مع انخفاض معدل التضخم، من المتوقع أن يقوم «المركزي الأوروبي» بخفض أسعار الفائدة مجدداً يوم الخميس، وذلك لدعم النمو البطيء من خلال تقليل تكاليف الاقتراض للشركات والمشترين. كما من المحتمل أن ينضم «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» قريباً إلى هذا الاتجاه في خفض أسعار الفائدة.
ولكن لا يجب توقع تسارع كبير في خفض أسعار الفائدة من أيٍّ من المصرفَين المركزيَّين إلى مستويات منخفضة، كما كانت قبل تفشي جائحة «كوفيد - 19» في عام 2020. ويقول الخبراء إن «المركزي الأوروبي» سيتبنى نهجاً حذراً، وقد يخفّض أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام. وقد ساعد انخفاض أسعار النفط على تخفيف التضخم، وفق وكالة «أسوشييتد برس».
ويجب على صانعي السياسة أن يراقبوا التضخم المستمر بين الشركات الخدمية وزيادة الأجور؛ حيث يسعى العمال لتعويض القوة الشرائية المفقودة؛ بسبب الزيادة الكبيرة في التضخم بعد نهاية الجائحة.
وقام «المركزي الأوروبي» بتخفيض أسعار الفائدة مرة واحدة في يونيو (حزيران)، ثم توقف في يوليو (تموز) قبل أخذ عطلة الصيف في أغسطس (آب). ويتعين على المجلس المعني بتحديد السياسات، بقيادة الرئيسة كريستين لاغارد، التوازن بين القلق بشأن توقعات النمو الضعيفة - التي تدعو إلى الخفض - والحاجة إلى التأكد من أن مستوى التضخم سيتحقق ويظل عند هدف المصرف البالغ 2 في المائة، وهو ما قد يدعم الإبقاء على الأسعار أعلى لفترة أطول.
وانخفض التضخم في البلدان العشرين التي تستخدم عملة اليورو إلى 2.2 في المائة في أغسطس، وهو قريب من هدف «المركزي الأوروبي» بعد أن كان قد بلغ ذروته عند 10.6 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022. وقد ارتفعت أسعار المستهلكين بعد أن قطعت روسيا معظم شحنات الغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد غزوها لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، مما رفع فواتير الخدمات. كما أدى التعافي من جائحة «كوفيد - 19» إلى خلق اختناقات في إمدادات الأجزاء والمواد الخام، مما أضاف إلى التضخم الذي انتشر لاحقاً على نطاق أوسع إلى الخدمات، وهي فئة واسعة تشمل الرعاية الطبية والخدمات الشخصية مثل صالونات الحلاقة، والمطاعم، والفنادق، والترفيه.
واستجاب كل من «المركزي الأوروبي» و«الاحتياطي الفيدرالي» بزيادة سريعة في أسعار الفائدة، حيث رفع «المركزي الأوروبي» سعر الفائدة الأساسي إلى أعلى مستوى قياسي يبلغ 4 في المائة، وتم تخفيضه في يونيو إلى 3.75 في المائة.
ويؤثر سعر الفائدة الأساسي للمصرف المركزي بشكل كبير فيما تدفعه المصارف الخاصة للاقتراض، ومن خلال ذلك على أسعار الفائدة في بقية الاقتصاد. وتعمل الأسعار المرتفعة على تبريد التضخم، من خلال جعل الاقتراض والشراء أكثر تكلفة، مما يضع قيوداً على ارتفاع الأسعار. لكن الأسعار المرتفعة يمكن أن تبطئ النمو، وهذا القلق أصبح واضحاً.
إن ارتفاع الأسعار في أوروبا والولايات المتحدة يعني ارتفاع تكاليف الرهن العقاري بالنسبة للمشترين، وارتفاع المدفوعات للأشخاص الذين يحملون أرصدة بطاقات الائتمان أو يشترون السيارات بالائتمان. ولكنه كان جيداً بالنسبة للمدخرين والمتقاعدين الذين يفضّلون دخل الفائدة ويحصلون على عوائد مرئية من ودائعهم المصرفية أو حسابات سوق المال بعد سنوات من عدم تحقيق أي عوائد.
ومن المتوقع أيضاً أن يقوم «الاحتياطي الفيدرالي» بخفض سعر الفائدة القياسي للمرة الأولى في اجتماعه يومي 17 و18 سبتمبر (أيلول) من أعلى مستوى له في 23 عاماً عند 5.25 في المائة -5.5 في المائة. وارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 2.5 في المائة في أغسطس مقارنة بالعام السابق، بانخفاض عن 2.9 في المائة في يوليو.
وقال كبير الاقتصاديين في وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، براين كولتون: «إن دورة التخفيف التي طال انتظارها من (الاحتياطي الفيدرالي) قد بدأت»، لكن «صُنّاع السياسة النقدية في (الاحتياطي الفيدرالي) سيكونون حذرين بعد تحديات التضخم في السنوات الماضية. ستكون وتيرة خفض الفائدة بطيئة ولن تسهم كثيراً في تعزيز النمو في العام المقبل».
وكان النمو في أوروبا بطيئاً، بنسبة 0.3 في المائة في الرُّبع الثاني من هذا العام، ومعدل سنوي يقدر بنحو 1 في المائة على أساس النصف الأول. ويأتي هذا بعد أكثر من عام من الركود شبه الصفري. وقد تضاءلت الآمال في تعافٍ أقوى بفعل المؤشرات الأخيرة لمعنويات الأعمال والمستهلكين، وسيل من الأخبار السيئة من ألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
وانكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.1 في المائة في الرُّبع الثاني، وتظل توقعاته قاتمة وسط تباطؤ عالمي في التصنيع. وعلاوة على ذلك، فإن العوامل طويلة الأجل مثل شيخوخة السكان، ونقص العمال المهرة، والتأخر في اعتماد التكنولوجيا الرقمية، والبيروقراطية المفرطة تؤدي إلى إبطاء إنشاء الأعمال التجارية وتوسيعها. وألغت أكبر شركة توظيف، «فولكسفاغن»، تعهدها بعدم تسريح العمال الذي كان من المقرر أن يستمر حتى عام 2029، وأشارت إلى أنها قد تضطر إلى إغلاق مصنع أو أكثر في ألمانيا وسط انخفاض الطلب على سياراتها الكهربائية الجديدة في أوروبا والصين.