الصين وأميركا... مفاوضات استوكهولم تحدد مصير الهدنة التجارية

المعادن الاستراتيجية قلبت موازين القوى

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ يتصافحان بعد الإدلاء ببيانات مشتركة في قاعة الشعب الكبرى ببكين عام 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ يتصافحان بعد الإدلاء ببيانات مشتركة في قاعة الشعب الكبرى ببكين عام 2017 (رويترز)
TT

الصين وأميركا... مفاوضات استوكهولم تحدد مصير الهدنة التجارية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ يتصافحان بعد الإدلاء ببيانات مشتركة في قاعة الشعب الكبرى ببكين عام 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ يتصافحان بعد الإدلاء ببيانات مشتركة في قاعة الشعب الكبرى ببكين عام 2017 (رويترز)

للمرة الثالثة خلال شهرين، سيجتمع مسؤولون أميركيون وصينيون في أوروبا؛ لإجراء محادثات تجارية، وهذه المرة، تصل بكين إلى طاولة المفاوضات أكثر جرأة من أي وقت مضى. إذ أجبرت قبضتُها القوية على المعادن الاستراتيجية إدارةَ ترمب على التراجع عن بعض قيود التصدير المفروضة على الصين، بما في ذلك التراجع المذهل عن حظر مبيعات شريحة الذكاء الاصطناعي الرئيسية من شركة «إنفيديا».

في غضون ذلك، حقَّق الاقتصاد الصيني نمواً أفضل من المتوقع بعد أشهر من بدء الحرب التجارية، وفقاً لبيانات حكومية، محققاً فائضاً تجارياً قياسياً يؤكد مرونة صادراتها في ظل ابتعادها عن السوق الأميركية.

وقبل أيام قليلة فقط، عزَّزت بكين موقفها المتشدد في قمة مهمة مع الاتحاد الأوروبي، ولم تقدم سوى القليل لمعالجة مخاوف الكتلة، بدءاً من اختلالات الميزان التجاري، ووصولاً إلى حرب أوكرانيا.

العلم الصيني يرفرف على سفينة في ميناء أوكلاند (أ.ب)

ثقة متجددة

مع انطلاق جولة جديدة من المحادثات في استوكهولم، يوم الاثنين، من المتوقع أن يستقبل المفاوضون الصينيون، بقيادة نائب رئيس الوزراء هي ليفينغ، نظراءهم الأميركيين بثقة متجددة في نهج بكين الصارم والحازم، وبرغبة متزايدة في تقديم مزيد من التنازلات الأميركية، وفقاً لشبكة «سي إن إن».

وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي يقود الوفد الأميركي، قبل المحادثات في العاصمة السويدية إن الجانبين سيعملان على تمديد «محتمل» للهدنة التجارية بينهما، التي تنتهي حالياً في 12 أغسطس (آب).

وكانت الهدنة التي استمرَّت 90 يوماً، والتي تمَّ التوصُّل إليها في اجتماع جنيف في مايو (أيار)، أدت إلى وقف فرض رسوم جمركية ضخمة في أبريل (نيسان)، والتي هدَّدت بقطع التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد تم تقليص الهدنة من حافة الانهيار مع إجراء مزيد من المحادثات في لندن في يونيو (حزيران)، بعد أن اتهم كل جانب الآخر بالتراجع عن وعوده.

والآن، قد تُقدِّم محادثات استوكهولم مؤشرات على مدى استمرار هذا الانفراج، وما إذا كان بإمكان البلدين تخفيض الرسوم الجمركية المتبقية بشكل أكبر، ومعالجة قضايا شائكة أخرى، مثل القيود على التكنولوجيا، في سعيهما للتوصُّل إلى اتفاق دائم.

تأتي الجولة الأخيرة من المفاوضات في أعقاب سلسلة الصفقات التجارية التي أبرمها دونالد ترمب أخيراً مع المملكة المتحدة واليابان وشركاء تجاريين آخرين، في جزء من حرب الرسوم الجمركية العالمية التي أطلقها في وقت سابق من هذا العام.

لكن يبدو أن الرئيس الأميركي قد خفَّف من حدة نهجه العدائي تجاه الصين، وتحدَّث بحماس عن زيارة البلاد بدعوة من زعيمها شي جينبينغ في «المستقبل غير البعيد».

