مصير الفائدة الأميركية يحدّده «سيّد» البيت الأبيض

«الفيدرالي» يتأهب لتجاوز اللايقين الانتخابي بخفض ربع نقطة مئوية

البيت الأبيض (أ.ب)
البيت الأبيض (أ.ب)
TT

مصير الفائدة الأميركية يحدّده «سيّد» البيت الأبيض

البيت الأبيض (أ.ب)
البيت الأبيض (أ.ب)

في وقت يُتوقع فيه على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية، مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي قد لا تكون حُسمت بعد، يحاول خبراء الاقتصاد التنبؤ بكيفية تغير سياسة أسعار الفائدة التي ينتهجها «الاحتياطي الفيدرالي» بالسنوات المقبلة في ظل رئيس جديد.

فبعد يومين من إغلاق صناديق الاقتراع، ستعلن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي يرأسها رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول، عن قرارها بشأن أسعار الفائدة.

ومن المرجح أن يمضي المسؤولون قدماً في خفض ربع نقطة مئوية، وهو استئناف لوتيرة أكثر تقليدية من التيسير بعد خفض نصف نقطة مئوية أكبر من المعتاد في سبتمبر (أيلول). ومن شأن هذه الخطوة أن تخفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى نطاق مستهدف جديد يتراوح بين 4.5 و4.75 في المائة، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» (الموقع الرسمي)

وقال إريك روزنغرين، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن: «لا يزال سعر فائدة على الأموال الفيدرالية بالقيمة الحقيقية مرتفعاً جداً، وهم لا يريدون إبطاء الاقتصاد بشكل مفرط، لذلك من المنطقي الاستمرار في خفضه تدريجياً ما لم تتغير الظروف».

ويدعم القرار الدليل على أن الاقتصاد الأميركي ينمو بقوة - مدعوماً بسوق عمل صحية ومستهلكين يواصلون الإنفاق - حتى مع انخفاض التضخم. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث، وهو أقل قليلاً من الفترة السابقة، لكنه لا يزال يشير إلى توسع صحي. لكن تقرير الوظائف الصادر يوم الجمعة، أظهر مكاسب في الرواتب بلغت 12 ألفاً فقط لشهر أكتوبر (تشرين الأول)، مما يمثل أسوأ شهر في فترة جو بايدن رئيساً.

شاشة تعرض مؤشر «داو جونز» الصناعي بعد جرس الإغلاق على أرضية بورصة نيويورك للأوراق المالية (رويترز)

ويتوقع أغلب خبراء الاقتصاد انتعاش نمو الوظائف، مع وجود إشارات قليلة إلى أن المكاسب الباهتة التي تحققت في أكتوبر كانت مقدمة لضعف حاد.

وقال جيمس بولارد، الذي ترك منصبه رئيساً لبنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس بالصيف الماضي، ليصبح عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة بيردو: «لقد تلاشت قصة الركود تماماً الآن. وهذا يتفق مع فكرة أن اللجنة تريد أن تتحرك ببطء مع خفض أسعار الفائدة في المستقبل».

مركز اقتراع في آن أربور بولاية ميشيغان حيث أدلى الناس بأصواتهم المبكرة شخصياً (أ.ف.ب)

والسؤال الذي يلاحق المسؤولين هو مدى السرعة التي يمكن بها الوصول إلى مستوى محايد من أسعار الفائدة لم يعد يقمع النمو، ولكنه لا يحفزه أيضاً. والهدف هو إعادة التضخم إلى هدف 2 في المائة الذي ظل قائماً منذ فترة طويلة، وهي المهمة التي تبدو معقولة بشكل مزداد دون خسائر كبيرة في الوظائف.

وبدءاً من سبتمبر، انخفض مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي إلى 2.1 في المائة، على الرغم من أن التضخم الأساسي يستبعد المواد الغذائية والطاقة المتقلبة - وهو المقياس المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي لضغوط الأسعار الأساسية - لا يزال مرتفعاً عند 2.7 في المائة.

