الاقتصاد لاعباً ثالثاً في معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية

يصطف الناخبون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية الأميركية بمدرسة مانشستر الثانوية في بيتسبرغ (رويترز)
يصطف الناخبون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية الأميركية بمدرسة مانشستر الثانوية في بيتسبرغ (رويترز)
TT

الاقتصاد لاعباً ثالثاً في معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية

يصطف الناخبون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية الأميركية بمدرسة مانشستر الثانوية في بيتسبرغ (رويترز)
يصطف الناخبون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية الأميركية بمدرسة مانشستر الثانوية في بيتسبرغ (رويترز)

تتصدر نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب اقتراع الثلاثاء، في حين يأتي الاقتصاد بالمرتبة الثالثة بالمعركة الانتخابية، إذ شكّل الروايات الأساسية للحملتين الانتخابيتين، وأسهم في إبقاء السباق متقارباً للغاية.

لكن كيفية تأثير الاقتصاد على النتائج ليست مسألة بسيطة. فمن جهة، يشهد الاقتصاد نمواً مستمراً، مما أدى إلى خلق ملايين من الوظائف الجديدة ورفع الأجور. ومن جهة أخرى، ارتفعت الأسعار بشكل حاد منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه، مما قلل من القدرة الشرائية، وهي عوامل تؤثر سلباً على مزاج الأميركيين، وفق «وول ستريت جورنال».

هاريس مقابل ترمب

لم تركز هاريس على أرقام الوظائف والنمو، بل وجهت رسالتها نحو ما تسميه «اقتصاد الفرص». في المقابل، تعهد ترمب بفرض مجموعة من التخفيضات الضريبية والرسوم الجمركية، مع تقديم صورة أكثر تشاؤماً عن الاقتصاد. وفي عطلة نهاية الأسبوع، حذر من أن فوز هاريس قد يؤدي إلى «ركود اقتصادي مشابه لعام 1929».

وكان تقييم الأميركيين للاقتصاد منخفضاً خلال إدارة بايدن، نتيجة الإحباط الناجم عن ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، يظهر تأثير الانقسام الحزبي الحاد، حيث تُظهر استطلاعات جامعة ميشيغان أن الجمهوريين يقيمون الاقتصاد على أنه أسوأ حالاً مما كان عليه حتى خلال فترة الجائحة في العام الأخير من رئاسة ترمب، بينما يراه الديمقراطيون في حالة أفضل مقارنة بعهد ترمب.

سلوك الإنفاق الأميركي

ورغم هذه التقييمات المتشائمة، فإن سلوك الأميركيين تجاه إنفاقهم يروي قصة مختلفة. فقد أفادت وزارة التجارة الأسبوع الماضي بأن الإنفاق الاستهلاكي، المعدل حسب التضخم، ارتفع بنسبة 3 في المائة في الربع الثالث مقارنة بالعام السابق. وخلال السنوات الثلاث الأولى من إدارة ترمب، قبل الجائحة، نما الإنفاق بمعدل سنوي قدره 2.6 في المائة.

النمو الاقتصادي وتأثيره على التصويت

قد يكون التداخل بين النمو القوي وارتفاع الأسعار هو السبب الرئيسي وراء إظهار استطلاعات الرأي أن الانتخابات متقاربة. هذا يظهر أيضاً في نموذج التنبؤ الرئاسي طويل الأمد الذي طوره عالم الاقتصاد في جامعة «ييل»، راي فير، منذ السبعينات، حيث وجد أن ثلاثة متغيرات اقتصادية كانت فعّالة في التنبؤ بنتائج التصويت الرئاسي.

1- نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد: المتغير الأول هو معدل النمو للفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل حسب التضخم) في الأرباع الثلاثة التي تسبق الانتخابات. فكلما حقق الاقتصاد نمواً أكبر خلال سنة الانتخابات، كان ذلك أفضل لمرشح الحزب الحاكم.

وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد 2 في المائة في الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام، وهي أفضل وتيرة قبل الانتخابات منذ فوز الرئيس السابق جورج دبليو بوش بفترة ثانية في عام 2004، بينما بلغ النمو خلال فترة رئاسة بايدن بأكملها 2.8 في المائة، وهو الأفضل منذ إدارة ليندون جونسون. إلا أن فير يشير إلى أن الناخبين يركزون بشكل أساسي على أداء الاقتصاد مؤخراً. وتنبع فاعلية الناتج المحلي الإجمالي للفرد في التنبؤ بالتصويت من كونه يعكس عادة أداءً جيداً في النمو الوظيفي والأجور عند نموه بشكل قوي.

2- ذاكرة الناخبين الطويلة للتضخم: يوضح فير أن الناخبين يبدو أنهم يمتلكون ذاكرة أطول للتضخم مقارنة بالنمو الاقتصادي. وعليه، فإن المتغير الثاني في نموذجه هو التغيرات في مؤشر أسعار الناتج المحلي الإجمالي. وقد وجد أن التغيرات السعرية خلال الفترة الرئاسية لها تأثير ملحوظ على الناخبين، فكلما ارتفعت الأسعار، زادت الخسارة للحزب الحاكم. وقد نما مؤشر أسعار الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي بلغ 4.5 في المائة في أول 15 ربعاً من رئاسة بايدن، وهو الأسرع منذ ولاية الرئيس الأسبق رونالد ريغان الأولى.

3- أرباع الأخبار الجيدة: المتغير الأخير في «نموذج فير» هو ما يُعرف بـ«أرباع الأخبار الجيدة»، وهو عدد الأرباع خلال الفترة الرئاسية التي تجاوز فيها نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد 3.2 في المائة. وقد شهدت إدارة بايدن أربعة من هذه الأرباع، بينما شهدت إدارة ترمب ثلاثة أرباع قبل انتخابات 2020.

النتائج المتوقعة

استناداً إلى هذه المتغيرات الاقتصادية الثلاثة، بالإضافة إلى بعض العوامل غير الاقتصادية مثل مدة بقاء الحزب الحاكم في السلطة، يتنبأ «نموذج فير» بأن هاريس ستحصل على 49.5 في المائة من حصة الأصوات، وترمب على 50.5 في المائة. بمعنى آخر، السباق يكاد يكون متعادلاً وفقاً للمتوسطات الاستطلاعية.

لكن تاريخياً، أظهر النموذج الذي طوره فير أن التنبؤات الاقتصادية لم تكن دائماً دقيقة بشكل كامل. على سبيل المثال، في انتخابات 2016 توقع النموذج فوز ترمب في حين فازت هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي، بينما في انتخابات 2020 توقعت الاستطلاعات فوز بايدن بفارق أكبر مما حدث فعلياً. وبالتالي، تبقى التحليلات الاقتصادية مجرد مؤشر وليست يقيناً على النتائج النهائية.

يحمل أحد موظفي الاقتراع لفافة من ملصقات «لقد صوّت» بأحد مراكز الاقتراع في ديربورن بولاية ميشيغان (أ.ب)

التأثيرات غير الاقتصادية

علاوة على ذلك، فإن الصورة الاقتصادية التي يحملها الناس إلى صناديق الاقتراع قد تتغير بطرق لا يمكن لأي نموذج استيعابها. فقد أظهر تقرير التوظيف يوم الجمعة أن الولايات المتحدة أضافت 12 ألف وظيفة فقط الشهر الماضي، وقد تأثرت هذه الأرقام بشكل كبير بخسائر الوظائف الناتجة عن إعصاري هيلين وميلتون، وكذلك إضراب شركة «بوينغ». ولكن من يكتفي بقراءة العناوين قد يشعر بمزيد من التشاؤم.

