التضخم الأميركي يتباطأ في مايو... هل يقترب «الفيدرالي» من التيسير النقدي؟

رئيس «احتياطي» ريتشموند: الطلب الاستهلاكي لا يزال قوياً رغم ارتفاع الأسعار

ورقة نقدية بقيمة 5 دولارات خلفها العلم الأميركي (رويترز)
ورقة نقدية بقيمة 5 دولارات خلفها العلم الأميركي (رويترز)
TT

التضخم الأميركي يتباطأ في مايو... هل يقترب «الفيدرالي» من التيسير النقدي؟

ورقة نقدية بقيمة 5 دولارات خلفها العلم الأميركي (رويترز)
ورقة نقدية بقيمة 5 دولارات خلفها العلم الأميركي (رويترز)

لم تشهد الأسعار الأميركية أي تغير في مايو (أيار)، بينما ارتفع إنفاق المستهلكين بشكل معتدل، وهو اتجاه قد يقرب مجلس الاحتياطي الفيدرالي من البدء في خفض أسعار الفائدة هذا العام.

وقال مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة، الجمعة، إن القراءة الثابتة لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، الشهر الماضي، جاءت بعد زيادة غير منقحة بنسبة 0.3 في المائة في أبريل (نيسان). وفي الاثني عشر شهراً حتى مايو، ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 2.6 في المائة، بعد ارتفاعه بنسبة 2.7 في المائة في أبريل.

وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا استقرار مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي دون تغيير خلال الشهر وارتفاعه 2.6 في المائة على أساس سنوي.

وتراجع التضخم بعد ارتفاعه في الربع الأول. ومع ذلك، لا يزال أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة.

وباستثناء مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة، ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 0.1 في المائة، الشهر الماضي. وجاء ذلك بعد ارتفاع معدل بالزيادة بنسبة 0.3 في المائة في أبريل. وتم الإبلاغ سابقاً عن أن ما يسمى مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي ارتفع بنسبة 0.2 في المائة في أبريل.

وارتفع التضخم الأساسي 2.6 في المائة على أساس سنوي في مايو، وهو أقل تقدم منذ مارس (آذار) 2021، بعد ارتفاعه 2.8 في المائة في أبريل. ويتتبع الاحتياطي الفيدرالي مقاييس أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي للسياسة النقدية. وتعد قراءات التضخم الشهرية البالغة 0.2 في المائة مع مرور الوقت ضرورية لإعادة التضخم إلى الهدف.

وأبقى الفيدرالي على سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة في النطاق الحالي 5.25 في المائة - 5.50 في المائة منذ يوليو (تموز) الماضي. ورغم أن صناع السياسات تبنوا مؤخراً توقعات أكثر تشدداً، فإن الأسواق المالية تتوقع أن يبدأ الفيدرالي دورة التيسير النقدي في سبتمبر (أيلول).

وأظهر التقرير أيضاً أن الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي الأميركي، زاد بنسبة 0.2 في المائة، الشهر الماضي، بعد ارتفاعه بنسبة 0.1 في المائة في أبريل. ويعد الإجهاد التضخمي، وارتفاع تكاليف الاقتراض، والاعتدال في مكاسب الأجور، فضلاً عن تضاؤل ​​المدخرات، عوامل تعيق الإنفاق.

وتباطأ الإنفاق الاستهلاكي بشكل حاد في الربع الأول، مما ساعد على تقييد الاقتصاد بمعدل نمو سنوي قدره 1.4 في المائة. ونما الاقتصاد بوتيرة 3.4 في المائة في الربع الرابع. أما تقديرات النمو للربع الثاني، فهي في الغالب أقل من 2 في المائة.

من جانبه، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، توماس باركين، إن الطلب الاستهلاكي الأميركي لا يزال قوياً على الرغم من بدء الأسر بمراعاة الأسعار بشكل أكبر.

وأوضح باركين للصحافيين على هامش مؤتمر في المصرف المركزي الفرنسي، أن «المؤشرات اللحظية مثل إنفاق بطاقات الائتمان لا تزال تبدو قوية، ولكنها ليست جنونية»، وفق «رويترز».

وأضاف أن قطاع الإسكان غير الاستهلاكي وغيره من القطاعات الحساسة للفائدة من بين القطاعات القليلة التي تشهد ضعفاً.