لاعب يحرك قطعاً من لعبة «حرب النجوم ليجيون» المصنوعة في الصين داخل متجر «جيم كاسل» بكوليدج بارك (أ.ف.ب)

بيسنت والنبرة الإيجابية

كُشف أخيراً أن السلطات الصينية منعت موظفاً في وزارة التجارة الأميركية ومسؤولاً تنفيذياً في بنك «ويلز فارغو» من مغادرة الصين، مما ألقى بظلاله على المحادثات. وندَّد وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، بهذا الحظر ووصفه بأنه «شائن».

مع ذلك، أبدى بيسنت نبرة إيجابية عند إعلانه الجولة الأخيرة من المفاوضات، قائلاً: «التجارة في وضع جيد للغاية مع الصين». وقال لقناة «فوكس بيزنس»، يوم الثلاثاء: «أعتقد أننا انتقلنا بالفعل إلى مستوى جديد مع الصين، وهو أمر بنّاء للغاية». وأضاف أن البلدين سيناقشان أيضاً شراء الصين النفط «الخاضع للعقوبات» من روسيا وإيران.

ويوم الخميس، قال لوتنيك إن الشركة المُقترحة التابعة لتطبيق «تيك توك» الشهير للفيديوهات القصيرة في الولايات المتحدة، التي تنتظر موافقة بكين، ستكون جزءاً من المناقشات أيضاً.

من جانبهم، أبقى المسؤولون الصينيون جدول أعمال المحادثات غامضاً. ففي بيان صدر الأسبوع الماضي، ذكرت وزارة التجارة أن الجانبين «سيواصلان المشاورات حول القضايا الاقتصادية والتجارية ذات الاهتمام المشترك، مسترشدَين بمبادئ الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين».

شريحة من إنتاج شركة التكنولوجيا الأميركية «إنفيديا» في برلين (إ.ب.أ)

جدول أعمال بكين

بالنسبة لبكين، تُركّز مفاوضات هذا الأسبوع على الرسوم الجمركية الأميركية المتبقية على الواردات الصينية، وفقاً لخبراء صينيين.

تشمل الرسوم الجمركية، البالغة نحو 55 في المائة، رسوماً جمركية «متبادلة» بنسبة 10 في المائة فرضتها الولايات المتحدة على شركائها التجاريين في أبريل، ورسوماً بنسبة 20 في المائة فُرضت على الصين؛ بسبب ما وصفه ترمب بدوره في تدفق الفنتانيل غير المشروع إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسوم جمركية سابقة، وفقاً للبيت الأبيض.

ويقول خبراء صينيون إن من أهم أولويات بكين السعي إلى إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على الفنتانيل، البالغة 20 في المائة.

في الشهر الماضي، أعلنت الصين أنها ستضيف مادتَين إضافيَّتين من سلائف الفنتانيل إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة، وأدرجت النيتازينات - وهي فئة من المواد الأفيونية الاصطناعية القوية - في قائمة أخرى للأدوية الخاضعة للرقابة.

خلال ولايته الأولى، بدأ ترمب بفرض قيود تقنية على الشركات الصينية، بما في ذلك شركة «هواوي»، عملاق التكنولوجيا الوطني. ثم تبعه خليفته، الرئيس السابق جو بايدن، بتوسيع نطاق القيود لتشمل مجموعة واسعة من الفئات.

وقال وو، مستشار وزارة الخارجية الصينية: «بعد هذه الفترة من التنافس الأميركي - الصيني، أدرك الجانب الأميركي أن الصين تمتلك أوراقاً مهمة، والأهم من ذلك، أنها مستعدة لاستخدامها عند الضرورة». وأوضح أن هذه الأوراق تشير إلى اعتماد أميركا على سلسلة التوريد الصينية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات، اللازمة لكل شيء من الإلكترونيات والمركبات اليومية، إلى الطائرات المقاتلة.

المعادن في صلب المفاوضات

في ذروة الحرب التجارية مع الولايات المتحدة في أبريل، استغلت الصين هيمنتها العالمية على سلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة، وفرضت شروط ترخيص جديدة على صادرات 7 أنواع من معادن الأرض النادرة وكثير من المغناطيسات.