أو قد يملأ الناخبون خزان وقودهم الثلاثاء ويصلون إلى استنتاج مختلف. فقد بلغ متوسط سعر غالون البنزين العادي يوم الاثنين 3.10 دولار، مقارنة بـ3.43 دولار قبل عام، وذروته في يونيو (حزيران) 2022 عند 5.02 دولار. وللبنزين تأثير كبير على نظرة الناس للتضخم، فهو شراء متكرر ويتم عرض سعره على لافتات بارزة.

وسواء فازت هاريس أو ترمب، فسوف يكون من الممكن الإشارة إلى الاقتصاد والقول بصدق: «هذا هو السبب». ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا لن يكون السبب الوحيد.


مقالات ذات صلة

من إمكانية التعادل والطعن إلى التنصيب... ما عليك معرفته عن عملية اختيار رئيس أميركي جديد

الولايات المتحدة​ أميركيون يدلون بأصواتهم ضمن الانتخابات الرئاسية في مركز اقتراع بأوهايو (أ.ف.ب)

من إمكانية التعادل والطعن إلى التنصيب... ما عليك معرفته عن عملية اختيار رئيس أميركي جديد

يتم الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية في بعض الأحيان بغضون ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع، لكن المنافسة الشديدة هذا العام قد تغير ذلك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أثينا الناشطة المتطوعة تكتب كلمة «تصويت» على الرصيف قرب مكتب اقتراع في فينيكس بولاية أريزونا في 4 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أريزونا... انتخابات رئاسية محمومة وسط نظريات المؤامرة

تشهد ولاية أريزونا الانتخابات الرئاسية الأميركية وسط نظريات المؤامرة المحمومة.

«الشرق الأوسط» (فينيكس (الولايات المتحدة))
الاقتصاد جانب من المعروضات في معرض فني بالعاصمة الصينية بكين حول الانتخابات الأميركية (أ.ف.ب)

«ترمب أم هاريس؟»... سؤال التريليون يوان في الصين

يبدو أن تأخير الإعلان عن تفاصيل واسعة النطاق لحزمة التحفيز الصيني التي طال انتظارها كان أمراً مقصوداً بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد رجل يمشي أمام شاشة إلكترونية تعرض سعر صرف الين الياباني الحالي مقابل الدولار والرسم البياني الذي يوضح حركته في طوكيو (رويترز)

الانتخابات الأميركية وتأثيرها الاقتصادي... بين رؤية ترمب وسياسات هاريس

تتجاوز آثار نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الحدود الأميركية، لتؤثر في الاقتصاد العالمي، وتحديداً أوروبا والصين.

مساعد الزياني (الرياض)
الاقتصاد رجل يدلي بصوته داخل مدرسة أنيا سيلفر الابتدائية في يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بنيويورك (رويترز)

صناديق الاقتراع الأميركية تحكم الأسواق

يعيش المستثمرون العالميون حالة من الترقب والتوتر مع توجه الأميركيين إلى صناديق الاقتراع الثلاثاء مما يختتم دورة انتخابية دراماتيكية في الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«أدنوك» الإماراتية تُرسي عقداً للتحكم بالآبار عبر حلول الذكاء الاصطناعي

ويبين لي نائب الرئيس لهندسة النفط والغاز في شركة «جيريه» وعبد المنعم الكندي المدير التنفيذي للاستكشاف والإنتاج في شركة «أدنوك» خلال توقيع العقد (الشرق الأوسط)
ويبين لي نائب الرئيس لهندسة النفط والغاز في شركة «جيريه» وعبد المنعم الكندي المدير التنفيذي للاستكشاف والإنتاج في شركة «أدنوك» خلال توقيع العقد (الشرق الأوسط)
TT

