تباطأ الاقتصاد الروسي بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، وفقاً لأحدث البيانات الاقتصادية، وقد يكون معرضاً لمزيد من المخاطر إذا استمر انخفاض أسعار النفط واضطرابات الأسواق العالمية.
وشهدت روسيا نمواً تجاوز 4 في المائة في العامين الماضيين، مدفوعاً بإنفاق ضخم على الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، لكن نقص العمالة في العديد من القطاعات الأخرى ساهم في دوامة أجور-أسعار دفعت التضخم إلى ما فوق 10 في المائة، وفق «رويترز».
وفي محاولة للسيطرة على التضخم، رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي إلى 21 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ما أثار انتقادات من قادة الأعمال الذين قالوا إن هذا القرار يخنق الاستثمارات. في الوقت نفسه، تتراجع أسعار النفط، وهو السلعة التصديرية الرئيسية لروسيا.
وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.8 في المائة على أساس سنوي في فبراير (شباط)، من 3 في المائة في يناير (كانون الثاني)، وهو أدنى مستوى منذ مارس (آذار) 2023، بحسب بيانات صدرت الأسبوع الماضي، وقادت قطاعات النقل والتجارة بالجملة واستخراج المعادن هذا التراجع.
كما تراجع نمو الإنتاج الصناعي بشكل حاد إلى 0.2 في المائة فقط من 2.2 في المائة.
ورغم أن شهر فبراير أقصر بيوم من العام الماضي، فإن الاقتصاديين رأوا دلائل واضحة على التباطؤ.
وقالت مؤسسة «رايفايزن بنك» في مذكرة بحثية: «إن التدهور في عدد كبير من القطاعات الصناعية أصبح ظاهرة مستمرة، وهناك مؤشرات على أن التباطؤ بدأ يترسخ».
وأشارت المذكرة إلى معدلات الفائدة المرتفعة، ونقص العمالة، وغياب الطاقة الإنتاجية خارج القطاع الدفاعي، والضغوط المستمرة من العقوبات الغربية كعوامل رئيسية في هذا التباطؤ.
ومن المتوقع أن يزداد التباطؤ بسبب انخفاض أسعار النفط، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ أبريل (نيسان) 2021 وسط مخاوف من أن تؤدي رسوم الاستيراد الأميركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترمب إلى ركود اقتصادي عالمي.
الركود يلوح في الأفق
وأشارت تقارير أعدتها وزارة الاقتصاد والبنك المركزي لاجتماع عقد في 4 فبراير مع الحكومة - أي قبل أسابيع من الإعلان الأميركي الذي هز الأسواق العالمية - إلى أن انخفاض أسعار النفط، وضغوط الموازنة، وارتفاع الديون المتعثرة لدى الشركات تمثل مخاطر على الاقتصاد.
وقالت وزارة الاقتصاد في تقريرها إن الركود التقني بات احتمالاً مرجحاً قبل أن تتم السيطرة على التضخم، وأن التباطؤ في الإقراض والاستثمار بسبب ارتفاع الفائدة سيؤثر على النمو المستقبلي.
وتُظهر البيانات الأخيرة أن القطاعات المرتبطة بالإنتاج العسكري أو إحلال الواردات الخاضعة للعقوبات هي الوحيدة التي تواصل النمو.
وقال خبراء من مركز تحليل الاقتصاد الكلي والتوقعات قصيرة المدى (TsMAKP)، وهو مركز فكري يقدم المشورة للحكومة: «في القطاع الصناعي، استمرت حالة الركود».
وكان المركز قد أشار في السابق إلى أن القطاعات غير المرتبطة بالمجمع الصناعي العسكري تعاني من الركود منذ منتصف عام 2023.
كما أظهرت البيانات تباطؤاً في الطلب الاستهلاكي، الذي يعد مساهماً رئيسياً في النمو، إذ ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 2.2 في المائة فقط في فبراير، مقارنة بـ5.4 في المائة في يناير.
وقالت صوفيا دونيتس، كبيرة الاقتصاديين في «تي - بنك»: «هذا تأكيد إضافي على أن الزخم الاستهلاكي بدأ يتراجع رغم استمرار ارتفاع الدخل. نحن نقترب من نقطة التشبع في الطلب الاستهلاكي».
وعلاوة على ذلك، ورغم أن روسيا لم تتعرض بعد لرسوم الاستيراد الأميركية الجديدة، فإن الرئيس ترمب هدّد بفرض عقوبات إضافية تستهدف تقليص قدرة موسكو على بيع النفط، ما لم تفعل المزيد لتحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، وهو ما يطالب به.
ركود فعلي
انخفضت مبيعات السيارات، التي كانت تنمو بمعدلات قياسية خلال العامين الماضيين بعد انسحاب العلامات التجارية الغربية في عام 2022، بنسبة 25 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول، وبنسبة 46 في المائة في مارس وحده.
كما تراجعت حركة الشحن بالسكك الحديدية، التي يراقبها كثير من الاقتصاديين كمؤشر على النشاط الاقتصادي، بنسبة 7.2 في المائة في مارس و6.1 في المائة في الربع الأول، بما في ذلك شحنات سلع التصدير الرئيسية مثل النفط والحبوب والمعادن.
وأظهر مؤشر مديري المشتريات الصادر عن «ستاندرد آند بورز غلوبال» انخفاضاً حاداً في القطاع الصناعي في مارس، ليصل إلى مستويات عام 2022، في ظل تراجع في حجم الإنتاج والطلبات نتيجة ضعف الطلب المحلي والخارجي.
وتوقع اقتصاديون في استطلاع أجرته «رويترز» الشهر الماضي أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.7 في المائة في عام 2025 مقارنة بـ4.1 في المائة في عام 2024. فيما توقعت وزارة الاقتصاد نمواً بنسبة 2.5 في المائة في 2025، مقابل تقديرات البنك المركزي التي تتراوح بين 1-2 في المائة.
وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد دعا المسؤولين الاقتصاديين الشهر الماضي إلى عدم «تجميد الاقتصاد الروسي وكأنه في غرفة علاج بالتبريد»، في إشارة إلى السياسة النقدية المتشددة، وهو ما فسره كثير من المحللين على أنه دعوة لبدء دورة تيسير نقدي.
وقال أنطون تاباخ، المحلل في وكالة التصنيف «إكسبيرت آر إيه»: «التأخير ليس موتاً، لكنه يشبه الركود».