وقد أدى الانخفاض الكبير في صادرات الصين من المعادن الأرضية النادرة، على الرغم من الهدنة التجارية التي تم التوصُّل إليها في مايو في جنيف، إلى تجدد التوترات، مما دفع ترمب إلى اتخاذ «إجراءات مضادة»، بما في ذلك ضوابط تصدير برمجيات الرقائق والإيثان والمحركات النفاثة. ولم يهدأ الخلاف المتجدد إلا بعد اجتماع لندن، الشهر الماضي، عندما وافقت بكين على السماح بتدفق المعادن الأرضية النادرة، وقرَّرت واشنطن رفع قيودها على التصدير.


مقالات ذات صلة

القضاء يرفض الطعن ضد رسم ترمب 100 ألف دولار على تأشيرات «إتش- 1 بي»

الاقتصاد علم الولايات المتحدة، ونموذج طلب تأشيرة "إتش - 1بي"، وشعارات شركات معروضة في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

القضاء يرفض الطعن ضد رسم ترمب 100 ألف دولار على تأشيرات «إتش- 1 بي»

رفضت قاضية المحكمة الجزئية الأميركية، بيريل هاول، في واشنطن العاصمة، حجج غرفة التجارة الأميركية التي قالت إن الرسم يتعارض مع قانون الهجرة الاتحادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سفينة شحن في ميناء كيلونغ بتايوان (رويترز)

بفضل «الذكاء الاصطناعي».. صادرات تايوان تسجل أسرع نمو في 5 سنوات

شهدت طلبات التصدير التايوانية في نوفمبر (تشرين الثاني) أسرع وتيرة نمو منذ نحو خمس سنوات، مدفوعة بالطلب المتزايد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
الاقتصاد تسير شاحنة بجانب أكوام الحاويات في ميناء تانجونغ بريوك بمدينة جاكرتا (رويترز)

إندونيسيا وأميركا تتجهان نحو اتفاقية جمركية ولقاء رئاسي نهاية يناير

تتطلّع إندونيسيا إلى توقيع اتفاقية رسوم جمركية مع الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني)، بعد أن توصلت الدولتان إلى تسوية جميع القضايا الجوهرية.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
الاقتصاد لافتة شارع «وول ستريت» أمام «بورصة نيويورك» (رويترز)

بنوك «وول ستريت» تحافظ على هيمنتها في السوق الأوروبية رغم «الرسوم»

عززت بنوك «وول ستريت» ريادتها في سوق الخدمات المصرفية الاستثمارية الأوروبية خلال عام 2025، حيث حافظ العملاء على ولائهم رغم اضطرابات السوق العالمية والرسوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد دونالد ترمب يغادر المنصة بعد إلقاء كلمته في مركز فعاليات روكي ماونت بمدينة روكي ماونت في كارولاينا الشمالية 19 ديسمبر 2025 (أ.ب)

ترمب يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية... والرسوم تتصدّر المشهد في 2026

أدت عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 2025 إلى سنة صاخبة للتجارة العالمية، مع موجات من الرسوم الجمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

اليابان تقترح إنفاقاً قياسياً في الموازنة مع كبح إصدار الديون الجديدة

رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى وصولها إلى مقر الحكومة يوم الجمعة لبحث الموازنة الجديدة (رويترز)
رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى وصولها إلى مقر الحكومة يوم الجمعة لبحث الموازنة الجديدة (رويترز)
TT

اليابان تقترح إنفاقاً قياسياً في الموازنة مع كبح إصدار الديون الجديدة

رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى وصولها إلى مقر الحكومة يوم الجمعة لبحث الموازنة الجديدة (رويترز)
رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى وصولها إلى مقر الحكومة يوم الجمعة لبحث الموازنة الجديدة (رويترز)

اقترحت الحكومة اليابانية يوم الجمعة إنفاقاً قياسياً للسنة المالية المقبلة مع كبح إصدار الديون، مما يسلط الضوء على التحدي الذي يواجه رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي في إنعاش الاقتصاد في ظل بقاء التضخم أعلى من هدف البنك المركزي.

