البنوك المركزية للأسواق الناشئة تدافع عن عملاتها بعد إشارات «الفيدرالي»

أوراق نقدية من الريال البرازيلي والدولار الأميركي في مكتب لصرف العملات في ريو دي جانيرو (رويترز)
أوراق نقدية من الريال البرازيلي والدولار الأميركي في مكتب لصرف العملات في ريو دي جانيرو (رويترز)
TT

البنوك المركزية للأسواق الناشئة تدافع عن عملاتها بعد إشارات «الفيدرالي»

أوراق نقدية من الريال البرازيلي والدولار الأميركي في مكتب لصرف العملات في ريو دي جانيرو (رويترز)
أوراق نقدية من الريال البرازيلي والدولار الأميركي في مكتب لصرف العملات في ريو دي جانيرو (رويترز)

سارعت العديد من البنوك المركزية من البرازيل إلى إندونيسيا للدفاع عن عملاتها المتعثرة يوم الخميس، بعد ساعات قليلة من إشارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي التي أربكت الأسواق؛ حيث أشار إلى أنه قد لا يخفض أسعار الفائدة بشكل كبير في العام المقبل.

وقد أثار اعتراف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الضمني بالمخاطر التضخمية المرتبطة بسياسات الهجرة والتجارة التي يتبناها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، حالة من القلق لدى المستثمرين. ونتيجة لذلك، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية، مما دفع الدولار إلى أعلى مستوياته في عامين مقابل 6 عملات رئيسية منافسة، وفق «رويترز».

وتعرّضت قيمة العديد من العملات للهبوط الحاد؛ حيث انخفض الوون الكوري الجنوبي إلى أدنى مستوى له في 15 عاماً، وواصلت الروبية الهندية تراجعها لتسجل أدنى مستوياتها على الإطلاق، بينما هبطت الروبية الإندونيسية إلى أدنى مستوياتها في أربعة أشهر. كما سجل مؤشر «إم إس سي آي» لعملات الأسواق الناشئة أدنى مستوى له في 4 أشهر.

ومن المرجح أن تؤدي أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة إلى معاودة ظهور مشاكل تدفقات العملة ورأس المال التي كانت قد زعزعت الأسواق الناشئة العام الماضي، والتي بالكاد تعافت منها. وقد تدفع ميزة العائد التي يتمتع بها الدولار رؤوس الأموال إلى مغادرة الأسواق الناشئة، مما يؤدي إلى ضعف عملاتها، وبالتالي زيادة الضغوط التضخمية والتقلبات في الأسواق.

وكان محافظو البنوك المركزية في كوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا سريعين في اتخاذ التدابير اللازمة يوم الخميس؛ حيث دافعوا عن عملاتهم من خلال بيع الدولار وأصدروا تحذيرات لفظية قوية. وباع البنك المركزي الهندي الدولار لدعم الروبية التي انخفضت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث تراجعت إلى ما دون المستوى النفسي 85 مقابل الدولار.

وفي هذا السياق، قال كريس ويستون، رئيس قسم الأبحاث في شركة السمسرة الأسترالية عبر الإنترنت «بيبرستون»: «كانت وتيرة البيع في سندات الخزانة الأميركية بمثابة إشارة هائلة لتجار النقد الأجنبي لإعادة التعامل مع الدولار، وقد فعلوا ذلك بحرية، مما أثر على أسواق النقد الأجنبي في الأسواق الناشئة».

من جهته، قال فريد نيومان، كبير خبراء الاقتصاد في آسيا لدى «إتش إس بي سي»، إن التشدد الذي يتبناه مجلس الاحتياطي الفيدرالي «يقيد أيدي محافظي البنوك المركزية في الأسواق الناشئة».

وفي حين أن تدخلات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة على المدى القريب قد تساعد في تخفيف تأثير التوجه المتشدد من بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن السياسة النقدية المحلية ستتطلب تعديلات مع مرور الوقت لمواكبة التحديات الجديدة.

وانخفض الريال البرازيلي إلى أدنى مستوى له على الإطلاق بين عشية وضحاها، مما دفع البنك المركزي إلى بيع الدولار عبر مزاد فوري، بينما أعلنت البنوك المركزية في إندونيسيا وتايلاند عن استعدادها للتحرك لمنع التقلبات المفرطة في أسواقها.

كما صوّت البنك المركزي الإندونيسي، يوم الأربعاء، ضد خفض أسعار الفائدة الذي كان من شأنه أن يساعد في تحفيز الاقتصاد، مركزاً بدلاً من ذلك على استقرار العملة، وهو ما وصفه المحللون بأنه يعكس التحدي الكبير الذي ستواجهه العديد من البنوك المركزية الأخرى في مواجهة الضغوط الاقتصادية العالمية.

