نصف ديون فرنسا بيد الأجانب: هل استقرارها المالي مهدد؟

سوق السندات تتأرجح... ومخاوف من تكرار أزمة 2017

لقطة جوية تظهر برج «إيفل» وأسطح المباني السكنية والأفق الباريسي (رويترز)
لقطة جوية تظهر برج «إيفل» وأسطح المباني السكنية والأفق الباريسي (رويترز)
TT

نصف ديون فرنسا بيد الأجانب: هل استقرارها المالي مهدد؟

لقطة جوية تظهر برج «إيفل» وأسطح المباني السكنية والأفق الباريسي (رويترز)
لقطة جوية تظهر برج «إيفل» وأسطح المباني السكنية والأفق الباريسي (رويترز)

هزّ الإعلان المفاجئ من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون عن الانتخابات المبكرة سوق السندات الفرنسية، وهي الكبرى في منطقة اليورو، حيث يؤدي الأداء القوي لأحزاب اليمين واليسار المتطرف في استطلاعات الرأي إلى تفاقم المخاوف بشأن الاستدامة المالية للدولة.

وفي وقت سابق من شهر يونيو (حزيران) الحالي، اقتربت علاوة المخاطر التي تدفعها فرنسا على ديونها (فوق ديون ألمانيا) من المستويات التي شهدتها في عام 2012، خلال أزمة ديون منطقة اليورو، وفق «رويترز».

والسؤال الآن هو: ما مدى الاضطرابات التي قد تسببها الانتخابات المكونة من جولتين في 30 يونيو الحالي و7 يوليو (تموز) المقبل في أسواق السندات؟

وفيما يلي نظرة على من يمتلك ديون الحكومة الفرنسية؛ الأمر الذي يعدّ مفتاحاً لفهم كيفية رد فعل الأسواق تجاه أي اضطراب سياسي إضافي:

* عطف الغرباء

يمتلك المستثمرون الأجانب نحو 50 في المائة من إجمالي ديون الحكومة الفرنسية، وهو مستوى أعلى بكثير من نحو 28 في المائة بإيطاليا، و30 في المائة بالولايات المتحدة، و40 في المائة بإسبانيا، و45 في المائة بألمانيا، وفقاً لبيانات من «باركليز» ووزارة الخزانة الأميركية.

و«يُعرف المستثمرون الأجانب بأنهم متقلبون للغاية؛ ففي كل مرة تحدث فيها مشكلات، ينسحبون من السوق بسرعة كبيرة جداً»، كما قال استراتيجي الأسعار في «بنك أوف أميركا»، إيرجون ساتكو.

وأضاف ساتكو أن ارتفاع حصة الملكية الأجنبية قد يعني أن تسوية تكاليف الاقتراض الفرنسي ستستغرق وقتاً أطول.

وارتفعت تكاليف الاقتراض الفرنسي بشكل مؤقت بعد دعوة ماكرون إلى الانتخابات. وفي حين أن الأسواق قد استقرت، فإن «العوائد الإضافية على ألمانيا» لا تزال أوسع بأكثر من 20 نقطة أساس مما كانت عليه قبل إعلان الانتخابات بسبب خطط الإنفاق من كل من اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان، وتحالف اليسار الجديد، اللذين أثارا قلق المستثمرين.

ويشير بنك «باركليز» إلى أن المستثمرين الأجانب غير المصرفيين؛ سواء أكانوا مديري الأصول أم صناديق التقاعد أم صناديق التحوط، كانوا أكبر مشتري السندات الفرنسية منذ منتصف عام 2022، عندما بدأ «المصرف المركزي الأوروبي» رفع أسعار الفائدة.

وشكلت صناديق التحوط (المستثمرون المضاربون الذين يراهنون على تقلبات الأسعار) ما يزيد قليلاً على 50 في المائة من أحجام تداول السندات الحكومية الفرنسية على منصة «ترايد ويب» الإلكترونية العام الماضي، حيث أصبحت اللاعب المهيمن عبر السندات الحكومية في منطقة اليورو لأول مرة.

* تكرار لعام 2017؟

وينصبّ التركيز بشكل كبير على المستثمرين اليابانيين، وهم المشترون الكبار للسندات الأجنبية، مع وجود معظم ممتلكاتهم الأوروبية في فرنسا.

وكانت تعهدات لوبان، التي أُجّلت الآن، بسحب فرنسا من الاتحاد الأوروبي واليورو، قد هزت الأسواق قبل 7 سنوات. وقال «باركليز» إنه قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017، التي خسرتها لوبان أمام ماكرون، باع المستثمرون اليابانيون نحو 26 مليار يورو (27.89 مليار دولار) من السندات الحكومية الفرنسية، وهو رقم قياسي.

