الصين تسجّل نمواً فصلياً أقل من المتوقع

مع افتتاح اجتماع رفيع المستوى يركّز على الاقتصاد

سيارات معدّة للشحن في ميناء بمدينة ليانيونغانغ في شرق الصين (أ ف ب)
سيارات معدّة للشحن في ميناء بمدينة ليانيونغانغ في شرق الصين (أ ف ب)
TT

الصين تسجّل نمواً فصلياً أقل من المتوقع

سيارات معدّة للشحن في ميناء بمدينة ليانيونغانغ في شرق الصين (أ ف ب)
سيارات معدّة للشحن في ميناء بمدينة ليانيونغانغ في شرق الصين (أ ف ب)

أعلنت الصين، الاثنين، تسجيلها نمواً أقل من المتوقع في الربع الثاني من العام، بينما افتُتح اجتماع سياسي حاسم يشارك فيه كبار المسؤولين، من بينهم الرئيس شي جينبينغ؛ لمناقشة الطرق المحتملة لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.

ويواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم أزمة ديون عقارية، وضعفاً في الاستهلاك، وتشيّخاً سكانياً. كذلك تؤدي التوترات التجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذَين سعيا إلى الحد من وصول بكين إلى التكنولوجيا الحساسة، بالإضافة إلى فرض رسوم جمركية؛ لحماية أسواقهما من السلع الصينية الرخيصة والمدعومة، إلى انخفاض النمو.

وأظهرت البيانات الرسمية التي نُشرت، الاثنين، أن الاقتصاد نما 4.7 في المائة فقط في الربع الثاني من العام، وهو أبطأ نمو تسجّله البلاد منذ مطلع العام 2023، عندما كانت الصين تخرج من سياسة صفر «كوفيد - 19» التي خنقت النمو، وكان المحلّلون الذين استطلعت «بلومبرغ» آراءهم، توقّعوا نمواً نسبته 5.1 في المائة.

وارتفعت مبيعات التجزئة، وهي مقياس رئيسي للاستهلاك، 2 في المائة فقط في يونيو (حزيران) الماضي، ما يمثل انخفاضاً عن النمو الذي حققته في مايو (أيار)، الذي بلغ 3.7 في المائة.

وقال المكتب الوطني للإحصاء: «البيئة الخارجية متشابكة ومعقدة»، مضيفاً: «ما زال الطلب الفعلي المحلي غير كافٍ، وما زالت هناك حاجة إلى تقوية الأساس لانتعاش اقتصادي سليم».

وتأتي هذه الأرقام تزامناً مع افتتاح الحزب الشيوعي الحاكم في الصين اجتماعاً حاسماً، بقيادة الرئيس شي جينبينغ، يركّز على الاقتصاد، ومعروف باسم «الجلسة الكاملة الثالثة».

وأفادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) بأن الرئيس الصيني قدّم «تقرير عمل» في افتتاح الاجتماع، مشيرةً إلى أنه «شرح أيضاً مسوّدة قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بشأن مواصلة تعميق الإصلاح بصورة شاملة، والمُضي قُدماً في التحدّث الصيني»، ولم تقدّم بكين الكثير من المعلومات حول المواضيع التي قد تُطرح للمناقشة.

وقال شي إن الحزب يخطط لـ«إصلاحات كبرى». ويأمل المحلّلون في أن تنتج هذه التعهدات الدعم الذي يحتاج إليه الاقتصاد بشدة.

وقال هاري ميرفي كروز وسارة تان، الخبيران الاقتصاديان في وكالة «موديز أناليتكس»، في مذكرة، إن «الاجتماع الذي يستمر 4 أيام لأعلى هيئة حاكمة في البلاد تأخّر»؛ إذ كان من المقرّر أن يُعقد في الخريف.

وأضافا أنهما يعتقدان أن القيادة الشيوعية لن تقرّر «على الأرجح» إجراء إصلاحات جذرية، وستعتمد بدلاً من ذلك «تعديلات» لتطوير قطاع التكنولوجيا الفائقة، أو ستعلن «بعض إجراءات الدعم لقطاع العقارات».

والأسبوع الماضي، بدت صحيفة «الشعب» الرسمية للحزب الشيوعي، كأنها تؤكّد التوقعات الضعيفة، بتحذيرها من أن «الإصلاح لا يعني تغيير الاتجاه، والتحول لا يعني تغيير اللون».

من جهته، أوضح تينغ لو، كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة «نومورا»، أن الاجتماع «يهدف إلى مناقشة أفكار مهمة وطويلة الأجل، وإصلاحات هيكلية، بدلاً من إجراء تعديلات سياسية قصيرة الأجل».

وكان هذا اللقاء العام في السابق يمثّل مناسبة للقيادة العليا للحزب، لكشف التحولات الكبرى في السياسة الاقتصادية. وفي عام 1978 استخدم الرئيس الصيني وقتها، دينغ شياو بينغ، الاجتماع لإعلان إصلاحات السوق، التي أدّت إلى وضع الصين على مسار النمو الاقتصادي الهائل.

