خفض الفائدة الأميركية بـ50 نقطة أساس... هل لا يزال «الهبوط الناعم» في الأفق؟

متعامل في بورصة نيويورك يتابع المؤتمر الصحافي لرئيس الاحتياطي الفيدرالي بعد إعلان خفض 50 نقطة أساس (أ.ب)
متعامل في بورصة نيويورك يتابع المؤتمر الصحافي لرئيس الاحتياطي الفيدرالي بعد إعلان خفض 50 نقطة أساس (أ.ب)
TT

خفض الفائدة الأميركية بـ50 نقطة أساس... هل لا يزال «الهبوط الناعم» في الأفق؟

متعامل في بورصة نيويورك يتابع المؤتمر الصحافي لرئيس الاحتياطي الفيدرالي بعد إعلان خفض 50 نقطة أساس (أ.ب)
متعامل في بورصة نيويورك يتابع المؤتمر الصحافي لرئيس الاحتياطي الفيدرالي بعد إعلان خفض 50 نقطة أساس (أ.ب)

بعيداً عن العناوين الرئيسية الفورية التي أحدثها خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن النظرة المنقّحة التي وضعها صناع السياسات بشأن الوجهة النهائية لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، ومدى السرعة التي يستغرقها للوصول إلى تلك الوجهة، هي التي تهم أكثر.

بصورة عامة، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، يوم الأربعاء، إلى أنه سيخرج من موقفه التقييدي قبل وقت قصير من الإشارة السابقة، وأن المستوى «المحايد» النهائي للسياسة سيكون أعلى قليلاً. ويشير «الاحتياطي الفيدرالي» في الأساس إلى دورة تيسير أسرع وأقل عمقاً. وقد يشير الجزء الأول من ذلك إلى حالة من الذعر بشأن سوق العمل أو الاقتصاد، ولكن الجزء الثاني يشير إلى أن المسؤولين لديهم ثقة متزايدة بقدرة الاقتصاد على الصمود. ويأمل المسؤولون أن يكون التحرك الأكثر جرأة وسرعة من موقف القوة النسبية هو أفضل وسيلة لحماية سوق العمل والنمو، وهو ما قد يوجه الاقتصاد بعيداً عن الركود.

باختصار، يعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي أن «الهبوط الناعم» لا يزال في الأفق. قد يفسر هذا سبب ارتفاع عائدات السندات وانخفاض الأسهم في نهاية المطاف يوم الأربعاء؛ حيث تبخرت بعض الآمال الأكثر تفاؤلاً بانخفاض الأسعار على المدى الأطول.

تقييد شديد

خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي نطاق هدف الأموال الفيدرالية إلى 4.75 - 5.00 في المائة، وكانت نقطة المنتصف 4.875 في المائة. كما رفع متوسط ​​توقعاته لسعر الأموال الفيدرالية على المدى الأطول إلى 2.9 في المائة من 2.8 في المائة في يونيو (حزيران). وهذا تغيير صغير، لكن 2.9 في المائة هو الأعلى منذ عام 2018 ويزيد بشكل كبير على 2.5 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، حيث ظل دون تغيير تقريباً لسنوات.

وعلاوة على ذلك، فإن تقديرات مسؤول بنك الاحتياطي الفيدرالي المتوسطة تشير إلى انخفاض سعر الفائدة إلى 2.9 في المائة في غضون عامين فقط، بحلول نهاية عام 2026.

وأشارت التوقعات الاقتصادية الأخيرة للموظفين إلى أن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في الأمد الأطول، أو السعر المحايد، لن يتم الوصول إليه لمدة ثلاث سنوات على الأقل.

ضمناً، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد اعترف في السابق بأن السياسة ستظل في منطقة تقييدية - أي فوق «المحايد» - لفترة طويلة من الزمن. كان هذا هو جوهر وجهة النظر «الأعلى لفترة أطول» بشأن أسعار الفائدة. ولكن الآن، فإن السعر «النهائي» المتوقع الأعلى يقلل نظرياً من مقدار القيود السياسية التي يجب إزالتها قبل أن تصبح السياسة تحفيزية.