وقال استراتيجي أسعار الفائدة في بنك «باركليز»، ماكس كيتسون: «هناك خطر محتمل يتمثل في تكرار بعض الديناميكيات التي رأيناها في عام 2017».

وفي الأسبوع الماضي، قال بنك «نورينشوكين» الياباني إنه يعتزم بيع نحو 10 تريليونات ين (62.6 مليار دولار) من السندات الحكومية الأميركية والأوروبية لوقف الخسائر الناجمة عن الرهانات التي انحرفت في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الخارجية لفترة أطول.

ويعتقد محللو مصرف «سيتي» أن تكاليف التحوط المرتفعة للعملة تاريخياً تزيد من خطر حدوث جولة أخرى من عمليات البيع اليابانية بعد حيازات مستقرة لمدة 15 شهراً.

* لا توجد «حلقة الموت»

تمتلك المصارف الفرنسية 7.7 في المائة فقط من ديون البلاد، وفقاً لبيانات من «وكالة إدارة الديون» في البلاد، التي تأخذ في الحسبان التقلبات في أسعار السندات.

وهذا أقل من نسبة 9.8 في المائة المسجلة في عام 2014، وبعد ذلك قام «المركزي الأوروبي» برفع ديون حكومات منطقة اليورو.

والأهم من ذلك، أن حيازات ديونها الحكومية المحلية منخفضة أيضاً مقارنة بأصولها؛ نحو 4 في المائة بنهاية عام 2023، مقارنة بنحو 16 في المائة بإيطاليا، وأقل بقليل من 10 في المائة بإسبانيا، وفقاً لـ«دويتشه بنك».

وقال رئيس «الاستراتيجية الكلية» في «سويس ري»، باتريك سانير: «هذه في الواقع ميزة؛ لأنه يمكنك تشجيع المصارف المحلية على شراء مزيد من سوق السندات الحكومية الفرنسية إذا لزم الأمر».

وأضاف سانير أن ذلك يقلل أيضاً من مخاطر امتداد أزمة الديون الحكومية إلى المصارف الفرنسية. وكانت «حلقة الموت» التي تربط بين المصارف والسندات السيادية في قلب أزمة الديون في منطقة اليورو.

وهذه أخبار جيدة للمقرضين الفرنسيين، الذين شهد أكبر 3 منهم انخفاض أسهمهم بنسبة بين 9 و14 في المائة منذ دعا ماكرون إلى الانتخابات.

ولإعادة استثماراتها إلى مستويات ما قبل 2015، يمكن لمصارف منطقة اليورو بشكل عام شراء 616 مليار يورو (658.72 مليار دولار) إضافية من الديون الفرنسية عبر فئات الأصول، وفق تقديرات «بنك أوف أميركا» في أواخر العام الماضي.

وبالمثل، تمتلك شركات التأمين الفرنسية الآن 9.5 في المائة من ديون البلاد، بانخفاض من 19.7 في المائة عام 2014، وفقاً لبيانات «وكالة إدارة الديون الفرنسية».

وقال ساتكو إن هناك مجالاً للمستثمرين المحليين لزيادة حيازاتهم من الديون الفرنسية. وأضاف: «بالنسبة إليهم، سيكون الأمر في الغالب متعلقاً بالحصول على التوقيت المناسب».


مقالات ذات صلة

تعيين بيسنت وزيراً للخزانة الأميركية يحرك الأسواق العالمية

الاقتصاد سكوت بيسنت يتحدث خلال فعالية انتخابية في آشيفيل بولاية نورث كارولينا (رويترز)

تعيين بيسنت وزيراً للخزانة الأميركية يحرك الأسواق العالمية

رحبت سوق السندات بتعيين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة الأميركية يوم الاثنين، وسط توقعات بأن يقوم بفرض قيود على الدين الأميركي، مما دفع العوائد إلى التراجع.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد وزيرة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية زينة طوقان مع نائب الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (وزارة التخطيط الأردنية)

قرض ياباني بـ100 مليون دولار لدعم موازنة الأردن

وقَّع الأردن على قرض بقيمة 100 مليون دولار، بشروط تمويلية ميسرة مع الحكومة اليابانية، من خلال وكالة «جايكا» لدعم الموازنة العامة.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الاقتصاد عامل في مصنع «رافو» الذي يزوِّد وزارة الدفاع الفرنسية وشركات الطيران المدني الكبرى بالمعدات (رويترز)

