المستثمرون يعاقبون الأسهم والسندات الفرنسية بسبب الأزمة السياسية

الخلافات حول الموازنة تدفع مؤشر «كاك 40» واليورو إلى الانخفاض

مبنى الجمعية الوطنية في باريس (رويترز)
مبنى الجمعية الوطنية في باريس (رويترز)
TT

المستثمرون يعاقبون الأسهم والسندات الفرنسية بسبب الأزمة السياسية

مبنى الجمعية الوطنية في باريس (رويترز)
مبنى الجمعية الوطنية في باريس (رويترز)

في ظل تصاعد الأزمة السياسية بفرنسا بات المستثمرون داخل الأسواق المالية يعاقبون الأسهم والسندات الفرنسية، مما أدى إلى تأثيرات سلبية واضحة على أداء الأسواق المحلية. كما ازدادت عمليات بيع اليورو، الاثنين، ما أسهم في ارتفاع تكاليف الاقتراض الفرنسية لتتجاوز لأول مرة تلك الخاصة باليونان في سابقة تاريخية. وقد جاء هذا التصعيد بعد تهديد حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف بالإطاحة بالحكومة إذا لم يستجب رئيس الوزراء ميشال بارنييه لمطالبه بشأن مشروع الموازنة، وفقاً لما أعلنه رئيس الحزب، غوردان بارديللا. وقد أضافت هذه التطورات ضغوطاً جديدة على الوضع السياسي الهش في البلاد، مما زاد من حالة القلق وعدم اليقين.

وكان حزب «التجمع الوطني» قد منح رئيس الوزراء ميشال بارنييه مهلة حتى يوم الاثنين للاستجابة لمطالبه، التي شملت رفع المعاشات التقاعدية، محذراً من أنه في حال عدم الاستجابة، سيتخذ الحزب قراراً بدعم اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار الحكومة الحالية. ومن المتوقع أن يتم التصويت على حجب الثقة في أقرب وقت يوم الأربعاء، مع العلم بأنه لم يُجبر أي رئيس حكومة فرنسي على الاستقالة بسبب تصويت بحجب الثقة منذ عام 1962.

وفي تصريح إذاعي، أكد بارديللا أن الحزب سيبدأ إجراءات التصويت لحجب الثقة إذا لم يتمكن بارنييه من تعديل مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي قبل الساعة الثالثة بعد الظهر (12:00 بتوقيت غرينيتش). وأضاف أنه في حال فشل بارنييه في الحصول على دعم كافٍ لهذا المشروع، فإنه سيكون من حقه استخدام صلاحياته الدستورية لتمريره بالقوة، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تقديم اقتراح بحجب الثقة من قبل المعارضة اليسارية.

وكان بارنييه قد تراجع الأسبوع الماضي عن زيادة ضريبة الكهرباء المخطط لها، وهو ما عدّه حزب «التجمع الوطني» انتصاراً له. ومع ذلك، يطالب الحزب أيضاً بزيادة المعاشات التقاعدية بمعدل يتماشى مع التضخم، في حين كان بارنييه يخطط لزيادتها بمعدل أقل من التضخم بهدف توفير الأموال. كما يطالب الحزب بإلغاء التخفيضات المخطط لها في تعويضات الأدوية، ويعارض الزيادة المحتملة في الضرائب على الغاز، ويرغب في تقليص مساهمة فرنسا في موازنة الاتحاد الأوروبي.

من جانبها، أكدت المتحدثة باسم الحكومة، مود بريغيون، أن الحكومة «مستعدة للحوار»، مشيرة إلى أن مصلحة البلاد تقتضي إقرار الموازنة لتفادي الوقوع في فوضى مالية واقتصادية. وأضافت: «أنا قلقة للغاية بشأن ما سيحدث في الأيام والأشهر المقبلة... من الذي سيأتي إلى فرنسا لإنشاء أعمال أو مصانع في ظل هذه الحالة من عدم اليقين؟».

من جهته، قال رئيس مكتب التدقيق العام الفرنسي، بيير موسكوفيسي، إن فرنسا تواجه وضعاً مالياً واقتصادياً بالغ الصعوبة بسبب خطر تعطيل الموازنة في البرلمان.

الاضطرابات السياسية تؤثر على الأسواق

وهبط مؤشر «كاك 40» الفرنسي بأكثر من 1 في المائة بسبب تصاعد الاضطرابات السياسية في البلاد، فيما تراجعت أسهم شركة «ستيلانتس» بعد استقالة الرئيس التنفيذي المفاجئة. كما تأثر المؤشر الفرنسي بشكل سلبي نتيجة انخفاض أسهم البنوك، حيث هبطت أسهم كل من «كريدي أغريكول»، و«سوسيتيه جنرال»، و«بي إن بي باريبا» بنحو 2 في المائة لكل واحد منها.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت علاوة المخاطرة التي يطالب بها المستثمرون مقابل الديون الحكومية الفرنسية، الاثنين، بينما انخفضت عوائد السندات الألمانية مع توجه المستثمرين نحو الأصول الآمنة.

