ميزانية السعودية تظهر استمرار النفقات الحكومية على المشاريع العملاقة

العجز تراجع 15% في الربع الثالث على أساس سنوي... وارتفاع الإيرادات 20% 

مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)
مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

ميزانية السعودية تظهر استمرار النفقات الحكومية على المشاريع العملاقة

مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)
مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)

يتضح من أداء الميزانية العامة السعودية في الربع الثالث من العام الحالي نيات الحكومة في مواصلة زيادة حجم الإنفاق على المشاريع العملاقة، إلى جانب حصد الإيرادات، مع سياسات تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والسيطرة بقدر الإمكان على العجز في الميزانية.

وكان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، صرّح بأن إدارة العجز في الميزانية إحدى أهم أولويات الحكومة، كاشفاً في الوقت ذاته عن تنفيذ استراتيجيات تهدف إلى إدارة الدين المستدام، وتغطية العجز من خلال عدة عوامل أبرزها: توجيه الدين لقطاعات اقتصادية تحقق عوائد أكثر، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية.

وأعلنت وزارة المالية السعودية عن الميزانية العامة للدولة خلال الربع الثالث 2024، حيث تُظهر تسجيل عجز بقيمة 30.23 مليار ريال (8.06 مليار دولار)، بانخفاض 15.6 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي (35.8 مليار ريال).

وبذلك يصل إجمالي العجز في الأشهر التسعة المنتهية في سبتمبر (أيلول) إلى 57.96 مليار ريال.

النفقات الحكومية

كما ارتفعت الإيرادات الحكومية بنسبة 20 في المائة في الربع الثالث مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، لتبلغ 309.21 مليار ريال (82.4 مليار دولار)، وارتفعت النفقات بنسبة 15 في المائة لتبلغ 339.44 مليار ريال في الفترة إياها.

وبلغت الإيرادات غير النفطية ما قيمته 118.3 مليار ريال بارتفاع 6 في المائة على أساس سنوي. لكنها كانت أقل بنحو 16 في المائة مقارنة بالربع الثاني من هذا العام. وفي المقابل، سجلت الإيرادات النفطية 190.8 مليار ريال، بنمو 30 في المائة على أساس سنوي، لكنها كانت أقل بنسبة 10 في المائة عن الربع الثاني من 2024.

وحتى الربع الثالث من العام الحالي، أظهرت الميزانية السعودية لـ2024 ارتفاع الإيرادات الفعلية لتصل 956.233 مليار ريال (254.9 مليار دولار)، مقارنة بالفترة نفسها من 2023 عندما سجلت نحو 854.306 مليار ريال (227.8 مليار دولار)، بزيادة قدرها 12 في المائة.

أداء الميزانية السعودية حتى الربع الثالث 2024

وتجاوز حجم النفقات نحو التريليون ريال (266.6 مليار دولار) حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي، قياساً بالفصل الثالث من العام الماضي، حيث كان حجم النفقات 898.259 مليار ريال (239.5 مليار دولار)، بزيادة بنسبة 13 في المائة. وبالتالي يصل حجم العجز في الميزانية خلال هذه الفترة 57.962 مليار ريال (15.4 مليار دولار).

رصيد الاحتياطي العام

وتوقعت وزارة المالية السعودية في تقريرها الربعي بلوغ حجم الإيرادات في العام الحالي 1.172 تريليون ريال (312.5 مليار دولار)، مقارنة بالنتائج الفعلية للميزانية في 2023 عند 1.212 تريليون ريال (323.2 مليار دولار)، وإجمالي مصروفات تصل 1.251 تريليون ريال (333.6 مليار دولار)، قياساً بالعام الماضي عند 1.293 تريليون ريال (344.8 مليار دولار)، وبعجز يبلغ 79 مليار ريال (21 مليار دولار)، بعد أن سجل نحو 80.9 مليار ريال (21.5 مليار دولار) في السنة السابقة.

وكشفت بيانات وزارة المالية عن وصول رصيد الاحتياطي العام للدولة حتى نهاية الربع الثالث 390.079 (104 مليارات دولار)، والحساب الجاري 76.675 مليار ريال (20.4 مليار دولار)، وتسجيل الدين العام سواء الداخلي والخارجي لآخر الفترة نحو 1.157 تريليون ريال (308.7 مليار دولار).

مشروعات التنمية

وأكد عضو مجلس الشورى فضل بن سعد البوعينين لـ«الشرق الأوسط» أن زيادة النفقات في الميزانية ترتبط باستكمال مشروعات التنمية وبرامج «رؤية 2030»، إضافة إلى تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، ما نتج عنه تسجيل عجز بنحو 58 مليار ريال، «غير أن من المهم في الأرقام المعلنة نمو الإيرادات غير النفطية 6 في المائة، والتي ستسهم مستقبلاً في تحقيق الاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل؛ إضافةً إلى نمو الإيرادات النفطية بنسبة 16 في المائة».

