ماذا لو توقف نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا؟

كييف ترفض تجديد صفقة عبور الإمدادات مع موسكو

محطة معالجة الغاز التابعة لشركة «غازبروم» بأورينبورغ في روسيا (رويترز)
محطة معالجة الغاز التابعة لشركة «غازبروم» بأورينبورغ في روسيا (رويترز)
TT

ماذا لو توقف نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا؟

محطة معالجة الغاز التابعة لشركة «غازبروم» بأورينبورغ في روسيا (رويترز)
محطة معالجة الغاز التابعة لشركة «غازبروم» بأورينبورغ في روسيا (رويترز)

قالت روسيا، الاثنين، إن الوضع المتعلق بالدول الأوروبية التي تستورد الغاز الروسي من خلال صفقة عبور عبر أوكرانيا، أصبح معقداً للغاية ويحتاج إلى مزيد من الاهتمام، وذلك بعد المحادثات التي جرت بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو. وأكدت أوكرانيا أنها لن تجدد صفقة عبور الغاز الروسية إلى أوروبا، التي تستمر لمدة خمس سنوات وتنتهي بنهاية العام الحالي، بسبب رفضها تقديم أي دعم للجهود العسكرية الروسية.

وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إنه لا يستطيع تقديم مزيد من التفاصيل حول محادثات يوم الأحد بين بوتين وفيكو. لكن بيسكوف أوضح أن فيكو أكد في لقائه مع بوتين استعداد روسيا لاستمرار توريد الغاز إلى سلوفاكيا، رغم أن رئيس الوزراء السلوفاكي أشار إلى أن هذا سيكون «مستحيلاً عملياً» بمجرد انتهاء اتفاقية نقل الغاز بين روسيا وأوكرانيا، وفق «رويترز».

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد قال يوم الخميس إن كييف قد تدرس استمرار عبور الغاز الروسي، ولكن بشرط عدم تلقي موسكو أي مدفوعات حتى انتهاء الحرب، وهو شرط من غير المرجح أن تقبله روسيا. وفي اليوم نفسه، صرّح بوتين أنه من الواضح أنه لن يكون هناك اتفاق جديد مع كييف لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا.

فماذا سيحدث إذا توقفت تماماً إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا ومن سيتأثر أكثر؟

- حجم الإمدادات: تعد إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا صغيرة نسبياً. ففي عام 2023، شحنت روسيا نحو 15 مليار متر مكعب من الغاز عبر أوكرانيا، وهو ما يمثل 8 في المائة فقط من ذروة تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر طرق مختلفة في 2018 - 2019، وقد أمضت روسيا نصف قرن في بناء حصتها في سوق الغاز الأوروبية، التي بلغت ذروتها عند 35 في المائة. ومع ذلك، فقدت موسكو حصتها لصالح منافسين مثل النرويج والولايات المتحدة وقطر منذ الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتماده على الغاز الروسي.

وشهدت أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي ارتفاعاً قياسياً في عام 2022 بعد فقدان الإمدادات الروسية، لكن هذا الارتفاع لن يتكرر نظراً للكميات المحدودة من الغاز التي يتلقاها الاتحاد الأوروبي من روسيا، وفقاً لمسؤولي الاتحاد الأوروبي والتجار.

- مسار أوكرانيا: يربط خط أنابيب يورنغوي - بوماري - أوزغورود، الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، الغاز من سيبيريا عبر بلدة سودزا (التي تخضع الآن لسيطرة القوات العسكرية الأوكرانية) في منطقة كورسك الروسية، ثم يتدفق عبر أوكرانيا إلى سلوفاكيا. وفي سلوفاكيا، ينقسم الخط إلى فروع متجهة إلى جمهورية التشيك والنمسا.

وعلى الرغم من توقف تدفقات غازبروم إلى شركة «أو إم في» النمساوية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب نزاع تعاقدي، لا تزال النمسا تتلقى معظم غازها عبر أوكرانيا، في حين تمثل روسيا نحو ثلثي واردات المجر من الغاز. وتستورد سلوفاكيا نحو 3 مليارات متر مكعب من غازبروم سنوياً، وهو ما يمثل نحو ثلثي احتياجاتها. أما جمهورية التشيك، فقد قطعت تقريباً وارداتها من الغاز الروسي العام الماضي، لكنها عادت لاستيراد الغاز من روسيا في العام الحالي.