وعقب الاجتماع الذي عُقد خلف أبواب مغلقة عام 2013، تعهّدت القيادة إعطاء السوق الحرة دوراً «حاسماً» في تخصيص الموارد، بالإضافة إلى تغييرات شاملة في السياسة الاقتصادية والاجتماعية.

من جهة أخرى، ساهمت حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تخيّم على البلاد، في تغذية حلقة مفرغة أدّت إلى إبقاء الاستهلاك منخفضاً.

ومن بين القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه الاقتصاد الصيني قطاع العقارات، الذي بقي لمدة طويلة محركاً رئيسياً للنمو، لكنه الآن غارق في الديون، مع مواجهة الكثير من الشركات الكبرى التصفيةَ.

وحاولت السلطات في الأشهر الأخيرة تخفيف الضغط على المطوّرين واستعادة الثقة، خصوصاً من خلال تشجيع الحكومات المحلية على شراء منازل غير مباعة.

ويقول محلّلون إن ثمة حاجة إلى القيام بالمزيد لتحقيق انتعاش كامل، مع عدم تمكّن الاقتصاد من الانتعاش بعد أكثر من 18 شهراً على رفع القيود المرتبطة بمكافحة «كوفيد - 19».


مقالات ذات صلة

تفاؤل اقتصادي وانخفاض الفائدة يُنعشان طلبات القروض في منطقة اليورو

الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر مفوضية الاتحاد في بروكسل (رويترز)

تفاؤل اقتصادي وانخفاض الفائدة يُنعشان طلبات القروض في منطقة اليورو

أظهر مسح أجراه المصرف المركزي الأوروبي، الثلاثاء، أن الأسر في منطقة اليورو تتقدّم بطلبات للحصول على قروض بأعداد متزايدة للمرة الأولى منذ عامين.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد أبراج سكنية ضمن مشروع غير مكتمل تابع لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي الصينية (رويترز)

القطاع العقاري والبطالة عقبتان بوجه الاقتصاد في الصين

بعد عام ونصف العام على رفع القيود الصحية التي كبّلت الاقتصاد الصيني، تبقى السوق العقارية عقبة بوجه الانتعاش.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد سيدة تعبر الطريق في العاصمة اليابانية طوكيو تحت أمطار غزيرة (أ.ف.ب)

ترجيحات بإنفاق اليابان 36 مليار دولار لحماية الين الأسبوع الماضي

أشارت بيانات بنك اليابان المركزي يوم الثلاثاء إلى أن اليابان ربما أنفقت 2.14 تريليون ين إضافية يوم الجمعة في سوق الصرف الأجنبية لدعم الين.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد وزير الصناعة والثروة المعدنية متحدثاً خلال ورشة عمل استراتيجية نظّمها «شريك» (الشرق الأوسط)

100 حافز وممكّن تقدمها «الصناعة والتعدين» إلى المستثمرين بالسعودية

أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، أن المنظومة تقدّم ما يصل لـ100 حافز وممكّن إلى المستثمرين في القطاعين الصناعي والتعديني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار اجتماع وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية لمجموعة السبع في محطة نيغاتا (رويترز)

الديون تُقيّد الأسواق... مخاوف الاقتراض تطارد أكبر اقتصادات العالم

تثير أكوام الديون الضخمة بين أكبر اقتصادات العالم قلق الأسواق المالية مرة أخرى، حيث تلقي الانتخابات بظلالها على التوقعات المالية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

القطاع العقاري والبطالة عقبتان بوجه الاقتصاد في الصين

أبراج سكنية ضمن مشروع غير مكتمل تابع لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي الصينية (رويترز)
أبراج سكنية ضمن مشروع غير مكتمل تابع لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي الصينية (رويترز)
TT

القطاع العقاري والبطالة عقبتان بوجه الاقتصاد في الصين

أبراج سكنية ضمن مشروع غير مكتمل تابع لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي الصينية (رويترز)
أبراج سكنية ضمن مشروع غير مكتمل تابع لشركة «إيفرغراند» المتعثرة في مقاطعة هيبي الصينية (رويترز)

تتعاقب صفوف من الأبراج السكنية نصف الخالية وسط شوارع مقفرة في تيانجين بشمال الصين، في مؤشر جلي على الأزمة العقارية، وسط تباطؤ النشاط في ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.

فبعد عام ونصف العام على رفع القيود الصحية التي كبّلت الاقتصاد، تبقى السوق العقارية عقبة بوجه الانتعاش. ولطالما مثل هذا القطاع حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي في الصين، وشكّل محركا لمجالات اقتصادية أخرى كثيرة.

غير أنه يعاني الآن أزمة حادة في ظل التباطؤ الاقتصادي، ما أدى إلى انتشار مشاريع البناء غير المنجزة وأثار ريبة حيال الكثير من شركات التطوير العقاري التي باتت على شفير الإفلاس.

وعلى غرار الكثير من الصينيين، اشترت وانغ دونغمي وابنتها في 2016 شقة تقع على مقربة من ضفاف نهر يقصدها متنزّهون، كان سعرها في تلك الفترة 870 ألف يوان (111 ألف دولار).