يتفق معظم المحللين على أن السياسة كانت مقيدة للغاية لبعض الوقت. في مذكرة بحثية نُشرت في وقت سابق من هذا الشهر، قدّر خبراء اقتصاد بنك الاحتياطي الفيدرالي أن سعر الفائدة الحقيقي في مارس (آذار) كان أعلى بنحو 1.15 نقطة مئوية من السعر الطبيعي، «عند نفس المستوى تقريباً الذي ساد قبل ركود عامي 2001 و2008».

إن معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية الحقيقي المعدل وفقاً للتضخم الاستهلاكي السنوي هو الأعلى منذ 17 عاماً.

وفي الوقت نفسه، لاحظ الاستراتيجيون في «جي بي مورغان»، هذا الأسبوع، أنه عند مقارنته بتقديرات «R – Star» (مستوى الفائدة المحايد) فإن السياسة كانت أكثر تقييداً من أي وقت مضى في السنوات الثلاثين الماضية من حيث القيمة الحقيقية «R - STAR».

مستوى الفائدة المحايد هو معدل الفائدة الحقيقي الذي لا يحفز النشاط الاقتصادي ولا يقيده عندما يكون الاقتصاد عند التشغيل الكامل للعمالة. وبافتراض أن هدف التضخم البالغ 2 في المائة الذي حدده بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تحقق، ومع الأخذ في الاعتبار توقعات أسعار الفائدة طويلة الأجل الجديدة التي وضعها بنك الاحتياطي الفيدرالي عند 2.9 في المائة، فإن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي يرون أن معدل R - Star يبلغ نحو 0.9 في المائة.

مع الأخذ في الاعتبار معدل نقطة المنتصف الجديد لأسعار الفائدة الفيدرالية عند 4.875 في المائة وتوقعات صناع السياسات الجديدة طويلة الأجل عند 2.9 في المائة، يمكن الاستدلال بشكل معقول على أن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي أصبحت الآن مقيدة بنحو 200 نقطة أساس.

بعبارة أخرى، لن يُعتبر معدل أسعار الفائدة الفيدرالية محايداً حتى يتم خفضه بنحو 200 نقطة أساس أخرى، وهو ما أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه ينوي القيام به بحلول نهاية عام 2026... هذا ليس ثابتاً، وأكد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي المقبلة ستعتمد على البيانات وعلى أساس كل اجتماع على حدة. وسيتخذ المستثمرون قراراتهم الخاصة، بالطبع، لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي أشار يوم الأربعاء إلى أنه لن يتخلف عن المنحنى ويظل واثقاً من الهبوط السلس.


مقالات ذات صلة

مجدداً... الذهب في مستوى قياسي بفعل رهانات الفائدة وضعف الدولار

الاقتصاد عرض سبائك الذهب في مكتب «غولد سيلفر» في سنغافورة (رويترز)

مجدداً... الذهب في مستوى قياسي بفعل رهانات الفائدة وضعف الدولار

سجل الذهب مستوى مرتفعاً جديداً يوم الأربعاء، بدعم من ضعف الدولار الأميركي، وآمال خفض أسعار الفائدة مجدداً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تُعرَض سبائك الذهب بمكتب «غولد سيلفر سنترال» في سنغافورة (رويترز)

الذهب في أعلى مستواه على الإطلاق عند 2636.64 دولار

وصلت أسعار الذهب في السوق الفورية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق يوم الثلاثاء، عند 2636.64 دولار للأوقية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري (الاحتياطي الفيدرالي)

رئيس «احتياطي» مينيابوليس: خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس كان قراراً صحيحاً

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري، اليوم (الاثنين)، إنه يؤيّد خفض أسعار الفائدة الذي أجراه البنك المركزي الأميركي مؤخراً.

