هل يملك «الفيدرالي» الوقت الكافي لتجنب الركود؟

الجزء الخارجي من مبنى الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إكليس» في واشنطن (رويترز)
الجزء الخارجي من مبنى الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إكليس» في واشنطن (رويترز)
TT

هل يملك «الفيدرالي» الوقت الكافي لتجنب الركود؟

الجزء الخارجي من مبنى الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إكليس» في واشنطن (رويترز)
الجزء الخارجي من مبنى الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إكليس» في واشنطن (رويترز)

ربما يكون «الاحتياطي الفيدرالي» قد تأخر قليلاً في خفض أسعار الفائدة، إلا أنه لا يزال يملك الوقت الكافي لتفادي حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من التقلبات المالية الشديدة والتداولات المحمومة على مدى الأسبوع الماضي، فإن الأسواق لم تستوعب بعد موقف السياسة النقدية من بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي من شأنه تحفيز الاقتصاد بشكل نشط في أي وقت خلال الدورتين المقبلتين، وفق «رويترز».

وبينما قد يسلط ذلك الضوء على المخاوف المستمرة لدى المستثمرين بشأن التضخم الثابت، فإنه من المرجح أن يعكس شكوكهم في أن الركود العميق قد بدأ بالفعل.

وأوضح ما يدل عليه ذلك هو أن «الفيدرالي» لا يتعين عليه سوى رفع قدمه عن الفرامل لمواصلة مسار التوسع.

فمن الواضح أن الأسواق أصيبت بالفزع بسبب الارتفاع الحاد وغير المتوقع في معدل البطالة في الولايات المتحدة الشهر الماضي، والذي تفاقم بسبب انهيار أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى. ومع ارتفاع التقلبات، سارعت الأسواق إلى تسعير سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة الكبيرة خلال الأشهر المقبلة.

وقبل شهر واحد فقط، أشارت أسعار العقود الآجلة إلى أنه كان من المتوقع حدوث خفضين بمقدار ربع نقطة فقط خلال بقية العام، ولكنها الآن تظهر توقعات بضعف ذلك ـ حوالي 115 نقطة أساس عند أحدث إحصاء يوم الثلاثاء.

وفي سلسلة من التوقعات التي تمت مراجعتها على عجل، يتوقع بنك الاستثمار الأميركي «جي بي مورغان» الآن خفضين بنصف نقطة مئوية في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، يليهما خفض بربع نقطة مئوية في ديسمبر (كانون الأول).

وقد يبدو هذا التوقع مبالغاً فيه بعض الشيء، خاصةً في ظل التقلبات السوقية الحالية التي تشهدها فترة أغسطس (آب) الحافلة بالعطلات.

ولكن ما حدث في منحنى أسعار العقود الآجلة ربما يكون أكثر دلالة على ما يمكن للمستثمرين أن يتوقعوا رؤيته في دورة التيسير الكامل التالية.

وليس هناك شك الآن في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يبدأ في خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل، وكانت إشاراته بشأن ذلك واضحة للغاية في اجتماع الأسبوع الماضي. ولكن أين ستتوقف التخفيضات ليس واضحاً تماماً.

وبالنظر إلى أسعار العقود الآجلة وسوق المال يوم الاثنين، فإن السعر النهائي على مدى الأشهر الثمانية عشر التالية لم ينخفض ​​أبداً إلى ما دون 2.85 في المائة، حتى خلال الجزء الأكثر تطرفاً من تقلبات اليوم.

وهذا بعيد جداً عن معدل السياسة المتوسط ​​الحالي البالغ 5.38 في المائة.

إلا أن هذا المعدل لا يزال أعلى من المعدل المحايد الذي يمثل مستوى التوازن الذي يسعى إليه «الفيدرالي». هذا المعدل، الذي يمثل النقطة المحايدة التي لا تحفز ولا تكبح النمو الاقتصادي، قد تم تحديده حالياً عند 2.8 في المائة بعد أن رفعه مسؤولو «الفيدرالي» بمقدار 30 نقطة أساس هذا العام.

وإذا كانت أسواق المال المتوترة لا تعتقد أن «الفيدرالي» سوف يضطر إلى خفض أسعار الفائدة إلى ما دون هذا المستوى، فمن غير المتوقع أن يكون التباطؤ المقبل سيئاً للغاية ــ على الرغم من كل الشكاوى في الأيام الأخيرة.

وعلى أقل تقدير، يشير هذا إلى أن الأسواق لا تزال مترددة بشأن الركود وتعتقد أن إزالة «الضوابط» السياسية قد تكون كافية في حد ذاتها لإبقاء الوضع مستمراً.

