بداية متحفظة لترمب تثير التفاؤل الاقتصادي العالمي

توقعات بخفض أسعار الفائدة في البنوك المركزية الكبرى وسط انحسار التضخم

شاشة «إل سي دي» تعرض صورة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في برلين (وكالة حماية البيئة)
شاشة «إل سي دي» تعرض صورة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في برلين (وكالة حماية البيئة)
TT
20

بداية متحفظة لترمب تثير التفاؤل الاقتصادي العالمي

شاشة «إل سي دي» تعرض صورة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في برلين (وكالة حماية البيئة)
شاشة «إل سي دي» تعرض صورة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في برلين (وكالة حماية البيئة)

كان صناع السياسات الاقتصادية العالمية يستعدون لعاصفة اقتصادية قادمة من الإدارة الأميركية الجديدة، ولكنهم فوجئوا ببداية متحفظة بشكل مفاجئ من دونالد ترمب الذي رغم تصريحاته الكثيرة لا يزال يظهر حذراً في اتخاذ الإجراءات، على الأقل في الوقت الراهن.

ومنذ بداية ولايته، ألمح ترمب إلى فرض حواجز تجارية شاملة، إلا أنه بدلاً من ذلك ركز في الأسبوع الأول من منصبه على أجندته المحلية، مع عدم حدوث تغييرات كبيرة في المشهد التجاري العالمي. وقد أثار التهديد بفرض تعريفات جمركية شاملة، والذي كان جزءاً أساسياً من وعوده الانتخابية، مخاوف من عودة التضخم، وفق «رويترز».

ورغم تحذيره من احتمال فرض ضريبة بنسبة 25 في المائة على الواردات من كندا والمكسيك اعتباراً من الأول من فبراير (شباط)، فإن ضبط النفس الذي أبداه حتى الآن سمح بظهور ثقة حذرة في التوقعات الاقتصادية العالمية. ومن المتوقع أن يقوم كل من البنك المركزي الأوروبي، وبنك كندا، وبنك إنجلترا، بتخفيض أسعار الفائدة في الأيام والأسابيع القادمة، في رهان من صناع السياسات على أن التضخم سيستمر في التباطؤ.

وفي الوقت ذاته، من المتوقع أن يخفف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بشكل أكبر يوم الأربعاء، بحجة أن التضخم ربما يتباطأ مع استمرار ارتفاع حرارة الاقتصاد وتهديدات التعريفات الجمركية. ومن المرجح أن يثير ذلك استياء ترمب الذي يضغط بالفعل على البنك لتخفيض تكاليف الاقتراض.

وبعد تهديد الصين بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60 في المائة، قال ترمب إنه قد يعقد صفقة مع بكين بعد محادثة وصفها بنبرة متوهجة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ. وعن الاتصال المبكر أوضح ترمب: «كانت محادثة جيدة وودية»، مشيراً إلى أنه يفضل عدم الحاجة إلى استخدام التعريفات الجمركية ضد الصين. وفي هذا السياق، قال مسؤول في وزارة التجارة الصينية إن بكين مستعدة للعمل مع واشنطن من أجل الحفاظ على علاقات تجارية مستقرة.

وقد عززت هذه التصريحات من رهانات السوق على استمرار انخفاض التضخم، مما منح البنوك المركزية حول العالم مجالاً لخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر، ومنح الأسواق بعض الاستقرار بعد أكبر ارتفاع في الأسعار منذ أجيال.

وشعرت الأسواق بالراحة؛ إذ ارتفعت الأسهم، وانخفضت أسعار النفط، وتعززت التوقعات بخفض أسعار الفائدة. كما تراجعت بعض المكاسب الاستثنائية التي حققها الدولار بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني).

