لماذا تثير خطة «صنع في الصين 2025» كل هذا الكم من القلق الأميركي؟

خبير استراتيجي يتوقع معركة صعبة لواشنطن وحلفائها

عاملات في مصنع للإلكترونيات بمدينة فويانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
عاملات في مصنع للإلكترونيات بمدينة فويانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

لماذا تثير خطة «صنع في الصين 2025» كل هذا الكم من القلق الأميركي؟

عاملات في مصنع للإلكترونيات بمدينة فويانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
عاملات في مصنع للإلكترونيات بمدينة فويانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

عاشت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عقودا لا يشعرون بأي تهديد خارجي في مجال التكنولوجيا والإلكترونيات بفضل سيطرة شركاتهم على هذه المجالات، لكن مع دخول الصين بقوة فيها؛ خاصة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين والطفرة الهائلة خلال السنوات الأخيرة، أصبح الكثيرون من خبراء الأمن القومي ومسؤوليه في الولايات المتحدة وأوروبا يشعرون بقلق كبير من هذا التفوق الصيني المتصاعد.

وفي تحليل نشره موقع مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يقول بريان جيه كافاناو، الذي عمل كبيرا لمديري إدارة المرونة في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال الفترة من 2018 إلى 2021 تحت رئاسة كل من الرئيسين الأميركي السابق دونالد ترمب والحالي جو بايدن، إن السيطرة الصينية المتزايدة على صناعة الإلكترونيات لا تهدد فقط الحالة الاقتصادية لقطاع الإلكترونيات الأميركي، وإنما تنطوي أيضا على مخاطر كبيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة.

ويضيف أنه كشخص عمل ثلاث سنوات في مجلس الأمن القومي الأميركي، فإنه كان شاهد عيان على الطرق المعقدة، وغير المرئية في كثير من الأحيان، التي تؤثر بها سلاسل التوريد العالمية على الأمن القومي، بحسب ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

ولم يكن صعود الصين كقوة عالمية في صناعة الإلكترونيات مجرد مصادفة، وإنما كان نتيجة جهد استراتيجي ومقصود ومدعوم بقوة من الحكومة الصينية للسيطرة على القطاعات التكنولوجية الحيوية في إطار المبادرة التي عرفت بشعار «صنع في الصين 2025».

وضخت الحكومة الصينية دعما بمليارات الدولارات في الشركات التي تنتج كل شيء من الهواتف الذكية وحتى شاشات العرض الرقمية. وسمح هذا الدعم للشركات الصينية بزيادة حصتها السوقية في سوق شاشات عرض البلور السائل (إل سي دي) بشدة، من 13 في المائة عام 2016 إلى 45 في المائة عام 2023.

وفي سوق شاشات العرض الرقمية والتي تشمل كل شيء من أجهزة التلفزيون إلى شاشات أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية وإلى المعدات العسكرية، حققت الشركات الصينية تقدما كبيرا. فشركات مثل «بي أو إي تكنولوجي» و«تي سي إل» أصبحت أسماء بارزة وتورد إنتاجها لكثير من الشركات العالمية التي تحتاج إلى هذه المكونات الحيوية في صناعة أجهزتها. وبالتالي أصبحت هذه السوق تعتمد بشدة على القدرات التصنيعية للصين.

ويقول كافاناو، كبير نواب رئيس إدارة الأمن الداخلي والتكنولوجيا في شركة «أميركان غلوبال ستراتيجيز» للاستشارات، التي أسسها مستشار الأمن القومي الأميركي سابقا روبرت أوبرين وكبير موظفي مجلس الأمن القومي ألكس غراي، إن التداعيات الاقتصادية للسيطرة الصينية على صناعة الإلكترونيات واضحة. فمن خلال الدعم الكثيف تشوه الصين السوق العالمية وتجعل من شبه المستحيل على شركات دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة منافسة الشركات الصينية بصورة عادلة.

وأضاف أنهم شاهدوا ذلك بالفعل، حيث تكافح الشركات الأميركية والغربية لمواجهة الأسعار المنخفضة التي تقدمها الشركات الصينية، مما أدى إلى تراجع التصنيع المحلي وفقدان الوظائف في الولايات المتحدة. وهذا التدهور لصناعة الإلكترونيات المحلية يضعف المرونة الاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها ككل في حين يزيد الاعتماد غير الصحي على الإمدادات الصينية.

وفي حين أن التداعيات الاقتصادية حادة، فإن التداعيات على الأمن القومي أكثر خطورة. فالاعتماد على الشاشات الرقمية وغيرها من المكونات الإلكترونية صينية الصنع يخلق الكثير من نقاط الضعف في منظومة الأمن القومي الأميركي بحسب كافاناو.