وأوضحت المتقاعدة التي التقتها «وكالة الصحافة الفرنسية» في تيانجين أن منزلها خسر منذ ذلك الحين ما يزيد على 30 في المائة من قيمته... وتقول مبدية خيبة أملها: «نريد أن نبيع» الشقة، لكن أسعار السوق «في أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات».

ولطالما اعتبر الصينيون شراء عقار بمثابة استثمار آمن. غير أن أزمة العقارات بدّدت هذه القناعة، وسدد تدني أسعار الأملاك ضربة قاسية للأسر.

وضاعفت الصين منذ العام الماضي التدابير سعيا لإنعاش قطاعها العقاري. وفي مايو (أيار) الماضي، خفضت الحدّ الأدنى لمعدل الدفعة الأولى المطلوبة من مشتري المنازل لأول مرة واقترحت إعادة شراء المنازل غير المأهولة من السلطات المحلية، غير أن نتائج الخطوتين كانت متباينة.

ورأى تشاو شين الوكيل العقاري في مشروع سكني قيد التطوير أن هناك مؤشرات انتعاش طفيف في السوق. لكنه حذر «من غير الواقعي القول إننا سنعود إلى مستوى المبيعات المرتفع ذاته المسجل سابقا» قبل الأزمة، إزاء عزم السلطات على مكافحة فورة تسببت بارتفاع حاد في مديونية كثير من الشركات الخاصة للتطوير العقاري.

وتكافح بعض هذه الشركات حاليا من أجل البقاء، ومنها شركة «إيفرغراند» الضخمة التي تتصدر صعوباتها الحالية بانتظام الصحف. ومن المتوقع أن تسجل أسعار المساكن الجديدة هذه السنة المزيد من التراجع بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة، وفق وكالة فيتش للتصنيف الائتماني.

وستحتل المسائل الاقتصادية حيزا كبيرا من مناقشات الحزب الشيوعي في مع انعقاد لجنته المركزية راهنا، في اجتماع هام يعطي بصورة عامة مؤشرات حول التوجه الاقتصادي للبلد ومن المتوقع أن تُتّخذ خلاله تدابير بشأن السوق العقارية. وكذلك، سيكون عمل الشباب في صلب المحادثات، بحسب هاري مورفي كروز الخبير الاقتصادي في مكتب «موديز أناليتيكس».

ودعا الرئيس شي جينبينغ في مايو إلى اعتبار بطالة الشباب «الأولوية المطلقة». وبلغت نسبة بطالة الشباب العام الماضي مستويات قصوى، قبل أن تعلق السلطات نشر الأرقام، مبررة قرارها رسميا بضرورة مراجعة نهج جمع البيانات.

وظهرت مؤشرات تراجع النشاط مؤخرا خلال معرض للوظائف في شانغهاي. وقالت وو جياوين (25 عاما) المتخرجة منذ ديسمبر (كانون الأول) إن «سوق العمل قاتمة هذه السنة»، مبدية «قلقا كبيرا» لعدم عثورها على وظيفة بعد.

ومن المتوقع أن يتخرج 11.8 مليون طالب جامعي هذا الشهر، سيزيدون من حدة المنافسة في سوق العمل. ومشكلة الوظائف في الصين أعمق من ذلك، وتتخطى فئة الشباب وحدها. فبعدما كان القطاع الخاص الصيني يسجل مستويات نمو عالية جدا في غياب تنظيمات صارمة، يشهد حاليا تباطؤا كبيرا ولا سيما نتيجة فرض تنظيمات لضبط مجالات مثل شركات التكنولوجيا العملاقة.

والنتيجة أن شركات إنترنت كبرى كانت من كبار أصحاب العمل مثل «علي بابا» و«تنسنت» و«بايت دانس»، باتت في تراجع على وقع انحسار المردودية.

ولم ينجُ القطاع المالي من هذا المنحى، رغم أن الأجور فيه أدنى مما كانت عليه قبل عشر سنوات، بحسب مصرفي عرف عن نفسه باسم وانغ رافضا كشف اسمه كاملا.

من جهة أخرى، تواجه الصادرات صعوبات بسبب التوترات الجيوسياسية بين بكين وواشنطن وعزم بعض الدول تنويع سلاسل إنتاجها.

ويعتبر هذا القطاع تاريخيا ركيزة هامة للنمو في الصين وينعكس أداؤه مباشرة على الوظائف في آلاف الشركات. وقال رئيس شركة لصناعة البلاستيك مبديا تشاؤمه: «سنشهد على الأرجح انكماشا» قبل تسجيل انتعاش مجددا.

وتهدف الحكومة الصينية لتحقيق نمو بحوالي 5 في المائة. وقد تكون هذه النسبة منشودة في كثير من الدول، إلا أنها تبقى في الصين أدنى بكثير من النمو الاقتصادي الكبير الذي جعل منها في العقود الأخيرة قوة اقتصادية كبرى في العالم.