ومضى بنك اليابان قدماً في رفع أسعار الفائدة الذي تم الإعلان عنه بشكل جيد يوم الجمعة، في حين خففت سنغافورة سياستها كما كان متوقعاً. أما في السويد، فقد ظل خفض أسعار الفائدة يوم الأربعاء محسوباً بالكامل، مما يشير إلى أن الأسبوع الأول لترمب لم يشهد تغييرات كبيرة في مسارات أسعار الفائدة المستقبلية.

وقال بول جرونوالد، كبير خبراء الاقتصاد العالمي في «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيفات الائتمانية: «لم يتم أخذ التصريحات، بما في ذلك خطاب التنصيب، على محمل الجد». وأضاف: «فُسرت هذه التصريحات على أنها مزيج من نيات السياسة وتكتيكات التفاوض والخطاب السياسي»، مشيراً إلى أن التقلبات المحتملة وعدم اليقين حول إدارة ترمب قد «تم استيعابها» من قبل المستثمرين.

أجزاء متحركة كثيرة

وبينما يعتقد الكثيرون أن هذه الراحة قد تكون مؤقتة، أشار بعض القادة إلى تحول نبرة ترمب تجاه الصين باعتبارها نقطة تحول مهمة. وقال ثارمان شانموغاراتنام، رئيس سنغافورة، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: «لقد أوحى ذلك برغبة في فهم جديد ورغبة في تجنب التفكك المستمر لعلاقة لا تزال مهمة للغاية للاقتصاد العالمي».

ومع ذلك، فإن هذا النوع من عدم اليقين هو ما يجعل صناع السياسات يتعاملون بحذر. وكان بعض المحللين يتوقعون أن يخفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة أو يضخ السيولة هذا الشهر، ولكن حتى الآن ظل البنك متحفظاً، وأبدى قلقاً بشأن انخفاض قيمة اليوان مؤخراً، وهو أمر قد يتسارع إذا تصاعدت التوترات التجارية.

وفي حين أنه لا يُتوقع أن تتحول البنوك المركزية الأخرى في الأسواق الناشئة إلى سياسات متشددة - باستثناء البرازيل التي استأنفت دورة رفع أسعار الفائدة - فإن التقلبات الناجمة عن تصريحات ترمب والمخاطر المرتبطة بالتضخم ما تزال تحد من المجال أمامها لتخفيض أسعار الفائدة.

وقال محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جنوب أفريقيا، ليسيتيا كجانياجو، لـ«رويترز» في «دافوس»، إن هناك «أجزاء متحركة كثيرة» بحيث لا يوجد رؤية واضحة للضغوط السعرية في الوقت الحالي.

ويعد اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع هو محور الاهتمام المباشر.

ومن المفارقات أن السبب الرئيسي وراء انخفاض التضخم في الولايات المتحدة ببطء هو أن الاقتصاد يثبت أنه أكثر قوة مما كان يعتقده الجميع، وهو ما ينبغي أن يكون نعمة لترمب. وقال داريو بيركنز من «تي إس لومبارد»: «لقد كان الهبوط ناعماً في الأساس».

وأضاف: «لقد عاد التضخم إلى المستويات التي يريدونها، وعادت سوق العمل إلى التوازن الكامل، ولم تعد هناك اختلالات مالية أساسية؛ لذا يجب علينا ألا ندمر ذلك».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يرفض اتفاقاً مع واشنطن حول المعادن الأوكرانية

العالم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي يرفض اتفاقاً مع واشنطن حول المعادن الأوكرانية

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إنه رفض توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة حول المعادن الأوكرانية معتبراً أنه «لا يحمي» بلاده في صيغته الحالية.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية فلسطينيون يرحبون بأسرى محررين في خان يونس السبت (أ.ف.ب)

«حماس» وإسرائيل تُنجحان التبادل السادس وتتبادلان رسائل التحدي

أنجحت «حماس» وإسرائيل السبت، الدفعة السادسة من تبادل الأسرى، وتجنبتا بذلك انهيار المرحلة الأولى من الهدنة.

