«الفيدرالي» يواجه ضغوطاً من سياسات ترمب في اجتماعه الأسبوع المقبل

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» يواجه ضغوطاً من سياسات ترمب في اجتماعه الأسبوع المقبل

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

من المتوقع أن يحافظ صانعو السياسات في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع المقبل، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تعامل البنك المركزي مع التحركات المبكرة التي قام بها الرئيس دونالد ترمب، والتي من المرجح أن تترك تأثيرات كبيرة على الاقتصاد في العام الحالي، بما في ذلك مطالبه المستمرة بخفض تكاليف الاقتراض.

وقد بدأ ترمب في تعقيد مهمة «الفيدرالي» من خلال سياساته للحد من الهجرة، وزيادة الضرائب على الواردات، وفي يوم الخميس، أبلغ قادة الأعمال العالميين في منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس أنه سيطلب من «الفيدرالي» خفض أسعار الفائدة، قائلاً: «سأطالب بخفض أسعار الفائدة فوراً، كما يجب أن تنخفض في جميع أنحاء العالم». هذا النوع من الضغط الذي مارسه ترمب خلال فترته الرئاسية الأولى لم يكن له تأثير كبير، ولكن يبدو أنه يواصل تطبيقه بشكل ملحوظ، وفق «رويترز».

وفي الأيام الأولى من ولايته الجديدة، شدد ترمب قواعد الهجرة، ما أدى إلى زيادة متوقعة في عمليات الترحيل، كما هدد بزيادة الضرائب على الواردات بداية من 1 فبراير (شباط)، في خطوة تعد بداية لسلسلة من الإجراءات التي قد تؤثر في مسار الاقتصاد بطرق غير واضحة تماماً حتى الآن.

ويتمثل التحدي الكبير الذي يواجهه رئيس «الفيدرالي» جيروم باول وزملاؤه في تحديد مدى تأثير هذه السياسات على قرارات السياسة النقدية في المستقبل، والقدرة على توجيه التوقعات بشكل سليم وسط هذه المتغيرات السياسية.

وقال فينسنت رينهارت، الموظف السابق الرفيع في «الفيدرالي» ورئيس قسم الاقتصاد في «بي إن واي» للاستثمار: «إذا تمت المبالغة في التوجيه فإن الأمر ربما يبدو سياسياً، ولكن إذا تم التراجع عنه، فقد يؤدي ذلك إلى تضليل الجمهور بشأن التوقعات المستقبلية، خصوصاً إذا أصبحت السلع المستوردة أكثر تكلفة، أو إذا كانت سوق العمل تعاني من نقص في العمالة».

وأضاف رينهارت: «التوجيه من (الفيدرالي) يتعامل مع التوقعات، وأي توقعات في الوقت الحالي تتعلق بالاقتصاد السياسي. من الصعب تقديم هذه التوقعات لوكالة مستقلة، خصوصاً في ظل التغيرات المتوقعة بسبب الرسوم الجمركية أو التشريعات الضريبية المتوقعة بنهاية هذا العام».

ومن المرجح أن يؤثر مدى سرعة تطبيق سياسات ترمب في الأشهر المقبلة على ما يأمل «الفيدرالي» في أن يكون المرحلة الأخيرة من جهوده لاحتواء التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في 40 عاماً في 2022، ولكن بدأ يتجه نحو هدفه البالغ 2 في المائة.

وبعد أن خفض «الفيدرالي» سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة العام الماضي، سيعقد «الفيدرالي» اجتماعه يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، ومن المتوقع أن يبقي سعر الفائدة في النطاق الحالي بين 4.25 و4.50 في المائة. وتبقى التوقعات الأساسية للفيدرالي كما هي، بأن التضخم سيستمر في التوجه تدريجياً نحو الهدف 2 في المائة مع انخفاض معدلات البطالة، واستمرار التوظيف والنمو الاقتصادي.

خيارات المستقبل والتوجهات المتوقعة

يقترب مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يستخدمه «الفيدرالي» لتحديد هدف التضخم، من 2 في المائة على أساس 3 و6 أشهر. ويتوقع صناع السياسة أن يواصل التضخم التراجع مع تحسُّن البيانات الاقتصادية.

