الصراع مع إسرائيل يكلف لبنان 10 مليارات دولار

أجهض آمال إنعاش الاقتصاد في ظل تراجع الإيرادات المتوقعة

طاولات فارغة في مطعم بفندق هيلتون بيروت ميتروبوليتان بالاس (رويترز)
طاولات فارغة في مطعم بفندق هيلتون بيروت ميتروبوليتان بالاس (رويترز)
TT

الصراع مع إسرائيل يكلف لبنان 10 مليارات دولار

طاولات فارغة في مطعم بفندق هيلتون بيروت ميتروبوليتان بالاس (رويترز)
طاولات فارغة في مطعم بفندق هيلتون بيروت ميتروبوليتان بالاس (رويترز)

تراجعت آمال لبنان في إنعاش اقتصاده المتعثر من خلال عائدات السياحة، بعد أن أدت غارة جوية إسرائيلية على العاصمة بيروت وتهديد باندلاع حرب شاملة إلى فرض سلسلة من الإجراءات، منها حظر السفر، كما غادر المصطافون البلاد.

وكان من المتوقع أن يتجاوز دخل الموسم الصيفي من الزوار – معظمهم من بين الجالية اللبنانية الكبيرة – ما بين 5 و7 مليارات دولار تم ضخها في العام الماضي، وفقاً لوزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام. لكنه قال في مقابلة إن كل ذلك تغير بعد الغارة أواخر الشهر الماضي، والتي أثارت مخاوف من صراع أوسع على الأراضي اللبنانية بين إسرائيل و«حزب الله»، وفق «بلومبرغ».

وأدى الهجوم الصاروخي على الضواحي الجنوبية لبيروت إلى مقتل قائد رفيع في «حزب الله». وقالت إسرائيل إن القائد، فؤاد شكر، كان مسؤولاً عن هجوم على مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، وأسفر عن مقتل 12 شاباً كانوا يلعبون كرة القدم.

وقدَّر سلام أن الصراع كلف لبنان بالفعل أكثر من 10 مليارات دولار، استناداً إلى العائدات المفقودة والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.

وقال: «كنا نحلم بأن يستمر النمو في إنفاق السياح والعائدين اللبنانيين». لكنه أضاف: «لقد ألغى الجميع حجوزاتهم، وكل من كان هنا غادر. هذا القطاع تجمد. الفنادق والمتاجر فارغة».

ومنعت الجهود الدبلوماسية الدولية الهادفة إلى تهدئة التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط تصعيد الاشتباكات بشكل أكبر.

وأصدرت الحكومات الدولية تحذيرات سفر في وقت قريب من الغارة الإسرائيلية، وعلّقت شركات الطيران الرحلات الجوية. حتى أن الولايات المتحدة عرضت على مواطنيها قروضاً لشراء التذاكر، والتي ارتفعت أسعارها بشكل كبير. وكان إنفاق السياح في لبنان دفعة كبيرة للاقتصاد المتوسطي الذي كان في حالة انهيار على مدى السنوات الخمس الماضية بسبب أزمة مصرفية وديون.

وقال سلام: «هذا المال هو ما أبقى البلد على قيد الحياة».

من جانبه، يقول «حزب الله»، المدعوم من إيران، إنه سيواصل الأعمال العدائية مع إسرائيل حتى توافق الدولة على وقف إطلاق النار مع «حماس» في غزة. وقد دمرت النيران المتبادلة مع إسرائيل مئات المنازل والأعمال التجارية اللبنانية ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، التي تعد إلى جانب السياحة المصدر الرئيسي للدخل في البلاد.

الأزمة الاقتصادية

وانحدر لبنان إلى أزمة بعد أن بدأت تدفقات الدولار من المغتربين في التراجع عام 2019، وتلاشت الثقة في قدرة البلاد على تمويل ديونها. واندلعت احتجاجات جماهيرية وسط ارتفاع التضخم والفساد الحكومي المستشري. وتفاقم الوضع بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020 الذي أسفر عن مقتل نحو 220 شخصاً.