ووافق مجلس الوزراء على مشروع موازنة بقيمة 783 مليار دولار، يهدف إلى معالجة مخاوف السوق من خلال وضع حد أقصى لإصدار السندات وخفض نسبة تمويل الميزانية عن طريق الديون الجديدة إلى أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

ومما يزيد من تعقيد التحدي الذي يواجه تاكايتشي في سياستها المالية، أن التضخم الأساسي في طوكيو ظل أعلى من هدف بنك اليابان البالغ 2 في المائة هذا الشهر، في حين لا يزال الين ضعيفاً، مما يعزز موقف البنك المركزي في مواصلة رفع أسعار الفائدة.

ومن المرجح أن الميزانية القياسية البالغة 122.3 تريليون ين للسنة المالية التي تبدأ في أبريل (نيسان)، والتي تُعد جزءاً أساسياً من سياسة تاكايتشي المالية «الاستباقية»، ستدعم الاستهلاك، ولكنها قد تُسرّع التضخم وتزيد من الضغط على المالية العامة اليابانية المنهكة.

توازن دقيق

وأدى قلق المستثمرين بشأن التوسع المالي في اقتصاد يُعاني من أثقل عبء ديون في العالم الصناعي إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل إلى مستويات قياسية، وضغط على الين.

وصرحت وزيرة المالية، ساتسوكي كاتاياما، قائلةً: «نعتقد أننا تمكنا من صياغة ميزانية لا تقتصر على زيادة المخصصات للتدابير السياسية الرئيسية فحسب، بل تراعي أيضاً الانضباط المالي، ما يحقق اقتصاداً قوياً واستدامة مالية في آن واحد».

وأوضحت في مؤتمر صحافي أن مسودة الميزانية تُبقي إصدار السندات الجديدة دون 30 تريليون ين (190 مليار دولار) للعام الثاني على التوالي، مع انخفاض نسبة الاعتماد على الدين إلى 24.2 في المائة، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 1998.

وقد بدأت جهود حكومة تاكايتشي لطمأنة مستثمري السندات الحكومية اليابانية تُؤتي ثمارها. وانخفض عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 30 عاماً يوم الخميس من مستوى قياسي بلغ 3.45 في المائة بعد أن أفادت «رويترز» بأن الحكومة ستُرجّح خفض الإصدارات الجديدة من السندات الحكومية اليابانية طويلة الأجل للغاية في السنة المالية المقبلة إلى أدنى مستوى لها في 17 عاماً. وانخفضت العوائد أكثر يوم الجمعة نتيجةً لجهود الحكومة في ضبط الإنفاق العام.

وقال سايسوكي ساكاي، كبير الاقتصاديين في شركة «ميزوهو للأبحاث والتكنولوجيا»، إن الميزانية لم تكن بالضخامة التي كانت تُخشى في البداية. وأضاف: «لكن التشرذم السياسي يزيد من خطر لجوء تاكايتشي إلى ميزانية تكميلية ضخمة العام المقبل لضمان دعم المعارضة، مما يُبقي على مخاوف السوق من أن التوسع المالي قد يدفع الين إلى الانخفاض ويزيد التضخم». وتابع أنه «من التفاؤل المفرط افتراض استمرار الوضع الراهن».

والإنفاق المقترح مُضخّم بسبب ارتفاع تكاليف خدمة الدين، بما في ذلك مدفوعات الفائدة وسداد الديون. كما يعكس زيادة بنسبة 3.8 في المائة في الإنفاق العسكري ليصل إلى 9 تريليونات ين (60 مليار دولار)، وذلك في إطار سياسة الدفاع الحازمة التي تنتهجها تاكايتشي، وهي قومية محافظة، وتماشياً مع مساعي الولايات المتحدة لحث حلفائها على زيادة إنفاقهم على الدفاع.

تباطؤ التضخم في طوكيو

وفي غضون ذلك، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في طوكيو، الذي يستثني تكاليف المواد الغذائية الطازجة المتقلبة، بنسبة 2.3 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) مقارنةً بالعام الماضي، وهو أقل من توقعات السوق التي كانت تشير إلى ارتفاع بنسبة 2.5 في المائة، كما أنه يُظهر تباطؤاً مقارنةً بارتفاع بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وتؤكد هذه البيانات وجهة نظر البنك المركزي بأن التضخم الأساسي سينخفض ​​إلى ما دون هدفه البالغ 2 في المائة في الأشهر المقبلة مع انخفاض ضغوط التكاليف، قبل أن يستأنف ارتفاعه مدفوعاً بالطلب، مما يُبرر رفع أسعار الفائدة.