وقد شهد الفارق بين عوائد السندات الفرنسية والألمانية لمدة 10 سنوات، وهو مقياس لتكاليف الاقتراض الفرنسية مقارنة بمعيار منطقة اليورو، ارتفاعاً بمقدار 6 نقاط أساس ليصل إلى 86 نقطة أساس، رغم أنه ظل أدنى من أعلى مستوى له في 12 عاماً، الذي بلغ 90 نقطة أساس في الأسبوع الماضي.

وفي تطور آخر، تجاوزت عوائد السندات الفرنسية لمدة 10 سنوات عوائد السندات اليونانية لأول مرة في التاريخ، بعد أن كانت قد تداولت بالقرب من التكافؤ في الأسبوع السابق، في ظل تصاعد الخلافات حول مشروع الموازنة.

من ناحية أخرى، انخفضت عوائد السندات الألمانية لمدة 10 سنوات، التي تعد المعيار لمنطقة اليورو، بمقدار 3 نقاط أساس لتصل إلى 2.062 في المائة، أما عوائد السندات الإيطالية لمدة 10 سنوات، فقد بقيت ثابتة عند 3.28 في المائة، بينما اتسع الفارق بين عوائد السندات الإيطالية والألمانية بمقدار 3 نقاط أساس ليصل إلى 122 نقطة أساس. كما تراجعت عوائد السندات الألمانية لمدة سنتين، الأكثر تأثراً بتوقعات البنك المركزي الأوروبي، بمقدار 3 نقاط أساس لتصل إلى 1.922 في المائة.

وبالإضافة إلى ذلك، انخفض اليورو، الاثنين، في ظل تهديد حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف في فرنسا بإسقاط الحكومة، مما أبقى الأسواق الأوروبية تحت ضغط شديد. وكان اليورو في طريقه لتسجيل أكبر انخفاض له في يوم واحد منذ شهر.

وفي تعليق على الوضع، قال الاقتصادي سامي شعث من «لومبارد أودير»: «فرنسا ليست في وضع جيد، وهذا يؤثر سلباً على الأسهم واليورو، ولكن من غير المتوقع أن نرى ضغطاً كبيراً على الديون الفرنسية في الوقت الحالي».

من جانبه، أشار رئيس أبحاث الصرف الأجنبي العالمية في بنك «إتش إس بي سي»، بول ماكلي، إلى أنه في حال سقوط حكومة بارنييه، فإن الضغوط الهبوطية على اليورو ستتجدد بسرعة، بما في ذلك مقابل الفرنك السويسري.


مقالات ذات صلة

تباطؤ نمو قطاع الخدمات البريطاني بسبب زيادات الضرائب

الاقتصاد يسير الناس عبر جسر لندن خلال ساعة الذروة الصباحية مع الحي المالي للمدينة في الخلفية (رويترز)

تباطؤ نمو قطاع الخدمات البريطاني بسبب زيادات الضرائب

فقد قطاع الخدمات المهيمن في بريطانيا زخمه في نوفمبر، وإن لم يكن التراجع بقدر ما كان يُخشى في البداية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد العلم الفرنسي أعلى قصر برونيار بورصة باريس السابقة (رويترز)

فرنسا في لحظة حرجة قبل التصويت على سحب الثقة من الحكومة

قال وزير المالية الفرنسية أنطوان أرمان يوم الثلاثاء إن فرنسا تمر بلحظة حرجة بسبب حالة عدم اليقين المتعلقة بموازنة البلاد ومستقبل الحكومة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة إلى الحكومة في الجمعية الوطنية (رويترز)

بارنييه يقدّم تنازلاً جديداً لتمرير الموازنة... والأسواق الفرنسية تتفاعل

ارتفعت الأسهم الفرنسية اليوم الاثنين، عاكسةً بذلك الانخفاضات السابقة، إذ مثّلت تنازلات الموازنة الجديدة التي قدمتها الحكومة لحزب التجمع بارقة أمل للمستثمرين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

قال البنك المركزي الروسي إن مستويات أسعار النفط الحالية لا تشكل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الروسي، لكنها قد تتحول إلى تحدٍّ خطير إذا انخفضت دون الهدف المحدد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد وزيرا المالية أنطوان أرماند والموازنة لوران سان مارتن خلال مؤتمر صحافي لتقديم مشروع الموازنة بوزارة المالية في بيرسي (رويترز)