وتخلف لبنان عن سداد أكثر من 31 مليار دولار من السندات، ولا يزال مغلقاً عن الأسواق المالية. ولم تبدأ بعد محادثات إعادة الهيكلة.

وفي العام الماضي، كانت دولرة الاقتصاد – وهو ما وصفه سلام بأنه إنجازه الأهم – وطباعة المصرف المركزي كمية أقل من النقود قد أتاح بعض الراحة؛ مما ساعد على تباطؤ التضخم من نحو 270 في المائة إلى 42 في المائة ابتداءً من يوليو (تموز).

وفي العام الماضي، أصدر سلام قراراً بضرورة تسعير جميع السلع بالدولار في محال السوبر ماركت وتجار التجزئة. وجاء هذا القرار في أعقاب التحديات التي كانت تواجهها المحال في إعادة تسعير السلع بشكل مستمر بالليرة اللبنانية.

ومع ذلك، لا يزال الاقتصاد بعيداً عن الإصلاح. ولا تزال الدولة غير قادرة على التوصل إلى اتفاق حول كيفية إعادة هيكلة المصارف وتنفيذ الإصلاحات الأخرى التي ستكون ضرورية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي وتعزيز النمو.

ويوم الثلاثاء، قال بنك عودة، أحد أكبر المصارف في لبنان، إن الذراع الاستثمارية الخاصة للبنك الدولي تقاضيه لفشله في سداد الديون الثانوية.

وقال سلام إن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، وهناك حاجة ماسة إلى تدخل من داعمين أجانب.

وقال: «أولاً نحن في حاجة إلى استعادة ثقة الناس، ثم ثقة المجتمع الدولي».


مقالات ذات صلة

«المركزي الأوروبي» يستعد لقرار حاسم في سبتمبر

الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

«المركزي الأوروبي» يستعد لقرار حاسم في سبتمبر

رأى صناع السياسة في المصرف المركزي الأوروبي عدم وجود ضرورة لتخفيض أسعار الفائدة الشهر الماضي، لكنهم لمحوا إلى مناقشة جديدة في سبتمبر (أيلول).

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد منشآت سكنية غير مكتملة تابعة لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي شرق الصين (رويترز)

«بي دبليو سي» تواجه حظراً صينياً لستة أشهر وغرامة كبيرة بسبب «إيفرغراند»

قالت مصادر إن الجهات التنظيمية الصينية ستأمر على الأرجح بتعليق جزء كبير من أعمال وحدة التدقيق التابعة لشركة «بي دبليو سي» لمدة 6 أشهر.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)
الاقتصاد لافتة لمعرض الوظائف في الجادة الخامسة في مانهاتن (رويترز)

ارتفاع طلبات إعانة البطالة الأميركية الأسبوع الماضي

ارتفع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة في الأسبوع الأخير، لكن المستوى لا يزال يشير إلى استمرار التبريد التدريجي لسوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سياح في أحد المعابد القديمة بالعاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

المستثمرون اليابانيون يعززون مشترياتهم من السندات الأجنبية

زاد المستثمرون اليابانيون مشترياتهم من السندات الأجنبية في الأسبوع الماضي مع تهدئة المخاوف بشأن رفع أسعار الفائدة بسرعة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد مشاة يسيرون أمام سبيلاً أثرياً عقب تجديده في أحد أحياء العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري»: 71.5 % من المواطنين البالغين «مشمولون مالياً»

قال البنك المركزي المصري، في تقرير حديث، إن نحو 71.5 في المائة من المواطنين البالغين في البلاد مشمولون مالياً حتى يونيو (حزيران) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«بي دبليو سي» تواجه حظراً صينياً لستة أشهر وغرامة كبيرة بسبب «إيفرغراند»

منشآت سكنية غير مكتملة تابعة لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي شرق الصين (رويترز)
منشآت سكنية غير مكتملة تابعة لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي شرق الصين (رويترز)
TT