وسجل الوون الكوري الجنوبي، الذي يعتبر أسوأ عملة آسيوية أداءً هذا العام، انخفاضاً بنسبة 12 في المائة، ليصل إلى أدنى مستوى له في 15 عاماً، وسط توقعات بأن تكون السلطات تدافع عن مستوى 1450 مقابل الدولار. وأغلق الوون المحلي تداولاته عند 1451.9 مقابل الدولار.

من جانبها، دعمت الصين عملتها من خلال خفض سعر الفائدة المرجعي اليومي بشكل كبير، وهو ما اعتبره المحللون خطوة تهدف إلى إبقاء الدولار تحت السيطرة. ورغم ذلك، لا يزال اليوان عند أدنى مستوى له في 13 شهراً، متجاوزاً مستوى 7.3 يوان للدولار، وهو مستوى مهم نفسياً.

وقال تشارو تشانانا، كبير استراتيجيي الاستثمار في «ساكسو»: «بينما يمكن للبنوك المركزية الآسيوية محاولة تخفيف ضغوط الانخفاض، فإن عكس هذه الضغوط بالكامل يبدو غير مرجح في الأمد القريب».

وأضاف: «في السابق، كانت العملات الآسيوية ذات العائد المرتفع تحظى ببعض الدعم من صفقات الحِمل، لكن التقلبات العالية الحالية قد تهدد استدامة هذه الاستراتيجية».

وتعني أحدث توقعات أسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي أن من المرجح أن يخفض أسعار الفائدة مرتين فقط العام المقبل، انخفاضاً من تقديراته السابقة في سبتمبر (أيلول) التي توقعت 4 تخفيضات في 2025.

ويشكّل تشدد بنك الاحتياطي الفيدرالي عبئاً إضافياً على الأسواق الناشئة، التي تواجه بالفعل تهديدات ترمب بفرض تعريفات جمركية. وقد عزّزت السياسات التجارية المتوقعة لترمب، إلى جانب التخفيضات الضريبية المحتملة وتحرير القيود التنظيمية، توقعات النمو في الولايات المتحدة، مما أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار وأسعار الفائدة الأميركية. وقال بارت واكاباياشي، مدير فرع طوكيو في «ستيت ستريت»: «الدولار هو الملك الآن».


مقالات ذات صلة

تركيا تحصل على إعفاء أميركي من العقوبات على مدفوعات الغاز لروسيا

الاقتصاد خط أنابيب الغاز الروسي المتجه إلى تركيا (إعلام تركي)

تركيا تحصل على إعفاء أميركي من العقوبات على مدفوعات الغاز لروسيا

أعفت الولايات المتحدة تركيا من العقوبات التي تفرضها على بنك «غازبروم» فيما يخص مدفوعاتها عن واردات الغاز الطبيعي من روسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد العلم الوطني يرفرف فوق مقر البنك المركزي الروسي في موسكو (رويترز)

«المركزي الروسي» يفاجئ الأسواق ويثبت أسعار الفائدة

أبقى البنك المركزي الروسي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 21 في المائة، يوم الجمعة، مما فاجأ السوق التي كانت تتوقّع زيادة تبلغ نقطتين مئويتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد مبنى بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

«بنك إنجلترا» يبقي الفائدة دون تغيير عند 4.75 %

قرَّر «بنك إنجلترا» إبقاء أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير عند 4.75 في المائة، يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى البنك المركزي النرويجي في أوسلو (رويترز)

«المركزي النرويجي» يثبت الفائدة... ويخطط لخفضها في مارس 2025

أبقى البنك المركزي النرويجي سعر الفائدة دون تغيير عند 4.50 في المائة، وهو أعلى مستوى له في 16 عاماً، كما كان متوقعاً.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
الاقتصاد منظر عام للبنك المركزي السويدي في ستوكهولم (رويترز)

«المركزي السويدي» يخفض الفائدة إلى 2.5 % مع توخي الحذر في 2025

خفض البنك المركزي السويدي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية ليصل إلى 2.50 في المائة، الخميس، كما كان متوقعاً.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

ترمب يهدد أوروبا... زيادة شراء النفط والغاز الأميركي أو مواجهة الرسوم

ترمب يلقي تصريحاً في مار-إيه-لاجو في بالم بيتش، فلوريدا، 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
ترمب يلقي تصريحاً في مار-إيه-لاجو في بالم بيتش، فلوريدا، 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

ترمب يهدد أوروبا... زيادة شراء النفط والغاز الأميركي أو مواجهة الرسوم

ترمب يلقي تصريحاً في مار-إيه-لاجو في بالم بيتش، فلوريدا، 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
ترمب يلقي تصريحاً في مار-إيه-لاجو في بالم بيتش، فلوريدا، 16 ديسمبر 2024 (رويترز)

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، يوم الجمعة، إن الاتحاد الأوروبي قد يواجه فرض رسوم جمركية إذا لم يسع لتقليص العجز التجاري المتزايد مع الولايات المتحدة من خلال إبرام صفقات ضخمة لشراء النفط والغاز الأميركي.