وهناك طريقة أخرى للنظر إلى الأمر وهي النظر إلى سعر الفائدة الحقيقي المعدل حسب التضخم الذي يفرضه بنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي يبلغ حاليا 2.5 في المائة. وهذا هو أعلى مستوى له في 17 عاماً، وقد ظل يرتفع بشكل مطرد من الصفر منذ أبريل (نيسان) 2023 مع بدء انخفاض التضخم.

إذا تحولت دورة التيسير النقدي الكاملة التي ينفذها «الاحتياطي الفيدرالي» إلى 250 نقطة أساس كما أشارت الأسواق هذا الأسبوع ــ وظل التضخم عند مستوى 3 في المائة خلال تلك الفترة ــ فإن أسعار الفائدة الحقيقية سوف تعود ببساطة إلى الصِفر عند أدنى نقطة لها.

ويجب الأخذ في عين الاعتبار أن متوسط ​​سعر الفائدة الحقيقي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية كان -1.4 في المائة، وبالتالي فإن العودة إلى الصِفر لا تشير إلى أن «الاحتياطي الفيدرالي» يتجه نحو أي شيء يشبه حالة الطوارئ.

هل كل هذا مجرد تكهنات؟ أمام «الاحتياطي الفيدرالي» ستة أسابيع مزدحمة لمعرفة كل شيء.

يشير مسؤولون في «الاحتياطي الفيدرالي» تحدثوا هذا الأسبوع إلى أنهم ليسوا قلقين للغاية بشأن الركود حتى الآن، ولكن كل شيء لا يزال مطروحاً على الطاولة في ما يتعلق بالسياسة. ويصرون أيضاً على أنهم سيواصلون إجراء التقييمات اجتماعاً تلو الآخر وأن شهراً واحداً من البيانات أو الاضطرابات في السوق لن يغير وجهات نظرهم بشكل مفرط.

وقالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرنسيسكو ماري دالي بشكل غامض إن المركزي «مستعد للقيام بما يحتاجه الاقتصاد عندما نكون واضحين بشأن ذلك».

وكان جزء مما أثار الحديث عن الركود هو تفعيل ما يسمى قاعدة «ساهم» الأسبوع الماضي، والتي تفترض أن ارتفاع معدل البطالة المتوسط ​​لمدة ثلاثة أشهر بمقدار 0.5 نقطة مئوية عن أدنى مستوى له في العام السابق ينذر عادة بالركود.

لكن حتى مؤلفة القاعدة، الخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي كلوديا ساهم، قللت من أهمية التحفيز الأخير بسبب التشوهات الناجمة عن الوباء والطقس التي لا تزال تثقل كاهل بيانات الوظائف.

ومع ذلك، مع ضعف سوق العمل بأي شكل من الأشكال، لا يزال «الاحتياطي الفيدرالي» يبدو مستعداً لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر ــ وهي الخطوة التي من شأنها أيضاً أن تكون مصحوبة بتحديث لتوقعات صناع السياسات، بما في ذلك معدل التوازن الأطول أجلاً.

قبل ذلك، سوف يعقد بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي ندوته السنوية في جاكسون هول في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس (آب) ـ حيث سيتم عرض تفكير بنك الاحتياطي الفيدرالي على المدى الطويل بمزيد من التفصيل.

وقالت استراتيجية الاستثمار في «إنفستكو»، كريستينا كوبر: «كان من الخطأ أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يخفض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، لكنني لا أعتقد أن هذا سيسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه للاقتصاد. إن هذا البيع المكثف هو رد فعل عاطفي للغاية للسوق يبالغ في تقدير احتمالات الركود».

وقد لا يتمكن سوق أسعار الفائدة من التسعير في حالة الركود على الإطلاق.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد الرئيس الأميركي جو بايدن يوقع على قانون الاستثمار في البنية التحتية بالبيت الأبيض 15 نوفمبر 2021 (رويترز)

البيت الأبيض: سياسات بايدن تجذب استثمارات اقتصادية أميركية بقيمة تريليون دولار

أعلنت الإدارة الأميركية يوم الاثنين أن الشركات تعهدت باستثمار أكثر من تريليون دولار في قطاعات صناعية أميركية، مثل أشباه الموصلات والطاقة النظيفة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى «بنك إسرائيل» في القدس (رويترز)

«بنك إسرائيل» يبقي على الفائدة دون تغيير مع استقرار التضخم

قرر «بنك إسرائيل»، يوم الاثنين، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه السابع على التوالي، حيث استقر التضخم الناجم عن الحرب.

