الركود الألماني يثير تساؤلات حول «الهبوط الناعم» في أوروبا

ضعف الصناعة يهدد آمال التعافي الاقتصادي

منظر جوي لمحطة حاويات في ميناء هامبورغ (رويترز)
منظر جوي لمحطة حاويات في ميناء هامبورغ (رويترز)
TT

الركود الألماني يثير تساؤلات حول «الهبوط الناعم» في أوروبا

منظر جوي لمحطة حاويات في ميناء هامبورغ (رويترز)
منظر جوي لمحطة حاويات في ميناء هامبورغ (رويترز)

في حين تنعم الأسواق الأميركية بالأمل في «هبوط ناعم»، فإن أحدث ركود في أكبر اقتصاد بأوروبا يثير تساؤلات أكثر جدية على الجانب الشرقي من المحيط الأطلسي.

ولن يكون ضعف الصناعة الألمانية مفاجئاً لأي شخص يتابع الوضع. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية صدمات في مجال الطاقة مرتبطة بأوكرانيا، ومنافسة متزايدة من الصين في قطاع السيارات، ومحاولات فاشلة لدخول سوق السيارات الكهربائية، وضغطاً هائلاً على الاقتراض، وفق «رويترز».

بالنسبة للخبير الاقتصادي كارستن برزيسكي من بنك «آي إن جي»، فإن متابعة البيانات الاقتصادية الألمانية أشبه بـ«المشي لمسافات طويلة في شارع الأحلام المحطمة». ولكن حتى بمقاييس العامين الماضيين، فإن الأخبار الأخيرة مثيرة للقلق.

وفي حين أظهر الاقتصاد الألماني علامات التعافي في وقت سابق من هذا العام، تشير مسوحات الأعمال في سبتمبر (أيلول) إلى انتكاسة جديدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تراجع الصين، أكبر شريك تجاري لألمانيا، والتي بلغت قيمة وارداتها وصادراتها معها نحو ربع تريليون يورو في العام الماضي.

ويبدو أن قطاع التصنيع في ألمانيا يعاني من انكماش عميق مرة أخرى، وفقاً لقراءة «ستاندرد آند بورز غلوبال» واستطلاع «إيفو». وشهد مؤشر «ستاندرد آند بورز غلوبال» المركَّب للصناعات التحويلية والخدمات، أكبر انخفاض له في 7 أشهر في سبتمبر، في حين انخفض مؤشر «إيفو» للتصنيع إلى أدنى مستوى له منذ الإغلاق، بسبب جائحة «كوفيد-19» في يونيو (حزيران) 2020.

وتخطط المعاهد الاقتصادية الكبرى في ألمانيا الآن لخفض توقعاتها لعام 2024، والتي تُظهر انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 في المائة، وهو ما سيكون الانكماش السنوي الثاني على التوالي.

قد لا يشكل هذا الانكماش الضحل «هبوطاً حاداً» في حد ذاته -فالبلدان الأخرى في منطقة اليورو تبدو في وضع أفضل- ولكنه يهز الثقة في أي شيء يمكن أن نطلق عليه «الهبوط الناعم».

ولكن ما هو مؤكد هو أن المصرف المركزي الأوروبي قدم بعض المساعدة، مع خفض أسعار الفائدة مرتين بالفعل هذا العام، ولكن تحركاته كانت أقل عدوانية من التخفيض الكبير الذي قام به بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي، ويبدو أن هناك تردداً في «برج اليورو» في فرانكفورت، بشأن وتيرة التخفيضات المستقبلية.

ورغم المشكلات الاقتصادية، فمن الصعب وجود أي قلق يُذكَر في مؤشرات السوق الرئيسية في ألمانيا. وسجلت الأسهم الألمانية الرئيسية مستويات قياسية مرتفعة الأسبوع الماضي. ورغم أن هذا ليس مفيداً للمصدِّرين الألمان المتعثرين، فإن اليورو يقترب من أعلى مستوى له في عامين مقابل الدولار، مع اقتراب مؤشر سعر الصرف الفعلي الحقيقي من أعلى مستوى له في عقد.