وقال مارك كابانا، المحلل في «بنك أوف أميركا»: «نرى أن اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي في يناير (كانون الثاني) يمثل نمطاً انتظارياً»، وأضاف أن «كل هذا يشير إلى أننا نتوقع أن يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي بأقصى الخيارات، سواء بعودة إلى خفض أسعار الفائدة في مارس (آذار)، أو مواصلة التوقف».

وقد أشار مسؤولو «الفيدرالي» بالفعل إلى تأثيرات محتملة من سياسات ترمب التجارية والهجرة، حيث قام موظفوه في اجتماع ديسمبر (كانون الأول) بإدخال افتراضات بشأن تباطؤ النمو، وزيادة البطالة، وعدم التقدم الكبير في التضخم للعام المقبل.

وأظهر محضر الاجتماع أن عدداً من صناع السياسات أعربوا عن قلقهم من تقدم أبطأ في التضخم، ما قد يبطئ وتيرة خفض أسعار الفائدة حتى عام 2025، مع احتمال خفض نصف نقطة مئوية بدلاً من النقطة الكاملة المتوقعة سابقاً.

الرسوم الجمركية والتأثير غير المؤكد

تظل آثار الرسوم الجمركية غير مؤكدة، على الرغم من أن ترمب يصر على أنها سترفع الإيرادات الفيدرالية، وستوجه الإنتاج إلى الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تسهم خطوات إزالة القيود التنظيمية في ضبط التضخم.

من جانب آخر، شهد «الفيدرالي» بعض التغييرات الهامة بعد فوز ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث استقال محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي مايكل بار من منصبه نائباً للرئيس لشؤون الرقابة بداية من 28 فبراير، وانسحب «الفيدرالي» من مجموعة محافظي البنوك المركزية الدولية التي تركز على تغير المناخ.

ومع ذلك، لا تزال خطط ترمب الاقتصادية في بداياتها، ومن المتوقع أن تستغرق تحركاته الأولية وقتاً لتظهر نتائجها على الاقتصاد. وقد ارتفعت مؤشرات عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية والنقدية بعد الانتخابات، في ظل استمرار ترمب في تنفيذ وعوده الانتخابية بشكل موسع، بما في ذلك فرض ضرائب على الواردات من الصين، وإرسال الجنود الأميركيين إلى الحدود المكسيكية.

وقال برادلي ساونديرز، كبير الاقتصاديين في أميركا الشمالية لشركة «كابيتال إيكونوميكس»: «نتوقع مزيجاً من السياسات الركودية التضخمية من الإدارة الجديدة لترمب»، مع تحذير من أن «الركيزة مائلة إلى تخفيضات أقل حسب توقيت تنفيذ سياسات ترمب».


مقالات ذات صلة

الرسوم الجمركية في عهد ترمب... أداة تفاوض أم ضرورة لتمويل العجز؟

الاقتصاد دونالد ترمب يحمل أمراً تنفيذياً بشأن الرسوم الجمركية على الألمنيوم في المكتب البيضاوي (رويترز)

الرسوم الجمركية في عهد ترمب... أداة تفاوض أم ضرورة لتمويل العجز؟

في خضم دوامة إعلانات الرسوم الجمركية التي يطلقها دونالد ترمب يتشبث المحللون السياسيون بأمل واحد وهو أن هذه الرسوم ليست سوى تهديد يستخدمه الرئيس الأميركي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مركبات جديدة في موقف سيارات بميناء ريتشموند بخليج سان فرنسيسكو بكاليفورنيا (رويترز)

رسوم ترمب الجمركية تثير القلق في قطاع السيارات الأميركي وتضغط على التكاليف

أثارت سلسلة من الإعلانات الرئاسية المتعلقة بالتجارة توتراً في شركات صناعة السيارات الأميركية منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض الشهر الماضي

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الأميركية مستقرة وسط تقارير أرباح قوية

ظلت الأسهم الأميركية مستقرة نسبياً يوم الخميس، قبل الإعلان المتوقع عن التعريفات الجمركية من الرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سيدة تقف إلى جانب لافتة بعنوان «نحن نوظف الآن» في بوسطن (رويترز)

