أحدث هدنة تجارية بين الصين والولايات المتحدة تُربك المستثمرين

الأسواق حذرة ومتخبطة وتنتظر المزيد من التفاصيل

أحد موظفي بورصة نيويورك يتابع الشاشات خلال ساعات العمل يوم الثلاثاء (أ.ب)
أحد موظفي بورصة نيويورك يتابع الشاشات خلال ساعات العمل يوم الثلاثاء (أ.ب)
TT

أحدث هدنة تجارية بين الصين والولايات المتحدة تُربك المستثمرين

أحد موظفي بورصة نيويورك يتابع الشاشات خلال ساعات العمل يوم الثلاثاء (أ.ب)
أحد موظفي بورصة نيويورك يتابع الشاشات خلال ساعات العمل يوم الثلاثاء (أ.ب)

منحت أحدث هدنة تجارية بين الصين والولايات المتحدة المستثمرين أملاً في التوصل إلى اتفاق نهائي يرضي القوتين العظميين المتخاصمتين، على الرغم من أن احتمال اندلاع جولة جديدة من الرسوم الجمركية لا يزال يُشكل خطراً على الأسواق.

كان رد فعل السوق الخافت دليلاً على ذلك، حيث اختتم المسؤولون الأميركيون والصينيون يوم الثلاثاء يومين من المحادثات في لندن بتعهدات بإحياء اتفاق أُبرم الشهر الماضي في جنيف، ورفع قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة - وهي نقطة خلاف في ذلك الاتفاق.

يُظهر الترحيب الحذر من مستثمري العملات والأسهم أنه على الرغم من انتهاء الاجتماع بهدنة، فإن الأسواق كانت تأمل في المزيد، وأن نقص التفاصيل يعني أن حالة عدم اليقين ستظل مرتفعة على الأرجح.

وصرح محللون بأن أهم ما استُخلص من الاجتماع هو أن المحادثات دلت على براغماتية الجانبين.

وقال مارك دونغ، المؤسس المشارك لشركة «ماينورتي أسيت» لإدارة الأصول في هونغ كونغ: «هذه أخبار إيجابية للسوق. على الأقل الآن هناك حد أدنى لا يرغب أي من الطرفين في تجاوزه».

وارتفعت الأسهم الصينية إلى أعلى مستوياتها في ثلاثة أسابيع تقريباً، بينما انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأميركية بشكل طفيف. وارتفع الدولار الأميركي قليلاً، واستقر اليوان الصيني.

وقال كريس ويستون، رئيس قسم الأبحاث في شركة الوساطة الأسترالية «بيبرستون»: «في الوقت الحالي، طالما أن عناوين المحادثات بين الطرفين لا تزال بناءة، فمن المتوقع أن تظل الأصول عالية المخاطر مدعومة». وأضاف: «المشكلة تكمن في التفاصيل، لكن غياب رد الفعل يشير إلى أن هذه النتيجة كانت متوقعة تماماً».

وتراجعت الأسواق بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية بمناسبة «يوم التحرير» في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي، حيث ساور المستثمرين قلق بشأن ركود اقتصادي وشيك. لكن هذه المخاوف هدأت مع تراجع ترمب عن معظم الرسوم العقابية، مما رفع أسعار الأسهم.

لانكستر هاوس في العاصمة البريطانية لندن حيث التقى وفدا التجارة الأميركية والصينية (رويترز)

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» القياسي بنسبة 6.5 في المائة منذ ذلك الحين، وهو على وشك استعادة مستوى قياسي مرتفع. وكان أداء الأسهم الصينية ضعيفاً، إذ يخشى المستثمرون من استمرار ضعف الاقتصاد، لكنها مع ذلك استعادت خسائرها لتعود إلى مستوى الثاني من أبريل.

وقد يبدد التوافق الإطاري الأخير في لندن لإعادة إبرام اتفاق بعض السيناريوهات القاتمة للغاية للأسواق، لكن المستثمرين سيحتاجون إلى خطوات ملموسة أكثر ليشعروا بالرضا التام. ويُلمس التأثير الواسع للرسوم الجمركية الشاملة في حرب تجارية قد تُؤدي إلى توقف 600 مليار دولار من التجارة بين البلدين، في كلا الاقتصادين.