ومن المرجح أن تنعكس المخاوف بشأن «الهبوط الحاد» في اتساع فروق الائتمان -أو علاوات المخاطر- على السندات ذات العائد المرتفع. وفي حين تستفيد ما تسمى السندات «المخاطرة» من انخفاض أسعار الفائدة، فإن التأثير متواضع مقارنة بالضغوط التي تواجهها عادة بسبب ضعف الأرباح والمخاوف من التخلف عن السداد بسبب الركود.

ولكن، مثل نظيراتها في الولايات المتحدة، فإن فروق أسعار السندات «المخاطرة» في منطقة اليورو تقترب من أدنى مستوياتها، منذ غزو أوكرانيا، وتشديد «المركزي الأوروبي» لسياساته في أوائل عام 2022. والحالة الحرجة هنا هي قطاع السيارات، الذي يُقدر أنه يمثل نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، وأكثر من ذلك في ألمانيا.

وكما يشير فريق الائتمان في «بلاك روك»، فإن القطاع يمثل نحو 6 في المائة من مؤشر السندات ذات الدرجة الاستثمارية في أوروبا، و11 في المائة من نظيرتها ذات العائد المرتفع.

وقال فريق الائتمان الأوروبي التابع لبنك «جيه بي مورغان» في وقت سابق من هذا الشهر، إنه كان يحرص على خفض وزن قطاع السيارات طوال العام؛ مشيراً إلى «تحديات كبيرة» ناجمة عن المنافسة الصينية منخفضة التكلفة ومشكلات الطاقة.

وكان الشهر الماضي صعباً أيضاً على الشركات الرائدة في ألمانيا؛ حيث أدت خطة «فولكس فاغن» غير المسبوقة لإغلاق المصانع في بلدها الأم، وتحذير «بي إم دبليو» بشأن الأرباح، إلى هبوط سعر سهمها.

وألقت الشركتان باللوم على مزيج من المنافسة الصينية، وارتفاع تكاليف العمالة والطاقة على صناعة تعاني بوضوح. وحقق مؤشر «ستوكس 600» للسيارات وقطع الغيار، أداء أفضل من السوق الأوسع بنحو 15 في المائة هذا العام.

وكما يشير فريق «جيه بي مورغان»: «لقد أصبح هذا القطاع بمثابة كرة سياسية في حرب التجارة العالمية الناشئة».

وربما تؤدي إجراءات التحفيز الأخيرة التي اتخذتها الصين هذا الأسبوع إلى إضفاء بعض الغموض على الصورة، مع حصول أسهم شركات السيارات الألمانية على دفعة قوية يوم الثلاثاء.

ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، وتصاعد تهديدات الحروب الجمركية والحمائية للاقتصاد، يبدو من غير المرجح أن يخف الضغط على العالم الصناعي الألماني في أي وقت قريب. من الصعب رؤية كيف يمكن لألمانيا وقف الانكماش، وما إذا كان من الممكن احتواؤه في قطاع السيارات وحده، هو السؤال الأكبر.


مقالات ذات صلة

وزير الاقتصاد الروسي: البلاد تقترب من حافة الركود

الاقتصاد العلم الروسي يرفرف خلف مبانٍ سكنية في مدينة سانت بطرسبرغ (رويترز)

وزير الاقتصاد الروسي: البلاد تقترب من حافة الركود

أكد وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف، خلال فعاليات منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، أن الاقتصاد الروسي يوشك على الانزلاق نحو الركود.

«الشرق الأوسط» (سانت بطرسبرغ )
الاقتصاد شعار «سبيربنك» في أحد مكاتبه بموسكو (رويترز)

«سبيربنك»: الاقتصاد الروسي مُهدد بالتباطؤ... والنمو يتطلب فائدة أقل من 15 %

حذَّر ألكسندر فيدياخين، النائب الأول للرئيس التنفيذي لـ«سبيربنك»، أكبر مؤسسة إقراض في روسيا، من احتمال تباطؤ حاد في الاقتصاد الروسي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (سانت بطرسبرغ (روسيا))
الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)

