الاتحاد الأوروبي قد يلجأ للطاقة النووية من جديد

في ظل أزمة الطاقة والتغيّر المناخي

محطة للطاقة النووية بالقرب من مدينة ليون الفرنسية (رويترز)
محطة للطاقة النووية بالقرب من مدينة ليون الفرنسية (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي قد يلجأ للطاقة النووية من جديد

محطة للطاقة النووية بالقرب من مدينة ليون الفرنسية (رويترز)
محطة للطاقة النووية بالقرب من مدينة ليون الفرنسية (رويترز)

أصبحت الطاقة النووية تحظى بالاهتمام من جديد في الاتحاد الأوروبي؛ إذ ينظر الساسة ورجال الأعمال إليها في إطار مختلف من مجرد دور في التكيف مع تغير المناخ، وخاصة بعد أزمة الطاقة التي مرت بها الدول الأوروبية في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، والتي ما زالت تلقي بظلالها حتى الآن على القارة العجوز.

وأشار بعض الساسة في أوروبا إلى دور كبير للطاقة النووية في أمن الطاقة الأوروبية، وذلك خلال مرحلة التحول الطاقي التي تنتهجها معظم الدول، حتى إن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ركزت على أن توقعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمفوضية الأوروبية لعام 2050 تشير إلى أن الطاقة النووية ستزداد وستشكل مكملاً لمصادر الطاقة المتجددة، والتي سوف «تكون العمود الفقري لإنتاج الطاقة في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050».

يأتي ذلك في حين تراجعت نسبة الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وفي العالم بشكل عام؛ إذ انخفضت حصتها في مزيج الكهرباء بأرجاء الكرة الأرضية من 18 في المائة في عام 1988 إلى 9 في المائة فقط حالياً، حسبما ذكر تحليل اقتصادي من «إي إن آر».

وأمام أول قمة للطاقة النووية، والتي عُقدت في مارس (آذار) الماضي، أوضحت فون دير لاين: «في الدول المنفتحة على التكنولوجيا، يمكن أن تلعب التكنولوجيا النووية دوراً مهماً في التحول إلى الطاقة النظيفة».

وسلطت القمة التي نظمتها بلجيكا والوكالة الدولية للطاقة الذرية في بروكسل، الضوء على إمكانات الطاقة النووية للمساهمة في أمن الطاقة، وتحقيق الأهداف المناخية، واستقرار أسعار الطاقة.

ورغم ذلك، فإن الكوارث الكبرى، مثل محطة فوكوشيما اليابانية، وتشيرنوبيل، شكلت على نحو مثير الرأي العام في الاتحاد الأوروبي إزاء الطاقة النووية، وخاصة فيما يتعلق بالسلامة وبالمخاوف البيئية.

وينتقد معارضون ارتفاع تكلفة إقامة نظام للطاقة النووية، والمخاطر التي ينطوي عليها التعامل مع النفايات النووية وتخزينها، والآثار البيئية للتلوث النووي والحوادث النووية، والكميات الكبيرة من المياه اللازمة لعمليات التبريد في المحطات النووية. ويستشهد المنتقدون بالأثر البيئي لتعدين اليورانيوم، في حين تسلط الهواجس المتعلقة بالسلامة العامة الضوء على المخاوف من الإشعاع.

وأشارت السياسية الألمانية المحافظة فون دير لاين، إلى اختلاف وجهات النظر بشأن الطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي، ولكن في أعقاب أزمة الطاقة العالمية التي نجمت عن الحرب الروسية - الأوكرانية، قالت رئيسة المفوضية: «تتبنى العديد من الدول نظرة جديدة للدور المحتمل الذي قد تلعبه الطاقة النووية».

ونصّبت فون دير لاين نفسها للدفاع عن إطالة عمر استخدام المحطات النووية الحالية، «شريطة تشغيلها بشكل آمن»، كواحدة من «أرخص الطرق لتوفير الطاقة النظيفة على نطاق واسع».