وسط مخاوف من سقوط الحكومة... فرنسا مستعدة لتقديم تنازلات بشأن الموازنة

أعلن وزير المالية الفرنسي أنطوان أرمان، يوم الخميس، أن الحكومة الفرنسية، التي تفتقر إلى الشعبية، مستعدة لتقديم تنازلات بشأن موازنة العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الجبير لـ«الشرق الأوسط»: السعودية تلتزم بالاستدامة البيئية باستثمارات تتجاوز 180 مليار دولار

TT

الجبير لـ«الشرق الأوسط»: السعودية تلتزم بالاستدامة البيئية باستثمارات تتجاوز 180 مليار دولار

وزير الدولة للشؤون الخارجية وعضو مجلس الوزراء والمبعوث لشؤون المناخ عادل الجبير (الشرق الأوسط)
وزير الدولة للشؤون الخارجية وعضو مجلس الوزراء والمبعوث لشؤون المناخ عادل الجبير (الشرق الأوسط)

قال وزير الدولة للشؤون الخارجية وعضو مجلس الوزراء والمبعوث لشؤون المناخ، عادل الجبير، إن السعودية تواصل مسيرتها الواضحة نحو تحقيق الأهداف البيئية والمناخية من خلال مبادرات عدّة، منها «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، الهادفتان إلى ترسيخ مفهوم الاستدامة البيئية على مستوى العالم، وقال: «إن خطوات المملكة وأفعالها واضحة، واستثماراتها كبيرة جداً، ولديها أكثر من 80 مبادرة بحجم استثمارات تجاوز 180 مليار دولار».

وأشار الجبير في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، خلال انعقاد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) بالرياض، إلى تقدم المملكة بخطوة جديدة نحو معالجة قضايا المياه العالمية من خلال «المنظمة العالمية للمياه» التي تحدث عنها، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، الثلاثاء.

وكان ولي العهد، أقرّ العام الماضي تأسيس السعودية لـ«منظمة عالمية للمياه» مقرّها الرياض تهدف إلى تطوير جهود الدول والمنظمات وتكاملها لمعالجة تحديات المياه بشكل شمولي، من خلال تبادل التجارب التقنية والابتكار والبحوث والتطوير وتعزيزها، وتمكين إنشاء المشاريع النوعية ذات الأولوية وتيسير تمويلها؛ سعياً لضمان استدامة موارد المياه وتعزيزاً لفرص وصول الجميع إليها.

وشدّد الجبير على أهمية التوعية في التعامل مع التصحر وإعادة تأهيل الأراضي، مشيراً إلى الارتباط الوثيق بين التصحر وتدهور الأراضي والمناخ. وأوضح أن تدهور الأراضي يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون؛ مما يؤثر سلباً على البشرية، ويضرّ بالأمن الغذائي، ويؤدي إلى الهجرة الجماعية والنزاعات والحروب.

التصحر

وقال الجبير إنه «من المهم أن تكون هناك توعية بأهمية التعامل مع قضايا التصحر وإعادة تأهيل الأراضي، ومن المهم أيضاً إدراك الناس وجود ارتباط بين التصحر وتدهور الأراضي والتغير المناخي، حيث تُعدّ الأرض من حواضن الكربون في العالم. فإذا تدهورت الأرض، نفقد هذه الحاضنة وتزداد انبعاثات الكربون عالمياً؛ مما يؤثر علينا كبشرية بشكل سلبي. كما أن تدهور الأراضي يؤثر سلباً على الأمن الغذائي».

وشرح أن ذلك سيؤدي إلى الهجرة، حيث يضطر الناس إلى النزوح من مناطق تصاب بالجفاف إلى مناطق أخرى لا تعاني الجفاف، وهذا غالباً ما يؤدي إلى نزاعات وحروب تتسبب في دمار وخراب وتدهور اقتصادي يؤدي إلى التطرف، ويؤدي إلى الإرهاب ويزيد من الهجرة إلى دول أخرى.

وتابع: «ينتج من ذلك، في كثير من الأحيان، ردود فعل سياسية داخلية في تلك الدول، ويُساهم هذا في زعزعة الأمن والاستقرار في العالم».

الجبير يلقي كلمة في خلال مؤتمر «كوب 16» (وزارة الخارجية)

الاستثمار في تأهيل الأراضي

وأضاف أن الاستثمار في إعادة تأهيل الأراضي يعزّز الاستقرار ويحقق منفعة اقتصادية كبيرة، حيث إن كل ريال مستثمر يمكن أن يحقق منفعة تتراوح بين 7 و30 ريالاً.

واختتم بالتأكيد على أن المملكة تعدّ العمل البيئي والمناخي من أولوياتها، في إطار «رؤية 2030» ومن أجل تحسين جودة الحياة؛ لتحقيق مستقبل أفضل للبشرية.