تحسّن ثقة الشركات الصغيرة الأميركية في مايو

وسط انفراج تجاري مع الصين وتحديات أجندة ترمب الضريبية

عامل بناء يظهر في أحد المشروعات في سان دييغو بكاليفورنيا (رويترز)
عامل بناء يظهر في أحد المشروعات في سان دييغو بكاليفورنيا (رويترز)
TT

تحسّن ثقة الشركات الصغيرة الأميركية في مايو

عامل بناء يظهر في أحد المشروعات في سان دييغو بكاليفورنيا (رويترز)
عامل بناء يظهر في أحد المشروعات في سان دييغو بكاليفورنيا (رويترز)

سجّلت ثقة الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة تحسّناً خلال شهر مايو (أيار)، على الأرجح، نتيجة انفراج التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، رغم تصاعد حالة عدم اليقين بشأن المستقبل الاقتصادي، وسط مخاوف تتعلّق بمصير أجندة الرئيس دونالد ترمب لخفض الضرائب.

وأعلن الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة، يوم الثلاثاء، أن مؤشر تفاؤل الشركات الصغيرة ارتفع بثلاث نقاط، ليصل إلى 98.8 في مايو، محققاً أول زيادة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفق «رويترز».

وجاء هذا التحسّن في أعقاب هدنة تجارية أدت إلى خفض الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب على السلع الصينية من 145 في المائة إلى 30 في المائة حتى أوائل أغسطس (آب). ويبدو أن هذا التراجع في الرسوم منح أصحاب الشركات الصغيرة بارقة أمل بارتفاع في المبيعات، وهو ما أسهم بشكل أساسي في ارتفاع المؤشر. ومع ذلك، ارتفع مؤشر عدم اليقين في الاستطلاع بنقطتَيْن ليصل إلى 94.

وقال كبير الاقتصاديين في الاتحاد، بيل دانكلبيرغ: «لم يُقرّ الكونغرس بعد مشروع القانون الكبير والجميل، وترمب لا يزال يسعى لفرض رسوم جمركية إضافية، في وقت يتصاعد فيه منسوب الغموض».

وأضاف: «رغم أن الرسوم الجمركية تشكّل مساراً وعراً في أثناء المفاوضات التجارية، فإن بإمكان الكونغرس أن يخفّف من حالة الضبابية عبر إقرار قانون الأعمال المقترح في أقرب وقت ممكن».

وكان مشروع القانون الذي وصفه ترمب بـ«الجميل الكبير»، قد اجتاز بصعوبة مجلس النواب خلال الشهر الماضي، لكنه يواجه معارضة شديدة من الجناح المحافظ داخل مجلس الشيوخ، حيث تتركز المخاوف حول تأثيره المحتمل في تضخيم الدين العام الضخم بالفعل. ويُعد هذا القانون نقطة خلاف محورية بين ترمب ورجل الأعمال التكنولوجي الملياردير إيلون ماسك.

وقد ارتفعت نسبة الشركات الصغيرة التي تتوقع زيادة في المبيعات المعدلة حسب التضخم بمقدار 11 نقطة مئوية لتصل إلى 10 في المائة، وهي الزيادة التي شكّلت الدافع الرئيسي وراء ارتفاع مؤشر التفاؤل.

كما ارتفعت نسبة الشركات التي تتوقع تحسّناً في ظروف العمل، رغم أن عدد الشركات التي صنّفت الضرائب بصفتها أهم تحدٍ تواجهه قد ازداد أيضاً.

وسجّل عدد الشركات التي ترى أن مخزونها الحالي «منخفض للغاية»، أعلى مستوى له منذ أغسطس 2022، وهو ما يشير -إلى جانب تمدد أوقات تسليم المدخلات إلى المصانع- إلى احتمال حدوث نقص في بعض السلع وارتفاع في الأسعار.

كما أكد الاستطلاع تباطؤاً ملحوظاً في سوق العمل، فقد انخفضت نسبة أصحاب الأعمال الذين يرون جودة العمالة بصفتها أكبر تحدٍّ لأعمالهم، لتقترب من المستويات المسجّلة آخر مرة في ربيع 2020. كذلك، بلغت نسبة الشركات التي أبلغت عن زيادة في التعويضات أدنى مستوى لها منذ أوائل عام 2021.

