«مبادرة مستقبل الاستثمار» تحدد مسارات الاقتصادات العالمية

«الانتخابات الأميركية» و«مصير الفائدة» يحضران في الجلسات الحوارية بالرياض

ياسر الرميان يتحدث للحضور في «مبادرة مستقبل الاستثمار» (الشرق الأوسط)
ياسر الرميان يتحدث للحضور في «مبادرة مستقبل الاستثمار» (الشرق الأوسط)
TT

«مبادرة مستقبل الاستثمار» تحدد مسارات الاقتصادات العالمية

ياسر الرميان يتحدث للحضور في «مبادرة مستقبل الاستثمار» (الشرق الأوسط)
ياسر الرميان يتحدث للحضور في «مبادرة مستقبل الاستثمار» (الشرق الأوسط)

حضر كبار الشخصيات الأكثر نفوذاً بعالم المال والأعمال في العالم إلى الرياض للمشاركة في النسخة الثامنة من مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وذلك لبحث مسارات الاقتصاد العالمي في ظل التطورات المتسارعة التي يمر بها.

ويتوقع أن يشهد هذا الحدث الذي يطلق عليه «دافوس الصحراء»، عقد صفقات بقيمة 28 مليار دولار بعدما كان سجل صفقات بقيمة 125 ملياراً في السنوات السبع الماضية.

ويأتي هذا المؤتمر الذي ينعقد على مدى ثلاثة أيام تحت شعار «أفق لا متناهٍ... الاستثمار اليوم لصياغة الغد» الذي يشارك فيه أكثر من 7000 مشارك و600 متحدث عالمي، قبل أيام معدودة على الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يراقب العالم تداعيات تغيير القيادة في أكبر اقتصاد في العالم.

ومن ثمّ، فهو يشكّل فرصة لتناول مواضيع عالمية مهمة مثل أسعار الفائدة المنخفضة وتأثيرها على الأسواق، وأسعار النفط وتطورات الذكاء الاصطناعي، وغيرها.

جانب من حضور المعرض المصاحب لـ«مبادرة مستقبل الاستثمار» (الشرق الأوسط)

كما يشكل منبراً تعلن عبره مؤسسات عالمية جديدة افتتاح مكاتب لها في الرياض، حيث بات عدد الشركات التي تتخذ من العاصمة السعودية مقراً إقليمياً لها حالياً يبلغ 540 شركة عالمية في تجاوز لمستهدفات 2030 البالغة 500 شركة، وفق ما كشف وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح.

وهو حال مصرف الاستثمار العالمي «غولدمان ساكس» الذي أعلن افتتاح مكتب جديد في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض، مما يعزز وجوده لدى أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.

في حين يدرس بنك «باركليز» العودة مجدداً إلى السوق السعودية، مع تطلعه للاستفادة من حاجة المملكة المتزايدة للوصول إلى أسواق المال العالمية.

مشاريع «السيادي» السعودي

كان المؤتمر مناسبة ليعلن ياسر الرميان محافظ «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي، الذي يدير أصولاً تتجاوز 900 مليار دولار، عن خطط لتقليص حيازات الصندوق الأجنبية من 30 في المائة إلى 18 - 20 في المائة، مع تكثيف تركيزه على المشاريع المحلية. وشدد على أن السعودية تتمتع بمكانة جيدة للغاية لتصبح مركزاً عالمياً، وليس فقط إقليمياً، في مجال الذكاء الاصطناعي.

وقال الرميان: «نواجه اليوم تحديات عالمية مترابطة تتطلب حلولاً مبتكرة، حيث يسلط مؤتمر هذا العام الضوء على قضايا ملحة مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، والتفاوت في الرعاية الصحية، وكلها تمتد عبر الحدود. ومع ذلك، فإن هذه التحديات تفتح مسارات للتقدم، وهو ما يعنيه شعار هذا الحدث (أفق لا متناهٍ... الاستثمار اليوم لصياغة الغد)، الذي يجسد رؤية للاستثمار في المستقبل بهدف وطموح».

وشرح أنه رغم أهمية العوائد المالية، فإن الاستثمارات التي تحقق تأثيراً إيجابياً على المجتمع والبيئة هي الأكثر استدامة، والأسواق الناشئة خير دليل على ذلك، حيث أثبتت الاستثمارات الطويلة الأجل قدرتها على تحقيق عوائد مجزية وتحفيز التنمية المستدامة، والعالم لا يزال غنياً بالإمكانات غير المستغلة.

وأكمل بأن قطاع الطاقة يعد من أهم القطاعات التي تستدعي الاستثمار الهادف، ويتطلب الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، واستثمارات طويلة الأجل وتعاوناً وثيقاً بين القطاعين العام والخاص.

كما تسعى المملكة إلى تحقيق توازن بين احتياجات الطاقة الحالية وبناء مستقبل مستدام للأجيال المقبلة. وعلى سبيل المثال، استثمرت الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال الطاقة أكثر من 65 مليار دولار في التقنيات المنخفضة الكربون منذ عام 2017.