وفي الأسابيع الأخيرة، أيد مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي خفضاً تدريجياً لتكاليف الاقتراض، مشيرين إلى أن إعادة خفض سبتمبر بنصف نقطة مئوية لا تُنظر إليها على أنها ضرورية. لكنهم لم يقدموا بعد تفاصيل حول ما يعنيه ذلك في الممارسة العملية.

الانتخابات وقرار الخميس

تشكل الانتخابات الرئاسية الأميركية أهمية كبيرة بالنسبة لاجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يومي الأربعاء والخميس واجتماعاته المستقبلية. فقد رسم كل من المرشحين برامج اقتصادية مختلفة تمام الاختلاف، وهو ما قد يؤدي إذا تم تنفيذه إلى تغيير آفاق النمو والتضخم بشكل ملموس.

رجل يرتدي زي العم سام يتعرف عليه ترمب خلال تجمع انتخابي في ولاية كارولاينا الشمالية (أ.ف.ب)

ومن جهته، روّج الرئيس السابق دونالد ترمب للعودة إلى سياسة تجارية أكثر حمائية مع فرض مجموعة شاملة من التعريفات الجمركية، بالإضافة إلى خفض الضرائب على الشركات والحملة الصارمة على الهجرة. كما أشار إلى تفضيله أن يكون له رأي أكبر في قرارات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي - وهو توغل مقلق في استقلال المؤسسة الذي دام طويلاً إذا تحقق.

في حين ركزت نائبة الرئيس كامالا هاريس على توسيع شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد، التي يتم دفعها من خلال الضرائب الأعلى على الأثرياء، مع الحفاظ على استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

ويشير التحليل الأولي لمعظم خبراء الاقتصاد إلى أن خطة ترمب ستكون أكثر تضخماً من خطة هاريس، وقد تؤثر أيضاً على النمو. لكن السياسات التي يتم سنّها بالفعل - وبالتالي تأثيرها الاقتصادي - ستعتمد بشكل أساسي على كيفية تقسيم السلطة بين غرفتي الكونغرس.

السياسة النقدية بين هاريس وترمب

ويتوقع المحللون أن يستمر الاقتصاد في النمو تحت قيادة هاريس أو ترمب. ومع ذلك، يقدم كل منهما سيناريوهات اقتصادية مختلفة اعتماداً على السياسات التي ينتهجها.

وفي حين لا يدافع مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي عن المقترحات السياسية، فقد قالوا إنهم مستعدون لوضع كيف ستؤثر السياسات المالية على الاقتصاد في الحسبان. وفي حدث أقيم مؤخراً، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري: «نحن نأخذ أي سياسات يسنها الكونغرس ويوقع عليها الرئيس بوصفها قانوناً كمدخلات لتحليلنا للاقتصاد. سواء كانت رسوماً جمركية أو ضرائب أو إنفاقاً، فإن كل ذلك يدخل في تحليلنا إلى أين نعتقد أن الاقتصاد الأميركي يتجه».

ويرى خبراء اقتصاد أنه إذا فاز ترمب، فقد يكون النمو أسرع، مما يدفع التضخم إلى الارتفاع، وفي هذه الحالة، من المرجح أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة أعلى، خصوصاً إذا تم سن تعريفات جمركية عدوانية.

ووفق تقرير أعده فريق من الخبراء في «دويتشه بنك»، هناك سيناريوهان مختلفان لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في ظل رئاسة ترمب، اعتماداً على ما إذا كانت إدارته قادرة على سن زيادات التعريفات الجمركية الواسعة التي اقترحها. فإذا لم يتم رفع التعريفات بشكل كبير، من المتوقع أن تنتج رئاسة ترمب نمواً أعلى من الضرائب المنخفضة ومزيداً من التحرير، على الرغم من أن سياسة الهجرة الأكثر صرامة قد تضيف بعض الرياح المعاكسة للتوسع الاقتصادي، في الولايات المتحدة ماثيو لوزيتي.