وأدرجت دول الاتحاد الأوروبي الطاقة النووية ضمن التكنولوجيا الاستراتيجية ذات الأهمية البالغة للحد من الانبعاثات الكربونية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الطاقة النووية تفتقر لنفس الدعم المالي الذي تتمتع به مصادر الطاقة المتجددة.

استثمارات الطاقة النووية

في مارس الماضي، طالبت 12 من دول التكتل، الأعضاء في التحالف النووي الأوروبي، بزيادة التمويل للطاقة النووية، ودعت المؤسسات المالية إلى التعامل معها بنفس نهج التعامل مع مصادر الطاقة المتجددة.

ودعا التحالف بنك الاستثمار الأوروبي في بيان إلى ضخ استثمارات من أجل توليد الطاقة النووية.

ويضم التحالف الذي أُطلق في عام 2023، بلغاريا وكرواتيا وفنلندا وفرنسا والمجر وهولندا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وجمهورية التشيك والسويد، وقد التزم بـ«تطوير سبل الحصول على التمويل الخاص والعام واستكشاف إمكانات وأوجه الاستفادة من أدوات التمويل الأوروبية».

وعلى النقيض من ذلك كله، تعارض الدنمارك وإسبانيا ولوكسمبورغ وألمانيا الطاقة النووية.

وقد توقفت آخر ثلاث محطات للطاقة النووية في ألمانيا عن العمل في شهر أبريل (نيسان) عام 2023، بقرار اتُّخذ في أعقاب كارثة محطة فوكوشيما النووية باليابان في عام 2011. وعلى الرغم من ذلك، تتنامى الدعوات في البلاد من أجل العودة للطاقة النووية.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وافقت الحكومة الإسبانية على خطة للتعامل مع النفايات المشعة، من أجل وقف العمل في المنشآت النووية، ووضعت جدولاً زمنياً لإغلاق محطات الطاقة النووية بالبلاد خلال الفترة بين عامي 2027 و2035. ومع ذلك، هناك معارضون للإغلاق، مثل إجناسيو أرالوتشي، رئيس منظمة «فورو» النووية، والذي قال إن المحطات النووية «ضرورية لنظام (الطاقة)» في إسبانيا.

المفاعلات النووية الصغيرة

دعم الاتحاد الأوروبي للطاقة النووية المفاعلات المعيارية الصغيرة، وهي مفاعلات نووية تختلف عن محطات الطاقة النووية التقليدية الضخمة؛ إذ إنها أصغر حجماً وأقل تكلفة.

وتسعى المفوضية الأوروبية إلى دعم جهود تطوير هذه المفاعلات الصغيرة للمساعدة في خفض الانبعاثات الكربونية، ولكن هذا المجال يشكل سباقاً تكنولوجياً مع الصين والولايات المتحدة وروسيا، وقد دخله الاتحاد الأوروبي لتوّه.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أطلقت المفوضية تحالفاً صناعياً أوروبياً للمفاعلات المعيارية الصغيرة بهدف جمع الحكومات والجهات الفاعلة في هذا المجال لتسريع وتيرة تطوير هذه التكنولوجيا.

كما يمتد الابتكار في قطاع الطاقة النووية إلى إدارة النفايات. ومن المقرر أن تحصل شركة «ثورينون» الهولندية الناشئة على منحة بقيمة 10 ملايين يورو (11 مليون دولار) من الحكومة الفرنسية في هذا المجال.

وتسعى الشركة، ومقرها أمستردام، إلى تسريع وتيرة تطوير مفاعل نووي صغير يستخدم النفايات النووية الناتجة عن محطات الطاقة العادية كوقود. وبحسب الشركة، يمكن لمحطة واحدة من هذا النوع توفير الطاقة النظيفة لنحو 250 ألف أسرة. ويفترض أن المفاعل النووي الجديد سوف يكون أكثر استدامة وأماناً وأرخص سعراً من المفاعلات النووية التقليدية.

كما وافقت المفوضية الأوروبية على أن تقدم الحكومة الهولندية دعماً مالياً قيمته مليارا يورو لإقامة مفاعل نووي جديد في قرية بيتن الهولندية. ويهدف المفاعل إلى تطوير وتخزين النظائر المشعة الطبية لعلاج مرض السرطان، لكنه لن يولد كهرباء.