ومعظم الطرق الأخرى لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا مغلقة، بما في ذلك خط «يامال - أوروبا» عبر بيلاروسيا وخط «نورد ستريم» تحت بحر البلطيق. والمسار الوحيد الآخر الذي يعمل لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا هو خطا «بلو ستريم»، و«ترك ستريم» إلى تركيا عبر البحر الأسود. وترسل تركيا بعض الكميات من الغاز الروسي إلى أوروبا، بما في ذلك إلى المجر،

لكن لماذا لا يزال مسار أوكرانيا يعمل؟

على الرغم من أن كميات الغاز الروسي الحالية التي تصل لدول الاتحاد الأوروبي ضئيلة نسبياً، فإن القضية تظل معضلة للاتحاد الأوروبي. فقد قال كثير من أعضاء الاتحاد، مثل فرنسا وألمانيا، إنهم لن يشتروا الغاز الروسي بعد الآن، لكن موقف سلوفاكيا والمجر والنمسا - التي تربطها علاقات أوثق بموسكو - تتحدى النهج المشترك للاتحاد الأوروبي. وتدعي الدول التي لا تزال تتلقى الغاز الروسي أنه الوقود الأكثر اقتصاداً، متهمة الدول المجاورة في الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم عبور مرتفعة على الإمدادات البديلة. كما تواصل أوكرانيا تحقيق إيرادات تقدر بـ0.8 إلى 1 مليار دولار من رسوم عبور الغاز سنوياً. ووفقاً لحسابات «رويترز»، ارتفعت صادرات «غازبروم» عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا في 2024 إلى 32 مليار متر مكعب، بزيادة عن 28.3 مليار متر مكعب في 2023، وهو أدنى مستوى لها منذ السبعينات.

قد تحقق روسيا إيرادات تصل إلى نحو خمسة مليارات دولار من مبيعات الغاز عبر أوكرانيا هذا العام، استناداً إلى متوسط توقعات الحكومة الروسية لسعر الغاز الذي يُقدّر بـ339 دولاراً لكل ألف متر مكعب، وفقاً لحسابات «رويترز». وفي الوقت نفسه، سجلت شركة «غازبروم»، التي تحتكر تصدير الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، خسارة صافية تقدر بسبعة مليارات دولار في عام 2023، وهي أول خسارة سنوية لها منذ عام 1999، وذلك نتيجة لفقدان أسواق الغاز في الاتحاد الأوروبي.

ونتيجة لذلك أعلنت روسيا استعدادها لتمديد صفقة عبور الغاز، إلا أن كييف أكدت مراراً أنها لن توافق على ذلك. وفي المقابل، هناك خيار آخر يتمثل في توجيه بعض الغاز الروسي عبر طرق بديلة، مثل خط أنابيب «ترك ستريم»، أو عبر بلغاريا أو صربيا أو المجر، لكن القدرة الاستيعابية عبر هذه الطرق تظل محدودة.

وكانت المجر قد أعربت عن رغبتها في إبقاء الطريق الأوكرانية مفتوحة، إلا أنها أكدت أنها ستستمر في تلقي الغاز الروسي عبر «ترك ستريم» الممتد في قاع البحر الأسود.

وتحسباً لأي ردود فعل من جانب موسكو، طلب الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا من أذربيجان تسهيل المحادثات مع روسيا بشأن اتفاقية عبور الغاز. وقال مصدر رفيع في شركة الطاقة الأذربيجانية «سوكار» لـ«رويترز» يوم الجمعة، إن موسكو وكييف فشلتا في التوصل إلى اتفاق بشأن الصفقة التي توسطت فيها أذربيجان لاستمرار صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

«غازبروم» الروسية تتوقع انخفاض أسعار تصدير الغاز في 2025

الاقتصاد شعار شركة «غازبروم» الروسية (رويترز)

«غازبروم» الروسية تتوقع انخفاض أسعار تصدير الغاز في 2025

توقعت شركة «غازبروم» الروسية للغاز، اليوم الثلاثاء، أن تكون أسعار تصدير الغاز في 2025 أقل من «المستويات الحالية» في أوروبا وآسيا، وأقل من متوسط مستويات 2024.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد أنابيب لنقل الغاز في منشأة للغاز في ألمانيا (رويترز)

قطر تهدد بوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا

هدَّد وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، بوقف شحن الغاز للاتحاد الأوروبي حال تطبيق القانون الجديد الذي اعتمده الاتحاد مؤخراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ترمب يلقي تصريحاً في مار-إيه-لاجو في بالم بيتش، فلوريدا، 16 ديسمبر 2024 (رويترز)

ترمب يهدد أوروبا... زيادة شراء النفط والغاز الأميركي أو مواجهة الرسوم

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إن الاتحاد الأوروبي قد يواجه فرض رسوم جمركية إذا لم يسع لتقليص العجز التجاري المتزايد مع الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد أفراد الأمن أمام منشأة هبوط خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» في لوبمين بألمانيا (رويترز)