وقال لين جينغوي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة رين تري بارتنرز، سنغافورة: «يتمتع كلا الجانبين بضغط واستعداد للتوصل إلى اتفاق. هذا إنجاز مؤقت في المحادثات، لكنه لن يُغير نمط التنافس الصيني الأميركي الدائم... لن ترفع الولايات المتحدة القيود المفروضة على صادرات الرقائق إلى الصين بشكل كامل، لكنها قد تخففها استجابةً لضغوط بكين وقطاع أشباه الموصلات المحلي».

ويتوقع الاقتصاديون أن يُلقي الضرر الناجم عن الرسوم الجمركية المتبادلة وتقلبات الأسواق المالية بظلاله على الاقتصاد العالمي لأشهر. وقال فيليب وول، كبير مسؤولي الأبحاث ومدير المحافظ الاستثمارية في «رايليانت غلوبال أدفايزرز»، إن المستثمرين الذين يعيدون شراء الأسهم إلى مستويات قياسية يُقللون بشكل كبير من شأن الضرر الناجم بالفعل عن حالة عدم اليقين هذه هذا العام. وأضاف: «أشعر الآن بحذر وترقب أكبر من التفاؤل المطلق. إذا تم التوصل إلى أي اتفاق كبير، فقد نشهد ارتفاعاً في الأسهم استجابةً لذلك، لكنني أعتقد أن هذا مجرد رد فعل في هذه المرحلة، وقد يكون هذا النشوة قصير الأمد مع ظهور مخاطر جديدة».

وأشار راي أتريل، رئيس استراتيجية الصرف الأجنبي في بنك أستراليا الوطني، إلى أنه «من السابق لأوانه القول إننا في خضم إبرام اتفاقية تجارية جديدة وحازمة بين الولايات المتحدة والصين. لقد كان العام بأكمله مليئاً بالبشائر الإيجابية بشأن التوصل إلى اتفاقيات، ثم لم نشهد تقدماً ملموساً أو تراجعاً في الأمور التي كان من المفترض الاتفاق عليها. لا نزال نرى أنه مهما تم الاتفاق عليه في الأسابيع والأشهر المقبلة، وجهة النظر الأساسية هي أننا سنصل في النهاية إلى وضع تعريفات جمركية عالمي أسوأ بكثير مما كان عليه قبل تولي ترمب الرئاسة، لذا سنظل نواجه بيئة تعريفات نعتقد أنها ستضر بالنمو العالمي».

ويحتاج الاقتصاد الصيني إلى استراحة من الرسوم الجمركية التي أثرت على صادراته، في ظل مواجهة البلاد لضغوط انكماشية عميقة وضعف الاستهلاك. علاوة على ذلك، وبينما لم يتضح بعد التأثير النهائي للحرب التجارية على التضخم الأميركي وسوق العمل، فقد أضرت الرسوم الجمركية بثقة الشركات والأسر الأميركية.

وقد أدى ذلك إلى ضغوط على الدولار، حيث انخفض بأكثر من 8 في المائة مقابل العملات الرئيسية المنافسة هذا العام، في ظل قلق المستثمرين بشأن الاقتصاد الأميركي وسلامته المالية.

وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لدى مغادرة لانكستر هاوس في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

وفي الوقت الحالي، يواجه ترمب تحديات كثيرة، بما في ذلك خلافه الصارخ مع أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، ومشروع قانون ضريبي يخضع لتدقيق مكثف، واحتجاجات شوارع في لوس أنجليس على سياسة إدارته بشأن الهجرة... ويزيد كل هذا من صعوبة المفاوضات الناجحة مع الصين، والمستثمرون ليسوا مستعدين للمراهنة على النتيجة بعد.