وقال خبراء الاقتصاد إنه في هذا السيناريو، قد يحتاج «الاحتياطي الفيدرالي» إلى إبقاء أسعار الفائدة أعلى من المخطط لها حالياً لمنع التضخم من الاشتعال مرة أخرى.

أما إذا تمكن ترمب من تمرير سياسة التعريفات الجمركية المقترحة، فيرى محللو «دويتشه بنك» أن التضخم من المرجح أن يتحرك إلى أعلى. ومن المحتمل أن يجبر ذلك «الاحتياطي الفيدرالي» على رفع أسعار الفائدة، خصوصاً إذا كان المستهلكون يتوقعون استمرار ارتفاع التضخم.

أما إذا فازت هاريس في الانتخابات، فقال «دويتشه بنك» إن رئاستها لا يُتوقع أن تجلب الارتفاع نفسه في النمو كما في سيناريو ترمب، مما قد يسمح لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بشكل أكثر عدوانية مما يتوقعه حالياً.

امرأة تحمل لافتة لكامالا هاريس مكتوباً عليها «عندما نقاتل نفوز» (رويترز)

في المقابل، قال خبراء الاقتصاد إن فوز هاريس، التي لم تقترح أنواع التخفيضات الضريبية العدوانية أو إلغاء القيود التنظيمية التي اقترحها ترمب، قد يؤدي إلى تباطؤ النمو، مما قد يسمح لبنك الاحتياطي الفيدرالي بمواصلة خفض أسعار الفائدة.

وقال برنارد ياروس، كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في «أكسفورد إيكونوميكس»، إن رئاسة هاريس قد تغير حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي بطرق مختلفة. وأضاف في مؤتمر عبر الهاتف حول تأثيرات الانتخابات: «إن السياسات، خصوصاً رعاية الأطفال، هي التي تزيد من المعروض من العمالة؛ إنها تزيد من حد السرعة للاقتصاد. لذا عندما نعزز النمو من خلال زيادة المعروض من العمالة، فهذا ليس تضخمياً. إنه يسمح للاقتصاد بالعمل بمعدل نمو أسرع دون إطلاق العنان للتضخم الزائد».


مقالات ذات صلة

ترمب يعد بـ«قيادة الولايات المتحدة والعالم» نحو «قمم مجد جديدة»

الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري دونالد ترمب يتحدث للحشود في غراند رابيدز في ولاية ميشيغان (أ.ف.ب) play-circle 01:17

ترمب يعد بـ«قيادة الولايات المتحدة والعالم» نحو «قمم مجد جديدة»

تعهد المرشح الجمهوري دونالد ترمب اليوم (الثلاثاء) «بقيادة الولايات المتحدة والعالم» نحو «قمم مجد جديدة» في كلمته الختامية في تجمعه الانتخابي الأخير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في بورصة الذهب الكورية بسيول (رويترز)

الذهب مستقر قبل الانتخابات الأميركية واجتماع الاحتياطي الفيدرالي

احتفظت أسعار الذهب بمكانتها يوم الثلاثاء مع ابتعاد المستثمرين عن تكوين مراكز كبيرة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية واجتماع الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ شعار وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية الأميركية

الاستخبارات الأميركية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات

كثف كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركية، يوم الاثنين، تحذيراتهم بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات، خصوصا من جانب روسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس في صورة مركبة (أ.ف.ب)

أميركا المنقسمة تقترع... ورهان على الإقبال

يدلي عشرات الملايين من الأميركيين، اليوم، بأصواتهم لتُضاف إلى قرابة 77 مليوناً آخرين اقترعوا باكراً في انتخابات تاريخية، لاختيار الرئيس السابع والأربعين.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ تيم والز المرشح لمنصب نائب الرئيس خلال تجمع انتخابي لحملة كامالا هاريس في ويسكونسن (رويترز)

حملة هاريس تحذر: صدور نتائج الانتخابات الرئاسية قد يستغرق «أياما عدة»

أعلنت حملة المرشّحة الديموقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هاريس الإثنين أنّ صدور النتائج النهائية للانتخابات المقررة الثلاثاء قد يستغرق "أياما عدة".

