أعربت الحكومة البريطانية، يوم الاثنين، عن ثقتها بقدرتها على تأمين ما يكفي من المواد الخام لضمان استمرارية عمل الأفران العالية في آخر مصنع لصناعة الصلب الخام «البِكر» في البلاد، وذلك بعد أن تولّت السيطرة التشغيلية على المصنع من مالكيه الصينيين.
وأوضحت الحكومة أن مجموعة «جينغيه» الصينية (Jingye Group)، المالكة لشركة «بريتيش ستيل» (British Steel)، كانت قد قرّرت إغلاق الأفران في مصنع «سكَنثورب» بعد رفضها عرضاً حكومياً لتوفير تمويل، مما كان سيجبر بريطانيا على الاعتماد على استيراد الصلب من الخارج، وفق «رويترز».
وفي خطوة غير مسبوقة، استدعت الحكومة البرلمان للانعقاد يوم السبت الماضي، في أول استدعاء من هذا النوع منذ حرب فوكلاند عام 1982، بهدف منح نفسها صلاحيات مباشرة لإدارة مجلس إدارة الشركة وطاقم العمل، وطلب المواد الخام من الموردين المحليين، في وقت كانت تشعر فيه الحكومة بالقلق إزاء توقف عمليات المصنع بعد أن توقفت مجموعة «جينغيه» عن طلب شحنات خام الحديد وفحم الكوك الضرورية لتشغيل الأفران.
ويحذّر الخبراء من أن إيقاف الأفران العالية يُعد أمراً صعباً من الناحية التشغيلية، ويكلّف الكثير لإعادة تشغيلها، مما يُهدّد بفقدان بريطانيا قدرتها على إنتاج الصلب الخام عالي الجودة، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى تحفيز النمو الاقتصادي.
وبحلول صباح الاثنين، تم تعيين مدير تنفيذي ومدير تجاري مؤقتَيْن، وهما من الموظفين المخضرمين في المصنع. كما أعلنت الحكومة أنها تأكدت من توفر المواد الخام داخل المملكة المتحدة. وقال وزير الخزانة جيمس موراي: «علينا الآن ضمان إيصال هذه المواد الخام إلى الأفران العالية».
وأضافت الحكومة أن عدداً من الشركات، من بينها «تاتا» الهندية، وموزع الصلب المحلي «رينهام ستيل»، قد عرضت دعمها الإداري وتوفير المواد الخام.
ويُهدّد هذا النزاع بتفاقم التوتر في العلاقات بين لندن وبكين، وهي علاقات كانت حكومة حزب العمال بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر تسعى لتحسينها، في وقت تتطلّع فيه الدول حول العالم لتعزيز التعاون التجاري بعد صدمة الرسوم الجمركية الأميركية.
وقال موراي: «الحقائق على الأرض واضحة؛ لو لم نتخذ الإجراءات يوم السبت، لكانت الأفران قد أُغلقت بالفعل»، مشيراً إلى أن إنتاج الصلب يُعدّ «مسألة أمن قومي».
يُذكر أن الأفران في مدينة «سكَنثورب» (شمال شرقي إنجلترا) بحاجة إلى تشغيل مستمر، وهي تتكبد خسائر تصل إلى 700 ألف جنيه إسترليني (922 ألف دولار) يومياً. ويُستخدم إنتاج المصنع في شبكات السكك الحديدية، وقطاع البناء، وصناعة السيارات. ودون هذه المنشأة، ستُصبح بريطانيا معتمدة على الواردات في ظل اضطرابات تجارية وجيوسياسية عالمية.
وقد دفعت هذه الخطوة التي تؤثر في 3 آلاف و500 موظف بشكل مباشر وآلاف آخرين عبر سلسلة التوريد، وزير الأعمال البريطاني جوناثان رينولدز، إلى التصريح يوم الأحد بأن الصين «لم تعد موضع ترحيب في قطاع الصلب البريطاني».
تعيين قيادة جديدة مؤقتة
وفي بيان رسمي، قالت شركة «بريتيش ستيل» إن الحكومة البريطانية عيّنت فريقاً إدارياً جديداً بهدف ضمان «قيادة مهنية ومستقرة» لموقع «سكَنثورب». وشملت التعيينات كلًا من آلان بيل مديراً تنفيذياً مؤقتاً، وليزا كولسون مديرة تجارية مؤقتة، وهما من الموظفين المخضرمين في الشركة. وقد تم اعتماد التعيين من قِبل وزير الأعمال البريطاني جوناثان رينولدز.
وقال آلان بيل الذي عمل في المصنع لمدة 14 عاماً: «أولويتنا العاجلة هي تأمين المواد الخام التي نحتاج إليها لاستمرار تشغيل الأفران العالية، وضمان وجود الطاقم المؤهل لتشغيلها، مع الحفاظ على أعلى معايير الصحة والسلامة للموظفين».
وكانت الشركة تعاني بالفعل من تخمة المعروض في السوق العالمية قبل أن تتفاقم التكاليف بسبب ارتفاع أسعار الطاقة في السنوات الأخيرة. وجاءت الرسوم الجمركية الأميركية، البالغة 25 في المائة، على واردات الصلب -التي بدأ تنفيذها في مارس (آذار)- لتزيد من الضغوط.
ورحّب اتحاد العمال «كوميونيتي»، الذي يمثّل العاملين بالمصنع، بتدخل الحكومة، وكذلك فعلت الهيئة الصناعية «يو كيه ستيل».
جدير بالذكر أن إغلاق الأفران سيجعل من بريطانيا الدولة الوحيدة بين دول مجموعة السبع غير القادرة على إنتاج الصلب الخام مباشرة من خام الحديد وفحم الكوك والمواد الأولية الأخرى، وهو ما دفع الحكومة إلى القول إن «تأميم المصنع أصبح خياراً مطروحاً بجدية».
من جانبها، حذّرت الصين الحكومة البريطانية من ضرورة معاملة المالكين الصينيين لشركة «بريتيش ستيل» بعدالة، وإلا فإنها تجازف بتقويض ثقة المستثمرين في البلاد، وفق «وكالة أسوشييتد برس».
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي في بكين: «نأمل أن تعامل الحكومة البريطانية الشركات الصينية المستثمرة والعاملة في المملكة المتحدة بعدالة وإنصاف، وتحمي حقوقها ومصالحها المشروعة، وتتجنّب تسييس أو تضخيم القضايا الاقتصادية والتجارية بدوافع أمنية، حتى لا تتأثر ثقة الشركات الصينية في الاستثمار والتعاون داخل بريطانيا».
يُشار إلى أن معظم شركات الصلب البريطانية الأخرى بدأت بالفعل الانتقال نحو الأفران الكهربائية التي تعتمد على خردة المعادن في صناعة الصلب، ما يجعل منشأة «سكَنثورب» آخر معقل لصناعة الصلب الخام في بريطانيا.