وقال تان شياويون، الشريك المؤسس لشركة زونسو كابيتال، قوانغدونغ: «ستستمر المحادثات في ظل الإطار المُتفق عليه، وأعتقد أن الولايات المتحدة ستُقدم تنازلات أكبر من الصين للتوصل إلى اتفاق... في ظل الظروف الحالية، يواجه الجانب الأميركي تحديات أكثر إلحاحاً، بينما يتمتع الجانب الصيني بمساحة أكبر للتنفس. كانت الصين في موقف دفاعي، لكنها تحولت إلى موقف هجومي، مستغلةً المعادن النادرة والوصول إلى الأسواق. وهذا يُمثل إعادة توازن في القوة والنفوذ».

وفي تحليله للموقف بشكل عام، يقول شارو تشانانا، كبير استراتيجيي الاستثمار في «ساكسو بنك» بسنغافورة: «من المرجح أن تُرحّب الأسواق بتحول اللهجة من المواجهة إلى التنسيق. ولكن مع عدم وجود اجتماعات أخرى مُجدولة، لم نخرج من المأزق بعد. تعتمد الخطوة التالية على تأييد ترمب وشي للإطار المُقترح وتطبيقهما له. من المهم ألا يُساء فهم هذا التهدئة التكتيكية على أنها تراجع كامل عن الانفصال الاستراتيجي. لا تزال المنافسة الأساسية حول التكنولوجيا وسلاسل التوريد والأمن القومي قائمة إلى حد كبير. يمكن أن تظهر قضايا جديدة دائماً، وسيكون الاختبار الحقيقي هو مدى تطبيق هذه (الصفقة القديمة الجديدة)».


مقالات ذات صلة

المستثمرون يقيمون 3 سيناريوهات وسط تصاعد الصراع الإسرائيلي - الإيراني

الاقتصاد متداولون يتابعون حركة الأسهم في «وول ستريت» (رويترز)

المستثمرون يقيمون 3 سيناريوهات وسط تصاعد الصراع الإسرائيلي - الإيراني

يدرس المستثمرون مجموعة من السيناريوهات المختلفة للأسواق في حال دخلت أميركا في الصراع الإسرائيلي الإيراني، مع احتمال حدوث تداعيات مضاعفة إذا ارتفعت أسعار النفط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار صندوق النقد الدولي يظهر خارج مقرّه الرئيس في واشنطن (رويترز)

صندوق النقد الدولي: أوروبا متماسكة اقتصادياً... لكن التحديات تتفاقم

قال صندوق النقد الدولي إن اقتصادات أوروبا لا تزال تُبدي قدراً كبيراً من التماسك، في ظل تسجيل معدلات بطالة منخفضة بشكل غير مسبوق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)

«وول ستريت» ترتفع مع استئناف التداول

ارتفعت الأسهم الأميركية بشكل ملحوظ مع عودة التداول بعد عطلة يوم «جونتينث». وفي نيويورك، صعد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.4 في المائة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مشهد جوي سابق لميناء حيفا شمال إسرائيل قبل بدء التوترات العسكرية مع إيران (رويترز)

«جيه بي مورغان»: الحرب تخصم ثلث توقعات النمو الإسرائيلي

خفض بنك «جيه بي مورغان» توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي خلال عام 2025، مستشهداً بتداعيات الحرب الأخيرة مع إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مشاركون في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي يمرون أمام شعاره في إحدى قاعات انعقاده بمدينة سان بطرسبرغ الروسية (إ.ب.أ)

روسيا تبحث خصخصة شركات الطاقة والنقل والتمويل

صرّح وزير المالية الروسي بأن شركات مملوكة للدولة من قطاعات الطاقة والنقل والتمويل ستكون من بين الشركات المرشحة للخصخصة.

«الشرق الأوسط» (سان بطرسبرغ)

ازدياد الخصم على النفط الإيراني للصين مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط

ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)
ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)
TT

ازدياد الخصم على النفط الإيراني للصين مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط

ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)
ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)

ذكر متعاملون ومحللون أن بائعي النفط الإيراني إلى الصين يُقدمون هذا الشهر خصماً أكبر، وسط مساعٍ لخفض المخزونات، وفي ظل تقليص شركات التكرير المستقلة الصغيرة عمليات الشراء بسبب قفزة أسعار الخام.