واختتم دانكلبيرغ بالقول: «بصورة عامة، سيظل الاقتصاد يتعثر حتى يتم التوصل إلى حلول لأهم مسببات حالة عدم اليقين. من الصعب توجيه الدفة وسط هذا الضباب».


مقالات ذات صلة

ريفز تدعو المستثمرين الأجانب إلى اعتبار بريطانيا «واحة استقرار»

الاقتصاد راشيل ريفز تغادر مقر 11 داونينغ ستريت في لندن 11 يونيو 2025 (أ ب)

ريفز تدعو المستثمرين الأجانب إلى اعتبار بريطانيا «واحة استقرار»

دعت وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز المستثمرين الأجانب إلى اعتبار بريطانيا «واحة استقرار» وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية العالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد أشخاص يسيرون خارج مبنى «إكستشينج سكوير» في منطقة سنترال بهونغ كونغ (رويترز)

صناديق التحوّط تُعزز رهاناتها على آسيا بأعلى نشاط تداول في 5 سنوات

كشفت مذكرة صادرة عن «غولدمان ساكس» أن صناديق التحوّط العالمية شهدت أكبر قفزة في أحجام التداول في الأسواق الآسيوية خلال الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد أبراج سكنية على طريق رئيسي في وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

أوروبا ترفض الحوار الاقتصادي مع الصين

ذكرت مصادر أن الاتحاد الأوروبي رفض عقد اجتماع اقتصادي رئيسي مع بكين قبل قمة القادة الشهر المقبل، وذلك نظراً لعدم إحراز تقدم في النزاعات التجارية بينهما

«الشرق الأوسط» (بروكسل-بكين)
الاقتصاد باحثون يحضرون مواد دوائية في مختبر بجامعة نانجينغ الصينية (رويترز)

شركات الأدوية الأميركية تتسابق إلى الصين لاقتناص أدوية واعدة

ترخص شركات الأدوية الأميركية منتجات من الصين لإنتاج أدوية جديدة محتملة بوتيرة متسارعة

«الشرق الأوسط» (واشنطن - بكين)
الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يمين) ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا (يسار) وبينهما رئيس الوزراء الكندي مارك كارني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في اجتماع «مجموعة السبع» في كندا (إ.ب.أ)

مباحثات اليابان وأميركا التجارية تنتهي دون اتفاق

اتفق رئيس الوزراء الياباني والرئيس الأميركي على المضي قدماً في محادثات التجارة، لكنهما لم يُحققا اختراقاً في ملف الرسوم الجمركية التي تُهدد الاقتصاد الياباني.

«الشرق الأوسط» (عواصم)

الاقتصاد العالمي أمام «صدمة ثالثة» هذا العام... فهل يحتمل؟

‏رجال الإطفاء يحاولون إخماد حريق في حافلة عقب هجوم صاروخي من ‏‏إيران‏‏ على إسرائيل (رويترز)
‏رجال الإطفاء يحاولون إخماد حريق في حافلة عقب هجوم صاروخي من ‏‏إيران‏‏ على إسرائيل (رويترز)
TT

الاقتصاد العالمي أمام «صدمة ثالثة» هذا العام... فهل يحتمل؟

‏رجال الإطفاء يحاولون إخماد حريق في حافلة عقب هجوم صاروخي من ‏‏إيران‏‏ على إسرائيل (رويترز)
‏رجال الإطفاء يحاولون إخماد حريق في حافلة عقب هجوم صاروخي من ‏‏إيران‏‏ على إسرائيل (رويترز)

بينما تتسارع وتيرة الحرب بين إسرائيل وإيران، تقف أسواق الطاقة عند مفترق طرق، حيث تتحول الصراعات العسكرية إلى اختبارات قاسية لاستقرار الإمدادات النفطية، في ظل تنامي المخاوف من نقص قد يلهب أسعار النفط ويقلب مشهد الاقتصاد العالمي رأساً على عقب.