وقال البوعينين «من المهم النظر إلى الميزانية السعودية من منظور تنموي إصلاحي، وبما يساهم في قراءة ما خلف الأرقام المعلنة، وبشكل عام تنتهج الحكومة سياسة إنفاق توسعية لاستكمال برامج التنمية قبل عام 2030».

واستطرد «ما زالت الإصلاحات المالية والاقتصادية قائمة، ومن المهم أن تمضي حسب المخطط لها مع التركيز على ضبط الدين العام».

خدمات المواطنين

بدوره، ذكر عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتور محمد مكني لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تنتهج خلال السنوات الأخيرة سياسة الإنفاق التوسعي لأسباب رئيسية تتمثل في إكمال مشروعات «رؤية 2030».

ولفت إلى مواصلة الحكومة في دعم المشاريع التنموية وأنظمة الرعاية والحماية الاجتماعية، مؤكداً أن هذا أمر في غاية الأهمية وأيضاً تحسين جودة الخدمات في القطاع الصحي، والتعليم، وجودة الحياة، ما ينعكس على الخدمات المقدمة للمواطنين.

ويعتقد الدكتور مكني أن ميزانية الربع الثالث تظهر بشكل واضح جميع الأنشطة النفطية وغير النفطية وتحقيقها نمواً إيجابياً، مما انعكس على الإيرادات.

الأنشطة غير النفطية

من ناحيته، قال المحلل الاقتصادي والأكاديمي في جامعة الملك فيصل، الدكتور محمد دليم القحطاني لـ«الشرق الأوسط»: «حصل انخفاض في العجز في الربع الثالث مقارنة بالربع المماثل من العام 2023، وذلك نتيجة لارتفاع الإيرادات مقارنة بالفترة السابقة، وفي المقام الأول نمو الأنشطة غير النفطية، بالإضافة إلى كفاءة الإنفاق الحكومي والتي ساهمت بارتفاع الإيرادات وتراجع العجز».

أضاف «هناك تركيز عالٍ على الأنشطة غير النفطية، ولصندوق الاستثمارات العامة هنا دور كبير في دعم القطاع الخاص والأنشطة غير النفطية بهدف تحقيق رؤية 2030... كما تعمل المملكة على تحقيق توازن في النمو الاقتصادي من أجل أن تكون لدينا استدامة مالية ومن أجل تنمية الإيرادات غير النفطية».

وأضاف أن هناك قطاعات واعدة، سواء السياحة أو الثقافة أو الترفيه والتي حققت نمواً مرتفعاً، وإنها قصص نجاح ولها دور كبير في تعزيز الإيرادات غير النفطية.

وأشار إلى رقم العجز المسجل في الربع الثالث وأنه أقل مما كان متوقعاً، «متوقعاً أن تكون أرقام الربع الرابع أفضل أيضاً في ظل توقعات تحسن أسعار النفط».


مقالات ذات صلة

110 تشريعات تعزز البيئة التجارية في السعودية

الاقتصاد المركز السعودي للأعمال (الشرق الأوسط)

110 تشريعات تعزز البيئة التجارية في السعودية

تمكنت السعودية من إصدار وتطوير أكثر من 110 تشريعات خلال الأعوام الثمانية الأخيرة، التي عززت الثقة في البيئة التجارية وسهلت إجراءات بدء وممارسة الأعمال.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد الزيادة الكبيرة في الطلبات الجديدة تؤكد نجاح التركيز الاستراتيجي لـ"رؤية 2030" (الشرق الأوسط)

نمو القطاع الخاص السعودي بأسرع وتيرة في 6 أشهر مدعوماً بقوة الطلب

دفع تحسن ظروف أعمال القطاع الخاص غير المنتج للنفط في السعودية، مؤشر مديري المشتريات لأعلى مستوى له منذ 6 أشهر خلال أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)

ميزانية السعودية... استمرار الإنفاق على المشاريع العملاقة

يتضح من أداء الميزانية العامة السعودية للربع الثالث من العام الحالي عزم الحكومة على مواصلة زيادة حجم الإنفاق الرأسمالي على المشاريع العملاقة، توازياً مع السعي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ناقلة نفط يتم تحميلها في مصفاة رأس تنورة النفطية التابعة لـ«أرامكو السعودية» (رويترز)

انخفاض إنتاج النفط 9.3 % في السعودية خلال 2023

انخفض إنتاج النفط الخام في السعودية بنسبة 9.3 في المائة، في عام 2023، على أساس سنوي، حيث بلغ 3506 ملايين برميل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد «منتدى الأعمال التركي - السعودي» نحو دفع التعاون والتبادل التجاري

«منتدى الأعمال التركي - السعودي» نحو دفع التعاون والتبادل التجاري

شهد «منتدى الأعمال التركي - السعودي» توقيع 10 اتفاقيات تعاون في كثير من القطاعات.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

القطاع الخاص اللبناني يسجل أدنى مستوى له في 44 شهراً

صورة عامة لمنطقة وسط بيروت (رويترز)
صورة عامة لمنطقة وسط بيروت (رويترز)
TT

القطاع الخاص اللبناني يسجل أدنى مستوى له في 44 شهراً

صورة عامة لمنطقة وسط بيروت (رويترز)
صورة عامة لمنطقة وسط بيروت (رويترز)

شهد أداء القطاع الخاص اللبناني في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 أسوأ أداء له منذ أكثر من 3 سنوات ونصف؛ حيث أظهر مؤشر مديري المشتريات الرئيسي تدهوراً حاداً في نشاط القطاع. ويعود هذا التراجع إلى ازدياد الضغوط الناتجة عن الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» التي ألقت بظلالها على مختلف جوانب الاقتصاد.