وفي حين أن الاتصالات التجارية التي أجراها باركين أشارت أيضاً إلى نمو قوي في الطلب، فإن المستهلكين أصبحوا أكثر استجابة للعروض الترويجية ويبحثون عن منتجات خاصة بالعلامات التجارية الأقل تكلفة، ويتسوقون لدى تجار التجزئة الأقل تكلفة.

وقال باركين: «عند التحدث إلى مصنعي المنتجات الاستهلاكية، وتجار التجزئة، تسمع عن عملاء لا يزالون ينفقون الأموال ولكنهم يتخذون خيارات في سياق ارتفاع الأسعار».


مقالات ذات صلة

سريلانكا تصادق على اتفاق إعادة هيكلة ديونها

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات للسفر خارج البلاد التي كانت تعاني من إفلاس في فبراير 2023 (إ.ب.أ)

سريلانكا تصادق على اتفاق إعادة هيكلة ديونها

أعلنت حكومة سريلانكا الجديدة أنها صادقت على اتفاق وقَّعه الرئيس السابق مع الجهات الخاصة الدائنة، لإعادة هيكلة ديون بقيمة 12.5 مليار دولار من السندات السيادية.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

رغم تباطئه في سبتمبر (أيلول)، ما زال التضخم في تركيا مرتفعاً بشكل كبير، في ظل إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات صعبة قادرة على لجم ارتفاع الأسعار، بحسب محللين.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد منظر عام لبنك إنجلترا في لندن (رويترز)

كبير اقتصاديي بنك إنجلترا يدعو إلى الحذر عند خفض الفائدة

أكد كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هيو بيل، ضرورة أن يتخذ المصرف المركزي البريطاني خطوات تدريجية عند خفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)

التضخم في عالم ما بعد الجائحة... هل تستعد المصارف المركزية لمزيد من القوة؟

قد يكون التذبذب السريع في معدلات التضخم دون تأثيرات مماثلة على الناتج الاقتصادي سمة بارزة لعالم ما بعد جائحة كوفيد-19.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)

ارتفاع عائدات السندات الأوروبية من أدنى مستوياتها في عدة أشهر

ارتفعت عائدات السندات الحكومية في منطقة اليورو قليلاً عن أدنى مستوياتها في عدة أشهر يوم الخميس، مع تقييم الأسواق لتوقعات تخفيض أسعار الفائدة من المصرف المركزي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
TT

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)

رغم تباطئه في سبتمبر، ما زال التضخم في تركيا مرتفعاً بشكل كبير، في ظل إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات صعبة قادرة على لجم ارتفاع الأسعار، بحسب محللين.

وعانت تركيا على مدى العامين الماضيين تضخماً متسارعاً، بلغ ذروته عند معدل سنوي 85.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، و75.45 في المائة في مايو (أيار) الماضي.

وأفادت بيانات رسمية، يوم الخميس، بانخفاض معدل التضخم إلى 49.38 في المائة في سبتمبر. إلا أن إحصاءات مجموعة «إي إن إيه جي» المؤلفة من اقتصاديين مستقلين، أشارت إلى أن معدل التضخم السنوي في الشهر ذاته يبلغ 88.6 في المائة.

وسبق لوزير المال التركي محمد شيمشك أن أكد في تصريحات سابقة أن حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان تأمل في خفض التضخم إلى 17.6 في المائة نهاية عام 2025، وما دون 10 في المائة عام 2026.

وأشاد إردوغان حديثاً بالمسار التراجعي للتضخم، مشدداً على أن «الأوقات الصعبة باتت خلفنا». إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن ارتفاع أسعار الاستهلاك في تركيا بات «مزمناً»، وتزيده سوءاً بعض السياسات الحكومية. وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة مرمرة محمد شيمشان إن «الانخفاض الراهن يعود حصراً إلى تأثير القاعدة (التي يحتسب على أساسها التضخم). ارتفاع الأسعار شهرياً ما زال كبيراً، ويبلغ 2.97 في المائة في تركيا و3.9 في المائة في إسطنبول». وأضاف: «لا يمكن اعتبار ذلك قصة نجاح».

قيمة الليرة

وعلى عكس السياسة التقليدية برفع معدلات الفوائد لمكافحة التضخم، لطالما دافع إردوغان عن سياسة خفض الفوائد، مما تسبب بانخفاض متزايد في قيمة الليرة التركية، وساهم بدوره في ارتفاع التضخم.