الاقتصاد خفض أسعار الفائدة سيؤثر إيجاباً على سوق الأسهم السعودية على المديين القصير والبعيد (أ.ف.ب)

هذه القطاعات الأكثر تأثراً بخفض الفائدة في سوق الأسهم السعودية

توقّع محللون اقتصاديون أن يؤثر قرار خفض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس إيجاباً على سوق الأسهم في السعودية، في رفع سيولتها، وجذب المزيد من المستثمرين.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد أشخاص يتسوقون في متجر البقالة بكاليفورنيا (أ.ف.ب)

بعد الخفض الكبير... الأنظار إلى بيانات التضخم الأميركي وكلمة باول

بعد الخفض الكبير الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، يتحول الاهتمام مرة أخرى إلى البيانات الاقتصادية، خصوصاً أرقام…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

انخفاض التضخم بأكبر اقتصادات اليورو يعزز الدعوات لخفض الفائدة

أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
TT

انخفاض التضخم بأكبر اقتصادات اليورو يعزز الدعوات لخفض الفائدة

أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

شهد اثنان من أكبر اقتصادات منطقة اليورو، فرنسا وإسبانيا، انخفاضاً أكبر من المتوقع في معدلات التضخم، بينما استمر ضعف سوق العمل في ألمانيا هذا الشهر؛ مما يعزز الحجة القوية للمصرف المركزي الأوروبي لخفض تكاليف الاقتراض بشكل أكبر الشهر المقبل.

واستمر اقتصاد منطقة اليورو في التباطؤ طوال معظم العام، وتراجعت الضغوط التضخمية بشكل أكبر مما كان متوقعاً في الأشهر الأخيرة؛ مما غذّى النقاش حول تأخر «المركزي الأوروبي» في دعم الاقتصاد المتعثر، وفق «رويترز».

ورفض «المركزي الأوروبي» الدعوات إلى تسريع تخفيف السياسة النقدية، مستنداً إلى أن نمو الأجور وتضخم خدمات معينة لا يزالان مرتفعين بشكل غير مريح. ومع ذلك، فإن قراءات التضخم الأضعف من المتوقع في فرنسا وإسبانيا، الجمعة، تحدت هذه السردية.

فقد تراجع التضخم في فرنسا إلى 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول) مقارنة بـ2.2 في المائة، وهو أقل من التوقعات التي كانت تشير إلى 2 في المائة، بينما انخفض التضخم في إسبانيا إلى 1.7 في المائة من 2.4 في المائة، متجاوزاً أيضاً التوقعات التي كانت تشير إلى 1.9 في المائة، في ظل تباطؤ نمو أسعار الخدمات وانخفاض أسعار الطاقة.

كما تحدت بيانات منفصلة حول توقعات الأسعار تردد «المركزي الأوروبي»، حيث أظهرت أن المستهلكين خفضوا توقعاتهم لنمو الأسعار للأشهر الـ12 المقبلة إلى أدنى مستوى لها منذ سبتمبر 2021. بالإضافة إلى ذلك، شهد مؤشر الثقة الرئيسي في منطقة اليورو تراجعاً أكثر مما كان متوقعاً، الجمعة، مع تباطؤ أيضاً في توقعات الأسعار.

في هذا السياق، أعلن «المركزي الأوروبي» أن توقعات المستهلكين لمعدل التضخم في منطقة العملة الأوروبية الموحدة قد تراجعت خلال شهر أغسطس (آب) الماضي؛ مما يعزز فرص خفض أسعار الفائدة مجدداً الشهر المقبل. وأشار المصرف في تقريره إلى أن الاستطلاع الشهري لآراء المستهلكين أظهر أن التوقعات بارتفاع الأسعار بلغت 2.7 في المائة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مقارنة بـ2.8 في المائة في الاستطلاع الذي أُجري في يوليو (تموز)، وهو أدنى مستوى لتوقعات التضخم منذ سبتمبر من العام الماضي.

كما تراجع المؤشر الذي يقيس توقعات المستهلكين بشأن التضخم على مدى ثلاث سنوات من 2.4 في المائة إلى 2.3 في المائة. وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن توقعات المستهلكين بشأن حركة الأسعار المستقبلية تلعب دوراً محورياً في تحريك التضخم، في وقت لا يزال فيه صناع السياسة في المصرف يبحثون عن مزيد من الأدلة للوصول إلى هدف التضخم المحدد بنسبة 2 في المائة في وقت لاحق من العام المقبل.

