في بورصة هونغ كونغ، مع توقع أن تزيد عروض بارزة مثل الطرح العام الأولي لشركة «ريلاينس جيو بلاتفورمز» الهندية، والإدراج الثاني لشركة «تشونغجي إنولايت» الصينية، أحجام التداول في 2026.

التحول بعيداً عن الأصول الأميركية

استفادت الأسواق الآسيوية من توجه المستثمرين العالمي نحو تنويع محافظهم بعيداً عن الأصول الأميركية، وسط شكوك حول السياسات التجارية والجيوسياسية للولايات المتحدة.

وقال لي هي، الشريك والرئيس المشارك السابق لشركة «ديفيس بولك» في آسيا واليابان: «في فترات الاضطرابات الأميركية، غالباً ما تتجه رؤوس الأموال نحو آسيا بحثاً عن التنويع والنمو الهيكلي». وأضاف: «انتعاش 2025 يعكس وفرة السيولة في المنطقة وتحولاً نحو التقنيات الرائدة التي تعيد تشكيل طرق التصنيع والاستهلاك والتفاعل».

وحقق مؤشر هانغ سنغ مكاسب تقارب 30 في المائة هذا العام، متفوقاً على المؤشرات الأميركية، فيما ارتفع المؤشر الهندي القياسي نحو 10.8 في المائة. واستفادت شركات مثل «كاتل» الصينية، التي جمعت 5.3 مليار دولار في إدراجها الثاني في هونغ كونغ، وشركة «زيجين غولد انترناشيونال» التي جمعت 3.5 مليار دولار في اكتتاب عام أولي، من هذا الزخم.

مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي

أدت تقلبات الأسهم الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إثارة المخاوف بشأن تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي، وسط تساؤلات حول احتمالية انفجار فقاعة مضاربة. وتخطط شركات مثل «زيبو إيه آي» و«ميني ماكس»، وشركات تصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي «ميتا إكس» و«كونلونكسين»، لطرح أسهمها للاكتتاب العام، بما قد يصل إلى مليارات الدولارات.

وقال أرون بالاسوبرامانيان، شريك في شركة «فريشفيلدز» للمحاماة: «إذا أدت المخاوف من فقاعة الذكاء الاصطناعي إلى عمليات بيع مكثفة، فقد يكون التأثير معدياً على الأسواق بأكملها، وليس قطاعاً واحداً فقط».

وأضاف براتيك لونكر، رئيس إدارة أسواق رأس المال في شركة «أكسيس كابيتال» الهندية: «المستثمرون الذين يتجنبون المخاطرة قد يجدون الهند جذابة، نظراً لانخفاض وزن استثمارات الذكاء الاصطناعي في السوق نسبياً. ومع إعادة تقييم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي ورؤية الأرباح، يتحول المستثمرون نحو الأسماء عالية الجودة والمدرّة للنقد، بعيداً عن قصص النمو ذات المضاعفات الأعلى».