وقال 3 متعاملين، وفقاً لـ«رويترز»، إنه يجري تداول النفط الخام الإيراني الخفيف بخصم يتراوح بين 3.30 و3.50 دولار للبرميل عن سعر خام برنت في بورصة «إنتركونتيننتال» للشحن لشهر يوليو (تموز) المقبل، مقارنة بخصم نحو 2.50 دولار في يونيو (حزيران) الحالي.

والمصافي الصغيرة المستقلة المشتري الرئيسي للخام الإيراني في الصين. وتعاني هذه المصافي من ضغوط في الوقت الراهن بسبب ارتفاع أسعار الخام 10 دولارات للبرميل منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وإيران الأسبوع الماضي.

وأوضح المتعاملون أن مصافي التكرير الصغيرة بمركز التكرير في إقليم شاندونغ تتكبد أكبر خسائرها هذا العام.

وتقدر شركة الاستشارات «سابلايم تشاينا إنفورميشن» متوسط الخسائر، بما يصل إلى 353 يواناً (49.15 دولار) للطن هذا الأسبوع.

وتُشير البيانات إلى أن عمليات التكرير في شاندونغ ظلّت منخفضة عند 51 في المائة من القدرة الإنتاجية حتى 18 يونيو، انخفاضاً من 64 في المائة قبل عام.

وفي الوقت نفسه، تظهر تحليلات شركة «فورتيكسا» أن مخزونات النفط الإيراني، بما في ذلك في مواقع التخزين الصينية وفي الناقلات قرب المواني الصينية وقبالتها بانتظار التفريغ، وفي وحدات التخزين العائمة بالقرب من ماليزيا وسنغافورة، تبلغ 70 مليون برميل.

وتُعادل هذه الكميات شهرين من الطلب على النفط الإيراني من الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني.

وتُشير بيانات شركة «كبلر» لتتبع ناقلات النفط إلى وجود تغيُّر في الكميات يتجاوز 30 مليون برميل هذا العام في المخازن العائمة. وتُقدر كل من «كبلر» و«فورتيكسا» إجمالي النفط الإيراني في المياه، بما في ذلك في وحدات التخزين العائمة، بنحو 120 مليون برميل، وهو أكبر كمية منذ 2023 على أقل تقدير.

وأدَّت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة على 3 من المصافي الصينية المستقلة إلى تقليص عمليات شراء النفط الإيراني من جانب عدد من المصافي متوسطة الحجم، التي تخشى إدراجها على قائمة العقوبات، وفقاً لـ«رويترز».

وقدّر أحد المتعاملين الإمدادات الإيرانية إلى الصين التي جرى استبدال نفط غير خاضع للعقوبات بها، بـ100 ألف برميل يومياً في النصف الأول من عام 2025، وهو قدر بسيط بالنظر إلى أن الإمدادات الإيرانية للصين، التي تتراوح بين 1.4 و1.5 مليون برميل يومياً.

إلى ذلك، ذكرت وزارة الخزانة الأميركية في إشعار على موقعها الإلكتروني، الجمعة، أن إدارة دونالد ترمب أصدرت عقوبات جديدة متعلقة بإيران، شملت كيانين مقرهما في هونغ كونغ، وأخرى متعلقة بمكافحة الإرهاب.

وأفاد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة بأن العقوبات تستهدف ما لا يقل عن 20 كياناً و5 أفراد و3 سفن.

وقال جون إيفانز، المحلل في «بي في إم»: «هناك إمدادات أكثر من كافية على مستوى العالم لعام 2025، ولكن ليس في ظل سيناريو احتجاز 20 مليون (برميل يومياً) في بحار شبه الجزيرة العربية، مهما طال أمد ذلك».

وسبق أن هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة ردّاً على الضغوط الغربية، وأي إغلاق للمضيق قد يُقيد التجارة، ويؤثر على أسعار النفط العالمية.

وقالت شركتان لتتبع السفن لـ«رويترز» يوم الخميس، إن إيران تحافظ على إمدادات النفط الخام من خلال تحميل ناقلات النفط واحدة تلو الأخرى ونقل مخازن النفط العائمة إلى أماكن أقرب إلى الصين، وذلك في إطار سعيها للحفاظ على مصدر دخل رئيسي وسط الصراع الإسرائيلي الإيراني.