وتوقع تفوق اقتصادات الأسواق الناشئة على الأسواق المتقدمة في عام 2030، «ما يؤكد الحاجة إلى استثمارات استراتيجية في المجالات التي ستقود الاقتصاد العالمي».

وتنبأ الرميان بأن يساهم الذكاء الاصطناعي بما يقرب من 20 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، مما يؤكد إمكاناته بوصفه حجر أساس للقوة الاقتصادية الوطنية.

الرئيس التنفيذي لمؤسسة «مبادرة مستقبل الاستثمار» خلال حديثه إلى حضور المؤتمر (الشرق الأوسط)

من جهته، أوضح الرئيس التنفيذي لمؤسسة «مبادرة مستقبل الاستثمار»، ريتشارد أتياس: «نحن على مفترق طرق وخياراتنا ستحدد ملامح العصر»، وقال إن الجهود الجماعية ستخلق عالماً أكثر شمولاً واستدامة.

مواجهة التوترات الجيوسياسية

بدوره، ذكر وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أن المملكة استطاعت مواجهة مختلف التوترات الجيوسياسية عالمياً بفضل متانة اقتصادها، مبيناً أن «رؤية 2030» جعلت الاقتصاد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها التوترات الجيوسياسية في المنطقة.

واستطرد الفالح في جلسة من ضمن فعاليات مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في نسخته الثامنة بالرياض، أنه «رغم الصدمات التي شهدناها ومن بينها أسواق النفط، كان الاقتصاد السعودي ثاني أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نمواً، كاشفاً العزم على ضخ استثمارات إضافية في قطاع البتروكيماويات».

ووفق الفالح، رغم الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط، زاد الناتج المحلي في السعودية بنسبة 70 في المائة منذ إطلاق «رؤية 2030»، وإن الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة متقدم على الأجندة التي جرى تحديدها العام الماضي والتي بلغت قيمتها 26 مليار دولار.

وزاد أن هناك 540 شركة نقلت مَقَارّها الإقليمية إلى الرياض، وهو ما يتجاوز مستهدف «رؤية 2030» البالغ 500 مقر، مضيفاً: «المستثمرون لا يأتون إلى ‫السعودية بسبب تسارع نمو اقتصادها فقط، ولكن لاتخاذها مركزاً لانطلاق أعمالهم إلى المنطقة والعالم، وبعض الشركات العالمية المشاركة في الحدث ‫ ستعلن تباعاً عن اتخاذ الرياض مقراً إقليمياً لها».

وأبان أن السعودية ستصنع التغيير، وسيكون لها الدور الأكبر في توفير منظومة قادرة على احتضان الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات في المنطقة.

وقال نائب رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الوطني محمد التويجري، إن السعودية جاهزة لمواصلة التحول الاقتصادي، أياً كان وضع الاقتصاد عالمياً.

وأضاف أن المملكة شرعت في رحلة تحول اقتصادي لافتة خلال الفترة الماضية، وأسست مؤسسات وبنية أساسية وتواصلت مع مستثمرين عالميين.

الصناديق السيادية الخليجية

من ناحية أخرى، أفصح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي لـ«الشرق الأوسط» عن بلوغ حجم الصناديق السيادية الخليجية التي تمتلك استثمارات في العالم ما نسبته 33 في المائة من إجمالي الاستثمارات الدولية، وأن القيمة السوقية في الاستثمار الخارجي للدول الأعضاء تتجاوز 3.2 تريليون دولار.

وبيّن البديوي أن أهمية الحدث تكمن في المكانة العالية والرفيعة المستوى والصدقية الكبيرة التي أمست تحظى بها السعودية في الأوساط الإقليمية والدولية، موضحاً أن حضور كبرى شركات الاستثمار بالعالم والمسؤولين من الدول من رؤساء ووزراء يؤكد أن المملكة أمست لاعباً أساسياً في مجال الاستثمار، سواء استقطاب فرص الاستثمار إليها وإلى دول مجلس التعاون أو الاستثمار في الأسواق العالمية.

من جهته، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

التعاون السعودي - المصري

وواصل مدبولي، خلال إحدى الجلسات الحوارية على هامش «مبادرة مستقبل الاستثمار»، أن هناك تعاوناً مصرياً سعودياً وثيقاً في مجالات النقل وربط المواني، كاشفاً عن الرغبة المشتركة لدى البلدين في التحول لمركز إقليمي للنقل اللوجيستي وسلاسل الإمداد.

وأردف: «أحرص على متابعة منجزات رؤية 2030 من قرب من منطلق وحدة المصير والمسار بين البلدين».

وفيما يخص الحدث، بيّن رئيس الوزراء المصري أن مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» سلط الضوء على جهود التنمية في المملكة.

من جانبها، كشفت الرئيسة التنفيذية للاستثمار في «نيوم»، الدكتورة منار المنيف لـ«الشرق الأوسط»، عن وجود أكثر من 3 آلاف عقد تم توقيعها بقيمة تتجاوز 60 مليار دولار، مؤكدةً أن حجم الإنجازات خلال السنوات السبع منذ إطلاق المشروع «مُشرف».