فقد أشار مؤشر مديري المشتريات الرئيسي الصادر عن بنك «لبنان والمهجر» التابع لـ«ستاندرد آند بورز» إلى تدهور النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص اللبناني، بأسرع وتيرة له في أكثر من 3 سنوات ونصف خلال شهر أكتوبر 2024. وسجلت مؤشرات الإنتاج والطلبيات الجديدة -وخصوصاً الأعمال الواردة من العملاء الدوليين- تراجعاً حاداً، نتيجة لتوسّع نطاق الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في مختلف أنحاء لبنان. كما أثّر انقطاع سلاسل التوريد سلباً على الأنشطة الشرائية ومخزونات الشركات، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في ثقة الشركات، بسبب المخاوف من استمرار المواجهات العسكرية أو تصاعد حدتها.

وأظهرت بيانات المسح الأخيرة زيادة في الضغوط التضخمية على الأسعار نتيجة لتصاعد الصراع؛ حيث أفادت التقارير بأن الموردين قد رفعوا أتعابهم، ما دفع شركات القطاع الخاص اللبناني إلى رفع أسعار السلع والخدمات بشكل ملحوظ.

وانخفض مؤشر مديري المشتريات بمقدار نقطتين من 47 نقطة في سبتمبر (أيلول) 2024 إلى 45 نقطة في أكتوبر 2024، وهي أدنى قراءة منذ أكثر من 3 سنوات. ويُعزى هذا الانخفاض الكبير إلى تراجع مستوى الطلب بشكل رئيسي من العملاء الدوليين؛ حيث شهدت الطلبيات الجديدة للتصدير انخفاضاً ملحوظاً خلال الشهر الماضي. وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى أن العملاء الدوليين تراجعوا عن تقديم طلبيات جديدة؛ ليس فقط بسبب الحرب في لبنان؛ بل نتيجة للصراع في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وكان هذا الانخفاض في مبيعات التصدير هو الأكثر وضوحاً منذ مايو (أيار) 2020.

على صعيد التوظيف، شهد القطاع الخاص اللبناني انخفاضاً في أعداد الموظفين بسبب انكماش الأعمال الجديدة الواردة؛ لكن هذا الانخفاض كان طفيفاً نسبياً بشكل عام. ومع ذلك، استُنفدت الأعمال غير المنجزة بأعلى معدل لها في أكثر من عامين ونصف، نتيجة للضعف الملحوظ في مستوى الطلب.

من جهة العرض، أظهرت بيانات المسح لشهر أكتوبر أن الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» قد تسببت في انقطاع سلاسل التوريد، مما أدى إلى تأخير مواعيد تسليم الموردين بأعلى معدل منذ مارس (آذار) 2023. وسبَّب هذا التأخير في حركة السلع -وخصوصاً عبر وسائل النقل البري- إعاقة كبيرة في تدفق الإمدادات. كما خفضت الشركات اللبنانية أنشطتها الشرائية بأعلى معدل منذ يوليو (تموز) 2021 بسبب المخاوف الأمنية، مما أسفر عن تراجع مخزون المشتريات بأعلى معدل في أكثر من 4 أعوام. ولجأت بعض الشركات إلى استخدام المخزونات المتاحة لتعويض نقص المواد في السوق.

وأفاد المشاركون في الاستطلاع أيضاً بارتفاع أسعار المشتريات التي تتحملها الشركات اللبنانية، نتيجة لزيادة أتعاب الموردين بسبب الحرب؛ حيث سجل معدل التضخم العام لأسعار مستلزمات الإنتاج أعلى مستوى له في 19 شهراً. وفي ظل هذه الظروف، رفعت شركات القطاع الخاص اللبناني أسعار السلع والخدمات بأعلى معدل في أكثر من عام ونصف.

وأخيراً، تراجعت ثقة الشركات إلى أدنى مستوى لها في 16 شهراً، بسبب المخاوف من تأثير استمرار الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» على توقعات الإنتاج المستقبلي.

وتعليقاً على نتائج مؤشر مديري المشتريات لشهر أكتوبر 2024، قال المدير العام لبنك «لبنان والمهجر»، الدكتور فادي عسيران: «من المؤلم أن نظرة شركات القطاع الخاص اللبناني تظل تشاؤمية بشأن توقعات النشاط التجاري خلال العام المقبل؛ حيث يتوقع 84 في المائة من المشاركين في الاستطلاع تراجعاً في مستوى النشاط التجاري خلال الاثني عشر شهراً القادمة».