فرنسا تقترح يوم عمل مجانياً سنوياً لتمويل الموازنة المثقلة بالديون

تواجه موازنة فرنسا الوطنية أزمة خانقة دفعت المشرعين إلى اقتراح قانون يُلزم الفرنسيين العمل 7 ساعات إضافية كل عام دون أجر، وهي ما تعادل يوم عمل كاملاً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد  مئذنة مسجد قيد الإنشاء في القاهرة (رويترز)

بعثة صندوق النقد الدولي تختتم زيارتها إلى مصر لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج القرض

اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها إلى مصر وأحرزت تقدماً كبيراً في المناقشات المتعلقة بالسياسات نحو استكمال المراجعة الرابعة لبرنامج القرض، وفق الصندوق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رئيس سريلانكا أنورا كومارا ديساناياكي مغادراً بعد حفل افتتاح البرلمان العاشر للبلاد في البرلمان الوطني بكولومبو (أ.ف.ب)

سريلانكا تتوقّع اتفاقاً على مستوى موظفي صندوق النقد الدولي الجمعة

قال الرئيس السريلانكي أنورا كومارا ديساناياكي، أمام البرلمان الجديد، إن بلاده تتوقّع أن يعلن صندوق النقد الدولي يوم الجمعة، اتفاقاً بشأن برنامج إنقاذ البلاد.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

كازاخستان تخفض إنتاجها النفطي وتؤكد أهمية التزامات «أوبك بلس» لاستقرار السوق

وزير الطاقة الكازاخستاني ألماسادام ساتكالييف يحضر اجتماعاً حكومياً في أستانا (رويترز)
وزير الطاقة الكازاخستاني ألماسادام ساتكالييف يحضر اجتماعاً حكومياً في أستانا (رويترز)
TT

كازاخستان تخفض إنتاجها النفطي وتؤكد أهمية التزامات «أوبك بلس» لاستقرار السوق

وزير الطاقة الكازاخستاني ألماسادام ساتكالييف يحضر اجتماعاً حكومياً في أستانا (رويترز)
وزير الطاقة الكازاخستاني ألماسادام ساتكالييف يحضر اجتماعاً حكومياً في أستانا (رويترز)

تخطط كازاخستان لإنتاج 88.4 مليون طن من النفط في عام 2024 بدلاً من 90.3 مليون طن المعلن عنها سابقاً، حسبما قال وزير الطاقة الكازاخستاني ألماسادام ساتكالييف.

وقال ساتكالييف في مجلس النواب في البرلمان يوم الاثنين إن إنتاج النفط في البلاد بلغ 73.5 مليون طن في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، بحسب وكالة «إنترفاكس».

وأوضح أن الإنتاج سيكون أقل مما هو مخطط له بسبب الإصلاحات في حقلي تنجيز وكاشاغان، بالإضافة إلى التزامات كازاخستان بموجب اتفاقية «أوبك بلس».

وأشار إلى أن التزام كازاخستان بإنتاج «أوبك بلس» لعام 2024 محدد بـ1.468 مليون برميل يومياً. وقال: «الوفاء ببنود الاتفاقية ضروري للحفاظ على الاستقرار في سوق النفط العالمية».

وأوضح أن عمليات الإغلاق غير المجدولة في حقل كراتشاجاناك والقيود المفروضة على استهلاك الغاز في محطة معالجة الغاز في أورينبورغ ساهمت أيضاً في انخفاض الإنتاج.

ولفت إلى أن كازاخستان تدرس شحن جزء كبير من صادراتها النفطية عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان على المدى المتوسط.

ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تجعل أستانا أقل اعتماداً على روسيا التي تنقل حالياً الحصة الكبرى من الصادرات الكازاخستانية، وفق «رويترز».

وقال ساتكالييف إن الدولة الواقعة في آسيا الوسطى يمكن أن تزيد شحنات النفط الخام من 1.5 مليون طن متري سنوياً إلى ما يصل إلى 20 مليون طن متري سنوياً مع زيادة إنتاجها من النفط الخام، لكنه لم يقدم إطاراً زمنياً محدداً.

وقال: «هناك اهتمام بتطوير وزيادة حجم شحنات النفط الكازاخستاني تدريجياً في هذا الاتجاه من جانبنا ومن جانب الشركاء الأذربيجانيين». وقال إن كازاخستان ستصدّر 68.8 مليون طن من النفط هذا العام، بما في ذلك 55.4 مليون طن عبر اتحاد أنابيب بحر قزوين، و8.6 مليون طن عبر خط أنابيب أتيراو-سامارا، و3.6 مليون طن عبر بحر قزوين و1.1 مليون طن عبر خط أنابيب إلى الصين. واعتباراً من عام 2026، تتوقع كازاخستان إنتاج أكثر من 100 مليون طن من النفط سنوياً.