مقالات ذات صلة

زعيم كوريا الشمالية يسعى لزيادة عدد الأسلحة النووية بمواجهة «تهديد خطير»

آسيا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (إ.ب.أ)

زعيم كوريا الشمالية يسعى لزيادة عدد الأسلحة النووية بمواجهة «تهديد خطير»

قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إن بلاده تنفذ سياسة لبناء قوة نووية من أجل زيادة عدد الأسلحة النووية بشكل كبير.

«الشرق الأوسط» (بيونغ يانغ)
آسيا بالونان يظهران من نقطة مراقبة في كوريا الجنوبية بالقرب من الحدود مع كوريا الشمالية (أ.ب)

ملف كوريا الشمالية يفرض نفسه على «إدارة» هاريس

ستجد مرشحة الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس صعوبة بالغة في تجنب التعامل مع ملف كوريا الشمالية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الإمارات تستكمل مشروع «براكة» النووي مع التشغيل التجاري للمحطة الرابعة

الإمارات تستكمل مشروع «براكة» النووي مع التشغيل التجاري للمحطة الرابعة

أعلنت مؤسسة «الإمارات للطاقة النووية»، اليوم، عن اكتمال محطات «براكة» للطاقة النووية، وذلك مع التشغيل التجاري للمحطة الرابعة.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الاقتصاد شعار شركة «أورانو» في «المعرض النووي العالمي» (رويترز)

«أورانو» تبني مصنعاً لليورانيوم في أميركا بهدف إنهاء الاعتماد على روسيا

اختارت شركة الوقود النووي المملوكة للدولة الفرنسية «أورانو» أوك ريدج في تينيسي موقعاً لبناء مصنع لتخصيب اليورانيوم بالمليارات في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا زيلينسكي في مؤتمر صحافي... وتظهر خلفه المقاتلة «إف - 16» (أ.ب)

موسكو تحدث العقيدة النووية لمواجهة «التحديات الجديدة»

بدأت موسكو تلوح مجدداً بالقدرات النووية لروسيا في اتجاه تعزيز الضغط وإجبار الغرب على إعادة فتح بعض قنوات الاتصال مع موسكو.

رائد جبر (موسكو)

«هواوي» تطرح أول هاتف في العالم قابل للطي 3 مرات

هاتف «هواوي مايت إكس تي» الجديد القابل للطي 3 مرات معروض في حفل إطلاقه بمتجر الشركة في مدينة شنتشن الصينية (أ.ف.ب)
هاتف «هواوي مايت إكس تي» الجديد القابل للطي 3 مرات معروض في حفل إطلاقه بمتجر الشركة في مدينة شنتشن الصينية (أ.ف.ب)
TT

«هواوي» تطرح أول هاتف في العالم قابل للطي 3 مرات

هاتف «هواوي مايت إكس تي» الجديد القابل للطي 3 مرات معروض في حفل إطلاقه بمتجر الشركة في مدينة شنتشن الصينية (أ.ف.ب)
هاتف «هواوي مايت إكس تي» الجديد القابل للطي 3 مرات معروض في حفل إطلاقه بمتجر الشركة في مدينة شنتشن الصينية (أ.ف.ب)

كشفت شركة «هواوي تكنولوجيز» الصينية، الثلاثاء، عن هاتف ذكي قابل للطي 3 مرات بقيمة 2800 دولار، في إطار سعيها إلى تعزيز صدارتها في أكبر سوق للهواتف الذكية في العالم، وسرقة الأضواء من «أبل»، بعد ساعات من إطلاق الشركة الأميركية النسخة الأحدث من هاتف «آيفون» المجهز بالذكاء الاصطناعي التوليدي.

وكشف رئيس قسم المستهلكين في الشركة الصينية، ريتشارد يو، عن الطراز الجديد من هواتف «هواوي»، المسمى «مايت إكس تي»، خلال مؤتمر عبر الإنترنت للمجموعة من مقرها الرئيسي في شنتشن (جنوب الصين)، وستُطرح هذه الهواتف للبيع في 20 سبتمبر (أيلول) الحالي.