وفي خضم هذه التوترات الجيوسياسية، تبدو المخاطر أكثر تعقيداً من مجرد ارتفاع مؤقت للأسعار، إذ تتداخل تداعياتها مع ضعف الاقتصاد العالمي، واحتمالات حدوث أزمة تضخم تقيد تحركات البنوك المركزية... وكل الأنظار الآن تتجه إلى مضيق هرمز، نقطة الضغط في معادلة الطاقة العالمية.

هذه المخاوف التي تم استعراضها في ندوة نظمتها وحدة الأبحاث «بي إم آي»، التابعة لمجموعة «فيتش سوليوشنز»، تطرح تساؤلات ملحة حول مستقبل الأسعار، ومدى قدرة الأسواق على امتصاص الصدمات المتلاحقة، لا سيما أن الصراع الحالي يمكن توصيفه بأنه ثالث أزمة خلال ستة أشهر فقط. خلال الندوة التي شاركت فيها «الشرق الأوسط»، أوضحت المديرة المساعدة لأبحاث النفط والغاز لدى الوحدة، إيما ريتشاردز، أن أسعار خام برنت سجلت قفزات قوية فور بدء الهجمات، مسجلةً زيادة بلغت نحو 13 في المائة خلال تداولات الجمعة، لكنها تراجعت لاحقاً لتستقر عند زيادة بنحو 6 في المائة مقارنةً بمستويات ما قبل الضربة. وأرجعت الاستقرار إلى أن الهجمات كانت مصممة لإحداث اضطراب في سوق الطاقة المحلية الإيرانية دون تعطيل الأسواق الدولية.

وأشارت إلى أن الأسواق باتت معتادة على هذا النوع من الهجمات التي لم تكن تؤثر بشكل كبير على الأسعار. لكنها لفتت إلى أنها قد تكون مدمرة لإيران، خصوصاً فيما يتعلق بالبنية التحتية للغاز الطبيعي، نظراً لاعتماد الدولة بشكل كبير على الغاز في مزيج الطاقة المحلي، وسط نقص الاحتياطيات الاستراتيجية لديها.

ورغم هذا التأثير، أوضحت أن الضرر سيبقى محصوراً داخل إيران، مع احتمال تأثير محدود على أسواق مثل العراق وتركيا، وأن الأضرار التي لحقت بمنشآت تخزين النفط وتكريره تستهدف السوق المحلية الإيرانية وليس التصدير، مما يُبقي الأسواق العالمية بمنأى عن تداعيات كبيرة.

سيناريو أسعار النفط

وبيّنت أن السوق تفترض أن إسرائيل ستواصل هذه الاستراتيجية بتجنب استهداف منشآت إنتاج وتصدير النفط، وأن هذه الهجمات لم تكن كافية لدفع إيران إلى اتخاذ خطوة بوقف التجارة عبر مضيق هرمز.

وعن توقعات الأسعار، أكدت ريتشاردز أن السيناريو الأساسي لا يُظهر تأثيراً كبيراً مقارنةً بالتوقعات السنوية الأصلية لخام برنت، مرجحةً استمرار هذا النوع من الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل على المدى القريب، مما يُبقي الأسعار مرتفعة قليلاً ضمن نطاق يتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل خلال الأسابيع المقبلة، دون إحداث اضطراب مادي في الإنتاج أو الصادرات الإقليمية. وقد يحدث بعض الاضطرابات البسيطة، لكنها لن تكون مؤثرة بشكل كبير على الأسعار. وفي حال تراجع التصعيد، من المتوقع عودة الأسعار إلى نطاق 60 إلى 70 دولاراً للبرميل.

وذكرت أن الخطر الأكبر يكمن في احتمالية التصعيد العسكري الذي قد يؤدي إلى صراع أوسع، مما قد يدفع الأسعار إلى نطاق بين 100 و150 دولاراً للبرميل، رغم أن هذا النطاق يعتمد على كيفية تطور النزاع. وأكدت أن الأزمة قد تؤثر حتى في ظل السيناريو الأساسي من خلال خفض التجارة مع إيران بسبب المخاطر، أو التأثير على تدفقات التجارة إذا حاولت إيران مضايقة ناقلات النفط في مضيق هرمز، وفي حال تطور الصراع إلى هجمات على منشآت الإنتاج والتصدير أو فرض حصار كامل على المضيق، فإن الأسعار ستتجه نحو مستويات ثلاثية الأرقام.