وهناك أوجه شبه كثيرة بين تصنيع الشاشات وتصنيع أشباه الموصلات، وهو ما يعطي الصين فرصة لاستغلال خبراتها في صناعة الشاشات لتحقيق طموحاتها في مجال أشباه الموصلات. ويقول خبراء الصناعة إن نسبة التشابه بين الشاشات وأشباه الموصلات في عمليات التصنيع تبلغ حوالي 70 في المائة، وهذا يمكن أن يتيح للصين تحقيق تقدم متسارع في تكنولوجيا أشباه الموصلات وتجاوز بعض الحدود والحواجز التي تعرقل تقليديا تقدمها في هذا المجال. وأي نجاح للصين في السيطرة على صناعة أشباه الموصلات سيكون إعلانا لانتصارها على الولايات المتحدة دون طلقة رصاص واحدة.

ويقول كافاناو إن الدعم الحكومي الصيني لصناعة الشاشات الذي يتزايد، ويصل إلى حوالي 90 في المائة من النفقات الاستثمارية في مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية، يتيح للشركات الصينية الاستثمار في التقنيات الجديدة مثل شاشات العرض متناهية الصغر دون القلق من العائد على الاستثمار. هذا الدعم الصيني المستمر يتيح للشركات مواصلة الابتكار والتوسع في الأسواق ويعزز مكانة الصين في صناعة الإلكترونيات العالمية.

ويضيف كافاناو، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، أن التصدي لهذا التهديد الصيني متعدد الجوانب يحتاج إلى استراتيجية شاملة تجمع بين السياسة الاقتصادية والابتكار التكنولوجي وإجراءات الأمن القومي.

ويعترف كافاناو بأن الولايات المتحدة لن تستطيع هزيمة الصين بمفردها في هذا المجال، لذلك عليها إعادة النظر في علاقتها التجارية مع الصين وبخاصة في قطاع الإلكترونيات. كما أن عليها العمل مع حلفائها وشركائها لبلورة استراتيجية مشتركة للتعامل مع ممارسات السوق الصينية حتى يمكن الحد من مخاطر هذه الممارسات.

وفي النهاية يقول كافاناو إن السيطرة المدعومة من الدولة على صناعة الإلكترونيات في العالم تمثل تهديدا واضحا وآنيا للاستقرار الاقتصادي والأمن القومي الأميركي. ومن المهم إدراك هذا الخطر والتعامل معه بنهج متعدد الأوجه يعزز علاقات واشنطن بحلفائها وبناء قدراتها المحلية وضمان تكامل سلاسل إمدادها والمحافظة على التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، لأن الفشل في هذا يمكن أن يترك الولايات المتحدة مكشوفة في عالم أصبح رقميا ومتشابكا بأنظمة الاتصالات بشكل متزايد.


مقالات ذات صلة

تمويل بقيمة 92.3 مليون يورو لتحسين عيش التونسيين

شمال افريقيا من لقاء سابق جمع رئيس الحكومة التونسية ونظيرته الإيطالية لبحث تقديم مساعدات مالية مقابل تعهد تونس بوقف تدفقات الهجرة نحو إيطاليا (إ.ب.أ)

تمويل بقيمة 92.3 مليون يورو لتحسين عيش التونسيين

أعلن البنك الأفريقي للتنمية، اليوم الثلاثاء، عن تمويل بقيمة 92.3 مليون يورو لتونس لدعم القدرة التنافسية للمؤسسات وخلق فرص عمل.

«الشرق الأوسط» (تونس)
الاقتصاد مقر بنك الشعب الصيني المركزي في العاصمة بكين (رويترز)

التراجع الحاد للقروض الصينية الجديدة يكشف ضعف ثقة الشركات والمستهلكين

قدَّمت البنوك الصينية 260 مليار يوان فقط في شكل قروض جديدة باليوان في يوليو، بانخفاض حاد عن الشهر السابق ودون توقعات المحللين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد القوات الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الصراع الدائر بين إسرائيل و«حماس» (رويترز)

«فيتش» تخفض تصنيف إسرائيل... الحرب في غزة تضغط على الاقتصاد

خفضت وكالة «فيتش» تصنيف إسرائيل الائتماني لـ«إيه» من «إيه بلس» مشيرة إلى تدهور المخاطر الجيوسياسية مع استمرار الحرب في غزة وأبقت على نظرة مستقبلية سلبية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد فنيون بجانب خطوط الإنتاج بأحد المصانع في ألمانيا (رويترز)

تراجع أقوى من المتوقع للمعنويات الاقتصادية في ألمانيا خلال أغسطس

تدهورت التوقعات الاقتصادية للخبراء الماليين الألمان، في أغسطس الحالي، بشكل أقوى مما كان متوقعاً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد محطة لشحن السيارات الكهربائية في موقف للسيارات بمدينة أنيانغ في كوريا الجنوبية (رويترز)

مبيعات السيارات الكهربائية العالمية تقفز 21 %... وترقب لنتائج معركة بروكسل وبكين

ارتفعت المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية بنسبة 21 في المائة سنوياً في يوليو الماضي بفضل أقوى نمو في الصين هذا العام ورغم انخفاض الطلب في أوروبا.