وأظهر الاستطلاع أيضاً أن المستهلكين أصبحوا أقل تشاؤماً بشكل طفيف بشأن الأوضاع الاقتصادية، حيث توقعوا انكماشاً اقتصادياً بنسبة 0.9 في المائة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مقارنة بـ1 في المائة في الاستطلاع السابق. كما توقَّع المستهلكون تراجع معدل البطالة خلال الفترة نفسها إلى 10.4 في المائة مقابل 10.6 في المائة في الاستطلاع الذي أُجري في يوليو الماضي.

وتشير هذه الأرقام إلى أن التضخم في منطقة اليورو قد ينخفض إلى ما دون هدف «المركزي الأوروبي» البالغ 2 في المائة هذا الشهر؛ مما يغذي التوقعات بأن المصرف سيعمل على تسريع تخفيف السياسة النقدية. وبالفعل، زاد المستثمرون رهاناتهم، الجمعة، على خفض آخر لأسعار الفائدة في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، حيث ارتفعت الاحتمالات إلى نحو 75 في المائة مقارنة بنحو 25 في المائة فقط في الأسبوع الماضي.

وكان «المركزي الأوروبي» قد خفض أسعار الفائدة في يونيو (حزيران) وسبتمبر، وكان صناع السياسات يرون أن خفض أسعار الفائدة في 17 أكتوبر أمر غير مرجح حتى ظهور سلسلة من البيانات المخيبة للآمال مؤخراً، حيث توقعت توقعات المصرف أن يعود التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة على أساس دائم في أواخر العام المقبل فقط.

لكن مصادر قريبة من النقاش أكدت أن خفض أسعار الفائدة يجب أن يكون على الطاولة الآن، وأن «الحمائم» (الداعون إلى تخفيف السياسة) ستحثّ على ذلك خوفاً من أن الاقتصاد يتباطأ بسرعة كبيرة وأن التضخم قد ينخفض أكثر من المستهدف بشكل أكثر استدامة.

في المقابل، قال صناع السياسة الأكثر تحفظاً، أو «الصقور»، إن التخفيضات الفصلية أكثر ملاءمة، حيث إن البيانات الصلبة حول الأجور والتوظيف والنمو تُصدر كل ثلاثة أشهر، كما هو الحال مع التوقعات الجديدة لـ«المركزي الأوروبي».

هناك أيضاً قضية تتعلق بأن التضخم من المرجح أن يرتفع بحلول نهاية العام، وأن التخفيض السريع لأسعار الفائدة في وقت يتسارع فيه التضخم سيكون إشارة سلبية.

وأشار كبير خبراء الاقتصاد في «آي إن جي»، كارستن برزيسكي، إلى أنه «عندما تشير المؤشرات الرائدة مثل مؤشر مديري المشتريات ومؤشر (إيفو) هذا الأسبوع، بالإضافة إلى المؤشرات المتأخرة مثل بيانات سوق العمل الألمانية وبيانات التضخم الفعلية من فرنسا وإسبانيا، إلى ضَعف النمو وتسارع التراجع في التضخم، فإن دعاة خفض الفائدة في المصرف المركزي الأوروبي سيكونون في موقف قوي».

وقد ضغط خبراء الاقتصاد أيضاً على «المركزي الأوروبي»، حيث غيّر بنك «بي إن بي باريبا» وبنك «إتش إس بي سي» توقعاتهما بشأن التحرك في أكتوبر، بينما قال بنكا «دويتشه بنك» و«سوسيتيه جنرال» إن المصرف في حاجة إلى تسريع وتيرة التيسير النقدي.

علاوة على ذلك، أظهرت البيانات الواردة من ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع أكثر من المتوقع في سبتمبر؛ مما زاد من المخاوف من أن البلاد قد تكون بالفعل في حالة ركود. وقد انكمش الاقتصاد الألماني في اثنين من الأرباع الثلاثة الأخيرة، وأفاد المصرف المركزي الألماني بأن قراءة سلبية أخرى ممكنة في ظل الركود الصناعي العميق.