وطبقًا للمنيف، من أهم الإنجازات الحالية الترحيب بأول الزوار لجزيرة «سندالة»، وهي أولى الوجهات التي افتُتحت في «نيوم»، لإعطاء الزوار لمحة عن المشروع وما تمثله المنطقة للعالم.

وأشارت إلى استمرارية الأعمال في المشاريع «على قدم وساق»، وأنها تسير بالسرعة نفسها بحسب الخطة المرصودة والجدول الزمني، مبينةً أنه تم إنجاز نحو 500 كيلومتر من الطرقات، منها 350 كيلو من «الفايبر أوبتكس»، والمنطقة الصناعية تم ربطها بمطار «نيوم باي».

وتطرقت الرئيسة التنفيذية للاستثمار إلى أهمية القطاع الخاص في هذه الرحلة، مؤكدةً في الوقت نفسه أن «نيوم» كانت من الأوائل والمبتكرين لإطلاق الهيدروجين الأخضر، وأن هذا المشروع يتم تنفيذه الآن وسيتم التصدير خلال الربع الأول من 2026.


مقالات ذات صلة

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

الاقتصاد ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس) play-circle 00:51

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

جاء إعلان السعودية عن ميزانية العام المالي 2025 التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي ليظهر مدى توسع الاقتصاد السعودي.

مساعد الزياني (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد يوقِّع على الميزانية العامة للعام المالي 2025 (واس) play-circle 00:51

محمد بن سلمان: ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد السعودية

قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

تتجه السعودية إلى زيادة الوصول للمواد الأساسية، وتوفير التصنيع المحلي، وتعزيز الاستدامة، والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الأمير سعود ووزير الصناعة خلال حفل الهيئة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

خاص وزير الصناعة السعودي: هيئة المساحة ستلعب دوراً محورياً في السنوات الـ25 المقبلة في التعدين

تلعب هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية دوراً حيوياً في الكشف عن مخزونات الأرض من الفلزات، التي تشمل الذهب والزنك والنحاس.

سعيد الأبيض (جدة)
الاقتصاد جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)

صفقات «جسري» السعودية تتخطى 9.3 مليار دولار

أعلنت السعودية توقيع 9 صفقات استثمارية بقيمة تزيد على 35 مليار ريال (9.3 مليار دولار)، ضمن «المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية (جسري)».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

صفقات «جسري» السعودية تتخطى 9.3 مليار دولار

جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)
جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

صفقات «جسري» السعودية تتخطى 9.3 مليار دولار

جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)
جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)

أعلنت السعودية توقيع 9 صفقات استثمارية بقيمة تزيد على 35 مليار ريال (9.3 مليار دولار)، ضمن «المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية (جسري)»، لتعزيز الوصول إلى المواد الأساسية والتصنيع المحلي، بالإضافة إلى تمكين الاستدامة والمشاركة السعودية في سلاسل الإمداد العالمية.

ووفق بيان من «المبادرة»، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، فإن المشروعات البارزة التي أُعلن عنها تشمل: مرافق صهر وتكرير، وإنتاج قضبان النحاس مع «فيدانتا»، ومشروعات التيتانيوم مع «مجموعة صناعات المعادن المتطورة المحدودة (إيه إم آي سي)» و«شركة التصنيع الوطنية»، ومرافق معالجة العناصر الأرضية النادرة مع «هاستينغز».

وتشمل الاتفاقيات البارزة الأخرى مصانع الألمنيوم نصف المصنعة مع «البحر الأحمر للألمنيوم»، إلى جانب مصنع درفلة رقائق الألمنيوم مع شركة «تحويل».

بالإضافة إلى ذلك، أُعلن عن استثمارات لصهر الزنك مع شركة «موكسيكو عجلان وإخوانه للتعدين»، ومصهر للمعادن الأساسية لمجموعة «بلاتينيوم» مع «عجلان وإخوانه»، إلى جانب مصهر للزنك، واستخراج كربونات الليثيوم، ومصفاة النحاس مع «مجموعة زيجين».

وهناك استثمار رئيسي آخر بشأن منشأة تصنيع حديثة مع «جلاسبوينت»، في خطوة أولى لبناء أكبر مشروع حراري شمسي صناعي في العالم.

يذكر أن «جسري» برنامج وطني أُطلق في عام 2022 بوصفه جزءاً من «استراتيجية الاستثمار الوطنية» في السعودية، بهدف طموح يتمثل في تعزيز مرونة سلاسل التوريد العالمية، من خلال الاستفادة من المزايا التنافسية للمملكة، بما فيها الطاقة الخضراء الوفيرة والموفرة من حيث التكلفة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي.

ويهدف «البرنامج» إلى جذب استثمارات عالمية موجهة للتصدير بقيمة 150 مليار ريال بحلول عام 2030.

وخلال العام الماضي، تعاون «البرنامج» مع كثير من أصحاب المصلحة المحليين والعالميين لمتابعة أكثر من 95 صفقة بقيمة تزيد على 190 مليار ريال سعودي، تغطي أكثر من 25 سلسلة قيمة.