لكن بعض المحللين يُحذرون من أن انخفاض قيمة الين مجدداً قد يدفع الشركات إلى مواصلة رفع الأسعار، مما يؤدي إلى تضخم مُستمر مدفوع بالتكاليف، وهو ما قد يُسرّع وتيرة رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة.

وقال يوشيكي شينكي، كبير الاقتصاديين التنفيذيين في معهد داي إيتشي للأبحاث: «تشير بيانات اليوم إلى أن تضخم أسعار المواد الغذائية قد بلغ ذروته. لكن ضعف الين قد يمنح الشركات ذريعةً لاستئناف رفع أسعار المواد الغذائية، مما قد يُبقي التضخم مرتفعاً».

وارتفع مؤشر التضخم في العاصمة، الذي يستثني تكاليف المواد الغذائية الطازجة والوقود، والذي يراقبه بنك اليابان المركزي عن كثب بوصفه مقياساً للأسعار المدفوعة بالطلب، بنسبة 2.6 في المائة في ديسمبر بعد زيادة قدرها 2.8 في المائة في نوفمبر.

كما أظهرت بيانات يوم الجمعة انخفاض إنتاج المصانع اليابانية بنسبة 2.6 في المائة في نوفمبر مقارنةً بالشهر السابق عليه، وهو انخفاض أكبر من توقعات السوق التي كانت تشير إلى انخفاض بنسبة 2.0 في المائة، وذلك بسبب خفض إنتاج السيارات وبطاريات الليثيوم أيون.

ورفع بنك اليابان المركزي سعر الفائدة الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى له في 30 عاماً عند 0.75 في المائة، متخذاً بذلك خطوةً تاريخيةً أخرى نحو إنهاء عقود من الدعم النقدي الضخم، في إشارة إلى قناعته بأن اليابان تتقدم نحو تحقيق هدفها التضخمي البالغ 2 في المائة على المدى الطويل.

ومع تجاوز التضخم الأساسي هدف بنك اليابان لما يقرب من أربع سنوات، أشار المحافظ كازو أويدا إلى استعداد بنك اليابان لمواصلة رفع أسعار الفائدة إذا استمر الوضع الاقتصادي على ما هو عليه.


اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)
منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)
TT

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)
منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)

مع توقع استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على رابع أكبر اقتصاد في آسيا خلال عام 2026، من المتوقع أن تسعى كوريا الجنوبية لمواجهة هذه التحديات من خلال الاستفادة من صناعة أشباه الموصلات في ظل الازدهار العالمي للذكاء الاصطناعي، وفقاً لما أشار إليه خبراء يوم الجمعة.

وواجه الاقتصاد الكوري الجنوبي تقلبات كبيرة في وقت سابق من هذا العام بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سلسلةً من الإجراءات الحمائية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية على حلفاء اقتصاديين قدامى، وفق «يونهاب».

وبعد سلسلة من المفاوضات، أصدرت سيول وواشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) مذكرة توضح الاتفاق الأميركي على خفض الرسوم المتبادلة على المنتجات الكورية الجنوبية إلى 15 في المائة بدلاً من 25 في المائة، مقابل التزام سيول بالاستثمار بمبلغ 350 مليار دولار في الولايات المتحدة وعدة التزامات أخرى.

ومع الأخذ في الاعتبار هذا التقدم، رفعت بنك كوريا توقعاته لنمو الاقتصاد الكوري الجنوبي في 2026 إلى 1.8 في المائة مقارنةً بالتوقع السابق البالغ 1.6 في المائة، مشيراً أيضاً إلى الانتعاش القوي في صناعة أشباه الموصلات العالمية.

وارتفعت صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 8.4 في المائة مقارنة بالعام الماضي في نوفمبر لتتجاوز 61 مليار دولار، مسجلةً الشهر السادس على التوالي من الزيادة.

ووصلت الصادرات المتراكمة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى نوفمبر إلى 640.2 مليار دولار، وهو رقم قياسي لأول 11 شهراً من السنة، مما يزيد التوقعات بأن تتجاوز صادرات البلاد السنوية حاجز 700 مليار دولار لأول مرة في تاريخها هذا العام.