واشنطن تشدد الخناق على «نورد ستريم 2» بعقوبات جديدة

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، يوم الأربعاء، فرض عقوبات جديدة تستهدف عدداً من الكيانات الروسية المتورطة في مشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد نموذج لناقلة غاز طبيعي مُسال أمام عَلم الصين (رويترز)

واردات الصين من الغاز الطبيعي المُسال تتراجع بأعلى معدل منذ عامين

تراجعت واردات الصين من الغاز الطبيعي المُسال بأعلى نسبة منذ نحو عامين نتيجة ارتفاع الأسعار، في الوقت الذي زاد الطلب خلاله على الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب.

«الشرق الأوسط» (بكين)

عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات تصل لأعلى مستوى منذ مايو

متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)
متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)
TT

عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات تصل لأعلى مستوى منذ مايو

متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)
متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)

ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأميركية، الثلاثاء، حيث سجلت عوائد السندات لأجل 10 سنوات أعلى مستوياتها منذ مايو (أيار)، وذلك قبيل بيع سندات خزينة بقيمة 70 مليار دولار في مزاد السندات لمدة خمس سنوات. ويأتي هذا الارتفاع وسط تقييمات من قبل المتداولين لاحتمالات خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في العام المقبل، في ظل ارتفاع التضخم المستمر.

ويعد مزاد السندات لمدة خمس سنوات ثاني عمليات بيع ضمن معروض سندات الخزانة هذا الأسبوع، الذي يشمل أيضاً سندات لمدة عامين بقيمة 69 مليار دولار تم بيعها يوم الاثنين، ومن المقرر بيع سندات لمدة سبع سنوات بقيمة 44 مليار دولار يوم الخميس. ومع ذلك، شهدت أحجام التداول انخفاضاً هذا الأسبوع نتيجة اقتراب عطلة عيد الميلاد يوم الأربعاء، وعطلة رأس السنة الجديدة في الأسبوع المقبل، حيث ستغلق سوق السندات في كلا اليومين، وفق «رويترز».

وتأتي الزيادة الأخيرة في العوائد وسط مخاوف من أن التضخم قد يستمر فوق هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي السنوي البالغ 2 في المائة العام المقبل، مما يعرقل قدرة البنك المركزي الأميركي على الاستمرار في خفض أسعار الفائدة. ويحدث هذا رغم انخفاض المفاجآت الاقتصادية، التي تقيس الفجوة بين البيانات الاقتصادية الفعلية والتوقعات، وغالباً ما تتحرك بالتوازي مع العوائد.

وأوضح إيان لينغن، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في «بي إم أو كابيتال ماركتس»، في مذكرة، الثلاثاء: «يشير التباين الزائد بين عائدات الخزانة وأداء البيانات الاقتصادية إلى استعداد السوق لتجاهل الضعف الأخير مع اقتراب المخاطر المرتبطة بعام 2025». وأضاف أن «عائدات السندات لأجل 10 سنوات قد تشهد تصحيحاً نحو مستويات أقل إذا استمرت خيبة الأمل في دورة البيانات لعام 2024».

وقد شهدت العوائد قفزة بعد أن رفع صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي توقعاتهم للتضخم لعام 2025، بينما خفضوا توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة إلى 50 نقطة أساس بدلاً من 100 نقطة أساس. وعلى الرغم من خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس كما كان متوقعاً، فإن رئيس البنك جيروم باول أشار إلى أن مزيداً من التخفيضات في تكاليف الاقتراض سيعتمد على التقدم الإضافي في مكافحة التضخم.

من جهة أخرى، يُتوقع أن يفرض الرئيس المنتخب دونالد ترمب مزيداً من الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين عندما يتولى منصبه العام المقبل، مما يرى المحللون أنه قد يؤدي إلى زيادة التضخم.

وفي هذا السياق، ارتفعت عائدات السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 1.8 نقطة أساس لتصل إلى 4.617 في المائة، وهو أعلى مستوى لها منذ 30 مايو. كما ارتفعت عائدات السندات لأجل عامين، التي تتسم بحساسية عالية لسياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي، بمقدار 0.1 نقطة أساس لتصل إلى 4.351 في المائة. وسجلت عائدات السندات لأجل خمس سنوات 4.465 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ 11 يونيو (حزيران). وقد ارتفع منحنى العائد بين السندات لأجل عامين وعشرة أعوام بمقدار نقطتي أساس ليصل إلى 26.7 نقطة أساس.