«بي دبليو سي» تواجه حظراً صينياً لستة أشهر وغرامة كبيرة بسبب «إيفرغراند»

منشآت سكنية غير مكتملة تابعة لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي شرق الصين (رويترز)
منشآت سكنية غير مكتملة تابعة لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي شرق الصين (رويترز)

قال 5 مصادر إن الجهات التنظيمية الصينية ستأمر على الأرجح بتعليق أعمال جزء كبير من وحدة التدقيق التابعة لشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز (بي دبليو سي)» في البر الرئيسي للصين لمدة 6 أشهر كجزء من العقوبة على عملها في شركة التطوير العقاري المتعثرة «إيفرغراند».

وقال مصدران، لديهما علم بالأمر لكنهما رفضا الكشف عن اسميهما لأن المعلومات خاصة، إنه من المتوقع فرض حظر تجاري على شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز تشونغ تيان إل إل بي»، وهي الكيان المحاسبي المسجل والذراع البرية الرئيسية لشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» في الصين.

وأضافا أن الحظر الذي يستمر 6 أشهر من المتوقع أن يركز على أعمال الشركة المرتبطة بالأوراق المالية -وهو ما من شأنه أن يؤثر في خدمات الشركة للعملاء، بما في ذلك الشركات المدرجة والشركات التي تستعد للاكتتاب العام الأولي وصناديق الاستثمار في البر الرئيسي.

وقال 3 أشخاص إن الغرامة ستصل إلى 400 مليون يوان (56 مليون دولار) على الأقل. وأضافوا أنه إلى جانب تعليق العمل، ستكون هذه هي العقوبة الأشد على الإطلاق التي تتلقاها شركة محاسبة من بين الشركات الأربع الكبرى في الصين.

وقال أحد المصادر إن عقوبات «بي دبليو سي»، التي تتعامل معها بشكل أساسي وزارة المالية الصينية، وهي الجهة التنظيمية الأساسية لشركات المحاسبة في البلاد، لم يتم الانتهاء منها بعد.

وقال متحدث باسم «بي دبليو سي» في بيان: «نظراً لأن هذه مسألة تنظيمية مستمرة، فلن يكون من المناسب التعليق». ولم ترد وزارة المالية على الفور على طلبات التعليق.

وتخضع «بي دبليو سي» للتدقيق التنظيمي لدورها في تدقيق مجموعة «تشاينا إيفرغراند»، منذ اتهام مطور العقارات المتعثر في مارس (آذار) بالاحتيال بمبلغ 78 مليار دولار. وراجعت «بي دبليو سي» حسابات «إيفرغراند» لمدة 14 عاماً تقريباً حتى أوائل عام 2023.

وقال ثلاثة أشخاص لـ«رويترز» إنه من المتوقع أن تعلن الجهات التنظيمية الصينية عن عقوبات «بي دبليو سي» في الأسابيع المقبلة.

وكانت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أول من أورد يوم الخميس أن شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» في الصين تتوقع حظر أعمال لمدة ستة أشهر من السلطات الصينية في وقت مبكر من سبتمبر (أيلول). وفي مايو (أيار) ذكرت «بلومبرغ» أن الشركة تواجه غرامة قياسية لا تقل عن مليار يوان (140 مليون دولار).

وقال مصدر إن العقوبات الوشيكة لشركة «برايس ووترهاوس كوبرز» أدت إلى هجرة العملاء، ودفعت إلى خفض التكاليف وتسريح العمال في الشركة في الأشهر الأخيرة، مما ألقى بظلاله على آفاق الشركة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقال المصدرون إن العقوبات ستمنع شركة برايس ووترهاوس كوبرز من التوقيع على بعض الوثائق الرئيسية للعملاء في البر الرئيسي للصين، مثل النتائج وتطبيقات الاكتتاب العام الأولي وكذلك من تنفيذ خدمات أخرى متعلقة بالأوراق المالية.