آمال خفض الفائدة تتلاشى... والمستثمرون يفرّون من السندات الأميركية الطويلة

يتجه مستثمرو السندات، الذين يتوقعون أن يبقي مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة ثابتة هذا الأسبوع، إلى الابتعاد عن سندات الخزانة طويلة الأجل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الحي المالي في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

«المركزي الألماني» يتوقع ركوداً جديداً بسبب «الرسوم الأميركية»

أعلن «البنك المركزي الألماني»، يوم الخميس، أن الاقتصاد الألماني من المرجح أن يشهد ركوداً جديداً خلال الربع الثاني، متأثراً بتداعيات الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت (ألمانيا))
الاقتصاد جايمي ديمون يتحدث في مؤتمر الأسواق العالمية بباريس يوم 15 مايو 2025 (أ.ب)

«جي بي مورغان تشيس»: مشروع قانون ترمب الضريبي لن يقلل العجز

قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك «جي بي مورغان تشيس»، إن مشروع قانون الضرائب والإنفاق الضخم الذي اقترحه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لن يساهم في تقليل العجز.

«الشرق الأوسط» (شنغهاي)

«تسلا» تعتزم بناء محطة تخزين للطاقة في الصين

مصنع «تسلا» في شنغهاي بالصين (رويترز)
مصنع «تسلا» في شنغهاي بالصين (رويترز)
TT

«تسلا» تعتزم بناء محطة تخزين للطاقة في الصين

مصنع «تسلا» في شنغهاي بالصين (رويترز)
مصنع «تسلا» في شنغهاي بالصين (رويترز)

أعلنت شركة «تسلا» الأميركية، المتخصصة في المركبات الكهربائية والمُصنّعة للبطاريات والألواح الشمسية، توقيع عقد في الصين لبناء أول محطة تخزين طاقة واسعة النطاق تابعة لها مخصصة لشبكة الكهرباء الصينية.

وأعلنت الشركة على شبكة التواصل الاجتماعي الصينية «ويبو» أن «(تسلا) وقّعت رسميا أول مشروع محطة تخزين طاقة للشبكة في البر الرئيسي الصيني».

وأوضحت أن هذه المنشأة التي يُتوقع أن تكون «الأكبر» من نوعها في الصين، «ستسمح بتعديل موارد شبكة الكهرباء وتخفيف الضغوط المتعلقة بإمدادات الكهرباء في المناطق الحضرية بشكل فعال».

وذكرت وكالة «ييكاي» المالية الصينية أن العقد الذي وقّعته «تسلا شنغهاي»، وسلطات المدينة الرئيسية في شرق الصين، وشركة «تشاينا كانغفو إنترناشونال ليسينغ»، ينص على استثمار أربعة مليارات يوان (نحو 560 مليون دولار).

وأنشأت «تسلا» خط تجميع سيارات في شنغهاي، أنتج أيضا في الربع الأول من عام 2025 أكثر من 100 ميغاباك للتصدير، خصوصا إلى أوروبا.

و«ميغاباك» هي بطارية عملاقة يمكنها تخزين أكثر من 3.9 ميغاواط/ساعة من الكهرباء، أي ما يعادل متوسط استهلاك 3600 منزل لمدة ساعة واحدة، وفق موقع «تسلا» الإلكتروني.

وتوضح الشركة أن هذه الكتل التي تشبه الحاويات البيضاء، يمكن توصيلها ببعضها البعض إلى أجل غير مسمى، ولكل منها جهاز اتصال خاص بها.

وفي هذه المرحلة، تشير المجموعة الأميركية إلى أنها ركّبت بطاريات من هذا النوع بطاقة تزيد على 10 غيغاواط/ساعة، لا سيما في ولايات أميركية مثل تكساس (81 وحدة) وألاسكا (37 وحدة)، وكذلك في أستراليا (212 وحدة).

يأتي توقيع هذا العقد في وقت تشهد العلاقات بين واشنطن وبكين توترا، في ظل الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

كان الملياردير إيلون ماسك، رئيس شركة «تسلا»، مستشارا مقربا لترمب خلال حملته الانتخابية، وكان حتى وقت قريب رئيسا للجنة كفاءة الحكومة (DOGE) التي تتمثل مهمتها في خفض الإنفاق الفيدرالي بشكل كبير.