«أدنوك» الإماراتية تُرسي عقداً للتحكم بالآبار عبر حلول الذكاء الاصطناعي

ويبين لي نائب الرئيس لهندسة النفط والغاز في شركة «جيريه» وعبد المنعم الكندي المدير التنفيذي للاستكشاف والإنتاج في شركة «أدنوك» خلال توقيع العقد (الشرق الأوسط)
ويبين لي نائب الرئيس لهندسة النفط والغاز في شركة «جيريه» وعبد المنعم الكندي المدير التنفيذي للاستكشاف والإنتاج في شركة «أدنوك» خلال توقيع العقد (الشرق الأوسط)

قالت «أدنوك» الإماراتية اليوم (الثلاثاء)، إن وحدتها «أدنوك البرية» أرست عقداً بقيمة 3.38 مليار درهم (920 مليون دولار)، على شركة «جيريه أويل آند غاز» لتنفيذ أعمال الهندسة والمشتريات والتشييد لتركيب معدات الاستشعار عن بعد، وتشغيل الآبار في حقول «باب» و«بوحصا» و«جنوب شرق» البرية التابعة لها، وذلك لتوسعة نطاق برنامج تطبيق الحلول الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الآبار ليشمل تلك الحقول.

وأوضحت أنه من المخطط استكمال برنامج «أدنوك» لتطبيق الحلول الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الآبار عام 2027، وعند تطبيقه، سيقدم مجموعة من الخصائص التي تشمل مراقبة أكثر من 2000 بئر والتحكم فيها عن بعد، ورفع الكفاءة التشغيلية، وتعزيز السلامة من خلال تقليل وقت إيقاف التشغيل لإجراء عمليات الصيانة ورفع أداء الآبار، مشيرة إلى أن البرنامج الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي يستند إلى استراتيجية «أدنوك»، التي تهدف لتسريع استخدام التقنيات والحلول المتقدمة في مختلف مجالات ومراحل عملياتها.

وقال عبد المنعم الكندي، الرئيس التنفيذي لدائرة الاستكشاف والتطوير والإنتاج في «أدنوك»: «تسهم ترسية هذا العقد في تسريع تنفيذ برنامج (أدنوك) لتطبيق الحلول الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الآبار والتحكم الآلي بعملياتها، كما يدعم هدفها بأن تصبح شركة الطاقة الأكثر اعتماداً على الذكاء الاصطناعي في العالم». وتهدف «أدنوك» للاستفادة من مزايا التقنيات الرائدة في قطاع الطاقة لتحسين عملياتها، كما تستمر الشركة في التزامها بإعادة توجيه نسبة كبيرة من قيمة العقود التي تقوم بترسيتها إلى الاقتصاد المحلي، وستسهم القيمة المحلية الكبيرة التي يحققها هذا العقد في توفير مزيد من فرص النمو في المجال الصناعي للقطاع الخاص.

ومنذ عام 2006، تستخدم «أدنوك» برنامج تطبيق الحلول الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الآبار بعدد من الحقول البرية؛ وهي «مندر» و«جسيورة»، و«شمال شرق باب» الذي يعد أول «حقل ذكي» للشركة.

ويشمل البرنامج تركيب صمامات تحكم رقمية، ومعدات قياس وأجهزة أخرى لنقل بيانات العمليات التشغيلية في الوقت الفعلي من أجهزة الاستشعار المُركبة في الآبار وخطوط الأنابيب.

وبحسب معلومات «أدنوك»، فإنه سيتم إرسال تلك المعلومات إلى غرف التحكم باستخدام أكبر شبكة لاسلكية خاصة من الجيل الخامس (5G) مخصصة لقطاع الطاقة، تعمل «أدنوك» على بنائها بالتعاون مع «مجموعة إي آند»، مما يتيح الوصول إلى معلومات وبيانات فورية تغطي المتغيرات المهمة في الآبار، مثل درجة الحرارة والضغط.

واستناداً إلى هذه المعلومات، تقوم أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل حل «روبو وال RoboWell»، الذي طورته شركة «إيه آي كيو»، بتشغيل الآبار والتحكم بعملياتها بشكل آلي في الوقت الفعلي.