كفاح زبون (رام الله) «الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا مئات البيض في جنوب أفريقيا يحتشدون عند السفارة الأميركية في بريتوريا (إ.ب.أ)

مئات البيض في جنوب أفريقيا يحتشدون دعماً لترمب ويؤكدون تعرضهم للعنصرية

أعرب مئات البيض في جنوب أفريقيا عن دعمهم للرئيس الأميركي، السبت، واحتشدوا عند السفارة الأميركية في بريتوريا، وزعموا أنهم ضحايا العنصرية من جانب الحكومة.

«الشرق الأوسط» (بريتوريا)
الاقتصاد حافلات تمر أمام مبنى بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

20 مليار دولار خسائر محتملة لبريطانيا من «رسوم ترمب» الجمركية

يواجه الاقتصاد البريطاني خسائر محتملة قد تصل إلى 20 مليار دولار، على مدى العامين المقبلين، جراء رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمركية الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ صورة جنائية لترمب بإطار فاخر قرب المكتب البيضاوي تثير الجدل: فن أم رسالة سياسية؟

صورة جنائية لترمب بإطار فاخر قرب المكتب البيضاوي تثير الجدل: فن أم رسالة سياسية؟

أثارت صورة جنائية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، مُعلقة بإطار ذهبي فاخر بالقرب من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ضجةً واسعةً على منصات التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

شركات التكنولوجيا الكبرى في أميركا قد تفقد بريقها

شعارات «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك» و«أبل» و«نتفليكس» تظهر على شاشة في صورة توضيحية (رويترز)
شعارات «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك» و«أبل» و«نتفليكس» تظهر على شاشة في صورة توضيحية (رويترز)
TT
20

شركات التكنولوجيا الكبرى في أميركا قد تفقد بريقها

شعارات «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك» و«أبل» و«نتفليكس» تظهر على شاشة في صورة توضيحية (رويترز)
شعارات «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك» و«أبل» و«نتفليكس» تظهر على شاشة في صورة توضيحية (رويترز)

لا تزال مخاوف المستثمرين بشأن الرسوم الجمركية وإنفاق شركات التكنولوجيا، تهيمن على اهتمامات الأسواق. وعلى هذه الخلفية، تم تداول مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» الأميركي، في نطاق ضيق نسبياً، وعاد حالياً إلى ما كان عليه في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بينما تستمر التقلبات في الضغط على سوق السندات.

ويرى محللو بنك «مورغان ستانلي»، أنه قد يستنتج العديد من المستثمرين، الذين ربما تشتت انتباههم بسبب سيل الأخبار القادمة من واشنطن، أن هذا مجرد ركود موسمي آخر في الربع الأول من العام الحالي. ولكن تحت السطح، ترى لجنة الاستثمار الدولية في «مورغان ستانلي» تحولاً مستمراً، حيث من المرجح أن تستمر أسهم التكنولوجيا الضخمة «Magnificent 7» المهيمنة منذ فترة طويلة في فقدان شعبيتها مع قيام المستثمرين بنقل الأموال نحو الأسهم «الدورية» الحساسة للنمو الاقتصادي.

ويأتي هذا التحول مع اكتساب مجموعة متنوعة من الأسهم داخل مؤشر «ستاندرد أند بورز 500»، حتى مع كفاح أسهم التكنولوجيا الضخمة، التي دعمت الكثير من التقدم الأخير للمؤشر وتمثل حصة كبيرة من قيمته الإجمالية، مؤخراً.

ووفقاً للجنة الاستثمار الدولية في «مورغان ستانلي»، فإن هناك ثلاثة تطورات تدعم استمرار «التناوب» في قيادة سوق الأسهم الأميركية، أولها أن بعض القطاعات بدأت تظهر آثاراً متأخرة لتيسير السياسة النقدية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان قد خفض سعر الفائدة القياسي بنحو 1 في المائة خلال الربع الرابع من عام 2024. وذلك قبل التوقف عن المزيد من التخفيضات المحتملة خلال العام الحالي. والآن، وقد بدأت هذه الخطوة في تحفيز الاقتصاد الأميركي، الذي يسير في «هبوط ناعم» من النمو الأبطأ ولكنه ثابت، وتجميد التضخم.