وعلى الرغم من أن الهاتف يستهدف فئة محددة من الزبائن، فإن أكثر من 3 ملايين شخص سجّلوا مسبقاً ليتلقوا تنبيهاً عندما يصبح متوفراً. ووفقاً لشركة «آي دي سي» للأبحاث، بلغ إجمالي السوق العالمية للهواتف القابلة للطي نحو 4 ملايين وحدة في الرُّبع الثاني.

وقال ريتشارد يو، خلال عرض الهاتف: «لطالما كانت هواوي رائدة في قطاع الهواتف القابلة للطي. وهذا النموذج الجديد الذي يبدأ سعره بـ19999 يوان، هو الأول في العالم الذي يمكن طيّه 3 طيات»، وأضاف: «لقد بذلنا جهوداً كبيرة لحل مشكلة الإنتاج الضخم والثقة المحيطة بالمنتج».

وقال ريتشارد يو: «اليوم نقدم لكم منتجاً يمكن لأي شخص أن يفكر فيه، ولكن لا يستطيع صنعه. لقد عمل فريقنا بجد لمدة 5 سنوات ولم يستسلم أبداً». وأضاف: «نحن نجرؤ على تحقيق إنجازات غير عادية. اليوم سنعيد كتابة تاريخ الصناعة مرة أخرى، ونُحوّل الخيال العلمي إلى حقيقة، ونقود عصراً جديداً من الأجهزة القابلة للطي».

وصدر هاتف «مايت إكس تي» باللونين الأحمر والأسود، وشاشة مقاسها 10.2 بوصة، وبسُمك 3.6 مليمتر، وقالت الشركة إنه أنحف هاتف قابل للطي في العالم. وتمتلك «هواوي» بالفعل هواتف قابلة للطي مرتين ضمن منتجاتها، وساعدتها مبيعاتها القوية في الصين على التفوق على «سامسونغ إلكترونيكس» هذا العام بوصفها أكبر بائع لهذه الهواتف على مستوى العالم.

ويؤكد إطلاق الهاتف الجديد، الذي يأتي بعد سلسلة من الإصدارات الناجحة للهواتف الذكية، قدرة «هواوي» على تجاوز العقوبات الأميركية المفروضة عليها، ويعزز موقفها ضد شركة «أبل» في الصين، حيث انتقد بعض المستهلكين هاتف «آيفون 16» الجديد؛ بسبب افتقاره إلى ميزات الذكاء الاصطناعي المتوفرة في البلاد.

ويأتي إعلان «هواوي» غداة طرح «أبل» مجموعتها الجديدة من أجهزة «آيفون» وهي أول هواتف ذكية من تصنيعها مزوّدة بـ«أبل إنتلجنس»، نظامها الجديد القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يمثل التكنولوجيا الأبرز في «سيليكون فالي».

وكانت «هواوي» منذ سنوات في خضم منافسة تكنولوجية شديدة بين الصين والولايات المتحدة التي تتهم الشركة، من دون تقديم أدلة، بالقدرة على التجسس لصالح السلطات الصينية... وتنفي «هواوي» هذه الاتهامات بشكل قاطع، ولكن منذ عام 2019 أدت العقوبات التي فرضتها واشنطن إلى عزل الشركة عن سلاسل التوريد العالمية للتقنيات والمكونات الأميركية.

وفي المقابل، لم تعلن شركة «أبل» حتى الآن عن شريك في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين لتشغيل أجهزة «آيفون 16»، كما لن يتوفر برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة باللغة الصينية إلا في العام المقبل.

وكانت «أبل» تحظى لسنوات بطلب قوي في الصين، حيث كانت إطلاقات هواتف «آيفون» الجديدة تثير حالة جنونية بين المستخدمين في السابق، لكن مبيعاتها انخفضت، وتراجع ترتيب الشركة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم الآن من المركز الثالث إلى المركز السادس.