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نمو القطاع الخاص السعودي بأسرع وتيرة في 6 أشهر مدعوماً بقوة الطلب

الزيادة الكبيرة في الطلبات الجديدة تؤكد نجاح التركيز الاستراتيجي لـ"رؤية 2030" (الشرق الأوسط)
الزيادة الكبيرة في الطلبات الجديدة تؤكد نجاح التركيز الاستراتيجي لـ"رؤية 2030" (الشرق الأوسط)
TT

نمو القطاع الخاص السعودي بأسرع وتيرة في 6 أشهر مدعوماً بقوة الطلب

الزيادة الكبيرة في الطلبات الجديدة تؤكد نجاح التركيز الاستراتيجي لـ"رؤية 2030" (الشرق الأوسط)
الزيادة الكبيرة في الطلبات الجديدة تؤكد نجاح التركيز الاستراتيجي لـ"رؤية 2030" (الشرق الأوسط)

توسَّع القطاع الخاص غير المنتج للنفط في السعودية للشهر الثالث على التوالي في أكتوبر (تشرين الأول)، مدفوعاً بارتفاع الطلبات الجديدة إلى أعلى مستوياتها منذ مارس (آذار).

فقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الرياض، من 56.3 نقطة في سبتمبر (أيلول) إلى 56.9 نقطة في أكتوبر، مع تحسن في ظروف التشغيل.

وبحسب قراءة المؤشر، يعود هذا الارتفاع الكبير الى الزيادة الحادة في المبيعات، وهو ما ساعد على المزيد من التوسع في النشاط التجاري والتوظيف ونشاط المشتريات والمخزونات.

وتوسعت الشركات في مستويات نشاطها التجاري، كما واصلت إبداء توقعات إيجابية للنشاط المستقبلي.

كما تسارعت وتيرة نمو شراء مستلزمات الإنتاج بعد تسجيل أدنى مستوى لها في 3 سنوات في سبتمبر، وإن ظلت ضعيفة مقارنة بالمستويات التي شهدتها بداية العام، حيث أفاد كثير من الشركات بوجود مخزون كاف.

لكن المؤشر ذكر أن التحسن القوي على مستوى القطاع ككل، كان مصحوباً بتراكم ضغوط التكلفة الخاصة في كل من المواد والموظفين، ما أدى بدوره إلى أول زيادة في متوسط أسعار المنتجات والخدمات في أربعة أشهر.

وقال الخبير الاقتصادي الأول في بنك الرياض، "إن القطاع الخاص غير المنتج للنفط في السعودية حافظ في أكتوبر على مساره التصاعدي، حيث ارتفع مؤشر مديري المشتريات من 56.3 نقطة إلى 56.9 نقطة، وهو ما يشير إلى قوة الاقتصاد على مستوى البلاد". وذكر أن هذا النمو يعدّ جزءاً من اتجاه التوسع المطرد منذ سبتمبر 2020، مدفوعاً بالطلب المتزايد ويتماشى مع أهداف "رؤية 2030".

وقال الغيث إن "الزيادة الكبيرة في الطلبات الجديدة هذا الشهر مع وصول مؤشر الطلبات الجديدة إلى أعلى نقطة له منذ مارس تؤكد نجاح التركيز الاستراتيجي لرؤية 2030 على الابتكار وتطوير البنية التحتية".

ولفت إلى أنه في ظل هذا التوسع المستمر، "من المتوقع أن تتجاوز مساهمة القطاع غير المنتج للنفط 52 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يحقق نمواً يزيد عن 4 في المائة في 2024، ما يعكس التنفيذ الناجح لـ"رؤية 2030" والمشاريع المرتبطة بها".