«الشرق الأوسط» (عواصم)

التراجع الحاد للقروض الصينية الجديدة يكشف ضعف ثقة الشركات والمستهلكين

مقر بنك الشعب الصيني المركزي في العاصمة بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب الصيني المركزي في العاصمة بكين (رويترز)
TT

التراجع الحاد للقروض الصينية الجديدة يكشف ضعف ثقة الشركات والمستهلكين

مقر بنك الشعب الصيني المركزي في العاصمة بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب الصيني المركزي في العاصمة بكين (رويترز)

قدَّمت البنوك الصينية 260 مليار يوان (36.26 مليار دولار) فقط في شكل قروض جديدة باليوان في يوليو (تموز) الماضي، بانخفاض حاد عن الشهر السابق، ودون توقعات المحللين، وهو ما يسلط الضوء على ضعف الطلب مع استمرار تباطؤ سوق العقارات وانعدام الأمن الوظيفي، مما أثر على ثقة الشركات والمستهلكين.

وكان محللون استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا أن تبلغ القروض الجديدة باليوان 450 مليار يوان الشهر الماضي، بانخفاض حاد عن 2.13 تريليون يوان في الشهر السابق؛ لكنها أعلى من 345.9 مليار يوان قبل عام. ولا يقدم بنك الشعب الصيني تفاصيل شهرية؛ لكن «رويترز» حسبت أرقام يوليو استناداً إلى بيانات البنك عن الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو التي صدرت يوم الثلاثاء، مقارنة بأرقام يناير إلى يونيو (حزيران).

وقال بنك الشعب الصيني، إن إجمالي القروض الجديدة باليوان بلغ 13.53 تريليون يوان في الأشهر السبعة الأولى من العام. وتسارع نمو المعروض النقدي الواسع النطاق (M2) الشهر الماضي إلى 6.3 في المائة مقارنة بالعام السابق، متجاوزاً تقديرات 6.1 في المائة المتوقعة في استطلاع «رويترز»، و6.2 في المائة في يونيو. وتباطأ نمو القروض القائمة باليوان إلى 8.7 في المائة، مقارنة مع 8.8 في المائة في يونيو. وكان المحللون يتوقعون نمواً بنسبة 8.8 في المائة.

وفي الأسواق، ارتفعت الأسهم الصينية قليلاً يوم الثلاثاء بعد تذبذبها في تعاملات هزيلة، مع بقاء معنويات المستثمرين ضعيفة بسبب التعافي الاقتصادي البطيء ودعم التحفيز المحدود، في حين انتعشت الأسواق الإقليمية بعد موجة بيع بسبب الذعر.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» ومؤشر «شنغهاي المركب» مرتفعين 0.3 في المائة، بينما ظلا عند أدنى مستوى في نصف عام.

وستصدر الصين مجموعة من المؤشرات هذا الأسبوع، بما في ذلك بيانات الائتمان والنشاط الاقتصادي، والتي من المرجح أن تُظهر أن الاقتصاد بدأ بداية ضعيفة في النصف الثاني من العام.

وقال أوغستين فان، رئيس قسم التخطيط في شركة «سوفا دوت أورغ» للتكنولوجيا المالية: «كانت الصين منطقة تجارة صعبة للصناديق ذات التفويضات العالمية، وكان أداؤها ضعيفاً بشكل كبير على مدى السنوات القليلة الماضية. تحتاج الأسواق حالياً إلى محفز قوي لعكس الاتجاه الهبوطي؛ لكنها لم تشهد بعد محفزاً مقنعاً حتى في الجلسة الكاملة الأخيرة».

وأعلنت الصين عن نمو اقتصادي أضعف من المتوقع في الربع الثاني الأسبوع الماضي، ولم تظهر المؤشرات الاقتصادية الأخيرة أيضاً تحسناً كبيراً. وقال فان: «سيكون من الصعب على المستثمرين نشر استثماراتهم بشكل كبير في الصين في هذه المرحلة، حتى تتمكن الحقائق على الأرض من إحداث تغيير مادي».

وأنهى مؤشر القطاع المالي الصيني تداولات الثلاثاء مرتفعاً بنسبة 0.55 في المائة، بينما انخفض قطاع السلع الاستهلاكية الأساسية بنسبة 0.88 في المائة، وانخفض مؤشر العقارات بنسبة 0.3 في المائة.

وأنهى مؤشر «شنتشن» الأصغر التعاملات على ارتفاع بنسبة 0.5 في المائة، وارتفع مؤشر «تشينيكست» المركب للشركات الناشئة بنسبة 0.929 في المائة. كما ارتفع مؤشر «هانغ سنغ» 0.36 في المائة، ومؤشر «هانغ سنغ» للشركات الصينية 0.33 في المائة.