رغم التضخم... انخفاض طلبات إعانات البطالة في الولايات المتحدة

انخفض عدد الأميركيين المتقدمين للحصول على إعانات البطالة في الأسبوع الماضي حيث استمر أصحاب العمل في الحفاظ على قوتهم العاملة رغم التضخم المتجدد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد عمال يعبئون الطرود خلال «الاثنين السيبراني» بمركز «أمازون» في نيوجيرسي (رويترز)

ارتفاع «أسعار الجملة» الأميركية يضعف توقعات خفض الفائدة

جاءت «أسعار الجملة» بالولايات المتحدة أعلى من المتوقع الشهر الماضي؛ مما يشير إلى توقف التقدم في مكافحة التضخم، وبالتالي إضعاف توقعات خفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تبحث عن هويّة اقتصادية جديدة بعد خمس سنوات من الركود

غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
TT

ألمانيا تبحث عن هويّة اقتصادية جديدة بعد خمس سنوات من الركود

غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)

تعاني ألمانيا من أزمة في نموذجها الاقتصادي الذي كان يعتمد على الغاز الطبيعي الرخيص من روسيا والصادرات المربحة إلى الصين. هذا النموذج لم يعد صالحاً، مما أدى إلى ركود اقتصادي وتزايد المخاوف بشأن المستقبل. وستكون مهمة وضع استراتيجية جديدة للنمو التحدي الأكبر أمام الحكومة المقبلة التي ستتولى السلطة بعد الانتخابات الوطنية، المقررة في 23 فبراير (شباط)، أي قبل موعدها بسبعة أشهر.

وعلى الرغم من السمعة العالمية التي اكتسبتها ألمانيا بفضل جودة منتجاتها، لم تشهد البلاد نمواً اقتصادياً حقيقياً منذ خمس سنوات. وقد تضافرت عدة عوامل لتحويلها من قوة صناعية رائدة إلى دولة متعثرة اقتصادياً بعد الجائحة، من بينها البيروقراطية المفرطة، ونقص العمالة الماهرة، وتباطؤ تبني التكنولوجيا، وغياب رؤية واضحة من الائتلاف الحاكم المنتهية ولايته. كما زادت الحرب في أوكرانيا وما تبعها من ارتفاع في أسعار الطاقة، إلى جانب تصاعد المنافسة الصينية، من تعقيد الوضع، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وتتصاعد الانتقادات من قطاع الأعمال مع اقتراب الانتخابات، ويقول الرئيس التنفيذي لشركة «إي بي إم-بابست»، المتخصصة في تصنيع المراوح الصناعية، كلاوس غيسدورفر: «نحن بحاجة إلى سياسات أكثر دعماً للشركات. لدينا مواهب متميزة في ألمانيا وشركات قوية، لكن على المستوى السياسي لا يوجد إدراك كافٍ لهذه الإمكانات».

وتُعد «إي بي إم-بابست» شركة رائدة عالمياً في مجالها، إذ تحقّق إيرادات سنوية تبلغ 2.5 مليار يورو (2.6 مليار دولار)، وتمتلك مصانع في ثلاث قارات. إلا أن الشركة شهدت العام الماضي تراجعاً بنسبة 4.1 في المائة في إيراداتها داخل السوق الألمانية، حيث تأثرت أعمالها في قطاع تقنيات التدفئة بانخفاض حاد بلغ 18.7 في المائة بسبب تطبيق سيئ لقانون الطاقة في المباني الذي يهدف إلى استبدال أنظمة التدفئة المعتمدة على الغاز بمضخات حرارية كهربائية أقل تلويثاً.

وقد تسبّب الغموض في تفاصيل القانون الذي قدّمه ائتلاف المستشار أولاف شولتس، في عزوف المستهلكين عن الاستثمار في أنظمة التدفئة الجديدة، إذ فضّل كثيرون الانتظار أو الإسراع في شراء أجهزة الغاز التقليدية قبل دخول القانون حيز التنفيذ، مما أضر بمبيعات مراوح المضخات الحرارية فائقة الهدوء التي تنتجها الشركة.