كما قد يؤثر تعليق الأعمال على شركة برايس ووترهاوس كوبرز تشونغ تيان، ككل، من التعامل مع عملاء جدد مملوكين للدولة أو مدرجين في البورصة في السنوات الثلاث المقبلة، وفقاً للوائح الصينية.

وفي العام الماضي، أكدت الجهات التنظيمية المحلية أن الشركات المملوكة للدولة والشركات المدرجة يجب أن تكون «حذرة للغاية» بشأن توظيف المدققين الذين تلقوا غرامات تنظيمية أو عقوبات أخرى في السنوات الثلاث الماضية.

وفي مارس (آذار) من العام الماضي، فرضت السلطات الصينية غرامة قدرها 211.9 مليون يوان على فرع «ديلويت» في بكين، وتم تعليق عمليات الفرع لمدة ثلاثة أشهر بعد اكتشاف أوجه قصور خطيرة في تدقيقه لشركة إدارة الأصول الصينية «هوارونغ».

وعلى صعيد مواز، قال خبراء إن الدائنين الخارجيين لشركة «تشاينا «إيفرغراند»» ربما يكونون قادرين على زيادة فرصهم في استرداد الأموال، إذا تمكنوا من إثبات أن المطور العقاري يستحق أموالا من الشركات التابعة في الداخل، والتي سيكونون مستحقين لها.

وأصبح هؤلاء الدائنون مساهمين بحكم الأمر الواقع في أصول «إيفرغراند» في الداخل بسبب أمر التصفية الصادر في يناير (كانون الثاني) في هونغ كونغ، مما يمنحهم وسيلة أخرى لاسترداد الأموال من شركة بلغت التزاماتها الخارجية وحدها ما يصل إلى 23 مليار دولار.

ويتمتع المساهمون بأدنى أولوية عند استرداد الديون. ومع ذلك، في حالة وحدتين للسيارات الكهربائية ووحدة عقارية، يمكن اعتبارهم دائنين يتمتعون بأسبقية أعلى إذا كشفت إعادة التنظيم التي أمرت بها المحكمة للوحدة الأولى وتصفية الوحدة الأخرى أن هذه الشركات التابعة لديها قروض مستحقة قدمتها «تشاينا إيفرغراند».

وقال غلين هو، رئيس التحول وإعادة الهيكلة الوطنية في «ديلويت» الصين: «إن الدائنين الخارجيين الذين يستطيعون إثبات أن (إيفرغراند) أقرضت أموالاً لهذه الشركات المعاد هيكلتها، لديهم الحق القانوني في استرداد الأموال». واستشهد بقضية تتعلق بفريقه، حيث تلقى الدائنون الخارجيون لشركة «تشاينا هويشان ديري» مدفوعات من خلال إعادة هيكلة الشركات التابعة التي اقترضت من الشركة الأم.

ويتعين على دائني وحدات «إيفرغراند» -بما في ذلك «إيفرغراند» نفسها، إذا كانت هناك قروض مستحقة- الإبلاغ عن تفاصيل الأموال المستحقة قبل اجتماعات الدائنين في 22 أكتوبر (تشرين الأول) لشركة «إيفرغراند نيو إنيرجي فيكل»، و«إيفرغراند سمارت أوتوموتيف»، و14 نوفمبر (تشرين الثاني) بالنسبة لشركة «قوانغتشو كايلونغ» العقارية.

وتضيف إمكانية استرداد دائني «إيفرغراند» الخارجيين للأموال من خلال الشركات التابعة فصلاً آخر إلى سقوط ما كان ذات يوم أكبر تكتل عقاري في الصين. كما يثير ذلك احتمال تقديم الدائنين الخارجيين دليلاً على حجم الديون بين «إيفرغراند» والشركات التابعة الأخرى، وملاحقة الأموال من خلال الدفع لإعادة هيكلة تلك الوحدات، كما قال الخبراء. ومع ذلك، فإن التعافي سيكون صعباً، كما قالوا.