لكن بعد إعادة انتخابه رئيساً في مايو 2023، أطلق إردوغان يد المصرف المركزي لرفع معدلات الفائدة الأساسية من 8.5 إلى 50 في المائة، بين يونيو (حزيران) 2023 ومارس (آذار) 2024. وأبقى المصرف معدلاته دون تغيير في سبتمبر للشهر السادس توالياً.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس إرينتش يلدان، إن «مكافحة التضخم تتمحور حول أولويات القطاع المالي. نتيجة لذلك، تجري الأمور بطريقة غير مباشرة وتولّد حالة من عدم اليقين».

وشدد أستاذ الاقتصاد في جامعة كارادينيز التقنية، يعقوب كوتشوكال، على أن رفع معدلات الفوائد لا يكفي لكبح التضخم ما لم يقترن بمعالجة العجز الضخم في الميزانية، مشيراً إلى أنه يبلغ مستوى قياسياً عند 129.6 مليار ليرة (3.79 مليار دولار).

وأوضح أن وزير المال شيمشك «يقول إن هذا يعود إلى الإنفاق المرتبط بإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء زلزال فبراير (شباط) 2023»، في إشارة إلى الكارثة التي راح ضحيتها أكثر من 53 ألف شخص. وتابع: «لكن الثقب الأسود الفعلي يعود إلى عقود الشراكة المكلفة بين القطاعين العام والخاص»، في إشارة إلى عقود لتطوير البنى التحتية يقول منتقدوها إنها غالباً ما تؤول إلى شركات على صلة وثيقة بحكومة إردوغان.

وتشمل هذه العقود كلفة بناء وإدارة مختلف البنى التحتية من الطرق السريعة والجسور إلى المستشفيات والمطارات، وغالباً ما تكون مصحوبة بضمانات سخية مثل تعويضات حكومية إذا كان معدل استخدامها دون المتوقع. وشدد كوتشوكال على أنه «يجب أن نشكك بهذه العقود التي تشكّل عبئاً على الميزانية؛ لأن هذه التعويضات مرتبطة بالدولار أو باليورو».

وغالباً ما تنعكس إجراءات مكافحة التضخم سلباً على الأسر ذات الدخل المنخفض، علماً بأن الحد الأدنى للأجور لم يتم رفعه منذ يناير (كانون الثاني)، وفق كوتشوكال الذي أكد أن «القوة الشرائية لهؤلاء متدنية أساساً».

وتابع: «بغرض خفض الطلب، على هذه الإجراءات أن تستهدف المجموعات ذات الدخل الأعلى، لكن بالكاد يوجد ما يؤثر عليها».

إجراءات التقشف

من جهته، رأى يلدان أن «إجراءات التقشف» التي شملت على سبيل المثال إلغاء خدمات التنظيف في المدارس الرسمية، تضر بالفئات الأكثر حرماناً، وتعزز عدم المساواة، مشيراً إلى أنه من المحبذ فرض «ضريبة على الثروة، والتعاملات المالية وإيرادات العقار». لكنه لفت إلى صعوبة تحقيق ذلك نظراً إلى أن الحزب الحاكم يعوّل على دعم «شركات موالية للحكومة» فازت بعقود البنى التحتية.

ووفق دراسة أعدتها جامعة كوش، تتوقع الأسر أن يبلغ التضخم السنوي نسبة 94 في المائة بحلول نهاية العام الحالي، أي أعلى بكثير من توقعات المصرف المركزي.

ورأى شيمشان أن «ارتفاع الأسعار الذي تعانيه الطبقات المتوسطة والدنيا محزن للغاية؛ لأنه يشمل منتجات أساسية وخدمات مثل الغذاء والسكن والتعليم، حيث يبقى التضخم بالغ الارتفاع».

وأشار مراقبون إلى أن عدم اليقين بشأن المستقبل يساهم أيضاً في ارتفاع الأسعار؛ لأن التجار يحاولون أن يأخذوا في الاعتبار التكاليف المستقبلية. وقال يلدان: «التضخم بات هيكلياً ومستمراً في تركيا. في غياب إصلاحات هيكلية، سنكون عالقين في حلقة مفرغة كما كنا عليه في التسعينات».