«الشرق الأوسط» (القدس)
الاقتصاد شخص يمشي أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

نائبة محافظ «بنك إنجلترا»: خطر ارتفاع التضخم أكبر من انخفاضه

عبّرت نائبة محافظ بنك إنجلترا، كلير لومبارديللي، يوم الاثنين، عن قلقها بشأن احتمال ارتفاع التضخم إلى مستويات أعلى من التوقعات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

قال رئيس البنك المركزي الفرنسي، فرنسوا فيليروي دي غالهاو، إن «المركزي» ليس متأخراً في خفض أسعار الفائدة، لكنه بحاجة إلى مراقبة من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023 بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة العربية، في حين ارتفعت القيمة الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بنحو 791 مليار دولار.

وأوضح تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، بعنوان: «آفاق الدين والمالية العامة للمنطقة العربية»، أن تكلفة الاقتراض من السوق ظلّت أعلى من 5 في المائة، بالنسبة إلى الديون بالعملات المحلية والأجنبية في البلدان متوسطة الدخل، في حين ظلّ النمو الاقتصادي دون 3 في المائة.

وأظهر التقرير، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية متوسطة الدخل، استحوذت على أكثر من 15 في المائة من الإيرادات العامة في عام 2023، مقارنةً بنحو 7 في المائة خلال عام 2010، وبلغت رقماً قياسياً هو 40 مليار دولار في عام 2024.

ويقدّم التقرير نظرة شاملة على مختلف التدفقات المالية، بما فيها الديون والموارد المحلية والأدوات التمويلية المبتكرة الجديدة، وأشار هنا إلى أن البلدان منخفضة الدخل تجاوزت خدمة الدين لديها المليار دولار خلال عامي 2023-2024.

وعلّقت الأمينة التنفيذية لـ«الإسكوا»، رولا دشتي، على التقرير قائلة، إن الاختلافات في أسعار الفائدة على ديون السوق تشير إلى وجود مجال كبير للتوفير، مضيفة أنه «في عام 2023، كان بإمكان البلدان العربية متوسطة الدخل الاحتفاظ بأكثر من 1.8 مليار دولار من مدفوعات الفائدة على ديون السوق إذا طُبِّق متوسط سعر الفائدة لاقتصادات الأسواق الناشئة على مستوى العالم».

الإيرادات العامة

ويَرد في التقرير أن إجمالي الإيرادات العامة في المنطقة في المتوسط بلغ 32 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بنسبة 26.5 في المائة في المتوسط لاقتصادات الأسواق الناشئة، و35.5 في المائة للاقتصادات المتقدمة.

وأوضحت رولا دشتي، أنه إذا زادت البلدان العربية متوسطة الدخل حصة ضرائب الدخل الشخصي وضرائب الشركات إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المتوسط بالنسبة إلى البلدان متوسطة الدخل على مستوى العالم، يمكنها توليد 14 مليار دولار إضافية، وتوزيع الأعباء الضريبية بشكل أكثر إنصافاً.

بالإضافة إلى تحسين تحصيل الضرائب، أبرز التقرير أنه يمكن توفير أكثر من 120 مليار دولار سنوياً في الحيز المالي الإضافي في البلدان العربية من خلال: توفير 100 مليار دولار بواسطة زيادة كفاءة الإنفاق (بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي)، فضلاً عن توفير 4 مليارات دولار في مدفوعات الفائدة في ديون السوق (على أساس حدٍّ أدنى لسعر الفائدة مع معاملة الأقران بالتساوي في عام 2023)، وتوفير 2.5 مليار دولار في خدمة الديون الناتجة عن مقايضتها (بنسبة 25 في المائة من خدمة الدين الثنائي في عام 2024)، فضلاً عن توفير 122 مليون دولار في مدفوعات الفائدة عن طريق زيادة حصة الديون الميسرة من الدائنين الرسميين، وتحقيق 127 مليون دولار علاوة خضراء من أدوات التمويل المبتكرة.

برنامج عمل

يطرح التقرير برنامج عمل قابلًا للتنفيذ، يتضمّن استراتيجيات ثلاث؛ هي: تحسين حافظات الديون، وتعزيز كفاءة أُطُر الإيرادات والنفقات العامة، وزيادة استخدام آليات التمويل المبتكرة وأُطُر التمويل المستدام.

واقترح التقرير برنامج عمل مكوناً من 7 نقاط، تمثّلت في:

- تحسين حافظات الديون من خلال الإدارة الحصيفة لها.

- تعزيز القدرة المؤسسية على إدارة الديون.

- تحسين السيولة والتمويل الميسر من خلال إصلاح النظام المالي الدولي.

- تشجيع أدوات التمويل المبتكرة من أجل التنمية المستدامة.

- تحسين الكفاءة في تعبئة الموارد المحلية لتحقيق أقصى قدر من الإيرادات.

- تحسين كفاءة الإنفاق العام لزيادة فاعلية الإنفاق.

- معالجة نقاط الضعف المتعلقة بالديون في البلدان العربية المتأثرة بالصراعات والبلدان منخفضة الدخل.