تعويض الخسائر

وأشارت إلى أن نحو 25 إلى 30 في المائة من تجارة النفط البحرية تمر عبر مضيق هرمز سنوياً، وأن إغلاقه سيحرم الأسواق من أكثر من 15 مليون برميل يومياً، وهو ما يعادل خسائر الطلب خلال ذروة جائحة كورونا. وأكدت أن البدائل محدودة، إذ لا يمكن نقل إلا 3 إلى 4 ملايين برميل يومياً عبر أنابيب السعودية والإمارات.

وأضافت أن بعض الدول قد تضطر للسحب من احتياطاتها الاستراتيجية سريعاً، في ظل غياب طاقة فائضة كافية لتعويض الخسائر، مشيرةً إلى أن إنتاج النفط الصخري الأميركي لن يغطي الفجوة في المدى القريب، وأن فرض حصار على المضيق سيؤدي إلى انهيار سريع في السوق.

«صدمة ثالثة»

من جهته، حذَّر كبير الاقتصاديين في «بي إم آي»، سيدريك شهاب، من أن التوترات الحالية تمثل «الصدمة الثالثة» للاقتصاد العالمي خلال ستة أشهر، بعد صدمات الرسوم الجمركية وتقلبات الأسواق المالية، معتبراً أن الأزمة قد تتحول إلى «صدمة طاقة» تضرب اقتصادات التصنيع وتزيد معدلات التضخم عالمياً.

وأوضح أن خطورة الأزمة تتضاعف بسبب دخول الاقتصاد العالمي هذه المرحلة من موقع ضعف، مع تراجع مؤشرات مديري المشتريات في عدة أسواق رئيسية إلى ما دون 50 نقطة، وهو ما يعكس انكماش الأنشطة الاقتصادية قبل التصعيد الأخير. وأشار إلى أن تأثير صدمة أسعار النفط على التضخم والنمو يعتمد على استمرار الاضطرابات.

وحسب تقديرات «بي إم آي»، فإن كل ارتفاع بنسبة 10 في المائة في أسعار النفط يضيف ما بين 0.3 و0.4 نقطة مئوية إلى معدلات التضخم، بينما يؤدي وصول الأسعار إلى 120 دولاراً، إلى إضافة 1.2 نقطة مئوية، مع خفض النمو العالمي بنحو 0.2 نقطة مئوية.

وفي حال بلوغ الأسعار 150 دولاراً للبرميل، توقع شهاب تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى أقل من 2 في المائة، مع ارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 5 في المائة، واصفاً ذلك بأنه سيكون «كارثياً للاقتصاد العالمي».

أسعار النفط والرسوم الجمركية

وأشار إلى أن المخاطر قد تكون أكبر بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي مقارنةً بغيره، لأن الولايات المتحدة تواجه صدمة تضخمية مزدوجة من ارتفاع أسعار النفط والرسوم الجمركية، مما يهدد بتقييد قدرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة.

وحذر شهاب من أن الدول ذات العجز المزدوج ستكون الأكثر تعرضاً للمخاطر، خصوصاً في الأسواق الناشئة التي تعتمد على استيراد الطاقة، مشيراً إلى أن آسيا تضم عدداً كبيراً من هذه الدول، إلى جانب اقتصادات أخرى مثل باكستان وسريلانكا وجامايكا.

أما بالنسبة إلى السياسة النقدية الأميركية، فرأى أن الأسواق لا تزال تتوقع خفضين للفائدة هذا العام، لكنه شدد على أن الخيارات أمام «الفيدرالي» أصبحت أكثر تعقيداً في ظل التوتر بين عوامل التضخم والنمو. وختم بالقول إنه في حال ضعف الدولار فإن ذلك يتطلب ارتفاع اليورو والين، وهو أمر صعب بسبب تباطؤ اقتصادات أوروبا وآسيا، لافتاً إلى أن «الأساسيات الاقتصادية» تظل هي العامل الحاسم في تحديد اتجاه العملات.