سفينة حاويات ميناء بوسان تغادر في مدينة بوسان (رويترز)

تحديات سعر الصرف والمنافسة

على الرغم من النظرة التفاؤلية والبيانات القوية، قال الخبراء إن كوريا الجنوبية تواجه تحديات واسعة، بما في ذلك تقلبات أسعار الصرف، وازدياد المنافسة في الصناعات الرئيسية، لا سيما من المنافسين الصينيين، وتباطؤ النمو في القطاعات المحلية.

وقال جو وون، اقتصادي في معهد أبحاث «هيونداي»، لوكالة «يونهاب»: «من المحتمل أن تحقق كوريا الجنوبية نمواً اقتصادياً بنسبة 1.8 في المائة، ليس لأن الأوضاع ستتحسن في العام المقبل، بل لأن الظروف كانت صعبةً للغاية هذا العام».

وأشار الاقتصادي إلى أن صناعة البناء في كوريا الجنوبية، التي تمثل أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، من المتوقع أن تستمر في الضغط على الاقتصاد بشكل عام.

وفيما يتعلق بالوضع الضعيف للون الكوري، قال إنه من المتوقع أن يتحسن الوضع تدريجياً في المستقبل، على الرغم من أن الدولار الأميركي سيظل قوياً في الربع الأول من عام 2026.

وقد تم تداول الدولار مقابل 1.483.6 وون يوم الثلاثاء، مقترباً من أضعف مستوى له منذ 9 أبريل (نيسان)، حين أغلق عند 1.484.1 وون. وكان الرقم في أبريل يمثل أدنى مستوى منذ 12 مارس (آذار) 2009.

وأضاف جو: «في الربع الأول، ستظل سوق الصرف الأجنبي غير مستقرة»، مشيراً إلى أن العديد من الشركات الأجنبية العاملة في كوريا الجنوبية تقوم بتحويل أموالها إلى بلدانها في مارس أو أبريل بعد نهاية السنة المالية، «ولكنه سيستقر بدءاً من الربع الثاني».

وأشار تشوي بيونغ هو، أستاذ الاقتصاد في جامعة بوسان الوطنية، إلى أن الاقتصادات المعتمدة على الصادرات مثل كوريا الجنوبية ستواجه تحديات أكبر في 2026 مع تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي يؤدي إلى ضعف الشحنات الخارجية.

وقال تشوي لوكالة «يونهاب»: «الطلب المحلي ما زال ضعيفاً، والتضخم غير مستقر. ولا يمكن معالجة ذلك بإجراءات قصيرة الأجل، ويحتاج الأمر إلى جهود حكومية لتحسين الإنتاجية العامة ضمن رؤية طويلة الأمد».

وأضاف أن كوريا الجنوبية يمكنها، مع ذلك، الاستفادة من الازدهار العالمي للذكاء الاصطناعي وتوسيع الاستثمار في هذا القطاع.

التطور التقني والذكاء الاصطناعي

قال بارك جاي - جون، أستاذ متميز للهندسة الإلكترونية في جامعة هانيانغ، إن صناعة أشباه الموصلات في كوريا الجنوبية ستظل قوية طوال عام 2026 بدعم من الطلب القوي على الرقائق عالية الأداء، بما في ذلك ذاكرة النطاق العالي (إتش بي إم) من قطاع الذكاء الاصطناعي.

شعار شركة «سامسونغ إلكترونيكس» وملف كمبيوتر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

وأضاف: «في أوائل 2024، توقع البعض حدوث دورة هبوطية في قطاع الذاكرة، لكن حدثت فجأة زيادة كبيرة في الطلب من قطاع الذكاء الاصطناعي».

وتابع: «حتى مع خطوط الإنتاج الجديدة التي ستطلقها شركتا (سامسونغ إلكترونيكس) و(إس كيه هاينكس)، لن تواكب إمدادات الطلب.. سيؤدي النقص في المعروض إلى ارتفاع الأسعار، ونتيجة لذلك، ستشهد ذاكرة النطاق العالي دورة فائقة. وقد تم بيع معظم الإنتاج المستقبلي بالفعل».