ويشكو غيسدورفر، مثل الكثير من رجال الأعمال، من التعقيدات البيروقراطية، مشيراً إلى أن قانون عام 2023 الذي يُلزم القطاعَيْن العام والخاص بخفض استهلاك الطاقة لمكافحة تغير المناخ، أجبر «إي بي إم-بابست» على تخصيص موظفين لإعداد تقارير مطوّلة حول التزام الشركة بالقانون، بدلاً من تنفيذ تدابير حقيقية لتوفير الطاقة. ويؤكد أن هذه الإجراءات تستهلك الوقت والموارد دون جدوى، وقال: «بدلاً من تنفيذ الحلول، نقضي وقتنا في إعداد التقارير».

التوترات الدولية تضاعف الأزمة

إلى جانب المشكلات الداخلية، تلقت ألمانيا ضربات اقتصادية من علاقاتها الدولية. فقد أدى دعم الحكومة الألمانية لأوكرانيا إلى قطع روسيا معظم إمدادات الغاز الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الكهرباء، وهو عامل رئيسي في تكلفة الإنتاج الصناعي. وباتت أسعار الكهرباء في ألمانيا أعلى بمقدار 2.5 ضعفاً مقارنة بالولايات المتحدة والصين.

وتوضح مجموعة «ميكانيندوس-فوغلسانغ»، المتخصصة في تصنيع الأجزاء الدقيقة لصناعة السيارات، أن تكلفة الكهرباء في مصانعها الألمانية تعادل ضعف نظيرتها في منشآتها في كنتاكي ونيوجيرسي بالولايات المتحدة، ما يضيف 100 ألف يورو إلى نفقاتها سنوياً، ويخلق «عائقاً تنافسياً هائلاً»، حسب الرئيس التنفيذي أولريش فلاتكن. ويؤكد: «لتجنّب المزيد من التصنيع خارج ألمانيا، وهو أمر يحدث بالفعل، نحن بحاجة ماسة إلى أسعار طاقة تنافسية على المستوى الدولي».

أما الصين التي كانت سوقاً مربحة للماكينات والسيارات الألمانية خلال العقد الماضي، فقد تحولت إلى منافس قوي بعد أن بدأت شركاتها تصنيع المنتجات ذاتها بدعم حكومي، مما أدى إلى تراجع الصادرات الألمانية إليها.

ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، انكمش الاقتصاد الألماني على مدار العامَيْن الماضيين، ولم يحقق سوى 0.3 في المائة نمواً منذ عام 2019، مقارنة بـ11.4 في المائة بالولايات المتحدة، و25.8 في المائة بالصين، وفقاً لمكتب الإحصاء الاتحادي الألماني.

من الركود الاقتصادي إلى آخر ذهني

يعتقد رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية الألماني، مارسيل فراتشر، أن ألمانيا تأخرت في الاستجابة للتحولات التكنولوجية، مثل الانتقال إلى السيارات الكهربائية، بسبب حالة من الرضا عن الذات خلال سنوات الازدهار الاقتصادي في العقد الماضي.

ويشير إلى أن الشركات الألمانية «استمتعت بنجاحاتها في العقد الماضي، لكنها كانت بطيئة في إدراك الحاجة إلى التغيير والتكيف».

ومع استمرار الصعوبات الاقتصادية، تسود حالة من الإحباط الذهني، سواء بين رجال الأعمال أو المواطنين، مما يؤدي إلى تردد الشركات في الاستثمار.

ويرى الكثير من الاقتصاديين أن الحكومة المقبلة يجب أن تعمل على تخفيف القيود الدستورية على الديون لزيادة الإنفاق العام على البنية التحتية والتعليم. لكن فراتشر يتساءل عمّا إذا كان السياسيون قادرين على تبنّي «عقلية جديدة» تتناسب مع التحديات الراهنة.

وأضاف: «على مدار 75 عاماً، اعتمدت ألمانيا على التوافق والاستقرار وكثرة الضوابط والتوازنات، مما جعل التغيير السريع أمراً بالغ الصعوبة. نحن بحاجة إلى تغيير العقلية، وإدراك ضرورة تسريع التحولات الاقتصادية».