ووفقاً للبيانات الحكومية الأميركية، يشتري الاتحاد الأوروبي بالفعل الحصة الأكبر من صادرات النفط والغاز الأميركية، ولا تتوفر كميات إضافية حالياً إلا في حال زيادة الإنتاج الأميركي، أو إعادة توجيه الكميات من أسواق آسيوية، التي تعد هي الأخرى من أكبر مستهلكي الطاقة الأميركية، وفق «رويترز».

وفي منشور على موقع «تروث سوشيال»، قال ترمب: «أخبرت الاتحاد الأوروبي أنه يجب عليهم تعويض عجزهم الهائل مع الولايات المتحدة من خلال شراء كميات ضخمة من نفطنا وغازنا». وأضاف: «وإلا، فإن التعريفات الجمركية ستكون الحل الوحيد».

من جهته، أعرب الاتحاد الأوروبي عن استعداده لمناقشة سبل تعزيز العلاقة القائمة مع الرئيس المنتخب، بما في ذلك في قطاع الطاقة. وقال المتحدث باسمه إن الاتحاد مستعد لمناقشة تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ترمب، بما في ذلك المصالح المشتركة في قطاع الطاقة، مضيفاً أن الاتحاد ملتزم أيضاً بالتخلص التدريجي من واردات الطاقة من روسيا وتنويع مصادر الإمدادات.

ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي «يوروستات»، زودت الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي بالفعل بـ47 في المائة من وارداته من الغاز الطبيعي المسال، و17 في المائة من وارداته من النفط في الربع الأول من عام 2024.

وتعهد ترمب بفرض رسوم جمركية على معظم، إن لم تكن جميع، الواردات، مشيراً إلى أن أوروبا ستدفع ثمناً باهظاً بعد عقود من تحقيق فائض تجاري ضخم مع الولايات المتحدة. وقد أشار ترمب بشكل متكرر إلى العجز التجاري الأميركي في السلع، بينما سجلت الولايات المتحدة فائضاً تجارياً في قطاع الخدمات مع الاتحاد الأوروبي بلغ 104 مليارات يورو (107.98 مليار دولار).

ترمب، الذي سيتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، قد حذر من فرض تعريفات جمركية ضخمة على ثلاثة من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين: كندا، المكسيك، والصين.

تجدر الإشارة إلى أن معظم مصافي النفط وشركات الغاز الأوروبية هي كيانات خاصة، ولا تتدخل الحكومات في تحديد مصادر المشتريات، إلا إذا كانت هناك عقوبات أو تعريفات جمركية. وفي العادة، تعتمد الشركات في اختياراتها على السعر والكفاءة.

وشهد الاتحاد الأوروبي زيادة كبيرة في مشترياته من النفط والغاز الأميركي بعد فرضه عقوبات على روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا في عام 2022، وذلك في خطوة للحد من الاعتماد على الطاقة الروسية.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، إذ بلغ إنتاجها أكثر من 20 مليون برميل يومياً من السوائل النفطية، ما يعادل خمس الطلب العالمي. وتصدر الولايات المتحدة أكثر من مليوني برميل يومياً إلى أوروبا، وهو ما يشكل أكثر من نصف إجمالي صادراتها، بينما يتم توجيه باقي الكميات إلى آسيا. ووفقاً للبيانات الحكومية الأميركية، تعد هولندا، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والدنمارك، والسويد من أكبر مستوردي النفط الأميركي.

كما تعد الولايات المتحدة أكبر منتج ومستهلك للغاز في العالم، إذ يتجاوز إنتاجها 103 مليارات قدم مكعب يومياً. ومن المتوقع أن يصل متوسط صادرات الغاز الأميركي إلى أوروبا في عام 2024 إلى 12 مليار قدم مكعب يومياً، مع استحواذ أوروبا على 66 في المائة من صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية في 2023، إذ كانت المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا وألمانيا من أبرز الوجهات.

ويهيمن قطاع السيارات، والآلات، والمواد الكيميائية على صادرات الاتحاد الأوروبي، وتُعد ألمانيا أكبر دولة مصدرة للسلع الأوروبية.