وأشار بارك إلى أن قطاع أشباه الموصلات سيظل محركاً رئيسياً لكوريا الجنوبية في الوقت الراهن، مستبعداً إمكانية حدوث ما يُسمى فقاعة الذكاء الاصطناعي.

وقال: «الذكاء الاصطناعي هو اتجاه يجلب تغييرات اجتماعية كبيرة، والدول المختلفة تسعى لاعتماد نماذج ذكاء اصطناعي سيادية. وسيستمر هذا الاتجاه في النمو... قد تخف ضغوط النقص في الإمدادات بحلول 2028».

وأضاف أنه لتعزيز هذا الازدهار، تحتاج الحكومة إلى بذل جهود نشطة لضمان اكتمال بناء خطوط إنتاج «سامسونغ إلكترونيكس» و«إس كيه هاينكس» الجديدة في المواعيد المحددة.

وقال: «لا يمكن التعامل مع الكهرباء وإمدادات المياه من قبل الشركات فقط. وفي ظل المخاوف المتعلقة بنقص الطاقة، يجب على الحكومة مساعدة الشركات في بناء المصانع الجديدة وفق الخطة».

ورداً على المخاوف المتزايدة من أن استمرار صعود الصين في التصنيع سيستمر في الضغط على صادرات كوريا الجنوبية في 2026، قال الخبراء إن الشركات المحلية يجب أن تركز على تعزيز التنافسية من خلال الجودة بدلاً من السعر فقط.

وقالت جين أوك - هي، باحثة في جمعية كوريا للتجارة الدولية (KITA)، في تقرير صدر هذا الأسبوع: «بينما تتفوق كوريا الجنوبية على الصين في صناعة أشباه الموصلات، فإنها تواجه منافسة شديدة مع أكبر اقتصاد في آسيا في قطاعات أخرى، بما في ذلك الصناعات الكيميائية والصلب».

وأضافت الباحثة: «مع تحول صعود الصين في التصنيع إلى أمر طبيعي، يجب أن تركز صادرات كوريا الجنوبية على تقديم قيمة متميزة مقارنة بالمنافسين الصينيين».

ولمواجهة الصين في قطاع أشباه الموصلات، تحتاج كوريا الجنوبية إلى الجمع بين الأجهزة والذكاء الاصطناعي لتصدير حلول شاملة، وفقاً للباحثة.

وقالت: «يجب على كوريا الجنوبية الحفاظ على ريادتها في صناعة الرقائق من خلال اكتساب قدرات شاملة تشمل قطاع المصانع والتغليف المتقدم».

أما بالنسبة للصناعات الكيميائية والصلب، فقد نصحت جين الشركات الكورية الجنوبية باتباع ما يُسمى بالمنافسة غير السعرية من خلال الالتزام بالمتطلبات البيئية العالمية.

وأضافت: «يجب على صناعة الآلات، حيث أظهرت الصين بالفعل قيادة من حيث الكم والنوع، إعادة تنظيم محفظتها للتركيز على المنتجات عالية الدقة، بما في ذلك معدات أشباه الموصلات والبطاريات».


«توبكس» الياباني يسجل مستوى قياسياً مع تراجع المخاوف بشأن الديون

مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

«توبكس» الياباني يسجل مستوى قياسياً مع تراجع المخاوف بشأن الديون

مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
مشاة يمرون أمام شاشة إلكترونية تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

سجل مؤشر توبكس الياباني، وهو المؤشر الأوسع نطاقاً للأسهم، مستوى قياسياً جديداً يوم الجمعة، مدعوماً بتراجع المخاوف بشأن ديون البلاد، مما أعطى الأسهم دفعة قوية.

وبلغ مؤشر توبكس أعلى مستوى له على الإطلاق خلال جلسة التداول عند 3436.75 نقطة في بداية الجلسة، قبل أن يفقد بعضاً من زخمه، ليغلق مرتفعاً بنسبة 0.2 في المائة فقط عند 3423.06 نقطة. وارتفع مؤشر نيكي للأسهم القيادية بنسبة 0.7 في المائة ليغلق عند 50750.39 نقطة، محققاً مكاسب بنسبة 2.5 في المائة خلال الأسبوع، ومتجهاً نحو تحقيق قفزة بنسبة 26 في المائة في عام 2025. وكان مجلس الوزراء قد وافق يوم الجمعة، على ميزانية قياسية للسنة المالية المقبلة، بهدف تحقيق التوازن بين السياسة المالية الاستباقية وإدارة الدين.