على سبيل المثال، عادت مؤشرات التصنيع التابعة لمعهد إدارة التوريد إلى التوسع في يناير (كانون الثاني)، مدفوعة بزيادة في الطلبات الجديدة، بعد فترة طويلة في منطقة الانكماش. كما بدا أن التوظيف في التصنيع قد انتعش، في حين أشار استطلاع لآراء مسؤولي القروض إلى زيادة قوية في توفر الإقراض المصرفي. حسبما ذكرت لجنة الاستثمار في «مورغان ستانلي».

التطور الثاني هنا هو تباطؤ نمو أرباح الشركات الكبرى، يقول البنك الأميركي في مذكرة: «بشكل عام، من المتوقع أن تسجل شركات مؤشر ستاندرد أند بورز 500 زيادة في الأرباح بنسبة 8.5 في المائة على أساس سنوي لعام 2024. ومع ذلك، تحت السطح، تتفوق أكبر 100 شركة في المؤشر على توقعات وول ستريت بمعدلات أقل بكثير من 400 شركة أخرى».

علاوة على ذلك، «تتداول هذه الشركات الأكبر بانخفاض 50 نقطة أساس، في المتوسط ... قلق المستثمرين ملموس بشكل خاص حول الشركات السبع الكبيرة، التي من المتوقع أن يتباطأ نمو أرباحها هذا العام مع اكتساب الربحية زخماً لبقية شركات المؤشر. تشير التوقعات لعام 2025 الآن إلى أرباح لمؤشر ستاندرد أند بورز 500 تبلغ 274 دولاراً للسهم، بانخفاض عن التقديرات السابقة البالغة 282 دولاراً».

أما التطور الثالث، فكان من نصيب أسهم التكنولوجيا الكبرى التي تكافح بينما تتقدم القطاعات وفئات الأصول الأخرى.

جاء في المذكرة: «لنتأمل هنا قطاع التكنولوجيا الذي يتميز عادة بأداء عالٍ في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 والذي تأخر عن المؤشر الأوسع نطاقاً في يناير بأوسع هامش منذ عام 2016. وقد تم تداول أربعة من الشركات السبعة الكبرى مؤخراً بأقل من متوسطاتها المتحركة على مدار 50 يوماً، وهي إشارة هبوطية أخرى للمتداولين».

أضافت: «علاوة على ذلك، تعمل صناديق التحوط بشكل متزايد على تقليص المخاطر الإجمالية لهذه الأنواع من الأسهم لأول مرة منذ عام، في حين يبيع بعض المستثمرين المطلعين على نتائج الشركات، الأسهم بأعلى معدل منذ عام 2021، مما يثير تساؤلات حول قدرة الشركات على تحقيق أهداف الأرباح وتبرير تقييماتها المرتفعة».

ودعا البنك الأميركي المستثمرين، إلى تفحص الاستثمارات التي تقود الأسواق حالياً، مثل «الشركات المالية والرعاية الصحية، فضلاً عن الأسهم الموجهة نحو النمو ذات القيمة السوقية المتوسطة، والأسهم الأوروبية والذهب».

اعتبارات المحفظة

تعتقد لجنة الاستثمار الدولية بـ«مورغان ستانلي» أنه في ظل هذه التطورات، يجب أن يفكر المستثمرون في إضافة الأسهم الدورية مثل الشركات المالية والطاقة والشركات المصنعة المحلية وخدمات المستهلك.

وذكرت أيضاً التنويع عبر منتجات الائتمان والفوارق، وخاصة الأوراق المالية المدعومة بالأصول، والأصول الحقيقية، واستراتيجيات صناديق التحوط المختارة، والأوراق المالية المفضلة وديون الأسواق الناشئة.