وارتفعت سندات الحكومة اليابانية القياسية بشكل طفيف، إذ أسهمت التوقعات بتقييد إصدار الديون في تراجع العائدات عن أعلى مستوى لها في 26 عاماً. وجاء هذا الانتعاش في سندات الحكومة اليابانية بعد أن سعت رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي، إلى تهدئة المخاوف بشأن خطتها التحفيزية الضخمة. وذكر تقرير لوكالة «رويترز» أن الحكومة ستُرجّح خفض الإصدارات الجديدة من السندات طويلة الأجل للغاية في السنة المالية المقبلة.

وقالت ماكي ساودا، استراتيجية الأسهم في شركة «نومورا» للأوراق المالية: «قد يُسهم هذا الانخفاض في أسعار الفائدة أيضاً بشكل إيجابي في سوق الأسهم اليابانية».

ومع تبقي 3 أيام عمل فقط، يتجه التركيز الآن إلى ما إذا كان مؤشر نيكي سيُغلق فوق مستوى 51 ألف نقطة. وشهد مؤشر نيكي ارتفاعاً في أسعار 104 أسهم، مقابل انخفاض في أسعار 117 سهماً.

• ضبط الإصدارات

من جانبها، ارتفعت عوائد السندات الحكومية اليابانية القياسية بشكل طفيف يوم الجمعة، حيث أسهمت التوقعات بضبط إصدارات الديون في تراجعها عن أعلى مستوى لها في 26 عاماً.

وانخفض عائد سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار نقطة أساس واحدة، إلى 2.035 في المائة، متراجعاً من مستوى 2.1 في المائة الذي بلغه يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1999. وارتفعت العقود الآجلة لسندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار 0.03 ين، لتصل إلى 132.71 ين.

وشهدت عوائد سندات الحكومة اليابانية طويلة الأجل ارتفاعاً حاداً منذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، مسجلةً مستويات قياسية متتالية، وسط مخاوف بشأن حجم حزمة التحفيز التي أقرتها رئيسة الوزراء، والممولة بالديون.

بينما واجهت العوائد قصيرة الأجل ضغوطاً تصاعدية، مع إشارة بنك اليابان إلى استعداده لمواصلة رفع أسعار الفائدة. وسعت تاكايتشي، يوم الخميس، إلى تهدئة مخاوف السوق بشأن سياستها المالية التوسعية، مؤكدةً أن مشروع ميزانية الحكومة يحافظ على الانضباط من خلال الحد من الاعتماد على الديون.

وذكرت وكالة «رويترز» يوم الأربعاء، أن الحكومة ستُرجّح خفض إصدارات السندات طويلة الأجل للغاية في السنة المالية المقبلة. وقال يوسوكي ماتسو، كبير الاقتصاديين في شركة «ميزوهو» للأوراق المالية، في مذكرة: «من شأن هذا الخفض أن يُخفف، إلى حد ما، الضغط التصاعدي على عوائد سندات الحكومة اليابانية طويلة الأجل للغاية من منظور العرض والطلب».

وفي غضون ذلك، أظهرت بيانات يوم الجمعة، ارتفاع أسعار المستهلكين الأساسية في العاصمة اليابانية بنسبة 2.3 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، مقارنةً بالعام السابق، لتبقى أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة.

ورفع بنك اليابان أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، إلى أعلى مستوى لها في 30 عاماً عند 0.75 في المائة، وقال المحافظ كازو أويدا يوم الخميس، إن التضخم الأساسي في البلاد يتسارع تدريجياً، مؤكداً استعداد البنك المركزي لمواصلة رفع أسعار الفائدة.

وظل معظم عوائد سندات الحكومة اليابانية دون تغيير في بداية التداولات. وشهدت السندات طويلة الأجل للغاية ارتفاعاً ملحوظاً في الجلسة السابقة، حيث انخفض عائد السندات لأجل 30 عاماً إلى أدنى مستوى له عند 3.38 في المائة، بعد أن سجل مستوى قياسياً بلغ 3.45 في المائة يوم الأربعاء.